الخميس، 12 مارس 2020

قصة الحاجة أم الاختراع



الحاجة أم الاختراع 
هو مثل ذو اصل إنجليزي ويعني،
 أن القوة الدافعة الرئيسية لمعظم الاختراعات الجديدة هي الحاجة


"الحاجة أمّ الاختراع"
قصة الحاجة أم الاختراع تدور أحداث المثّل الشهير (الحاجة أم الاختراع) في الماضي ، عن موقف قام به أحد الغربان ، عندما كاد يوشك على الموت جراء العطش ، وقد قام الغراب بتصرف أدهش رجل كان يشاهد الغراب ، فردد الجملة الشهيرة (الحاجة أم الاختراع) ، والتي أصبحت مثلً شهيرًا متوارث ويقال حتى يومنا هذا . بداية القصة : يروى أنه في قديم الزمان ، كان هناك غرابً يحلق في السماء ذهابا وإيابً ، وقد أوشك على الموت عطشاً ، وأثناء تحليقه لمح من بعيد ، إبريق فيه ماء ، على شرفة أحد المنازل ، فرح الغراب كثيراً لما رآه ، ثم نزل بسرعة إلى أن وصل إلى الإبريق .
 المفاجأة : لكن المفاجأة التي واجهها الغراب ، أن الماء كان في قاع الإبريق ، بحيث لا يستطيع الغراب الوصول إليه . الغراب والإبريق : فما كان من الغراب إلا أن قام بالطيران مرة ثانية ، وهو حزين لعدم مقدرته على أن يروي عطشه ، ولعدم استطاعة الغراب على الطيران نتيجة العطش الشديد ، فما كان منه إلا أن عاد مرة أخرى للشرفة الموضوع عليها الإبريق .
 المثّل : حاول الغراب مرة ثانية أن يصل إلى الماء ، التي في قاع الابريق ، لكن بدون فائدة ، عندها خطرت على باله فكرة ، فقام بإدخال أحجار في الإبريق ، إلى أن ارتفع منسوب المياه ، داخل الإبريق الموضوع على الشرفة ، وعندها شرب الغراب وارتوى ، وعندما رأى صاحب المنزل ذلك المشهد منذ البداية ، فقال (الحاجة أم الاختراع) ، والتي أصبحت مثلا شهيرًا يتداوله الأجيال .
عادة ما يُضرب المثل “الحاجة أم الاختراع” للاستدلال على مفهوم إيجابي، ومعناه أن احتياج الإنسان لشيء معين، يدفعه للتفكير والبحث في كيفية الحصول عليه، وهذا المعنى عادة يقصد به مجال الإبداع والابتكار، لكن في هذه المقالة سأتجاوز منطوف هذا المثل، لأقف عند المفهوم السلبي، الذي يتناسب مع الموضوع الذي أريد أن أعالجه.
من المعلوم أن بلادنا تعيش أزمة اجتماعية مزمنة، لم تستطع الحكومات المتعاقبة إيجاد حلول لها، وهذا راجع بالأساس إلى فشل “النموذج التنموي” في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتوفير فرص الشغل، والحد من الفوارق الطبقية والتوزيع العادل للثروة، الأمر الذي أدى إلى تزايد في نسب الفقر والهشاشة والعطالة، خاصة في أوساط الشباب حاملي الشواهد العليا، وفي ظل هذا الوضع الاجتماعي المتأزم، أصبحت الحاجة إلى الشغل في السنوات الأخيرة، تتزايد بشكل كبير، خاصة بعد تخلي الدولة عن تشغيل العاطلين عن العمل في الوظيفة العمومية، وعجز القطاع الخاص عن استيعاب الطلبات المتزايدة للشغل في المجتمع، مما دفع أصحاب الحاجة إلى العمل للبحث عن التشغيل الذاتي، إما عن طريق تأسيس مقاولات صغرى أو ممارسة التجارة والأعمال الحرة أو العمل في مجال الخدمات (النقل العمومي).


لكن، هناك فئة دفعتها الحاجة والفقر إلى سلوك طريق آخر، وهو التسول واستجداء الناس، لأجل الحصول على المال، وقد عرفت هذه الظاهرة الاجتماعية تطورا ملحوظا كما وكيفا في السنوات الأخيرة، بحيث لم تعد تقتصر على فئة عمرية أو طبقة اجتماعية، كما أنها لم تعد تتم بالطرق التقليدية، بل أصبح هناك طرق مبتكرة لاستعطاف الناس، وأساليب فيها “إبداع” و”اختراع” قد يصل أحيانا إلى النصب والاحتيال..
وهكذا، أصبحنا نشاهد عددا متزايدا من الشباب والشابات، ورجال ونساء راشدين، لسبب من الأسباب، وتحت ضغط الحاجة، يتعاطون التسول لكن بطرق جديدة وغير معتادة، ومن بين ذلك القيام بجمع النفايات في الشارع العام بشكل فردي تطوعي وليس مع شركة، أو استخدام المهارات الموسيقية والفنية، أو التظاهر بالمرض أو العجز أو التعرض للسرقة أو الحاجة إلى إجراء عملية، وما إلى ذلك من الحيل الماكرة، التي أصبحت معروفة لدى الناس.
وإذ كانت الحاجة والفقر هما السببان الرئيسيان اللذان يدفعان البعض إلى احتراف التسول أو الاحتيال على الناس، فإن هذه الحاجة مرتبطة بشكل أساسي، بعدم وجود فرص للعمل تحفظ للناس كرامتهم الإنسانية، لكن ما يشجع هذه الفئة من المواطنين على امتهان التسول، هو أنه لا يتطلب بذل مجهود كبير، ويدرّ أموالا مهمة على أصحابه، ، لا يزالون لا يميزون بين أصحاب الحاجة إلى الإحسان، والمحتالين الذين لديهم القدرة على العمل والكسب، لكنهم اختاروا أسهل طريق للحصول على المال..
صحيح أن هناك متسولين عاجزين عن العمل، وأن أغلب الذين يحترفون هذا العمل، دفعتهم الحاجة إلى ذلك، لكن يوجد عدد غير قليل ، يعيشون نفس ظروفهم الاجتماعية أو أسوء منها، ومع ذلك اختاروا العيش بشرف وكرامة، بمزاولة بعض المهن البسيطة، على الرغم من أنها لا تدرّ عليهم إلا عائدا متواضعا، لأن لديهم عزة نفس وكبرياء، يمنعهما من استجداء الناس وطلب مساعدتهم، فيمكن للحاجة أن تكون أمّ الاختراع، في معناه الإيجابي، عندما تدفع الفقير والمحتاج، إلى البحث عن طرق شريفة ومُشرِّفة لكسب الرزق.   


ليست هناك تعليقات: