الأحد، 24 يناير 2016

من حقــك أن تتظــاهر ولا تموت.



مجتمع على حافة الحرب الأهلية



هل هناك أسباب موضوعية تكفي للتظاهر ضد نظام عبد الفتاح السيسي، والثورة عليه، بعد خمس سنوات من الثورة على حسني مبارك؟
تكاد كل أطراف ثورة يناير تجمع على أن الوضع الحالي أسوأ بكثير، وأدعى للغضب، مما كان في العام الأخير لحسني مبارك في الحكم، ذلك أن ما ارتكبه الجنرال الصغير، السيسي، من كوارث، وفظائع، في عامين من حكمه، أضعاف ما جناه الجنرال الأكبر، مبارك، على شعبه، خلال ثلاثين عاما من حكمه.
قدّم المثقف القومي الناصري، محمد عصمت سيف الدولة، قبل أيام، لائحة بخمسين سبباً تدعو لإحياء ذكرى ثورة يناير، تتنوع بين المحلي والإقليمي والدولي، وتتوزع بين الإنساني والأخلاقي والسياسي والاقتصادي والحضاري، لا أظن أن أحداً من "أهل يناير" يختلف عليها، ولم أسمع أن أحداً منهم انبرى لدحضها وتفنيدها.
هنا، تكمن المفارقة، وأنت تتابع مواقف النخب المصرية من التظاهر ضد النظام، غداً، حيث الإقرار بأن مأساوية الوضع الراهن، بتفصيلاتها الغزيرة، تكفي لإحداث أكثر من ثورة، وصناعة أكثر من غضب، وفي الوقت نفسه، التلمظ وأحيانا السخرية والتسفيه لمؤيدي دعوات التظاهر والخروج ضد النظام.
بدأت المسألة بالتخويف والتفزيع، استناداً إلى أن النظام أكثر وحشية وشبقاً لإراقة الدماء، مما كان عليه في عام 2011، وأن معسكر الثورة ليس في حالة جيدةٍ، تجعله قادراً على مجابهة النظام، الذي لا يتردد في التلويح باستخدام كل أسلحة القتل والقمع.. ثم، وبعد أن بدا أن إصراراً متزايداً من قطاعات شعبيةٍ، عفوية وليست منظمة، على الخروج، بدأت موجة التشكيك والتسفيه، بل والذهاب إلى أن أجهزة النظام هي التي تتولى تضخيم حجم الخطر المتوقع في الخامس والعشرين من يناير، كي تواصل السيطرة في مشاعر المواطن الباحث عن الاستقرار، حتى وإن كان زائفاً، وعلى حساب أبسط الحقوق الإنسانية.
وتلمح ثمة بعداً آخر، استعلائياً وعنصرياً للأسف، في عمليات التحبيط والتثبيط والتسفيه، ذلك أن بعضم يستنكف أن تكون هناك دعوة لثورة غاضبة، من أحدٍ غيره، مسكوناً بذلك الهاجس، أو الوهم الذي أسقطته تجربة الأعوام الثلاثة الماضية، من أنه لا ثورة إلا تلك التي تتدحرج من أفكاره، ويكون هو البطل فيها، بل إني لا أذيع سراً لو قلت إن بعض "الثوار الفاشيست" يتمناها مقتلة جديدة لجماهير قوى الإسلام السياسي على يد النظام. من ناحية، كي يخرج بعدها في مسوح العرّافين الذين يخبرون كل شيء، مردداً "لقد حذرت ولم يسمع أحد كلامي". ومن ناحية أخرى، يخلو له وجه النظام، يمارس معه لعبة المعارضة، لا الثورة، كما كان الوضع في سنوات مبارك.
من حق الجميع أن يختاروا مواقفهم، فلا أحد يلزم أحداً بالتظاهر، إذ لا توجد ثورة ببطاقات دعوة، فمن شاء فليغضب، ومن شاء فليقعد في بيته، متفرجاً محايداً، غير أن تخطئة المتظاهر لأنه اختار أن يغضب، في التوقيت الذي لا يروق لذلك المتفرج الأنيق، هو بمثابة منح السلطة الضوء الأخضر لكي تفعل الأفاعيل، وترتكب الجرائم في حق الخارجين ضدها.
في مثل هذا الوقت من العام الماضي قلت: تبدأ مجازر السلطة هكذا دائماً: إلحاح إعلامي على أن المعارضين فصيل واحد "إرهابي" يحارب المصريين، ومن ثم لا غضاضة في قتلهم والرقص فوق جثثهم. عادت من جديد عناوين "مقتل فتاة في اشتباكات بين الإخوان والأهالي" امتداداً للمنهج البائس الذي يقوم على عزل قطاع من المواطنين عن المجتمع، تمهيداً لاستباحته، واستحلال دمه، واتباع أحط الأساليب الوحشية في التعامل معه بالقمع والقتل والإبادة.
تماماً كما فعلوا في مجازر "الحرس الجمهوري" والمنصة، ثم ميداني رابعة العدوية والنهضة، أعطبوا الضمير الجمعي أو خدّروه، من خلال حملة إعلامية مسعورة، حاولت أن تصور كل من يرفض عسكرة الدولة، ويقاوم عملية ابتلاع ثورة يناير، إرهابياً عدواً للجيش والشعب والشرطة والدولة.
وهذا العام، حريّ بالنخب القاعدة والمتقاعدة أن تتذكّر جيداً أن مجازر رابعة العدوية والنهضة وما قبلهما، وبعدهما، ما كانت لتقع بهذه الفظاعة، لولا أن السلطة اتخذت من السادة المتفرجين المحايدين، بعبارة واحدة "المحرّضون الصامتون" غطاء لجرائمها التي أودت بثورة يناير، وبالمجتمع كله إلى أتون مستعرٍ حتى الآن.
في ليلة الثلاثين من يونيو/حزيران 2013، خرج الدكتور محمد البرادعي على الشاشات يطالب كل مصري ومصرية بالخروج والتظاهر ضد رئيسٍ منتخب، وقبلها جال على المجتمع الدولي يطلب الحماية والدعم للمتظاهرين.
الآن، هناك مصريون يعتزمون التظاهر غداً ضد نظام انقلابي، وضع المجتمع على حافة الحرب الأهلية: أتمنى أن أسمع شيئاً من الدكتور محمد البرادعي، لمطالبة النظام المصري باحترام حق التظاهر السلمي، ومراقبة فعاليات الاحتفال بذكرى ثورة المصريين ضد القمع والبطش وإهدار الحق في الحياة.





ليست هناك تعليقات: