صناعــة الفرعــــون : دراسـة قـرآنية
.. صناعـة الفرعــون .. اختراع مصري بامتياز ..
بمجــرد أن يتولي الحـــاكم مقـــاليد الحـــكم
... يحوله المصريون الي إلـه صـغير ...
نتحدث فى هذه الدراسة القرآنية عن فرعون موسى كمثل لكل طاغية أو لكل طامع فى أن يكون طاغية. وموجزالقصة هو فى آية واحدة هى قوله جل وعلا:( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)(القصص 4). ونتوقف مع المصطلحات القرآنية فى الأية الكريمة : .
أولا : (فرعون )
1 ـ لم يحدد القرآن الكريم اسم ذلك الفرعون لكى يجعله رمزا لكل طاغية يصل به استبداده الى التأله ثم الى الهزيمة و الخيبة هو وجنده وعسكره وملائه .
ومع الالحاح القرآنى على قصة فرعون وتناولها من نواح مختلفة و توضيح عقلية الطغاة من خلالها إلا إن المسلمين فى تاريخهم كرروا نمط الفرعون فى تاريخهم السياسى منذ أن أقاموا لهم بالقوة والعنف امبراطوريتهم ، وحتى الان .
وبينما ينعم الغرب بديمقراطية تخلص بها من الطغاة منذ قرنين واكثر ، وبينما يتهيأ العالم الثالث لاستقبال رياح الديمقراطية فان دول المسلمين ـ التى تزعم أنها تتمسك بالقرآن ـ لا تزال تئن تحت حكم الطغاة الذين جلبوا لها العار والفقر والتخلف .
2 ـ وبينما تهب حركات المعارضة فى العالم الثالث تنادى بالحرية وحقوق الانسان والعدل وحقوق المواطنة وتتمسك بالمواثيق الدولية للأمم المتحدة فان أقوى حركات المعارضة فى بلاد المسلمين هى التنظيمات الوهابية ، وهى تعادى الديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق المواطنة و المواثيق الدولية لأمم المتحدة ..
3 ـ ومع هذا التناقض مع حقائق الاسلام وقيمه العليا فى العدل والحرية و السلام و التسامح فانهم يزعمون أن ( القرآن دستورنا ).
ولم يفكر أحدهم فى قصة فرعون التى تنطبق على خلفائهم السابقين ، بل على العكس يريدون إعادة حكم الطغاة بنفس الملامح الفرعونية التى فصّلها القرآن الكريم.
4 ـ أرأيتم ما نحن فيه من بلاء؟
أرأيتم كيف يقع المسلمون ضحية بين فرعون قائم وفرعون قادم ؟
ثانيا : (علا)
1 ـ " العلو " لا يكون إلا لله تعالى فقط .
ولذا يقول المؤمن عن رب العزة " سبحانه وتعالى " .
ولذلك فإن الله جل و(علا ) ينفى ما ينسبه له البشر من صفات بشرية ، لأنه جل و(علا ) يعلو ويسمو عليها ، يقول سبحانه و (تعالى ) : (وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ ) ( الأنعام 100).
فالعلو هو صفة الاهية لا يوصف بها إلا الخالق جل و(علا ) ، ولو فرضنا ـ جدلا ـ وجود آلهة مع الله لتنافسوا فى (العلو ) وتحاربوا ودمروا المخلوقات ، ولكن ليس للوجود سوى خالق واحد سبحانه وتعالى أن يكون له شريك ، واقرأ معنى هذا فى قوله جل و ( علا ) : (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ )..
( قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا) ( الاسراء 42 ـ ).
2 ـ ولكن فرعون (علا ) اى استعلى واستكبر ورفع نفسه فوق مستوى قومه ، وتلك أبرز خصائص المستبد ، فالأصل أن الناس سواسية ، تتساوى رءوسهم من حيث الحقوق والواجبات ، وهذا هو شرع الله جل وعلا القائم على العدل ، ولكن يدمر المستبد هذا العدل حين ( يعلو ) على قومه ، ويتميز عليهم .
.. وهذه صفة الفرعون فى كل زمان ومكان ..
3 ـ ولهذا يرفض الفرعون أى دعوة للهداية لأنها ستخفض قامته لتتساوى بغيره ، ولأنه سيفقد (رفعته ) و ( علوه ).
دائما يكون الحق واضحا يستحوذ على تصديق كل إنسان ، حتى فرعون ، ولكن فرعون وآله وقومه وحاشيته ، مع ايمانهم بالحق فى قلوبهم فانهم يجحدونه بألسنتهم وأفعالهم ، حرصا على هذا ( العلو ) الممقوت ، لذا يقول رب العزة عن موقفهم من دعوة موسى عليه السلام : (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) ( النمل 14 ).
4 ـ وبهذا ( العلو ) قابل فرعون المتعجرف المتأله موسى ودعوة موسى ، بل تطرف فى إدعاء العلو الى درجة الزعم بأنه (الرب الأعلى ) : وأعلن هذا فى مؤتمر حاشد جمع له قومه،أو (حزبه الوطنى ) ، يقول جل وعلا (فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى ) ( النازعات 23 : 24 ) ، أى لم يزعم مجرد الربوبية ، بل زعم أنه ( الرب الأعلى ) .
أى إنه وضع نفسه أعلا من مكانة رب العزة جل و( علا ) ، لذا جاء فى نصح موسى لفرعون :( وَأَنْ لّا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ ) ( الدخان 19 ).
5 ـ وبهذا الزعم بادعاء ( العلو ) أسرف فرعون تطرف فى الاثم العقيدى وفى الاثم السلوكى أيضا بارهاب بنى اسرائيل بالتعذيب حتى يبتعدوا عن موسى الذى جاء لخلاصهم وتحريرهم من قمع فرعون وظلمه .
وفعلا فبسبب الرعب من تعذيب فرعون وزبانيته ابتعد معظم قوم موسى عن موسى ، يقول جل وعلا :( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ) ويأتى التعليق الالهى يصف فرعون : (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) ( يونس 83 ).
.. وهنا يوصف فرعون بصفتين متلازمتين هما ( العلو والاسراف )..
والاسراف هو المصطلح القرآنى لما نسميه فى ثقافتنا المعاصرة بالتطرف .
6 ـ وجاء وصف فرعون بالعلو والاسراف فى نفس سياق تطرفه فى تعذيب بنى اسرائيل فى قوله سبحانه وتعالى :(وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ مِن فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ ) ( الدخان 30 :31).
ونلاحظ فى الآيات الكريمة السابقة ارتباط العلو والاسراف بارتكاب التعذيب للمستضعفين.فحتى يخضع الناس للعلو الفرعونى المزعوم لا بد لفرعون من ارهابهم بالتعذيب ، وكذلك اشتهر بالتعذيب فرعون موسى ، وسار على سنته كل فرعون بعده من خلافة عثمان الى رئاسة مبارك وصدام وغيرهم. والعجيب إن الذى يتصدى لهم ويدافع عن ضحاياهم هى منظمات حقوق الانسان الغربية التى تتمسك بالفضيلة الاسلامية (الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر ) . قارن بين تلك المنظمات النبيلة وبين ما يفعله خنازير الهيئة المسماة بالأمر بالمعروف و النهى عن المنكر فى الدين السّنى الوهابى ، الذين يرعبون المارة فى الطريق والآمنين فى بيوتهم ويتسلطون عليهم لارهاب الناس لصالح المستبدين المنحلين المترفين فى قصورهم .
... ويرتكبون هذا البغى باسم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
7 ـ والعجب أن الفرعون المسرف هو الذى يتهم خصومه بالتطرف ، مع إنه الأشد تطرفا . وقلنا إن مصطلح ( الاسراف ) فى القرآن الكريم يعنى التطرف فى ثقافتنا الراهنة . وقد تردد وصف فرعون بالاسراف ثلاث مرات فى سورة (غافر ) وحده ، يقول عنه (مؤمن آل فرعون )(إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ)،ويقول نفس الأمير الفرعونى المؤمن عن قومه فى معرض الدعوة:( كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ )(وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ )(غافر 28 ، 34 ، 43 ).
ونلاحظ أيضا اقتران الاسراف بادمان الكذب (مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) و الارتياب والشك وسوء الظن (مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ ).وكل فرعون هو مدمن للكذب ، ويمتلىء بسوء الظن والارتياب فى كل من حوله.
فهو لأنه يخدع الناس يعتقد أن الآخرين يريدون خداعه والكذب عليه بمثل ما يكذب هو .
8 ـ ولأن الحاكم المستبد بالأمر هو من يعلو على الناس أى يتسيد عليهم فإن الديمقراطية المباشرة من جذور عقيدة الإسلام التى لا يعلو فيها إلا الله تعالى وحده ، والتى يكون فيها الحاكم خادما للناس وليس مستعليا عليهم ، والتى يكون فيها المتقون هم الذين لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا ، وذلك ما أشارت إليه نفس سورة القصص :(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ : القصص 83 ).
9 ـ وبهذه الآية الكريمة التى تصف المتقين المسلمين (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ : القصص 83 ) نعظ (الاخوان المسلمين ) إذا كانوا فعلا يريدون أن يكونوا مسلمين ، وأن يكون القرآن الكريم دستورهم والنبى محمدا عليه السلام زعيمهم وإمامهم .
فخاتم المرسلين كان مأمورا بالشورى يستمد سلطته من الناس وليس من رب الناس ، مصداقا لقوله جل وعلا : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) ( آل عمران 159 )، أى من يستنكف عن الشورى ومن لا يؤمن بالمبدأ الاسلامى أن الأمة هى مصدر السلطات إنما يكون قد رفع نفسه فوق مقام النبى محمد عليه السلام. وفعلا فإن من ينكر أن الأمة هى مصدر السلطة يؤمن بالنقيض وهو أن المستبد الثيوقراطى يستمد سلطته من الله عز وجل ، أى يجعل ذلك المستبد ـ بالكذب والافتراء ـ الاها على الأرض يمارس سلطة الله تعالى على الناس، أى يجعل ذلك المستبد ( يعلو ) على الناس الى درجة أن يكون وحده المختار من بين الناس للتحكم فى الناس ولأن يتملك الناس وأموال الناس ومصائر الناس ، وهذا لا ينافى فقط العدل و القسط فى الاسلام ، ولا يناقض فقط قيمة الحرية فى الاسلام بل ينافى قبل كل شىء عقيدة الاسلام التى تقصر التأليه و التقديس على الله جل وعلا وحده ، بحيث لا يكون من حق أى فرد من البشر العلو فوق مستوى بقية البشر.
وكل ذلك فى التأكيد على أن الشورى الاسلامية الحقة أو الديمقراطية المباشرة الكاملة جزء من عقيدة ( لا اله الا الله ) على نحو ما سبق تفصيله فى مؤلفات لنا سابقة.
وهنا ننبه ونعظ من يهمه الأمر (الاخوان المسلمون ) بإن المؤمن الذى يتقى الله تعالى هو الذى لا يريد أن يعلو على الناس ويتسيد عليهم بالمنصب أو الجاه ، ولا يريد أن ينغمس فى عمل سياسى يصل به إلى العلو على الناس أو رئاستهم بالجاه والنفوذ وارتكاب الفساد .
10 ـ هذا العلو هو قرين الفساد . وها ما يتجلى فى خصائص الفرعون .
ونناقش هنا فى سياق الوعظ للاخوان المسلمين صلة العلو المنهى عنه بالفساد .
إن العلو يستلزم استعمال اساليب تتنافى وخلق المؤمن مثل الكذب والغش والخداع والتضليل والنفاق و الكلام المزدوج حتى يصل الى الحكم ، وعندها لا بد أن يحافظ عليه من الطامعين باللجوء الى الظلم والقهر واستعمال العنف و التعذيب ـ بعد أن أوهمهم بقيم وأحلام استعادة الحقوق فى المساواة والعدل . وكل ذلك فساد فى الأرض لأن أساسه الكذب والافتراء .
وأسوأ أنواع الكذب والخداع فى السياسة ليس الكذب ( العلمانى ) الذى يمارسه خبراء ومحترفو العمل السياسى ، ولكنه الخلط بين الاسلام و الطموح السياسى ـ أى أن يتخذ بعضهم من اسم الله جل وعلا ودينه وسيلة ـ ولا نقول مطية ـ حاش لله جل وعلا ـ للوصول الى تحقيق حلمه بالوصول للسلطة و الثروة ، يزعم أن ( القرآن دستورنا ) وهو يكذّب بالقرآن كله لو تعارضت آية منه مع حديث من أحاديث دينه الأرضى ، و لا يرى فى القرآن إلا مجرد شعار يرفعه ـ دون أن يفهمه ودون أن يتعقله ودون أن يدرسه ودون أن يؤمن به .
هذا هو أسوأ أنواع العلو السياسى أو ( الطموح السياسى ) المرتبط بالفساد لأنه الذى يصل بصاحبه سريعا من الاستبداد العادى العلمانى الى إدعاء الالوهية ليسير على سنّة فرعون .
والبداية تتمثل فى ذلك الذى يخلط الدين بالسياسة محتكرا لنفسه دين الله جل وعلا (الاسلام ) ليكونوا وحدهم ( المسلمون ) أو ( الاخوان المسلمون ).
وتأتى المرحلة الثانية وهى الزعم أنهم المتحدثون باسم الله تعالى فى الأرض ، وأنهم المختارون من الله جل وعلا لحكم الناس ليكون الناس رعية مملوكة لهم باسم الله ـ كذبا وبهتانا.
وهذا ما تقوم عليه (التربية ) عند الاخوان المسلمين ـ أى غسيل مخ الناس بالتحكم فى التعليم و الأزهر والاعلام والثقافة ليقنعوا الناس أن دينهم السّنى الوهابى هو الاسلام ، وأن من يناقشه هو مرتد خارج عن الاسلام ـ فطالما خرج عليهم وأنكر أحقيتهم بتجسد دور الله تعالى فقد كفر عندهم بالله جل وعلا.
وذلك هو ( العلو ) الممقوت الكافر الذى يحاول به صاحبه أن ( يعلو ) فوق مستوى البشر فيضع نفسه فى مقام الالوهية ، حتى لو لم يكن يدرى مغزى ما يفعل .
هذا ( العلو ) الممقوت هو سقوط فى الحضيض لن يدركه أصحابه إلا يوم القيامة وهم يرون أنفسهم فى الدرك الأسفل من النار ، وتلك منزلة المنافقين : (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)(النساء 145 ) ومنزلة دعاة الإفك و البهتان والكذب على الرحمن، والله جل وعلا يصف تعذيبهم فى جهنم فيقول : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)( الدخان 43 ـ )
هذا الكذب على الله جل وعلا يترفع عنه المؤمنون بالله تعالى واليوم الآخر لأنهم حريصون على النجاح فى الآخرة و ليس العلو فى الدنيا على حساب الآخرة .
ثالثا : كيف علا فرعون ؟
1 ـ بالقوة أو بالعسكر.
الأصل أن يكون العسكر لحماية الشعب ، فهم أبناء الشعب الذين ينفق عليهم الشعب ليدافعوا عنه. ولكن العسكر يقومون بالعكس إذ بدلا من قيامهم بالدفاع عن الشعب يكونون اساس قهر الشعب لتأمين سطوة الفرعون، بهم يعلو فرعون فى الأرض ، وهذا العلو يعنى ان تكون أقدامه وأقدام عسكره فوق رءوس الشعب دافع الضرائب .
2 ـ ولقد كانت دولة الرعامسة التى ينتمى اليها فرعون موسى دولة عسكرية.
ومن إعجاز القرآن الكريم التاريخى أن يقرن فرعون موسى بالجنود والقوة الحربية (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ ) ( البروج 17 ـ ) فالآية هنا تجعل فرعون جنديا ضمن جيشه الذى هو نسخة منه. لذلك فان جنده كانوا صورة من طغيانه من البداية فاستكبروا وطغوا معه بطغيانه واتبعوه فى مطاردته لبنى اسرائيل فانتهوا معه الى جوف البحر :(وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ)( القصص : 39 ) أى ان فرعون وجنده استكبروا فى أرض مصر ظلما وعدوانا ، وهل هناك أظلم وأجبن من جيش تكون مهمته هى حماية الشعب فيخون هذه الأمانة موجها سلاحه نحو الشعب الذى أنجبه ويقوم بالانفاق عليه ؟؟
3 ـ ومن خلال طغيانهم نظروا الى (الرعية )
بعين الشك والارتياب ،إذ كانوا ـ شأن كل طاغية ظالم يتوقع ويخشى من اشباح ضحاياه ، وكان أبرز ضحاياهم بنى اسرائيل .
بعين الشك والارتياب ،إذ كانوا ـ شأن كل طاغية ظالم يتوقع ويخشى من اشباح ضحاياه ، وكان أبرز ضحاياهم بنى اسرائيل .
بنو اسرائيل هم ذرية اسرائيل أو نبى الله يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم . وقد جاء يعقوب وبنوه الإحدى عشر تلبية لدعوة ابنه يوسف حين كان يوسف عزيز مصر أثناء حكم الهكسوس . وهذا ما تخصصت فيه سورة يوسف .
أى كان ليعقوب ـ أو اسرائيل ـ 12 رجلا ـ تكاثروا فى مصر فتكونت منهم 12 قبيلة.
وجاء احمس الأول فقضى على حكم الهكسوس و مهد لاقامة أول امبراطورية مصرية قديمة توسعت فى شرق سيناء ، وبلغت اوج قوتها فى عصر الرعامسة الذين حولوا مصر من النظام الاقطاعى الى نظام حكم عسكرى مركزى تتجمع السلطات فيه فى يد الفرعون القائد الأعلى للعسكر و القائد الأعلى للشرطة و القضاة ولكل شىء فى مصر ( لاحظ أن فرعون مصرى الحالى هو القائد الأعلى لكل شىء ). وتاسست عبادة الفرعون المتأله ، ولكن كان يؤرقه أن بنى يعقوب أو بنى اسرائيل لم تتأصل فيهم عبادة الفرعون لكونهم ذرية الأنبياء ابراهيم واسحق ويعقوب و يوسف والأسباط الذين توارثوا الوصية بأنه لا اله الا الله (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) ( البقرة 132 ـ ). ولأن سلطة الفرعون تعتمد أساسا على التسليم المطلق له وباستغلال الدين لاخضاع الناس لسلطة الفرعون المستبد فان أى شك دينى فيه يضع ويحوى بذور التمرد السياسى ، لهذا كان لا بد من الشك والريبة فى بنى اسرائيل خصوصا وانهم كانوا فى العهد (البائد ) موالين للهكسوس .ولهذا استعمل الفرعون اقسى الاضطهاد مع بنى اسرائيل إذ كان يقتل أبناءهم ويستبقى نساءهم للخدمة .
وشاء الله تعالى ان يستعمل فرعون نفسه ليقوم على رعاية موسى ليكون موسى محققا لما كان يخشى منه فرعون وهامان و جندهما ، يقول تعالى عن المظلومين من بنى اسرائيل : (ونمكن لهم في الارض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) ( القصص 6 ). وهنا نرى ارتباط فرعون بالعسكر أو الجند ، فهامان هنا هو رئيس الجند(ونري فرعون وهامان وجنودهما) وهو أيضا رئيس الوزراء ايضا الذى يطلب منه الفرعون بناء صرح عال يصل الى السماء ليستطيع فرعون ان يرى (إله موسى ) : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ) ( غافر 36 ـ )أى أن حركة فرعون فى الطغيان ارتبطت بجنده وعسكره وبهذا العسكر علا فى الأرض .
وما مصير علوه وطغيانه ؟
ولأن فرعون قام بتجريد الشعب من القوة و احتكرها لنفسه ووجهها نحو الشعب المسكين فان هذا الشعب المسكين لا يستطيع مواجهة الفرعون وعسكره وبالتالى فليس لهذا الشعب المسكين من ملجأ سوى الله جل وعلا لينتقم له من الفرعون وعسكره وجنده . ولذلك فان عسكر فرعون قد صحبه الى النهاية غرقا فى البحر الأحمر (فاتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم ) ( ط 78 ) (فاخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم ) ( الذاريات 40 ) (فاخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين )( القصص : 40).
..لاحظ هنا ارتباط فرعون بجنده من البداية الى النهاية فى قاع البحر الأحمر ..
الطاغية فرعون استكبر ان يهرب بنواسرائيل من التعذيب . ان المنطق يفرض عليه أنه طالما يكرههم فليتركهم يرحلون أو يقوم هو بنفيهم ، لكن عقلية الطغيان تجعل الطاغية يعتقد أن له التحكم فى قلوب الرعية الخانعة فلا تحب الا باذنه و لا تؤمن الا بعد موافقته ، ففرعون هذا هو الذى نقم على السحرة (أتباعه ) أنهم آمنوا بموسى قبل أن يأخذوا الاذن من الفرعون (قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ) ( الاعراف 123 ـ ) أى تخيل ان ايمانهم بدون إذنه يعنى مؤامرة تحاك ضده فامر بصلبهم و قطع ايديهم وارجلهم . لذا استكبر فلرعون هرب بنى اسرائيل من عذابه ، فقام بمطاردتهم لاهلاكهم عالما بأنه لا يطارد فقط بنى اسرائيل بل يطارد اثنين من أنبياء الله جل وعلا هما هاروم موسى عليهما السلام.
لذا كان لا بد من التدخل الالهى فقال تعالى لموسى
(واترك البحر رهوا انهم جند مغرقون ) (الدخان 24 ).
وأيضا ليس الحديث هنا عن فرعون بل عما يمثله فرعون وهو حكم العسكر ، أو الجند (انهم جند مغرقون )
هؤلاء الجند وأولئك العسكر كانوا يتحكمون فى الثروة المصرية (ولا يزالون ) ولذلك فانهم بعد غرقهم تركوا خلفهم تلك الثروة الزراعية من أطيان وحدائق وقصور و ثروات ، تقول الايات التالية عن ثرواتهم التى خلفوها فورثها بنو اسرائيل : (وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ ) (الدخان 24 ـ )
وهنا إشارة تاريخية لحقبة مجهولة من التاريخ المصرى تفيد أنه بعد أن غرق فرعون وجنده وبعد أن سقط نظام حكمه عاد بنو اسرائيل وتمتعوا بالثروة التى خلفها نظام الحكم (البائد ) ، فى سورة الاعراف يقول تعالى أن بنى اسرائيل شكوا لموسى الاضطهاد الذى انزله بهم فرعون قبل وبعد مجىء موسى فاخبرهم موسى بوعد الله جل وعلا لهم بأن يرثوا ملك فرعون بعد هلاكه : (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) ( الاعراف 128 ـ )
وهذا ما حدث فعلا حين بلغ فرعون الدرجة الكبرى من الظلم و التحدى لله جل وعلا فاستحق مع جنده انتقام العزيز الجبار : (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ ) وتقول الاية التالية عن بنى اسرائيل وقد رجعوا ليرثوا ارض مصر وكنوزها ( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ ) (الاعراف 136 ـ ) الحديث هنا عن جند فرعون بأنهم (قوم فرعون ) الذين ابتلعهم معه البحر الأحمر. قوم فرعون هنا هم جند فرعون و ليسوا اهل مصر الفلاحين الغلابة المقهورين الذين أذلهم فرعون بجنده وعسكره.
تحرر أهل مصر أو شعب مصر بغرق فرعون وآله وقومه وجنده ، وهناك إشارة خفية الى قيام الاسرائيليين والمصريين بنهب قصور فرعون وتدميرها عن آخرها (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ ). وهى ايضا إشارة الى أن التغيير فى مصر ـ صاحبة أقدم ديكتاتورية فى التاريخ ـ يأتى دائما من السماء ، أى موت الفرعون المستبد .. وهذا ما ينتظره المصريون اليوم ويحلمون به صباح مساء .!!
وفى تفصيل آخر عن نهاية فرعون وجنده يقول تعالى : (وجاوزنا ببني اسرائيل البحر فاتبعهم فرعون وجنوده بغيا وعدوا ) أى بعد أن إجتاز موسى ببنى اسرائيل البحر الأحمر لحقهم فرعون بعسكره وجنده باغيا معتديا فانطبق عليهم البحر ، عندها أدرك فرعون نهايته الحتمية ، فاستيقظت فى داخله الفطرة التى غطاها عناده وكفره وطغيانه فهتف يعترف بأنه لا اله الا الله وانه من المسلمين أى الذين أسلموا لله جل وعلا و خضعوا له :( حتى اذا ادركه الغرق قال امنت انه لا اله الا الذي امنت به بنو اسرائيل وانا من المسلمين ) ( يونس 90 ) ولأنه اسلام عند الاحتضار بعد تاريخ طويل من الطغيان فان الله تعالى رفض توبته (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ) (يونس 91 ـ )
رابعا : ( وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا)
1 ـ تحدثنا عن قوله تعالى (إن فرعون علا فى الأرض ) موضحين أن فرعون علا بعسكره وجنده على الشعب المصرى فاستحق العقاب الالهى. ولكن هل كان استعمال الفرعون للقوة العسكرية عشوائيا أم بسياسة مخططة ومحكمة؟..الاجابة فى نفس الاية فى قوله تعالى (وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا) . وهنا نتوقف فى صناعة الفرعون مع قوله جلّ وعلا :( وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا)
2 ـ وهناك إشارة غاية فى الاعجاز عن النظام الطبقى فى مصر فى عهد فرعون موسى ؛ فالعادة أن يقال (الملأ )عن الطبقة العليا المسيطرة المترفة التى تعادى الأنبياء ، ولكن وردت تلك الكلمة بصيغة الجمع لتدل على فرعون وملائه وملأ الملأ ، يقول تعالى (َفَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ) ( يونس 83 ) ثم بعد الملأ يأتى الشعب ، وفى الحضيض يأتى من قرر الفرعون إستضعافهم ، وكانوا فى هذا الوقت بنى إسرائيل .
3 ـ ونعود الى الفرعون ، فلكى يصل إلى العلو والسيطرة على الناس لابد من قهرهم أى لابد من إستعمال سبل الفساد والإفساد وهذا ما فعله " فرعون " حين " علا " فى الأرض .
أى أنه " علا " فى (الأرض) التى هى مصر بإستخدام طرق معينة أشارت إليها الأية الكريمة " وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا " أى قام بإتباع سياسة " فرق تسد " أى تقسيم المصريين إلى فرق وطوائف وطبقات ، دينية ومذهبية وعرقية .
..فالمفروض أن كل من يعيش فى مصر وعلى أرضها هم أهلها..
وكونهم جميعا " أهل " مصر يفيد المساواة بينهم جميعا،ولكن الفرعون لابد أن يضع التفرقة بين أهل مصر ، فيقسمهم ، ويجعل أعوانه هم الملأ ، ويضع ترتيبا هرميا لهذا الملأ .
4 ـ والمستفاد من الأية الكريمة أن الله تعالى جعل بنى إسرائيل من أهل مصر حين قال" وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ " فتلك الطائفة المستضعفة هم من أهل مصر ،وعليه فإن الجنسية المصرية – طبقا للقرآن الكريم – يجب أن تكون حقا لكل من عاش فى أرض مصر سواء إنتمى إليها بالجنس أو العرق أو الدين أو كان مختلفا عن معظم أهلها .... الفيصل هو أن يعيش على أرض مصر ليكون مصريا ....
وهكذا يرفض رب العزة فى تلك الأية الكريمة أى تفرقة بين البشر الذين يعيشون فى مصر منذ مجىء أسرة يوسف عليه السلام ومعهم أبوه يعقوب عليه السلام ، فتناسل أبناء يعقوب أو ( إسرائيل ) الأثنا عشر وصاروا أثنا عشر قبيلة ، أصبحوا أبناء إسرائيل واختلفت عقائدهم وعوائدهم عن بقية المصريين ، فاستحقوا غضب فرعون وفقا للمعايير التى لديه ، وبالتالى كانوا ضحية مثاليه له فى سياسته فى التفرقة بين أبناء الوطن الواحد . وهنا درس يجب أن نفهمه من شريعة القرآن العظيم فى أن المساواة التامة والكاملة هى أساس المواطنة ، وأن المواطنة تتحقق بمجرد العيش فى وطن واحد، وأن التفرقة بين أبناء الوطن الواحد ضد شريعة الله – سبحانه وتعالى – وتؤسس للإستبداد السياسى والدينى.
5 ـ ونعود للأية الكريمة " إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ " ، " يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ " أى إستضعف طائفة من أهل مصر هم بنوإسرائيل ( المصريون ) . ونتوقف مع مصطلح " يستضعف " .
" الألف والسين والتاء " إذا جاءت فى أول الفعل الماضى أفادت طلب الشىء ، تقول " إستقتل " أى قاتل بشجاعة طلبا للقتل ،و" استمات " أى قاتل بشجاعة طلبا للموت ،" إستكتب " أى طلب أن يكتبوا له .... وهكذا حين يقال "إستضعف " أى طلب ضعفهم ، أى اتخذ من الوسائل ما يجعلهم ضعافا .
وفى داخل كلمة " إستضعف " تكثيف لسياسات إتبعها فرعون مع تلك الطائفة المصرية " بنو إسرائيل " من الإرهاب والقهر والتخويف وتلك هى سياسة كل فرعون مستبد إذ يلجأ إلى توقيع أقصى العقوبة وجعلها علنية يشهدها الجميع كى يرعب الجميع ، وفى قصة فرعون موسى نجده قد هدد السحرة بتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف ثم يعلقهم مصلوبين على جذور النخل ليجعلهم عبرة " قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ :الأعراف 123-124 " ، " قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى : طه 71 " .إذن هو إستخدام القوة المفرطة لإحداث رعب داخل النفوس يجعل البشر يختارون الإستسلام والخنوع والرضى بالذل ، أى بإختصار هو " القهر " ، وهذا ما فعله فرعون ببنى إسرائيل ، أنه قهرهم ...
6 ـ وبالتالى فإن مقاومة القهر تبدأ بالنفس ، أى أن يقهر الأنسان القهر بداخله ويتقبل فكرة الموت ويسعى إليه ثابتا مؤمنا بأن الموت حتمى لا مفر من مواجهته ، وأن كل إنسان لابد من أن يموت فى الموعد المحدد له سلفا وفى المكان المقرر له من قبل خلق الكون . وحين يستميت الأنسان أو " يستقتل " أى يطلب الموت والقتل ولا يخاف منهما لا يمكن أن يخضع لحاكم مستبد ، فإذا كانت تلك هى العقيدة السائدة لدى أى شعب فلا يمكن أن " يعلو " عليه حاكم ، بل تكون الحكومة هى التى تخاف من الشعب ، أما إذا حدث العكس وارتعب الشعب من السلطة فإن تلك السلطة تتغول على حساب الشعب وتمتطية وتقهره ، حتى لو كانت من أبناء الشعب نفسه .
7 ـ ولأن العلاج يبدأ من النفس ، ولأن المرض هو فى النفس فإن الله تعالى يجعل إرادة التغيير مرتبطة بالإنسان نفسه ، فإذا أراد الشعب أن يتحرر فلابد من أن يقهر الخوف فى داخله ، وبالتالى تأتى إرادة الله تعالى تاليه ومؤكدة لإرادة الشعب " إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ : ( الرعد 11 ) " .
8 ـ وعليه فإن ثمة صراع غير مرئى يجرى بين الحاكم الفرعون والشعب ، لأن الشعب إذا قام بتغيير نفسيته من الخوف والخنوع إلى الشجاعة والمواجهة فإنه لابد من أن يقهر الحاكم ويحوله إلى خادم له كما يحدث مع الشعوب القوية الديمقراطية الأبية .ومن هنا يحرص الحاكم المستبد الفرعون على مطاردة الأفكار التى تنتج وعيا بالحقوق ، والتى تشجع الشعب على أن " يغير " الخنوع إلى شجاعة وإقدام واستهانه بالموت فى سبيل حياة كريمة .وإذا نجح الشعب فى هذا الإختبار فإنه لن يكون هناك فرعون ليعلو فوق الشعب ويستضعف الشعب ، بل سيكون مجرد خادم لهم بأجرة ومدة محددة ويتعرض خلالها للمسائلة والتحقيق والعزل حسب درجة طاعته للشعب .
9 ـ ولأن فرعون قد إستحوذ على القوة والأغلبية فقد أصبح سهلا عليه أن يستضعف طائفة من أهل مصر ( بنو إسرائيل ) فاستخدم معهم ما يعرف الأن فى قانون الإستبداد الشرقى الحديث بـ " هيبة الدولة " وهيبة الدولة تتحقق بالتعذيب ، فالتعذيب هو أساس الملك الإستبدادى تماما كما أن العدل هو أساس الحكم الديمقراطى ... وبالتعذيب يتم تحويل المواطنين إلى دواب يركبها فرعون وملأه وجنده .
وطبقا لهيبة فرعون الذى هو الدولة فقد قام بإستضعاف بنوإسرائيل بأن يذبح أبنائهم الذكور ويسبى نسائهم ..
10 ـ والذى ينساه فرعون وكل فرعون أنه يصنع بنفسه نهايته المأساوية ولذلك فإن فرعون موسى هو بنفسه الذى قام بتربية موسى ، وموسى هو الذى قضى على فرعون وملكه وأنقذ بنى إسرائيل .يقول تعالى عن موسى وهو طفل فى المهد ملقى فى النيل " فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ : القصص 8 " . لقد تخصصت سورة القصص بتفاصيل قصة موسى وفرعون ، وجعلتهما معا عنوان القصة منذ البداية ، فال تعالى " نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ : ( القصص 3 ) "ثم قال تعالى بعدها " إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ ......" .أى هو درس لقوم يؤمنون .
والقوم المؤمنون عليهم أن يعرفوا مغزى القصة ، قصة فرعون التى تكررت فى أكثر من عشرين سورة قرآنية . ولكن المفجع أن المسلمين لم يفهموا معنى القصة حتى الأن ، إذ لا يزالون يعيشون تحت حكم الفراعنه المستبدين حتى الأن .
والسبب أنهم - المسلمون – لم يغيروا ما بأنفسهم من خنوع وخوف وذل وجبن ..
وقديما قال الشاعر من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت بإيلام.....
خامسا :( صناعة الاستضعاف ).
( يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ )(القصص 4)
نعيد التركيز على صناعة الاستضعاف لأنها الأساس فى صناعة الفرعون :
1 ـ فالسين والتاء فى أول الفعل تفيد الطلب ، ( إستضعف فلانا ) أى طلب أن يكون هذا الفلان ضعيفا ، ومثله قوله جل وعلا (وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) الأنفال ) : ( إستنصر ) أى طلب النصرة . ومثله ( إستمع ) أى طلب السمع ، كقوله جل وعلا :( الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمْ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (18)( الزمر )(وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) ( الاحقاف ).
2 ـ كان لا بد للفرعون أن يستضعف بنى إسرائيل ، أى أن يتخذ وسائل لاضعافهم ليتحكم فيهم بالقتل والسبى ، ليجعلهم عبرة للآخرين . وبهذا الإستضعاف لطائفة من أهل مصر ( يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ ) يؤسّس سياسة ( فرّق تسد ) أى وصم طائفة من الشعب بأنهم عدو للشعب ، وتوجيه الغضب نحوهم ، وأتهامهم بالتآمر ونشر الرعب والخوف منهم ، وبالتالى يستسلم باقى الشعب لحماية الفرعون ، ويضحّون بحريتهم مقابل الأمن الذى يجلبه لهم الحاكم المستبد ، وفى نفس الوقت فإن التعذيب الهائل الذى يوقعه الفرعون المستبد بتلك الطائفة ينال كل من يتعاون معهم او يتعاطف معهم من بقية الشعب ، وهذا التعذيب ينتشر ليخيف ويرهب بقية الشعب ، ويصبح كل فرد مرعوبا من أن يطوله الاتهام بالخيانة ، ويتعرض للأغتقال والتعذيب .
وبهذا يتحول إستضعاف طائفة من الشعب الى إستضعاف الشعب كله ، وبالتالى أيضا يستأثر الفرعون بكل القوة والثروة . ويصبح المستبد وحده . وهذا ما فعله هتلر ، إذ بدأ بإضطهاد اليهود ، وانتهى الى تدمير الشعب الألمانى .
3 ـ إن الحكم الاستبدادى هو الانفراد بالقوة والسلطة بحيث لا يكون لشعبه عند المستبد وزن ، بل يعتبر نفسه وصيا على ذلك الشعب الذي لم يبلغ بعد درجة المسئولية والأهلية ، وهذا الحاكم المستبد يعتبر نفسه مصدر السلطات كلها ، فهو نفسه مجلس الشورى والمشير وهو المستشار وهو الحاكم بأمره في كل شئ ، ومن هنا تكون المشورة في نطاق سلطاته التي يمنحها لنفسه ، غاية ما هنالك انه يستشير نفسه أو يعين مجموعة من الخدم لتفكر له فيما يرضيه .. وعلى الشعب الطاعة لأنه مجرد من القوة ، فقد احتكر الحاكم القوة لنفسه . وهنا تتم صناعة الفرعون ، أى الدكتاتور الفج المطلق الذي يحكم بالقوة ويستشير نفسه أو خدمة وحاشيته ، والشعب مجرد قطيع وقع في أسره وتحت هيمنته وسيطرته ، حيث احتكر ذلك المستبد لنفسه القوة ومارس من خلالها الشورى .. لنفسه .
4 ـ وفرعون موسى وصل به الاستبداد ألي درجة ادعاء الألوهية والربوبية الكبرى " فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24) " (النازعات ) " وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي (38) " القصص .
وبذلك الاستبداد الذي وصل به ادعاء الألوهية كان يتعامل مع الحاشية حوله ، أو الملأ الذي يفكر فيما يرضى الفرعون ، وكانت آراء الملأ أو الحاشية تأتى طبقا لما يريده الفرعون حتى أن القرآن الكريم ينسب الأقوال الواحدة مرة لفرعون ومرة أخرى للملأ ليدل على أن الملأ أو الحاشية جزء لا يتجزأ من الفرعون ، وان فرعون حين كان يستشيرهم لا يسمع صدى صوته أو صدى صوتهم:
راجع سورة الأعراف (قَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112) ) وسورة الشعراء : ( قَالَ لِلْمَلإٍ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (35) قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (36) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (37) .
أيضا راجع سورة الأعراف ( وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) ، وسورة غافر ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (25) وفي النهاية فان فرعون يقول لهم " ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) غافر .
أي انه لا يتصرف ألا برأيه ، ورأيه هو الهدي وسبيل الرشاد ، وذلك هو نهاية المطاف في الشورى عنده .
5 ـ والأرضية التي كان يستمد منها فرعون سلطته الاستبدادية هي انفراده بكل عناصر القوة . والتاريخ الفرعوني يؤكد أن عصر الزعامة – ومنهم فرعون موسى – شهد انفراد الفرعون بالملك والحكم وقيادة الجيوش وتحول مصر ألي وحدة واحدة في قبضة الفرعون على حساب حكام المقاطعات الذين اصبحوا خدما للفرعون.
6 ـ والقرآن يؤكد على أن هذه المعاني قبل أن يكتشفها علم المصريات بعشرة قرون . فالقرآن يؤكد أن فرعون موسى عقد مؤتمرا حاشدا لقومه وأعلن فيهم انه وحده يملك مصر وخيرها " وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) الزخرف . والقرآن يؤكد النزعة الحربية لفرعون وقيادته للجيوش التي كانت أقوى جيوش ا"لأرض ، يقول تعالى عنه : (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ (39) " القصص ).
وكانت صفة الجندية من صفات فرعون موسى في القرآن " هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) " البروج .
" وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً (90) " يونس . " فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنْ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (78) " طه .
" فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) " القصص / فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (40) الذارات .
...أي ارتبط فرعون بالجنود وكانوا جنوده … أي يملكهم ويقودهم ...
7 ـ وبذلك اجتمع لفرعون ملك مصر وقوتها الحربية .ولذلك كانت سلطته طاغية ، وكانت رهبته ما حقه ألي درجة أن موسى خاف مواجهته وطلب من الله تعالى أن يبعث معه أخاه هارون ، ولكن الخوف تملكها معا من مواجهة فرعون فأمرهما الله تعالى أن يذهب إليه ، " اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) " طه .)
سادسا : ( إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)
إن فرعون قد (علا ) بعسكره وجنده على الشعب المصرى ، وجعل أهلها شيعا .
إذ أتّبع سياسة ( فرّق تسد ) وبها إستضعف طائفة من المصريين .
وصنع نظاما من الفساد ، فالفساد قرين الاستبداد .
إن صناعة الاستبداد تؤسس على الفساد .
فالعدل يناقض الاستبداد والفساد معا.
1 ـ ووصف الفرعون بالفساد يأتى فى بداية القصة : (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103) الاعراف ) .
(وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) (النمل )( نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) ) (القصص )
2 ـ كما يأتى وصفه بالفساد فى نهاية القصة ، إذ أنه وهو يغرق قد أعلن إسلامه :
( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (90)
فقيل له :( أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (91) (يونس ).
سمع وقت الاحتضار أنه لا فائدة من إعلانه الاسلام فى الوقت الضائع ، فقد ختم حياته بالعصيان والفساد .
3 ـ وما بين البداية والنهاية جرى وصف فرعون بالفساد :
قال هذا له موسى :( فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) (يونس 81 ).
3 ـ ولقد تمكّن الفساد من عقلية الفرعون ، بحيث تم قلب الحقائق لديه تماما ، إذ يتهم موسى وقومه بالفساد ، ويريد قتل أبنائهم وإستحياء نسائهم ، ولا يرى فيما يفعله فسادا بل صلاحا ، الملأ يزين له هذا الفساد على انه الإصلاح، وهذا قلب فظيع للحقائق : (وَقَالَ الْمَلأ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) (الاعراف )، (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (25) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ (26) (غافر ).
ولذلك فإن الفرعون المستبد يرى الصواب المطلق فيما يقول، وعليهم تنفيذ رأيه فهو لا يهديهم إلا سبيل الرشاد :( قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) ( غافر ). وانتهى به وبهم الأمر فى قاع البحر الأحمر . وهى نهاية كل فرعون : أن يدمر نفسه وجنده وقومه .
سابعا : الفرعون والاسراف :
الاسراف هنا هو التطرف فى الاستبداد والفساد والعصيان .
وهذا الاسراف يستلزم بدوره :
1 ـ الكذب : فالفرعون يحترف الكذب ليغطى على تطرفه فى الفساد والاستبداد ، أى لا بد له من جهاز إعلامى محترف للكذب ، وهذه عادة فرعونية إستمرت بعد فرعون موسى ، ونجدها فى فراعين العالم فى عصرنا الحديث ، من ستالين وهتلر وصدام وحتى الاخوان والوهابيين . عن ارتباط الكذب بالاسراف يقول مؤمن آل فرعون يصف آل فرعون باستحالة هدايتهم :( إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) (غافر 28 ).
2 ـ عدم الثقة بالآخرين : فالذى يحترف الكذب لا يمكن أن يثق بالآخرين ، إذ يظل يرتاب بهم بسبب إسرافه فى الشرور ، ولهذا يستحيل أيضا هدايتهم وإصلاحهم ، وهذا ما قاله أيضا مؤمن آل فرعون لقومه : ( كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ )( غافر 34 ).
... صناعة زوجـــة الفرعــــون ! ...
3 ـ ولا بد أن يظل الفرعون محافظا على مكانته ممسكا بالسلطة بيديه ( عاليا فى الأرض ) ، وهذا يستلزم الاسراف فى ارهاب الشعب ، بما يجعل الناس تخشى من إعلان تأييدهم للمصلحين خوف السجن والاعتقال والتعذيب .
وهذا ما أسّسه فرعون موسى ، بحيث أرعب معظم بنى إسرائيل وجعلهم يبتعدون عن موسى ، ويصدقون أكاذيب فرعون عنه ، يقول جل وعلا :
( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ) ( يونس 83 ).
وجاء نفس الوصف لفرعون ( إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا مِّنَ الْمُسْرِفِينَ ) ( الدخان 30 ـ 31 ).
وفى كل الأحوال فإن المسرفين من الفراعين هم أصحاب النار ، وهذا ما ختم به مؤمن آل فرعون نصيحته لقومه ، إذ قال لهم :(..وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ) ( غافر 43 ).
أخيرا
1 ـ كل ما سبق ينطبق سواء من يتحكم فيهم بالسلطة أو يسعى اليها . يقول جل وعلا عن نهاية فرعون وآله وقومه وجنده الذين إستخفّ بهم:
( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ (56)( الزخرف ) يقول جل وعلا : (فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ ) .
ففرعون هو السلف الحقيقى للسلفيين . وفرعون وقومه هم الأئمة لكل الطغاة الآتين بعده : ـ يقول جل وعلا عن فرعون وقومه :
( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ (41) القصص ).
2 ـ ولقد كرّر رب العزة للمسلمين قصة فرعون . ولم يكن هذا القصص للتسلية ومجرد التأريخ ، ولكن لكى يعتبر المسلمون وغير المسلمين .
ونعيد قراءة بعض الآيات القرآنية :
يقول جل وعلا : (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (103)الاعراف ) يقول جل وعلا :
(فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) .. فهل نظرنا وتعقّلنا ؟.
ويقول جل وعلا (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (12) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (13) وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14)(النمل )
يقول جل وعلا :
( فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) فهل نظرنا وتعقّلنا ؟.
ويقول جل وعلا عن فرعون ( وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) القصص ). يقول جل وعلا : ( فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ) ..
.. فهل نظرنا وتعقّلنا ؟
3 ـ لماذا لم نتعقّل ونتعظ من سيرة فرعون مع كثرة تكرارها فى القرآن الكريم ؟ ولماذ نعيد صناع وأنتاج الفرعون من عصر الخلفاء حتى اليوم ؟ . لأننا غافلون .
يقول جل وعلا ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (90) أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) ) (يونس ) يقول جل وعلا : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ) ، أى جعله للناس آية وعظة وعبرة،ولكن المسلمين غافلون:( وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ).
ولأننا لا نخشى الله جل وعلا . يقول جل وعلا (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26) ( النازعات ) يقول جل وعلا : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى )، ونحن نخشى المستبد البشر ولا نخشى من الله جل وعلا خالق الكون ..والبشر .!
ولهذا إتّخذنا القرآن مهجورا ، وأسّسنا ديانات أرضية برعاية الاستبداد الفرعونى ، وعشنا فى جحيم تلك الديانات الأرضية ونظمها السياسية المستبدة .
وتخلصت اوربا والغرب من التبعية لدياناتها الأرضية وحصرت المسيحية فى الكنائس ، وإنطلقت فى الكشوف الجغرافية والاكتشافات والاختراعات العلمية ، ونحن لا زلنا نتناقش ونتقاتل حول بيعة السقيفة وصراع (على ) و( ابى بكروعمر وعثمان ومعاوية ) . الغرب يخترع ويكتشف جديدا داخل نواة الذّرة وأعماق الفضاء ، والجينات داخل الخلية الحية ، وكل يوم هناك إختراع مذهل فى وسائل الاتصالات ..ونحن منهمكون فى رضاعة الكبير والتداوى ببول البعير وصناعة القتل والتفجير .
4 ـ: من قصة فرعون هل يمكن إصلاح الدين الأرضى من داخله ؟
وهل يمكن إصلاح نظام فرعونى من داخله ؟
الاجابة : إن الله جل وعلا لا يصلح عمل المفسدين .
الاصلاح هنا بالبتر ، فلا يجتمع الفساد مع الاصلاح .
وقد قالها موسى عليه السلام لفرعون وقومه:
( إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) (يونس ).
ودائما : صدق الله العظيم .
بث مباشر من قِبل إذاعة القران الكريم من القاهرة
..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق