الجمعة، 8 نوفمبر 2019

زمان .. حين كنّا أطفال



زمان.. حين كنّا أطفال
كلّ همّنا كان قطعة حلوى
 وزيّاً جميلاً وكرّاسة وقلم التلوين
.. كنّا نتمنى لو نكون كبارا الآن كبرنا ..
صرنا نتمنى لو نرجع صغار
 لنعيد ترتيب الأوراق في الأدراج من جديد
 ولنصحح من أخطائنا أو لنزيح عن كاهلنا ما أرهقنا
 .. كبرنـــا .. والله كبرنا بسرعة والعمر راح ..


واكتشفنا أن الدّواء المرّ كان شفاء وأن جدّي وأبي وأعزّ فقيدتنا من أهلي وناسي لن يعودوا ثانية لدنيانا بعد أن منها رحلوا كبرنا.. واكتشفنا معنى أنهم في السموات العُليا أحياء باقون هناك..
كما قالت لنا أميّ ذات يوم لِسلوانا كبرنا.. واكتشفنا أن في هذا العالم أمور مخيفة أكثر من الظلام وغريبة.. بل أكثر غرابة من حدائق بابل المعلّقة وسور الصّين العظيم وأهرامات الجيزة ومنارة الاسكندرية وأكبر من تمثال رودوس العملاق وأرتيمس وتاج محلّ الشهير كبرنا وما عادت تُبكينا أحداث قصة سالي الحزينة ولا رامي البائس بل صرنا نبكي على أحداث هذا الزمان..
 ألهذه الدرجة كبرنا!
أم أن واقع هذا الزمان المرير قد أضاف لسنوات عُمرنا المزيد كبرنا.. لدرجة شعورنا بأن ضحكة أمي كانت وراءها ألف دمعة ألم في رحلة العُمر والشقاء من أجل البقاء.. كبرنا.. واكتشفنا ان وراء صبر أبي ألف مرض وعلّة وليالي الألم كبرنا.. لنجد أن مشاكلنا ما عادت تحلّ بهدّية أو قطعة نقود أو فستان أو حقيبة أو وعد بالخروج في نزهة ترفيهية اكتشفنا ان والدينا لن يُمسكا بأيدينا دائما وأبدا لعبور الطريق أو منعطفات هذه الحياة ووعورة دروبها كبرنا.. واكتشفنا أننا لم نكبر وحدنا فقط .. بل كَبُر أبوينا معنا منهم من رَحَل ومنهم من يعاني من بقايا شقاء سنين ماضيات كبرنا جدّا.. حينها عرفنا سرّ قسوة أمّي.. كانت حُب وخوف غضبها وعقابها كان حُب وخوف.. وعياها نتاج الحُب والخوف يالها من حياة وما أغربه من عالم الذي اصبح مجنونا وما أقصره من عُمر.. ليت ابن آدم كل ذلك يعرف ليت عُمري.. فبعض الحقائق لا تتضح إلاّ بعد فقدها كبرنا.. واكتشفنا بأننا أصبحنا نحنّ جدّا ونشتاق للبارحة وما مضى بطيّاتها.. لزمن الطيبة والأصالة والصّفاء لزمن فيه السيدة تمدّ يدها من وراء الباب بكوب ماء بارد في الحرّ اللاّهب أو بكوب شاي دافئ في البرد القارس للعامل أو البنّاء الذي استظلّ بالجدار يلتقط أنفاسه وليمسح عرقه.. كبرنا.. واكتشفنا ان حتى الرّوابط العائلية بين الأهل والقربى قد طالها التأثر والتغيّر وطغا على السطح الـ» الأنا» اذ هي في نظرهم.. الأهمّ.. والأبقى ربّي.. أنا لا أشكو.. لكني فقط كنت أرجو بميزة واحدة فقط لو بقيت من ذاك الزمن الجميل.. زمن الآباء والأجداء.. لأننا يا ربّي.. كبرنا.. واكتشفنا بأن هذا الزمان ليس كذاك الزمان!



. «عندما كنّا صغاراً» .
 الشاعر: عبدالعزيز جويدة، صوت، الإعلامي: أحمد سليم




ليست هناك تعليقات: