الجمعة، 25 ديسمبر 2015

جنرال «الاختفاء القسري» .. حاول الهرب ومات سجيناً بالسرطان ! فيديو


تشيلي وحكم الجنرالات 
جرائم الاختفاء القسري والاغتيال السياسي



في السابع من شهر أغسطس الماضي، وبينما كانت تجتاح الفرحة الآلاف في تشيلي ابتهاجاً بوفاة الجنرال مانويل كونتريراس وهو قيد الاعتقال بعد إصابته بمرض السرطان في السجن، كان المحتشدون أمام المستشفى العسكري في العاصمة سانتياغو تنتابهم مشاعر متناقضة من الفرح والحزن وهم يرفعون صور الضحايا من أبنائهم وبناتهم وازواجهم وآبائهم، قائلين أنه بالرغم من فرحتهم واحتفالهم بوفاة جنرال الاختفاء القسري وعمليات التعذيب والقتل في عهد الديكتاتور بينوشية، فإنهم كانوا يتمنوا "أن يعيش أكثر ليعاني أكثر ويتألم أكثر"، كما تجرع ذوو أكثر من 40 ألف ضحية كأس المرارة والألم نتيجة الجرائم التي ارتكبها الجنرال كونترايراس وضباطه بحق هؤلاء الضحايا على مدار 17 عاماً.
 لفظ الجنرال كونتريراس، الذي كان يحكم قبضته على أهم أجهزة بينوشيه الأمنية والاستخباراتية، أنفاسه الأخيرة عن عمر يناهز 86 عاماً في العناية المركز بعد تدهور حالته الصحية في المستشفى العسكري التي نُقل إليها منذ سبتمبر 2014م، حيث يقضي عقوبة السجن لأكثر من خمسة قرون (526 عاماً) بعد ادانته بجرائم قتل واخفاء قسري وتعذيب، وهو ما أعاد لواجهة وسائل الإعلام التشيلية خلال الأشهر الماضية القصص المروعة عن معاناة وعذابات الاف الضحايا الذين لا يزال مصير بعضهم مجهول حتى الآن، والدور القذر الذي لعبه جنرالات الجيش والأجهزة الأمنية إبان انقلاب 1973م الذي أطاح بونيشيه من خلاله بالرئيس المنتخب سلفادور الليندي.
 كان كونتريراس الرجل الأكثر قسوة ورعباً بعد بينوشيه في تشيلي؛ فخلال الفترة من 1973م وحتى عودة تشيلي إلى الحكم الديموقراطي عام 1990 تم اعتقال أكثر من 40 ألف ناشط وسياسي بحسب تقرير رسمي، وتم قتل 3095 شخص بينهم 1200 معتقل تم اخفائهم قسرياً، حيث كشفت التحقيقات والمحاكمات القضائية فيما بعد أن جهاز الأمن السياسي "دينا" الذي كان يرأسه كونتريراس قام بتحويل ملعب سانتياغو الدولي لكرة القدم إلى معسكر للاعتقال والتعذيب، وهو ما أدى إلى وفاة المئات وتناثر الجثث، ليتم التخلص منها عن طريق القائها في المحيط بطائرات الهيلوكوبتر بإشراف مباشر من الجنرال المقرب من قائد الانقلاب.
 لم ينسى رفقاء وأهالي الضحايا ذويهم الذين قُتلوا في الشوارع أو الذين قضوا تحت التعذيب في زنازين كونتريراس رغم مرور عشرات السنين، فأخذ بعضهم يُصيح بشكل هيستيري أمام المستشفى بعد موته "قاتل، مجرم حرب"، وكأنهم يريدونه أن يسمع أنهم لم ولن يسامحوه حتى بعد موته، وكيف يسامحوه وهو لم يسمح لهم حتى بدفن جثث أبنائهم وبناتهم بعد أن تناثرت دمائهم واشلائهم في الشوارع، ليقوم بدلاً من ذلك بشحن الجثث في طائرات عسكرية والقائها في البحر؟!.
 فيما تحكي بعض عائلات الضحايا أن جهاز "دينا" كان وراء أكثر من نصف حوادث القتل والإخفاء القسري والتعذيب خلال محاولة كونتريراس تكريس رئاسة بينوشيه للبلاد في يناير 1974م بعد الانقلاب خاصة وأنه أخذ على عاتقه إبادة قادة ونشطاء الأحزاب والمنظمات اليسارية والحركات الشعبية. 
 تخطت عمليات كونتريراس حدود البلاد خاصة بعد سيطرته على رؤوس الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في البلاد بدعم مباشر من بونشيه بهدف توحيد صفوف الأجهزة الأمنية وحل الخلافات التي نشأت بين بعض القوى الأمنية والجيش، وأخذ الجنرال على عاتقه تصفية جميع المعارضين للنظام العسكري أو كل من يشتم في كلماته تهديداً محتملاً للسلطة، فالرجل أحد مهندسي ما سُمي وقتها "بخطة كوندور"، وهي حملة منظمة تعاونت فيها ديكتاتوريات أمريكا الجنوبية وقتها؛ شيلي، الأرجنتين، البرازيل، بوليفيا وباراغواي وأوروغواي، مهمتها اغتيال وتصفية المعارضين السياسيين، حيث كشفت التحقيقات فيما بعد أنه هو من قام باغتيال وزير الخارجية الاشتراكي في عهد الليندي خوان بابلو ليتيلييه بالولايات المتحدة عام 1976 مع سكرتيرته في تفجير سيارة مفخخة، ليتم ادانته بحكم نهائي مع الجنرال بيدرو اسبينورا عام 1995م بالسجن 7 سنوات، ، بينما كشفت تقارير حقوقية وإعلامية عن عشرات الآلاف من الأشخاص الذين قُتلوا في هذه المنطقة خلال فترة حكم الديكتاتوريات بأمريكا الجنوبية. بعد إدانته بحكم نهائي عام 1995م،
حاول كونتريراس إثارة القلاقل في البلاد وهرب إلى جنوب البلاد محاولاً تأليب قيادات الجيش، لكن بعد شهرين من هروبه تخلى الجيش عنه تحت الضغط السياسي والشعبي وتم القبض عليه وأودع السجن. توالت الأحكام على مهندس الاختفاء القسري، فلم يكد ينهي عقوبته نهاية عام 2001م ويفرج عنه حتى حكم عليه بعدها بشهور قليلة في قضايا أخرى تخص اغتيال وتصفية وإخفاء زعماء سياسيين بارزين وصحفيين ونشطاء ليتم القبض عليه مجدداً ويودع السجن مرة أخرى حتى نقله إلى المستشفى ووفاته.
 المثير أيضاً، أن علاقة كونتريراس وبينوشيه القوية لم تبقى على حالها، فقد سادها التوتر في مراحل عديدة، لكنها وصلت إلى ذروتها عندما بدأت تتكشف حجم الجرائم التي تم ارتكابها خلال سنوات عملهما معاً، حيث تبادلا الاتهامات حول عمليات التصفية والاختفاء القسري والاغتيال خارج القانون وتهريب وتجارة المخدرات والهيروين إلى أوربا. لكن بالرغم من تحول البلاد إلى الديموقراطية والحكم المدني منذ عام 1990م إلا أن هناك جناح من الجنرالات داخل الجيش كان يحاول حماية كونتريراس خلال تلك السنوات، لكن الضغوط الشعبية واحتجاجات النشطاء والأحزاب المعارضة وخاصة اليسارية التي نالت نصيب الأسد من جرائم كونتريراس كانت تؤتي ثمارها في النهاية.
 وقد بدأت تلك المحاولات بعد الحكم عليه في قضية اغتيال وزير الخارجية ليتيلييه لكن سرعان ما تخلى الجيش عنه وتم القبض عليه، وعندما أدرك الجنرالات أنه لا مناص من سجن مرتكبي الجرائم من العسكريين خلال حكم بينوشيه بأحكام قضائية، عمدوا إلى تخصيص سجون مرفهة لهؤلاء الجنرالات تتضمن مسابح وملاعب تنس وغيرها، لكن الضغوط أجبرتهم فيما بعد على اغلاقها ونقلهم الى السجون العادية، وفي عام 2009م قضى قرار رئاسي بأن لا يتم منح كونتريراس أي تكريم عسكري عند وفاته بالرغم من عدم تجريده بشكل رسمي من رتبه العسكرية. 
 لكي تعرف قدر المسافة التي قطعتها تشيلي بعيداً عن حكم الجنرالات وجرائم الاختفاء القسري والاغتيال السياسي، لك أن تعلم أن رئيسة الجمهورية الحالية هي ميشيل باشيلي، وهي نفس المرأة التي كانت على رأس وزارة الدفاع بجنرالاتها وطائراتها والياتها في طول البلاد وعرضها وأرضها وسمائها ومياهها منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً مضت ولمدة ثلاث سنوات!.
 #موت_يا_حكم_العسكر





ليست هناك تعليقات: