الاثنين، 31 ديسمبر 2018

ولاة مصر العثمانيون 19 جيدون و26 سيئون و90 طراطير



. 142 واليا حكموا مصر . تم اعدام وقتل 12 منهم .
العثمانيون أقــاموا نظــام الشورى الانكشارية العســكرية



الدَّوْلَةُ العُثمَانِيَّة، أو الدَّوْلَةُ العَلِيَّةُ العُثمَانِيَّة أو الخِلَافَةُ العُثمَانِيَّة،
 هي إمبراطورية إسلامية أسسها عثمان الأول بن أرطغرل، واستمرت قائمة لما يقرب من 600 سنة،
 وبالتحديد من 27 يوليو 1299م حتى 29 أكتوبر 1923م.
رغم أنه يبدو أنني اتمادى في " الفلاش باك " بالعودة إلى النظام العثماني في مصر والعراق والشام في القرن 18 لعقد مقارنة مع عهد محمد علي . 
إلا أن الموضوع أكبر وأهم وأخطر من هذه المقارنة . فنحن نريد أن نعطي صورة دقيقة عن الحكم العثماني الاسلامي لأن هذا يمس جوهر قضيتنا الآن في مطلع القرن الواحد والعشرين .
 ماهي الدولة الاسلامية التي نستهدفها ؟ ماشكل الحكم فيها ؟ ماهي الضوابط الشرعية لها بحيث لا تتحول إلى حق إلهي في يد البشر؟ 



والحقيقة فهذا هو جوهر هذه الدراسة . فهي ليست دراسة تاريخية أو جغرافية أو استراتيجية مجردة وإن انطوت على كل هذه الأبعاد . 
حقاً المستطيل القرآني تعبير جغرافي ولكننا نبرهن طول الوقت على ضرورة قيام دولة عربية إسلامية على أرضه (المستطيل) قابلة للتوسع شرقاً وغرباً عربياً وإسلامياً باعتبار أن المستطيل هو قلب العروبة والاسلام . 
وإذا لم نقم بذلك فسنظل محط الأطماع العالمية وسنظل عبيداً لأي قوى عظمى تأت لتحتل المستطيل باعتباره مركز العالم الذي لاغنى عنه. وهذه الدولة العظمى الإقليمية لن تكون إلا عربية إسلامية بحكم تكوين شعوب المنطقة وثقافتها ودينها .
 لذلك من المهم أن يكون تصورنا عن آخر دولة إسلامية ( العثمانية) صحيحاً ومنصفاً ودقيقاً للإستفادة من هذه التجربة حتى نقيم دولة راشدة جديدة . 
والذين يدافعون عن الدولة العثمانية بحماس التدين لن يساعدونا في تجنب مواطن الذلل . فبعد مرحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي (مرحلة التشريع) وبعد مرحلة الخلفاء الراشدين لاتوجد تجربة إسلامية كاملة للحكم ، يصح أن نعتبرها نبراساً لنا بدون رؤية نقدية: الدولة الأموية – العباسية – الايربية – دولة المماليك ومن بين هؤلاء دولة السلاجقة وغيرها من الدول الاسلامية عبر 14 قرنا. يجب دراسة تجاربها ووضعها تحت المجهر الإسلامي لنبين حقيقة مالها وماعليها . ورغم أننا تناولنا فيما سبق نشأة الدولة العثمانية وبدايات دخولها للمستطيل القرآني ( الشرق الأوسط ) إلا أن ذلك كان سريعاً بالتأكيد أما هذه المرة فلا نستهدف مجرد إضافة لمزيد من التفاصيل بل محاولة تبين ..
 ( على طريقة تم التوقف والتبين ) خصائص النموذج العثماني بعد وضعه على المعيار الاسلامي النظري النقي ( القرآن والسنة – مبادئ حكم الخلافة الراشدة وحتى الخلافة الراشدة ، ورغم أنها مثل أعلى فلابد أن نميز بينها وبين السيرة النبوية باعتبار الأخيرة – كما ذكرنا – تشريعاً ومبادئ نظرية لاخلاف عليها .



كما أننا سنركز في هذا التقييم على تجربة الحكم الاسلامي العثماني في المستطيل القرآني خاصة مصر التي بحثت فيها أكثر من غيرها وهي بلا شك أهم دول المستطيل بل هي التي امتدت للشام وجزيرة العرب واليمن . 
بحيث لم يبق بعيداً عن مصر محمد علي سوي العراق وبعض امارات الخليج ضمن دول المستطيل وسننظر إلى القرون 16 و17 و18 معاً بالإضافة لمطلع القرن 19 . 
وقد كان تركيزي مؤخراً على القرن 18 ليس في صالح الدولة العثمانية . 
لأنها كانت تتدهور قرناً بعد قرن بينما لا أستهدف الهجوم عليها كما ذكرت وإنما النقد الموضوعي الصريح .وهذا لمصلحة الأمة ولمصلحة القضيةالاسلامية ونموذجها السياسي المرتجى . 
أي أننا لن نعود إلى التقييم الشامل للتجربة العثمانية التي استمرت أكثر من 6 قرون وعلى رأس ذلك ماكان يجري مركزياً في استانبول ثم الأناضول ثم الروميللي (تركيا الأوروبية ) ثم مناطق في شرق أوروبا التي كانت في حضن الدولة العثمانية والأكثر قرباً لاهتماماتها لأن هذا سيكون فعلاً خروجا عن مقتضيات وحدود دراستنا ولكن نذكر في هذا الصدد أننا أشرنا إلى فكرة أساسية عند الحديث عن الدولة العثمانية .
هي أن التجربة العثمانية غلب عليها البعد الجهادي العسكري . 
ثم البعد العسكري عموماً بشكل غير متوازن مع البعد الدعوي والفقهي والعلمي الشرعي بدليل أن هذه التجربة العظيمة والممتدة عبر الزمن لم تخرج لنا جامعة بوزن الأزهر أو الزيتونة أو مساجد العراق  أو المسجد الأموي . 
ولانقول ان هذا البعد الدعوي – الفقهي – العلمي لم يكن موجوداً ولكن لم يكن بالقدر الكافي والمتوازن مع الاعداد العسكري . 
ورغم التطور الإداري في المركز التركي والذي لايمكن نكرانه إلا أنه لم ينعكس في أطراف الدولة خاصة المستطيل . 
ومرة أخرى فإن الدولة العثمانية لم تقدر المستطيل القرآني حق قدره واكتفت بمجرد ضمه والحفاظ على سيادتها الشكلية عليه دون أن تدرك ثقله في الصراع العالمي . 
رغم أنها تصبح دولة خلافة إسلامية تستحق هذا الاسم إلا بضم هذا المستطيل . ولم تهزم ويقضى عليها نهائياً إلا في المستطيل ( احتلال مصر – ثم مايسمى الثورة العربية خلال الحرب العالمية الأولى التي تحالفت مع بريطانيا ضد تركيا. وماتوافق مع ذلك من سايكسن ......ووعد بلفور والمشروع الاستيطاني اليهودي في فلسطين ) ولاشك أن من أهم المنابع الدعوية والفكرية للدولة العثمانية تتمثل في بعض الطرق الصوفية . وإن كنا لا ننكرالطابع الجهادي لهذه الطرق . 
كما هو حال بعضها في إفريقيا . وماتمثله من منابع روحية تغذي العقيدة بالدماء الحارة إلا أنها لاتخلو من مغالاة وخروج من بعضها عن العقيدة القويمة. 
كما أنها لاتمثل طبعاً عصفاً للفقه الاسلامي أو العلم الشرعي عموماً، كذلك فإن الإهتمام بالمستطيل القرآني مسألة إستراتيجية مركبة على رأسها الإهتمام الفائق باللغة العربية. الاهتمام بتطوير المراكز العلمية في العواصم العربية والشرقية ومصر وجزيرة العرب باعتبارها هي المؤهلة بحكم امتلاك اللغة العربية للقيام بالدور الفقهي الأساسي . 
كذلك الإهتمام بالقوة العسكرية المسلحة في مصر والشام والعراق وسائر الجزيرة العربية وهذا مالم يحدث فقد كانت القوة المسلحة التابعة للمركز العثماني في مصر تافهة في مواجهة أي خطر خارجي وهذا ماظهر خلال الحملة الفرنسية بل ظل الاعتماد على ايفاد قوات من المركز عند الأزمات مثل مواجهة الدولة الصفوية في العراق . أما اليمن والهند فتم الاعتماد على مصر . 
ولكن القوة المسلحة العثمانية في مصر ظلت تضمحل وسريعاً مع الأيام وبمجرد انتهاء القرن 16 كان لابد إذاً من تجنيد شعوب المنطقة في الجيش العثماني المركزي وإقامة الصناعة الحربية وعدم الاكتفاء باستانبول . 
والاهتمام بالاقتصاد عموماً وهو أمر كان غفلاً لدى معظم الولاة العثمانيين ولم تكن ثمة خطة مركزية في هذا الصدد . فالاقتصاد عندهم لم يزد عن متابعة التجارة . 
وجمع الخراج من الأرض الزراعية..دون أي إهتمام كاف بتطوير العمل الزراعي والصناعي والحرفي ... حتى عندما جاءت الثورة الصناعية لم يدرك أهميتها العثمانيون كما أدرك محمد علي كذلك تحولت القيادة العثمانية للمنطقة إلى قيادة بيروقراطية ولاتهتم بكل مناحي الحياة الثقافية والسياسية والأدبية وعدم الاهتمام بمعيار الكفاءة والاعتماد على معيار الثقة أساساً. مع تغييب الشورى إلى حد إعتبارها نوعاً من إساءة الأدب مع الباب العالي والموافقة على قراراتها تحت الضغط وبصورة مؤقتة لحين الانقضاض عليها ... كذلك ضعف الاهتمام بالعدل الاجتماعي .. ..
وعدم إعطاء الفقراء والمساكين الأهمية الواجبة التي طالما حث عليها القرآن الكريم كذلك غياب الشورى بالنسبة للشعوب الاسلامية على المستوى المركزي وهو الأمر الذي تم الالتفات له بعد فوات الآوان في الهزيع الأخير من عمر الدولة . 
والآن لنبدأ عملية جرد قمنا بها لولاية مصر مع ملاحظة أن الأوضاع في الشام والعراق واليمن كانت أسوأ . 
فقد كان السلاطين فعلاً يدركون أهمية مصر ولكن ذلك ظل عادة في الاطار البيروقراطي لذا سنرى ما الذي جرى في مصر على مدار 3 قرون . 
الآن نقدم وثيقة تاريخية غير مسبوقة . 
قمنا بصناعتها بأنفسنا من خلال الإعتماد على مختلف المصادر التاريخية الموثوقة ( مصرية – تركية – عالمية ) وستقرأون إحصاءات لم يقم بها أحد من قبل في حدود علمنا . وهي متعلقة بمصر وحدها وهي عينة ممثلة للمنطقة بصورة جيدة لأن استانبول كانت تضع مصر في مقدمة اهتماماتها .


عدد الولاة الذين حكموا مصر خلال 3 قرون :142 واليا
 في القرن 16 ... 25 والي 
( 83 سنة فقط من القرن بدءاً من 1517)
  في القرن 17 ..  54 والـي 
 في القـرن 18.. 56 والـــي 
في القرن 19...7 ولاة 

 في ست سنوات فقط 
بسبب استيلاء محمد علي وأسرته على الحكم منذ 1805


كثرة الولاه في حد ذاته معيار خطير على سوء الإدارة لأن الفترة القصيرة جداً للوالي لاتتيح له أن يفهم الأوضاع ثم يبدأ في العمل والتطوير فهو لم يكد يبدأ يفهم حتى يطاح به . وسنجد تدهور حتى في هذا المعدل . ففي القرن 16 كان المعدل 3 سنوات للوالي الواحد ثم تحول إلى أقل من سنتين للوالي الواحد في القرنين 17 و18 أما في مطلع القرن 19 فقد وصل لأقل من عام واحد للوالي الواحد وهذه مهزلة في حد ذاتها لاتقبل عادة لمدرب فريق لكرة القدم أو رئاسة شركة . 
الوالي بهذا الأسلوب لا يمكن ان يكون قائداً حقيقياً بل يتحول إلى مجرد رمز للسيادة المركزية ومدة الولاة أقل من ذلك بكثير ففي القرن 16 استمر اثنان من الولاة 20 سنة ( 11 سنة و9 سنين ) وهذا يوضح أن الباقيين استمروا أقل من 3 سنوات .
وفي القرن 17 استمر والي واحد 25 سنة في موقعه ( متوسط الكفاءة !!) وهذا يعني بقاء باقي الولاه أقل من سنتين بكثير!!
والآن ننتقل إلى تصنيف آخر للولاة من حيث الكفاءة إلى ثلاثة انواع :
1- ولاة جيدون
2-  سيئون
3- بلا سلطات إطلاقاً لهيمنة المماليك عليهم .

 وحتى لانزيد في الاحصاءات فلابد أن يكون واضحاً أن كل قرن كان أسوأ من الذي كان قبله بمعنى أن عدد الولاة الجيدين في تناقص مستمر لحساب عدد الولاة السيئين والمعدومي السلطة والأخيرون سيزيدون جداً في المرحلة الأخيرة ومن الطريف ان نؤكد أن الوالي الجيد قد يكون حسن الأخلاق ولكن ضعيف إدارياً وإلا لتناقص عددهم بشكل خطير . أما الوالي السئ فهو ليس مجرد سئ بل مجرم سفاك للدماء ونهاب للمال . 
حتى لقد وصل الأمر عند المؤرخين إلى مدح بعض الولاة فيقولون ( لم يكن سفاكاً للدماء !! وكأن سفك الدماء هو الأصل ) . 
ولقد وضعنا في هذه الخانة ( السوء ) من حاول أن يضبط انفلات العسكر فغلب على أمره أو قتل لأن هذا يعني أنه فاشل أو أن من عينه لم يعطه القوة التي تساعده على مواجهة انحراف العسكر العثماني والمماليك . أما الخانة الثالثة ( بلا سلطات ) فتعني الولاة الطراطير الذين كانوا مجرد دمية في يد المماليك أو سجناء في القلعة . وقد ازداد عددهم مع مرور الأيام
وكانوا معظم الولاة في القرنين 17 و18 !!
ولاة جيدون      19
ولاة سيئون      26
ولاة بلا سلطات  90
المجموع =      135
وذكرنا أن عدد الولاة كان 142 وهذا الفارق المحدود بسبب أن بعض الولاة تكرر تعيينهم كما تولى ولاة مؤقتون للمنصب لحين مجئ الوالي الرسمي ( قائم مقام ) وهؤلاء كانوا يستمرون لفترات غير قصيرة جداً.
إحصاء ثالث :
 من بين هؤلاء الولاة انتهي حكم 12 منهم بالقتل أو الإعدام ، 5 منهم ماتوا بالقتل بأمر من السلطان أو المماليك أو الانكشارية أو الجمهور !! 7 منهم ماتوا بالاعدام الرسمي في استانبول بسبب نهبهم للأموال غالباً وليس بسبب سفكهم لدماء الرعية !!
ويدخل في النهب فرض ضرائب إضافية على الرعية بدون إذن رسمي . ومع ذلك يدخل إعدام هؤلاء في خانة الإيجابية ولكن مع الأسف فإن الإعدامات لم توقف مسلسل جرائم الولاة لأن آليات التعيين وقصر المدة تساعد على الانحراف .
هذا هو العمود الفقري للمعلومات التي تتحدث بنفسها عن سوء الأحوال ولكن لابد ان يكسو هذا العمود الفقري ببعض اللحم والشحم والدم لتصبح الأمور أكثر وضوحاً وأكثر إنصافاً .
التنظيم الإداري لسليم الأول :
قبل أن يغادر مصر بعد فتحها وضع السلطان سليم الأول نظاماً إدارياً لمصر يكفل دوام تبعيتها للعثمانيين وضمان عدم خروج ولاتها عن الطاعة وذلك بتقسيم السلطة فيها إلى ثلاث قوى يقف كل منها للآخر بالمرصاد وهذه القوى الثلاثة هي :

* قوة الباشا الحاكم وواجبه إبلاغ الأوامر السلطانية لرجال الحكومة والشعب ومراقبة تنفيذها .
* قوة الجيش ( الوجاقات ) : وقد عين للإقامة في القاهرة والمراكز الرئيسية بالبلاد ستة آلاف فارس وستة آلاف جندي من المشاه مقسمين إلى ستة وجاقات أي ستة فرق وهي: - وجاق المتصرفة - وهو مؤلف من نخبة الحرس السلطاني .
- وجاق الجاويشية – وهو مؤلف من صف ضباط الجيش السلطان سليم وعهد إليه جباية الخراج . ( لاحظ أننا نستعمل هذا التعبير حتى الآن الجاويش أو الشاويش لصف الضباط في الجيش و الشرطة )
- وجاق الهجانة – لحراسة الحدود .
- وجاق التفقجية أي حملة البنادق .
- وجاق الانكشارية وهو أهم الوجاقات فالانكشارية كانوا هم القوة المحاربة الأولى في الجيش العثماني ومهمتهم الرئيسية المحافظة على البلاد .
- وجاق الغرب
وكان على رأس كل وجاق ضابط يلقب بالأغا يساعده الكخيا ( أي النائب ) والباش اختيار الدفتردار والخازندار والروزمانجي ومن اجتماع هؤلاء الضباط من سائر الوجاقات يتألف مجلس شورى الباشا أو الديوان الذي لايقضي الباشا أمراً إلا بمصادقتهم – ولهم أن يوقفوه عن اتخاذ أي إجراء وأن يستأنفوا قراراته إلى ديوان السلطان باستانبول ولهم أيضاً أن يطلبوا عزله إذا اشتبهوا في تصرفاته ومقاصده .
(3) قوة المماليك :
رأى السلطان سليم الأول في وجود المماليك إلى جوار القوتين السابقتين مايحفظ التوازن بين الباشا والوجاقات. 
وكان قد عرض على طومان باي حاكم مصر المملوكي بعد مصرع قنصوه الغوري أن يبقى على رأس مصر في مقابل إعترافه بتبعيته وسيادة العثمانيين في مصر ولكنه رفض وهذا يحسب إيجابياً للسلطان سليم حيث كان حكم المماليك في تلك الآونه امتداداً لعهودهم الزاهرة وإن طرأ عليهم الضعف بالمقارنة مع العثمانيين ولكنهم كانوا يحاربون البرتغال دفاعاً عن الأراضي المقدسة في الحجاز وفي البحر الأحمر والمحيط الهندي . 
وأيضاً تأكيداً لمعنى اندماج نظامين اسلاميين وليس مسألة استعمار من تركيا للشام أو مصر ... ولكن طومان باي قاتل حتى قتل..
أصدر سليم الأول أمره بإيقاف عملية القتل في المماليك بعد أن بلغ عدد قتلاهم عشرة آلاف ونودي عليهم بالأمان ودعوا للظهور للإضطلاع بدورهم في الحياة الجديدة حيث عهد إليهم بإدارة مصر لحساب الحكم العثماني فقسمت مصر إلى 24 وحدة إدارية ( سنجقية والأصغر كاشفية ) على ان يكون السناجق والكشاف من المماليك . وجعل مهمتهم جمع أموال الخراج والمحافظة على الأمن ومنح السنجق رتبة بك .
على كل مافي هذا التوجه من إستنارة وإعتماد على عناصر قيادية إسلامية من داخل البلد فالمماليك أصبحوا مصريين أصلاء وكانوا قادة البلاد لأكثر من قرنين من الزمان إلا أن هذا الترتيب الإداري وإن كان قوياً في المدى القصير وربما على مدار ماتبقى من القرن السادس عشر . 
إلا أنه حمل بذرة فنائه منذ البداية .نلاحظ منذ البداية الأولى مايلي :
*أن مهمة الوالي مجرد ابلاغ أوامر السلطات ومراقبة تنفيذها فهو ليس لديه أي نوع من الصلاحيات المحلية أو الصلاحيات العامة المحدودة وهذا يؤكد أن شخصية الوالي لابد أن تكون بعيدة عن المبادرة والمعروف أن النظم الإتحادية حتى الفيدرالية لابد أن تعطي مساحة من المبادرة الخاصة والصلاحيات في حدود الإقليم أو الولاية . 
فهل كان يمكن الأندلس أن تدار من دمشق بهذه المركزية أم لابد أن تأخذ اللامركزية مساحتها المنطقية ( نقول هذا في عهد الدولة الأموية على سبيل المثال ) .
*ومايترتب على السلطة التنفيذية يسري على السلطة التشريعية فلابد لأي ولاية أن يكون لها مساحة للتشريع المحلي المرتبط بالظروف الخاصة وبالذات حين نتحدث عن بلاد أصيلة ومركبة مثل مصر والشام أو العراق . 
وإن كان ذلك في إطار الشريعة الاسلامية التي يتسع حكمها وتتسع معاييرها لكل أشكال التنوع البشري والمتغيرات .
*نلاحظ العسكرة في النظام السياسي حتى تحولت الشورى إلى شورى عسكرية مع قادة الوجاقات ( الوحدات العسكرية ) بل أصبحت هذه الشورى ملزمة للوالي أو على الأقل تملك حق الطعن والفيتو ورفع الأمر للآستانة . وهذه شورى ممتازة إذا كانت بين أولي الأمر من العلماء والقادة وأهل الرأي والفكر ( العقدة والحل ) ولكننا رأينا أنها شورى عسكرية.

حقاً إن العسكر خاصة الانكشارية كانوا يربون تربية عقائدية ولكنها ليست هي التربية المؤهلة للقيادة السياسية الشاملة . فبدلاً من الدعاة أو الحزب الاسلامي المركزي أو خريجي معاهد خاصة لإعداد القادة نجد هذه الروح العسكرية والتي كانت مرشحة للتدهور السريع بحكم تكوينها أو طبيعتها . بل سنرى كيف تحولت الإنكشارية إلى نوع من المماليك المتخلفين وكيف ساهموا في هدم الدولة وضرب الشورى على المستوى المركزي إلى حد قتل وتصفية السلاطين وفرض سلاطين آخرين !

*الاستعانة بالمماليك كحزب إسلامي حاكم في مصر قبل مجئ العثمانيين فكرة صائبة من حيث المبدأ فالفتح الإسلامي خاصة بين بلاد إسلامية ( كما هو مع بلاد غير إسلامية لايقتضي استئصال الطبقات الحاكمة الأصلية وهذا مفهوم جديد في العلاقات الإنسانية الدولية . ورؤية إسلامية صائبة تستهدف الإستيعاب والامتصاص والإندماج الطبيعي . ولكن هذه العملية تحتاج لفرز على أساس الكفاءة والصلاحية . ولايمكن أن تؤخذ هكذا بالجملة لإراحة النفس خاصة في إطار دولة إسلامية كبرى موحدة . وفي المقابل فإن تطوير التعليم والأزهر من شأنه توفير دماء جديدة للبناء الإسلامي . وكل هذا ربما لم يرد على ذهن العثمانيين ولم يكن بمقدورهم تنفيذه لأنه ليس في إطار قدراتهم وتصوراتهم .
والآن سنقدم عرضاً تحليلياً شديد الإختصار لمرحلة حكم العثمانيين لمصر على مدار 3 قرون مع ربط ذلك بالحالة العامة المركزية للدولة العثمانية وكل ذلك بهدف شرح وتحليل الرؤية السابقة الواردة في هذا الفصل . وبهدف استشراف المعنى الصحيح للدولة الإسلامية المرتجاه بإذن الله تعالى .
تولية خاير بك ( باشا) كأول والي لمصر :
هكذا بدأ السلطان سليم وهو في مصر توليه أول والي وقد كان من قيادات المماليك حاكم حلب السابق الذي ساعده على فتح مصر وهو خاير بك الذي أصبح باشا . 
ومن أخطاء السلطان سليم أنه أبطل النقود القديمة ليضرب نقوداً جديدة تحمل إسمه دون ان يراعي انها كانت أخف من القديمة بمقدار الثلث فخسر الناس في ذلك ثلث أموالهم والمعروف الذي درسناه في المدارس ان السلطان سليم أخذ معه لإستانبول عدداً كبيراً من أرباب الصنائع، المهندسين والبناءين والنجارين والمرخمين والمبلطين وطائفة من الفعلة وقد ترتب على هذه العملية تعطل خمسين صناعة في مصر على مايقول إبن إياس وهو المؤرخ المصري الذي لم يحمل كثيراً من الود تجاه العثمانيين ! ولكن هذه الواقعة صحيحة ( نقل الحرفيين ) ولكن لابد من الإشارة إلى أن خلفه سليمان القانوني وكان أكثر رجاحة في العقل والحكمة، خّيرهم بعد سنوات بين البقاء في اسطنبول أو العودة لمصر ولكن حتى إن عادوا فلا شك إن الحرف في مصر اختل عملها بسبب هذا النقص المفاجئ للخبرة لعدة سنوات . ويواصل ابن إياس غضبه على السلطان سليم الأول ولوعته من أجل مصر فيقول أن السلطان خرج (متجهاً إلى حرب الصفويين ) محملاً بما غنمه والذي احتاج لحمله ألف جمل . 
حملت كلها بالذهب والفضة والتحف والأسلحة والصيني والنحاس المكفت التي وصلت إلى حد إقتلاع الأعمدة الرخامية والزخارف والنقوش وكل ماله قيمة فنية في قصور أمراء المماليك وأعيان الناس . 
كما أضاف إن ابن عثمان هتك حريم مصر ، وما خرج منها حتى غنم أموالها وقتل أبطالها ويتم أطفالها وأسر رجالها وبدد أحوالها وأظهر أهوالها فلاحول ولاقوة إلا بالله .
وبالتأكيد هذه ليست ممارسات إسلامية مع افتراض صحتها (ولابن إياس مصداقية كبيرة كمؤرخ ) وهي صحيحة بشكل عام فبين المسلمين لاتوجد مغانم ولا أسرى .
والواقعة الأخطر من نقل الحرفيين أن السلطان سليم الأول أصدر أمره بترحيل طوائف من أعيان الناس . مابين قضاة ونواب قضاة وأكابر من المسلمين والمسيحيين واليهود والتجار والوراقين إلى اسطنبول ليقيموا بها إقامة إجبارية فيكونوا أشبه بالرهائن ( وهذا هو الأسلوب العسكري ) من ناحية ولكي يألفوا الحياة العثمانية في عاصمة الدولة  من ناحية أخرى ولابأس من ذلك ولكن ليس بالإجبار .
السلطان سليمان القانوني ومصر :
بعد فتح مصر بـ 3 سنوات مات سليم الأول وتولى ابنه سليمان الحكم عام 1530 وعمره 28 عاماً وحكم خمسين سنة بلغت الدولة العثمانية اوج مايمكن أن تصل إليه دولة من العظمة والذي سيلقبه الأوروبيون بسليمان العظيم . 
أما رعايا دولته فيطلقون عليه سليمان القانوني لكثرة ماوضع من أنظمة قانونية توخى من ورائها تحقيق العدل من خلال سيادة القانون .
أي حاكم عثماني رشيد لابد أن يضع مصر في قمة أولوياته لأهميتها الاستراتيجية وهذا مافعله السلطان سليمان منذ البداية حيث أطلق سراح الخليفة المتوكل ( آخر خليفة عباسي وكان يعيش في القاهرة في آخر عهد المماليك وكان أبوه سليم الأول قد نفاه خارج إسطنبول واعتقله فأعاده إلى اسطنبول ورتب له نفقة شهرية ثم أعاده إلى مصر كما سمح – كما قلنا – لكل المصريين ( حرفيين أو علماء ) الذين فرض أبوه عليهم الإقامة الجبرية في اسطنبول أن يعودوا إلى مصر وأجرى تعديلاً للنظام الإداري في مصر بحيث يجعل المماليك جزءاً مؤسسياً وغير متفلت من الإدارة فأنشأ وجاقاً سابعاً لهم . 
وبهذا أصبحت عدة الجنود في مصر عشرين ألفاً . ولكن ظل وجاق الانكشارية هو أهم الوجاقات السبعة وقائده هو المقدم والرئيس على سائر الوجاقات الأخرى .
كما أعاد تنظيم الديوان الكبير وانشأ إلى جواره ديواناً آخر دائماً . 
فأما الديوان الكبير الذي كان يتألف من قادة الوجاقات الستة فقد أضيف إليهم قادة الوجاق السبع المملوكي يضاف إليهم أمير الحج والقاضي الأكبر والمفتيون الأربعة والأئمة الأربعة ورؤساء المشايخ والأشراف. (موسوعة تاريخ مصر – أحمد حسين – دار الشعب – القاهرة – 1973)
وأصبح من حق هذا الديوان إصدار كل القرارات التي لايتعلق صدورها بالباب العالي ولايملك الباشا الوالي إلا ان يصدق على هذه القرارات . على أن هذا الديوان لم يكن ينعقد إلا بدعوة من الباشا ويمكن أن يوصف هذا الديوان بأنه مجلس شورى وإن زادت فيه الجرعة المدنية ظلت تغلب عليه الصفة العسكرية .
أما الديوان الصغير الدائم الذي ينعقد يومياً فكان يتألف من كتخدا الباشا ( نائبه) والدفتردار والروزنامجي ومندوب من كل وجاق . ولكن ماهي وظائف هذه المناصب ؟!


.

ليست هناك تعليقات: