إبن الزبال لا يمكن أن يصبح قاضيا
والزحف المقدس بتعيين أبناء القضاه سيستمر

لعل البعض يتسائل لماذا اختار قضاة مصر المستشار زكريا عبد العزيز – أحد رموز تيار الإستقلال و العداء لنظام مبارك- رئيسا لنادي القضاه، خلال السنوات العشر الأخيرة، من حكم حسني مبارك؟
ثم لماذا اختار نفس القضاه، بعد ذلك – للمفارقة - المستشار أحمد الزند –أحد رموز التبعية لنظام مبارك- ليقودهم في أثناء ثورة يناير، و التي قامت ضد نظام مبارك؟
و كمحاولة لفهم هذا اللغز، دعنا نسأل السؤال بصيغة أخري، على لسان أحد الباحثين الغربيين:
لماذا لم يستغل القضاة الفرصه "الذهبية" التي قدمتها لهم ثورة 25 يناير لتحقيق مبدأ "استقلال القضاء"، الذي طالما نادوا به، و حقق لهم الكثير من ثقة المواطنين، و السمعة الطيبة في الداخل و الخارج؟
كان المنطق يقول أن القضاء المصري سينحاز لمطالب الثورة، و سيساهم في تأسيس نظام قائم على العدل و المساواه بين المواطنين.
و لعل ما رسخ هذه الفكرة، في نفسية المواطنين، هو سعي القضاه في مصر، منذ مطلع السبعينيات، لتحقيق مبدأ استقلال القضاء، و دعم الحريات المدنية و السياسية. و هو ما تجلى في مؤتمر القضاه عام 1986, و ما تلاه من حراك قضائي في التسعينيات، ثم بروز تيار استقلال القضاء، خلال العقد الأخير من حكم مبارك.
و الآن يتسائل الكثيرون، لماذارفض قضاة مصر الإنحياز لمطالب ثورة 25 يناير العادلة؟ و لماذا رفض القضاه – مثلا- إقالة النائب العام، الذي كان من أول مطالب ثورة 25 يناير؟ لماذا اعتبر القضاه أن مطلب إصلاح القضاء خطر عليهم؟ و لماذا عملوا على اهدار حقوق الشهداء بطريقة ممنهجة؟ فلم يتم الحكم لصالح أي من شهداء الثورة إطلاقا؟ و لماذا عملوا على تبرئة جميع رموز نظام مبارك؟
و قد أجابت على هذه الأسئلة دراسة أكاديمية رصينه، خرجت حديثا، من جامعة تكساس أيه&إم الأمريكية، و أجرتها الدكتوره سحر عزيز أستاذ القانون بكلية الحقوق بجامعة تكساس، و معهد بروكنجز. و قد أرجعت الدراسة سبب انحياز القضاه في مصر ضد الثورة لسببين أساسيين:
السبب الأول:
قدرة نظام مبارك على مدار عشرات السنين على شراء ولاء الأغلبية الكاسحة من القضاه من خلال استعمال سياسة العصا و الجزرة.
فمن يغضب عليه النظام يتم نقله إلى أماكن بعيده و نائية، إضافة إلى حرمانه من امتيازات مادية و مالية كثيرة. أما من يرضى عنه النظام، فيتم تعيينه في أماكن هامة، تدر عليه دخلا ما ليا عظيما.
و على مستوى عام، فقد كانت سياسة الولاء مقابل الإمتيازات، سياسة ناجحة، جعلت الكثير من القضاه يفضلون الأمان الوظيفي، و الوضع الإجتماعي، و ضمان الدخل المرتفع، و تعيين أولادهم في سلك القضاء، على تحقيق العدالة نفسها.
السبب الثاني:
هو "طبيعة الإصلاحات" التي أراد الإخوان المسلمون و القوى الشبابية، إدخالها في النظام القضائي. فالثورة لم تعرض "إستقلال القضاء" مقابل لا شيء؛ و لكنها ربطت إستقلال القضاء، بما أسمته الباحثة: "المسؤولية القضائية أمام الشعب"، و التي تحتم على القضاه الإبتعاد عن كل ما له علاقة بالسلطة، و تطبيق القانون على أنفسهم قبل الشعب.
و المسؤولية أمام الشعب، تعني فقدان القضاه للكثير من الإمتيازات و المناصب، التي تمنحها لهم السلطة التنفيذية. و من ناحية أخرى فإن هذا يعني، أن القضاه يجب أن يكونوا، مثالا يُحتذى أمام الشعب، في النزاهة، و احترام القانون؛ مما يترتب عليه –مثلا- حرمان الأبناء غير المؤهلين، من وراثة مناصب آبائهم في سلك القضاء.
تقول د. سحر عزيز في بحثها:
إن المزاوجة بين مطلبي "الإستقلالية" و "المسؤلية" أمام الشعب، جعلت القضاه ينظرون إلى هذه المطالب كخطر يهدد مصالحهم الشخصية و المادية.
و بالتالي فقد اندفع القضاه في في تعويق عمل الرئيس المنتخب محمد مرسي، باسم الحفاظ على استقلال القضاء، من أجل منعه من إدخال أي إصلاحات في السلطة القضائية. و بعد ذلك ركب القضاه موجة الآلة العسكرية، و تخلوا تماما عن المطالبة باستقلال القضاء.
و في ضوء هذه الدراسة، يمكننا أن نفهم أن تأييد القضاه لمبدأ "إستقلال" القضاء في السابق ، كان بهدف كسب مزيد من القوة، و النفوذ، و الجاه، و ليس بدافع الحرص على تحقيق أقصى درجات العدالة للمواطنين.
و هو ما يشبه الصراع المكتوم على النفوذ – الدائر حاليا - بين المؤسسات الأمنية (جيش و شرطة من ناحية، و مخابرات عامة و حربية من ناحية أخرى). فأيام مبارك كان القضاه ينافسون جهاز الشرطة –أقوى مؤسسات الدولة نفوذا - في الحصول على النفوذ، لهم و لأولادهم؛ و لذلك ركب معظمهم موجة استقلال القضاء.
و عليه؛ نستطيع أن نفهم لماذا اختار القضاه، واحدا من رموز تيار "استقلال القضاء"، المستشار زكريا عبد العزيز رئيسا لنادي القضاه في (2001-2009)، فقد كانوا بحاجة لمن يقف أمام تغول الشرطة عليهم، حتى لا تعاملهم كباقي المواطنين.
أما بعد ثورة 25 يناير فقد كان القضاه بحاجة لمن يدافع عن مصالحهم الشخصية، و العائلية، و التي باتت مهدده بفعل مطالب الثورة.
و لهذا تم اختيار المستشار أحمد الزند، رئيسا لنادي القضاه (2009-2015)، و الذي طمأنهم بأن: ابن الزبال لا يمكن أن يصبح قاضيا، و أن الزحف المقدس بتعيين أبناء القضاه سيستمر.
.. عبد الرحمن يوسف القرضاوى
..
( إبن الوزير .. يبقى وزير وابن المشير يبقى مشير وابن القاضى .. يبقى قاضى)..
( إبن الوزير .. يبقى وزير وابن المشير يبقى مشير وابن القاضى .. يبقى قاضى)..
ابن الزبال لا يمكن أن يصبح قاضيا
والزحف المقدس بتعيين أبناء القضاه سيستمر.
والزحف المقدس بتعيين أبناء القضاه سيستمر.
أصحاب المهن عن "وزير العدل":
مستقبل ابن عامل النظافة هيبقي أحسن من ابنه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق