الجمعة، 20 مارس 2020

النياندرتال ..أشباه البشر في كهف شاندر بالعراق كيف دفنوا موتاهم؟.


.. النياندرتال في العراق ..
 في كهف شــاندر بإقليــم كردســتان
 كيف دفن أشباه البشر موتاهـم؟
 .. افتتـاح كهــف شاندر كمعلــم سـياحي .. 


إنه الجزء الشمالي من محافظة أربيل العراقية، على الأطراف القريبة جدا من دهوك، الطقس هناك جيد حقا، والمساحات الخضراء ممتدة بحيث تظن أنها بلا نهاية. 
نحن الآن في خمسينيات القرن الفائت، قبل سنوات قليلة من حرب قاسية. 
في تلك الأثناء، كان رالف سوليكي، عالم الآثار الأميركي، واقعا في حب أحد الجوانب الخفية لتلك المنطقة، يُسمى "كهف شاندر"، أقام بالقرب منه لفترة وكأنه وجد كنزا ثمينا.




أشـباه البشــر
"بينما كان سوليكي يدرس بقايا النياندرتال الموجودة بالكهف، وجد أن ثلاثة من الأجسام كانت محاطة بكميات كبيرة من حبوب اللقاح"، هذا ما قالته إيما بوميروي*، الأستاذة بقسم الآثار في جامعة كامبردج البريطانية، في حديثها مع "ميدان"، مضيفة: "دفع ذلك بسوليكي لتصور أن بعض الزهور قد أُلقيت عمدا على جثث هؤلاء، بالتالي فقد كان النياندرتال يعرفون فكرة دفن الموتى، وإقامة الشعائر الجنائزية مع الدفن".
النياندرتاليون (Homo Neanderthalensis) هم أقرب أقرباء البشر، ليسوا بشرا مثلنا، ولكنْ كلانا يقع تحت تصنيف كبير يُدعى "جنس الهومو"، والذي يعني ببساطة الجنس الإنساني، لم يتبق من هذا الجنس سوى نوع واحد، إنه الإنسان المعاصر والذي يُمثِّله قارئ هذا التقرير، أما باقي أنواعه فقد انقرضت لأسباب لا نعرفها إلى الآن.
عاش النياندرتاليون قبل نحو 400 ألف إلى 40 ألف سنة مضت، انتشروا في شريط ضخم ممتد بين جنوب أوروبا حتّى وسط آسيا. بحسب الحفريات التي وجدناها لهم، فإنهم أقصر منّا مع أجساد ممتلئة بشكل أكبر وصدر أعرض، منذ اللحظة الأولى التي اكتشفنا فيها حفريات النياندرتال الأول، قبل نحو قرن ونصف، ساد تصور يقول إنهم بشر الكهوف ذوو الطابع الحيواني، لكن بوميروي ورفاقها، في دراسة نُشرت مؤخرا بدورية "أنتيكويتي"، يضمّون دليلا جديدا لوجهة النظر التي تقول إن هذا غير صحيح.
ليست مصادفة
يقول تيم رينولدز، الأستاذ بقسم التاريخ والآثار من جامعة لندن، لـ "ميدان": "تُشير نتائج البحث الخاص بنا إلى أن سكان كهف شاندر من النياندرتال كانوا قد دفنوا موتاهم عن عمد"، مضيفا أنه مع فحص المنطقة التي وُضِع بها أحد أجسام النياندرتال وُجِد أنها حُفِرت عن عمد لتناسب هذا الجسد، أمكن لفريق العمل التأكُّد من ذلك من خلال فحص طبقات التربة الخاصة بتلك المنطقة من الكهف، والتي ظهر أنها لم تتراكم بشكل طبيعي، بل كان هناك تدخل واضح في بنيتها.
مات سوليكي في 2019، ومنذ المرة الأخيرة التي كان بها في كهف شاندر بإقليم كردستان العراق حاول العودة في أكثر من مناسبة، لكنّ شيئا كان يمنعه في كل مرة. في كل الأحوال، كان المتخصصون في هذا النطاق يظنون أن خيرات كهف شاندر الأثرية قد انتهت بعد فحصه المتأني، لكن بوميروي ورينولدز ورفاقهما أصرّا على محاولة أخيرة ربما يجدون شيئا ما، وكانت المفاجأة، حفرية أخيرة للنصف العلوي لأحدهم، عاش في الكهف قبل 70 ألف سنة، ليس من جنس البشر، لكن بدا وكأنه قد ثُبِّت بهدوء في مكانه، في وضعية النوم على الجنب، ساندا رأسه إلى صخرة بدت كأنها وسادة.
كهـف شــاندر


تقول الأستاذة من قسم علم الآثار بجامعة كامبريدج لمحرر "ميدان": "أجد صعوبة في تصديق أن كل ذلك قد حدث عن طريق المصادفة"، الكثير من الأفراد في هذا الكهف وُضِعوا إلى جوار بعضهم بعضا بشكل شبه منتظم، بحسب دراسة سوليكي السابقة، كذلك فإن نمط تراكم الرواسب بينهم، وبنيتها، يُشير إلى أن هناك مَن أزاح التراب عليهم ليخفيهم تحته، وإلى جانب ظاهرة تناثر حبوب اللقاح حول بعضهم، فإن كل الدلائل -بحد تعبير بوميروي - "تُشير إلى دفن متعمد".
صــانعو الرمــوز
يرجع تاريخ الجدل حول دفن النياندرتال لموتاهم إلى أكثر من مئة سنة مضت، تحديدا في العام 1908 حيث وُجِدت بعض الحفريات الكاملة للنياندرتال، في كهف "لا شوبيل أو سينت" بمنطقة آكيتين الجديدة الفرنسية، والتي كانت تتخذ وضعا يبدو أنه متعمد وليس اعتباطيا، كذلك فإنه -مثل كهف شاندر- قد ظهر أن تلك الأجساد وُضِعت في حفرة صُنِعت عمدا بأدوات خاصة.
من جهة أخرى، كانت هناك دلائل على دخول بعض الزبالين إلى الكهف، هؤلاء الذين يسرقون أو يعبثون أو يأكلون الجثث، ورغم ذلك لم تُمس البقايا، ما يعني أنها دُفِنت سريعا بعد الموت ولم يرها أيٌّ ممّن دخل إلى الكهف. 
وفي كهف آخر يقع شمال فرنسا، يُدعى "لا فيراسية"، وُجِد أن سبع جثث للنياندرتال قد وُضِعت في نمط واحد، الرأس للشرق والأقدام للغرب، وبدا من البقايا أن أحد الأجساد كان متخذا للوضع الجنيني، وهي آلية دفن شهيرة.

النياندرتال إلى اليسار، الإنسان العاقل إلى اليمين


لكن هذا الجدل حول دفن النياندرتال موتاهم ليس عن الموت في الحقيقة، بل عن الحياة. يقول رينولدز لمحرر "ميدان": "يعني الدفن عدة أشياء، فقد يكون لأغراض صحية، حيث وُضِعت مجموعة الأفراد في مساحة قدرها متران مربعان ضمن كهف مساحته ألف متر مربع، وكانت غالبا بعيدة عن أماكن الأكل"، ثم يُضيف بعد قليل: "أو قد يعني ذلك أيضا وجود قدر من الطقوس الرمزية في حياة النياندرتال"، ومع تقنية إلقاء الورود على الجثث، بحسب سوليكي، فإن ذلك الاحتمال مثير للانتباه.
 الذين أكلــوا الجثث
نحن الآن نعرف أن النياندرتال لم يكونوا "مجرد حيوانات" كما تصوّر الباحثون في هذا النطاق قديما، بل طوّروا درجة من درجات الثقافة، لقد بنوا ملاجئ للاحتماء بها، وارتدوا شكلا من أشكال الملابس، وصنعوا أدوات متقدمة نسبيا، فقد كانت مصنوعة من العظام، وهي السابقة الأولى في تاريخ جنس الهومو. 
ليس ذلك فقط، بل وظهر بعض من تلك الأدوات وكأنها ذات غرض زخرفي، كانت فقط مصنوعة لهدف الإمتاع البصري!
تقول بوميروي لـ "ميدان": "هناك جدل طويل الأمد حول مدى تشابه النياندرتاليون مع بني جنسنا من حيث قدراتهم العقلية وسلوكهم"، وتضيف بعد قليل: "وفي حين كان من المفترض أن النياندرتال كانوا أقل ذكاء من البشر المعاصرين، فإننا نجمع أدلة أكثر فأكثر على السلوكيات المعقدة الخاصة بهم"، لكن دفن الموتى تحديدا كان دائما محل انتباه الباحثين في هذا النطاق، لأنه يعني أشياء أخرى أعمق، مثل درجة أكبر من الرعاية بأفراد المجموعة والحداد والحزن عليهم، كذلك يقترح أنهم قد طوّروا أيضا شعورا بوجود حياة بعد الموت، أو على الأقل بعضا من الروحانية.

افتتح في جبل برادوست ضمن سلسلة جبال زاكروس
 في أربيل شمال العراق 
... كهف شاندر كمعلم أثري سياحي ...
 وشاندر هو الكهف الذي عثر فيه العالم الأميركي
 رالف سولوكي على الهياكل العظمية للإنسان القديم
.. الذي يسمى بالنياندرتال ..




ليست هناك تعليقات: