الدور المصري، والتهديد بغزو ليبيا، كيف تقرأه أولا؟
وهل فعلا ليبيا تشكل تهديدا للأمن القومي المصري؟
نوري بوسهمين : أسعى لجمع كلمة الليبيين ووحدتهم
التدخل الخارجي والمناورات الإقليمية يفرضان الفوضى الداخلية في ليبيا. وبما أنها دولة مجاورة لليبيا، فلا عجب أن تكون مصر أحد اللاعبين الرئيسيين في الصراع الدائر ... وبالتالي فإن سياسة مصر تجاه ليبيا مدفوعة بمصالح متعددة تبدأ من الاهتمامات الأمنية الضرورية إلى الاعتبارات الاقتصادية إلى الأهداف الأيديولوجية ومكافحة الإسلام السياسي. منذ ظهور حفتر في المشهد الليبي، حافظت مصر على دور مزدوج إن لم يكن متخبطا في ليبيا.
على الصعيد الرسمي، كانت مصر تدعو إلى حل النزاع بالطرق السلميّة وجلب جميع الأطراف إلى طاولة التفاوض، لكنها على الصعيد غير الرسمي، كانت تساهم في تأجيج الصراع الأهلي باصطفافها مع الجنرال المتقاعد خليفة حفتر.
هذه التناقضات في الموقف المصري أدّت إلى وضع سياسي معقّد يؤدي في النهاية إلى تدخُّل مصر العسكري في ليبيا. في التقرير التالي نرى تفاصيل هذه المفارقة الأمنية، أي كيف يؤدّي التناقض في المواقف الأمنية من خلال الرغبة بالاستقرار في ليبيا، بالترافق مع تأجيج الاستقطاب والنزاع المسلّح، إلى مشهد يؤدي في النهاية إلى توفير الذرائع المناسبة لتدخُّل مصر العسكري في ليبيا، في وقت تواجه فيه الحكومة المصرية أزمات داخلية أكثر إلحاحا، مثل جائحة "كوفيد-19" وأزمة سد النهضة، إلى جانب أزمة الدَّين المصري العام المتضخم.
بجانب المخاوف الأمنية، فإن المصالح الاقتصادية تلعب دورا رئيسيا في سياسة مصر تجاه ليبيا.
فقبل عام 2011، كان نحو 1.5 مليون مصري يعيشون ويعملون في ليبيا، مما نجم عنه حوالات مالية تصل إلى 33 مليون دولار أميركي سنويا. لكن بحلول عام 2015، انخفض عدد العمال المهاجرين المصريين في ليبيا إلى النصف، مع انخفاض الحوالات المالية، الأمر الذي جاء بعواقب وخيمة على الاقتصاد المصري. كانت ليبيا أيضا شريكا تجاريا رئيسيا لمصر في الماضي، لكن الحرب الأهلية الدائرة في ليبيا ألقت بظلالها على حجم التبادل التجاري بين البلدين، حيث انخفضت الصادرات المصرية إلى ليبيا بنسبة 75%.
تدّعي وزارة الخارجية المصرية أن الحكومة الليبية ستُضاعف استثماراتها في السوق المصرية، وأنها سترفع حجم التعاون الاقتصادي وتُعيد حجم التبادل التجاري إلى ما كان عليه قبل الثورة بالإضافة إلى دعم الشركات المصرية في إعادة إعمار ليبيا بمجرد استقرار البلاد. ومما يرتبط ارتباطا وثيقا بالمصالح الاقتصادية لمصر، أمل القاهرة في تأمين مصالحها في مجال الطاقة في ليبيا، إذ إن مصر في الوقت الحالي تستورد طاقتها بشكل كامل، وتراكمت ديونها لأكثر من ثلاثة مليارات دولار مع شركات الطاقة الأجنبية؛ ما يعني أن وجود ليبيا مستقرة وغنية بالنفط والغاز يمكن أن يسمح لمصر باستيراد مصادر الطاقة الليبية بأسعار منخفضة.
نوري أبو سهمين، سياسي ليبي وهو أصيل مدينة زوارة الأمازيغية الأصول (120 كلم غرب العاصمة الليبية طرابلس).. ولد عام 1956، وهو حاصل على الإجازة في القانون من جامعة بنغازي عام 1978.. انحاز أبو سهمين للثورة الليبية مبكرا، وأصبح عضوا في المؤتمر الوطني العام، قبل أن يصبح رئيسا له خلفا لمحمد المقريف الذي طاله قانون العزل السياسي، الذي تم إقراره صيف العام 2013.
ومع انتهاء مهمة المؤتمر الوطني العام بعد الانتخابات التشريعية في العام 2014، ابتعد أبو سهمين عن الأضواء، وإن كان قد بقي جزءا من المشهد السياسي الليبي المتشظي على نفسه، حتى عاد اسمه إلى المشهد السياسي الليبي الجديد بمبادرة منه حملت اسم تيار "بلادي"، في محاولة لإعادة الحياة إلى السياسة والأمل بقدر العقل الليبي على إنجاز سلام أهلي ينهي سنوات الحرب الأهلية..
ومع أن أبو سهمين، يدرك تماما أن الأزمة الليبية قد تعقدت كثيرا بسبب تعدد وتضارب مصالح المتدخلين فيها من الإقليم ومن خارجه، إلا أنه يصر على أن الحل في ليبيا لن يكون في نهاية المطاف إلا ليبيا جامعا لكل الأطراف.
عادل الحامدي من أسرة تحرير "عربي21" التقى نوري أبو سهمين، وسأله عن تيار "يا بلادي" وعن التهديدات المصرية بالتدخل العسكري في ليبيا، وأطروحات الرئيس التونسي قيس سعيد بالاعتماد على مدخل القبائل، ومآلات جهود الأمم المتحدة، فكانت هذه إجاباته:
س ـ لنبدأ من مشروع "يا بلادي"، هل هو تيار أم حزب؟ وهل هو مشروع جماعي أم مبادرة فردية؟
ـ مشروع يا بلادي هو نداء بصوت فرد يعبر عن انطلاقة مشروع يهم الجميع. إنه أمانة أردت البوح بها للجميع، أمانة معبرة عن تطلعات من ينشد جمع شمل الليبيين على كلمة سواء. مشروع يدعو دون تأجيل بأن نمد أيدينا لكل من أراد ويريد خيرا لبلادنا، لكل من يريد أن ينعم الليبيون بالعيش الكريم. هو انطلاقة نحو غد أفضل ومستقبل زاهر.
س ـ ما هي الأسباب الرئيسية لإطلاق هذا المشروع وأطروحاته الأساسية؟
ـ في خضم العمليات السياسية كما هو معلوم، لن تقف عند مشروع واحد أو خطة إستراتيجية واحدة، بل هي دائما قابلة للتغيير وقابلة للتنوع، وبقدر تفاعل الأحداث تتنوع المحطات السياسية ومفردات الخطاب السياسي. بعد أخذ ورد ينتج عنه آليات عملية لإنتاج أجسام تشريعية وتنفيذية، والبيئة الليبية بيئة زاخرة للعمل السياسي وخاصة بعد خوض أول تجربة ديمقراطية عام 2010م، عند انتخاب المؤتمر الوطني العام وما تلاها من إفرازات ديمقراطية، سواء على المستوى التشريعي أو التنفيذي المتعلق بالحكومات أو المجالس البلدية.
س ـ ما هي الهوية الفكرية لهذا المشروع؟ وهل نحن أمام نسخة جديدة من المؤتمر الوطني العام الذي كنت آخر رئيس له، أم نحن إزاء مروع سياسي مختلف؟
ـ الهوية الفكرية إن صح التعبير لتيار يا بلادي لا يستند إلى أيديولوجية معينة أو جهوية أو قبلية أو حزبية، بل هو انطلاقة لتجديد بناء الدولة على أساس الدعوة سريعا إلى جمع شمل الليبيين على مشروع هادف نحو تجنب المزيد من التشظي والانقسام السياسي وضياع سيادة الوطن، دون أي تهميش لأحد أو إقصاء لأي فئة أو شريحة، وأن التنوع وقبول الآخر أساس للانضمام لهذا التيار.
س ـ يأتي إطلاق هذه المبادرة في ظرف ليبي دقيق للغاية، وكما تعرف يقولون إن مدخل العلاج هو التشخيص الدقيق، كيف تقرأ الواقع الليبي الحالي؟
ـ عندما تأتي المبادرة في ظرف عسير، يعني ذلك فرصة نجاحها أكبر لأنها بالتأكيد تعتبر ملحّة للغاية.
وطالما أنك ذكرت في سؤالك بأن مدخل العلاج هو التشخيص الدقيق، فربما أضيف من جانبي أن التدخل الجراحي يكون لازما عندما نكمل مراحل العلاج المحتملة لتجنب الجراحة اللازمة. فالواقع الليبي للأسف الشديد يحتاج إلى عملية جراحية غير قابلة للتأجيل، ولا أزعم بأن تيار يا بلادي بيده العصا السحرية لتقديم البلسم الشافي، ولكن نزعم بأنه يجب أن نصدق القول بدعوة الليبيين بضرورة رفع درجة الاستعداد والنداء بصبغة الطوارئ لتدارك ما يمكن، حتى نجنب وطننا الانهيار الكلي لا سمح الله.
س ـ من هي الأطراف المؤثرة والفاعلة في المشهد الليبي؟
ـ كل المخلصين من أجل إنقاذ الوطن هم الأطراف المؤثرة وهي التي يجب أن تكون الفاعلة، لا مجال للمزايدة عندما نتحدث عن الوطن. من يحمل هموم المواطنين ويعايش معاناتهم ويصبو إلى تحقيق آمالهم، هو الذي يجب أن يكون من الأطراف المؤثرة.
يجب ألا يكون معيار اختيار الأطراف من ذوي المصالح والحصول على المكاسب والتدافع نحو نيل المناصب.
س ـ كيف تقيم دور البعثة الأممية إلى ليبيا منذ تشكيلها إلى اليوم؟
ـ دور البعثة محدد بموجب قرار إنشائها ودورها تسييري بين الأطراف الليبية، والتنسيق بينها بما يوفر عنصر التوازن وتحقيق الأمن والأمان ودعم مؤسسات الدولة الشرعية، وللأسف الشديد انحرفت البعثة عبر مسيرتها عدة انحرافات، كان بعض رؤسائها السبب أحيانا، وفي أحيان أخرى تدخل بعض الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن تدخلا سافرا متجاوزة روح القانون، وكذلك بعض الدول الإقليمية وانصياع بعض المسؤولين الليبيين وتفريطهم في سيادة الدولة، شجع البعثة في أن تكون ليبيا لقمة سائغة لعدة أطماع دولية. وخلاصة القول فإن العبرة بالنتائج لدور البعثة ولا أحد يخفى عليه أن الأزمة ازداد تفاقمها، ولم نلحظ أي استقرار سياسي ولا معيارا واضحا تعمل به البعثة، بل سلكت نهج الكيل بمكيالين.
س ـ لم يعد من الممكن الحديث عن الشأن الليبي دون الحديث عن الأدوار الإقليمية والدولية، وأولها ربما الدور التركي.. كيف تنظر إلى هذا الدور؟
ـ لم ألحظ مطلقا أن الدور التركي في أي مرحلة من المراحل السياسية كان دون علم من السلطات الشرعية القائمة أو خارج نطاق الشرعية الدولية.
س ـ ما هو تفسيرك لتشنج بعض الأطراف الإقليمية من العلاقات التركية ـ الليبية؟
ـ العلاقات الليبية ـ التركية تهم مصالح الشعبين في هاتين الدولتين، ولا مبرر لأي تشنج لأي أطراف إقليمية؛ لأن من يقرر قيمة هذه العلاقة هي الأجسام السياسية بهاتين الدولتين، وبالتأكيد أن المنطق القانوني والأخلاقي يقتضي مراعاة أن تكون الاتفاقيات بين الدولتين لا تمس من قريب أو من بعيد سيادة أي دولة إقليمية أخرى، سواء كانت مجاورة أو غير مجاورة، ولكن ليس بشرط نيل رضا الدول الأخرى وفق ضوابطها أو مصالحها فقط، وخاصة عندما يغيب عنها أو تتجاهل أن ليبيا ذات سيادة ولها مطلق الحرية في تقرير مصالحها الخاصة بها.
س ـ الدور المصري، والتهديد بغزو ليبيا، كيف تقرأه أولا؟ وهل فعلا ليبيا تشكل تهديدا للأمن القومي المصري؟
ـ كانت أمانينا ولا زلنا نتمنى أن تكون مصر دولة عظيمة بعظم تاريخها الحضاري وإنها جارة لليبيا وتربطها أواصر الأخوة والمصير، ولكن عندما يسلك نظامها الحاكم مسلك من يهدد بالغزو أو الاعتداء، فبالدرجة الأولى هو أساء لتاريخ مصر ولعراقة شعب مصر.
.. وهل ليبيا تشكل خطرا على الأمن القومي المصري..
مصر هي من تعرف العدو الأمثل المتمثل في الكيان الصهيوني، أما ليبيا لم تكن يوما عنصر تهديد يشغل مصر،
... إلا إذا أراد نظامها خلق أوهام يعلقون عليها ادعاءاتهم ...
س ـ لقد بادر الرئيس التونسي قيس سعيد إلى اقتراح مدخل القبائل للحل السياسي في ليبيا، وهو طرح تردد في بعض العواصم، آخرها دعوة القاهرة لتسليح القبائل الليبية، هل تعتقد أن هذا يشكل مدخلا للسلام في ليبيا؟
ـ مع احترامي وتقديري للرئيس التونسي، خاصة أنه أستاذ متخصص في القانون الدستوري، لم ألحظ أو أجد مصدرا دستوريا يؤيد ما ذهب إليه، فإما أنه أخطأ الاجتهاد أو كان سوء تقدير للموقف الليبي بناء على ما طرح عليه من معطيات كانت غير صائبة.
س ـ ماذا عن المواقف الدولية، لاسيما بعد تدخل روسيا عمليا في الأزمة الليبية إضافة إلى فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا؟ هل مازالت هناك إمكانية للنأي بالحل في ليبيا عن مواقف ومصالح الدول الغربية التي أصبحت جزءا من الملف الليبي؟
ـ الليبيون هم الوحيدون أصحاب القرار في تقرير مصيرهم وما على الغير إلا الإنصات لرغبة الليبيين إذا أرادوا الإعانة، ومن لم يستطع ذلك، ننصحه بالصمت إن لم يلتزم بعدم التدخل المباشر.
س ـ أخذا بعين الاعتبار لمواقف كل الأطراف الداخلية والإقليمية والدولية، كيف تنظرون في تيار "يا بلادي" للسلام في ليبيا؟ ما هو مدخله؟ وما هي رهاناته وشروطه؟
ـ مدخل السلام أصعب بكثير من مدخل الحرب، والشجاع هو من يتحرى لتحقيق السلام قبل التفكير في الحرب. ورهانات السلام هو إدراك مآلات الحروب وما ينتج عنها من دمار وقتل وتشريد.
وشروطه النية الصادقة والتضحية من أجل الحصول على المكاسب، ومن يعتقد أنه يعيش برفع السيف سيموت أيضا بالسيف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق