الاثنين، 5 أكتوبر 2015

«الإرهــاب» عنوان المرحلة !



الأرهاب «جواز المرور» السحري لتبرير كل قمع لنظام سلطوي 
أنظمة الاستبداد (كلها) وجدت في عنوان مكافحة الإرهاب 
 حلا لتبرير استبدادها وقمعها وللخروج من عزلتها 
متى ينتصر الإرهــــاب؟ 
عندمـــا يشــيع الخــــوف. 
 ومتى يشيع الخــــوف؟ 
عندمـــا تصبح القـــوة فوق العـــدل.




في عنوان «مكافحة الإرهاب»، وجد نظام الأسد كما غيره حلا لتبرير استبداده وقمعه وللخروج من عزلته. وكذلك وجدت القوى الخارجية التي تريد لها موضع قدم في خرائط تتشكل. والمثير أن المحبطين والمغيبين واليائسين والعائشين في الماضي وجدوا أيضا في «الإرهاب» حلا للانتقام والثأر .. والطريق إلى الجنة. كان مثيرا أن نشرة الأخبار ذاتها التي تضمنت خبر إلقاء طائرات النظام السوري لمزيد من «البراميل المتفجرة» على درعا وحلب وريف دمشق تضمنت أيضًا كلمة المسؤول السوري الرفيع يقول أمام الأمم المتحدة أن السبيل الوحيد لمقاومة «الإرهاب» المنتشر في الشرق الأوسط هو دعم «النظام السوري»…(!) لم تختلف كلمة المسؤول السوري كثيرا عن ما كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد حاول أن يقنعنا به. أو بالأحرى أن «يُسكتنا» به. 
فالحرب على الإرهاب هو عنوان المرحلة. كما أنه بات «جواز المرور» السحري لتبرير كل قمع لنظام سلطوي، كما كل تدخل لقوى دولية تخبئ خلف اللافتة البراقة أهدافها التي نعرف، أو تلك التي لا نعرف. وجد كل هؤلاء في «الإرهاب» حلا، يمكنهم من تمرير ما يشاءون تحت لافتة محاربته. 
 ••• أيا ما كان أمر النوايا المعلنة أو الخفية، وأيا ما كان شأن مباريات عض الإصبع والحروب بالوكالة التي سارت سمة العصر أو قدر منطقتنا البائسة، فالحاصل أنه بالحق أو بالباطل أو تماشيا مع الخطاب الدبلوماسي السائد، كانت كلمة «الإرهاب» الأكثر شيوعا في كل ما سمعنا من كلمات في افتتاح الدورة السبعين للجمعية العامة. وكان المثير أننا سمعنا من كل المختلفين أو «المتحاربين» أنهم يحاربون الإرهاب، أو على الأقل التأكيد على ضرورة محاربته. سمعناها من بوتين وأوباما، ومن السيسي وتميم بن حمد، ومن روحاني وهادي ومن كل أو معظم من تحدث غيرهم. وكان طبيعيا أن يوجَد الإسرائيليون في «ورشة» صناعة المصطلحات الجديدة (كررها نتنياهو إحدى عشرة مرة في خطابه «المسرحي» المعتاد) والخلاصة أنه إلى جانب من كانوا يتحدثون حديثا واقعيا عن مكافحة الإرهاب «بالنظر إلى أسبابه»، كان هناك من يحاول أن يستثمر الظاهرة والدماء؛ كسرا لعزلته (بوتين)، أو ترسيخا لأقدامه في رمال المنطقة الناعمة (روحاني)، أو بحثا عن شرعية للاستبداد والقمع بالتخويف من البديل (الأسد، ورفاقه .. مهما تباينت التفاصيل والأسماء). 
وفي كل الأحوال بدت اللافتة واحدة، رغم اختلاف الواقفين تحتها أو ما تخفيه خلفها. أما المصطلح، فقد كان أن صار تعبيرا ثابتا في نشرات الأخبار. كلهم قالوا أنهم يحاربون الإرهاب والحقيقة أن السياسة (لا معاجم اللغة) بدت بوضوح هي الحاكمة لاستخدام المصطلح قبل أسبوعين، كان بشار الأسد نفسه قد تحدث في حوار صحفي عن مكافحته للإرهاب. 
وكان نتنياهو قد قال أنه سيعتبر قاذفي الحجارة «إرهابيين»، وفي الأسبوع ذاته التي نظرت فيه محكمة مصرية دعوى تطالب باعتبار تركيا دولة راعية للإرهاب، سارت في شوارع العاصمة أنقرة (١٧ سبتمبر) تظاهرة ضخمة ضد «الإرهاب». 
والحاصل أن السياسة (لا معاجم اللغة) بدت بوضوح هي الحاكمة لاستخدام المصطلح، فكانت النتيجة الطبيعية أن فقدت اللفظة معناها. فبدت مادةً للسخرية بين الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي، أو للنكاية وتصفية الحسابات بلاغات لأجهزة الأمن من هذا وذاك. وكان المثير أن في المجتمعات التي أدركت خطورة مكارثية الانجراف وراء بريق اللفظة والتخويف بها. 
فضلا عن ضرورة التطهر من عقيدة بوش «الأحادية» الكارثية، سارع باراك أوباما ليرد الاعتبار إلى تلميذ مسلم من أصل سوداني، كان الهاجس الأمني الناتج عن الترويج الإعلامي للمصطلح قد أدى بمُدرسِته ورجال الشرطة إلى توقيفه توجسا من "ساعة ميقاتية" صنعها وحملها في حقيبته لفصله الدراسي. وكانت قائمة الذين حرصوا على رد الاعتبار «للمواطن» الصغير، قد شملت معهد ماساشوستس للتكنولوجيا MIT ذَا الشهرة العالمية، ومارك زوكربيرج Mark Zuckerberg منشئ «فيسبوك»، بل أن حرص عامة الناس على الوقوف في صف الصغير أحمد محمد دفع بمشاركاتهم (تغريداتهم) حول الموضوع لأن تصبح في ساعات الأكثر انتشارا يومها على موقع التواصل الاجتماعي الشهير . 
 ••• أن يصبح «الإرهاب عدوا» لا يعلو صوت فوق صوت محاربته، بدا في سياسات وخطابات البعض وكأنه بات "هدفا" في ذاته. لم تذهب ضحيته فقط قواعدَ العدالة اللازمة لبناء مجتمع مستقر آمن، بل أخشى أن يذهب ضحيته أيضا ما كان إحدى قواعد السياسة العربية إقليميا، أن «لا سلام إلا لو كان قائما على العدل». مما لم يصبح معه مستغربا أن تسمع على الجانبين كلاما تشير فحواه، بل ونصوصه في بعض الأحيان إلى أن ما كان بيننا وبين إسرائيل أصبح ضربا من الماضي، وأن علينا الآن أن نتفرغ سويا «للحرب على الإرهاب». كما كان طبيعيا أن يحجب غبار تلك الحرب الذي أراده البعض قاتما وكثيفا، حقيقة أن السلام لم يأتِ بعد. وأن غيابه أحد الروافد المغذية لهذا الإرهاب، وأن الإسرائيليين ينتهكون يوميا حرمة الأقصى، رغم كل القرارات الدولية ذات الصِّلة. فيسكبون مزيدا من الزيت على النار، وأن عباس أعلن رسميا قبل أيام «نهاية أوسلو»، وأن ذلك تزامن مع رفع العلم الفلسطيني للمرة الأولى في مقر الأمم المتحدة كعلامة رمزية قوية على أن صفحة الصراع «لم تطو بعد». وأن التغافل (أو نسيان) المقولة الصهيونية الشهيرة "أرضٌ بلا شعب، لشعب بلا أرض" هو جريمة لا تغتفر. لم تطو صفحة الصراع التي عرفنا بعد، إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة الارتياح الإسرائيلي لما تشهده المنطقة من عمليات ناجحة لصنع «صراعات بديلة»؛ طائفية كانت (تستدعي ثأرات قديمة تعود إلى أربعة عشر قرنا مضى) أو حربا على الإرهاب تسوِّغ لهذا أو ذاك ما شاء من تدابير قمعية لن تقضي واقعيا على الإرهاب لأنها ببساطة تتجاهل مسبباته. 
 ••• *هل يعني ما تقدم أن لا إرهاب هناك؟ 
 أو أن كل حديث عن الإرهاب هو حديث مفتعل؟ الإجابة القاطعة: «لا». تصرخ بها يوميا أصوات التفجيرات، وتلونها أنهار الدماء. ولكن الذي يظن أن بإمكانه أن يحارب الإرهاب بإعادة إنتاج المنظومة التي أفرخته؛ قمعا واستبدادا وتمييزا بين مواطنيه فعليه أن يقرأ جيدا ما جرى في العراق. (تفصيل ذلك في هذا الرابط) كما أن الذي يظن أن بإمكانه أن يقصف الإرهاب بالطائرات، أو أن يقضي عليه بالقتل على الهوية، أو بتعذيب «المشتبه بهم» في السجون والمعتقلات، فاته بلا شك أن يقرأ درس بوش (الذي قرأه أوباما جيدا). أو أن يعود إلى التقرير المهم (٦٧٠٠ صفحة) الذي حاسب فيه مجلس الشيوخ الأمريكي وكالة الاستخبارات الأكبر في العالم CIA على تجاوزاتها في «حربها على الإرهاب» اتساقا مع عقيدته الحدّية المطلقة "من ليس معنا فهو ضدنا (وهي بالمناسبة لا تختلف عن مفهوم «الفسطاطين» الذي قامت عليه غزوات بن لادن) أعلن جورج دبليو بوش حربه على الإرهاب (٢٠ سبتمبر ٢٠٠١) وفي الأول من مايو ٢٠٠٣ وقف مزهوا على المدمرة Abraham Lincoln ليعلن ما تصوره نجاحا Mission Accomplished. والواقع أن المهمة لم تكن قد انتهت، وأن الإرهاب لم يختف، بل ربما زاد واستشرى ليصيب سرطانه غير ركن من أركان عالمنا الواسع. 
فالتفجيرات والمذابح والدماء في منطقتنا العربية لم تعد مع تواترها الروتيني خبرا. لماذا؟ لأن الأسباب مازالت هناك. يتسم الإرهاب؛ كظاهرة بكل ما نعرف عن المرض السرطاني. ويعلموننا في كليات الطب أن مشرط الجراح إن لم يكن «دقيقا» في تعامله مع «الخلايا السرطانية»، تكون النتيجة الواقعية انتشار المرض بدلا من انحساره. وأخشى أن زهوا بالقوة، وعشوائية لا تعرف دقة العدالة باتت سمة لسلاح بعض أولئك الذين يقولون أنهم يحاربون الإرهاب، فضلا عن ما يخفيه بعضهم من «غرض» (والغرض مرض كما تقول حكمة كامنة في ثقافتنا الشعبية). وكلها عوامل لن تأخذ بلادنا المنكوبة تلك إلا إلى مزيد من الفوضى والدماء .. والإرهاب. 
 ••• عودوا إلى سيرة أبو بكر البغدادي، وإلى تسجيلات مرتدي الأحزمة الناسفة، لتروا كيف رأى هؤلاء أيضا أن «الإرهاب هو الحل» على هامش الملف الذي بات مزمنا في شرقنا العربي، أعود «تذكيرا» إلى ملحوظات ذات صلة أشرت إليها في تلك الصفحة أكثر من مرة، في محاولة لفهم كيف ينجح مثل أبو بكر البغدادي في جمع الأنصار، وكيف تنجح «الدولة الإسلامية» في أن تتمدد هكذا، فيما بدا مفاجأة للكثيرين: 
 ــ العصا الغليظة، مهما كانت قاسية وعنيفة ومتجاوزة، لن تفلح أبدا فى التعامل مع إرهاب يعشش في عقل «انتحاري» يغذيه ليس فقط فكرٌ عقيمٌ لكتب موروثات قديمة، بل وإحساس واقعي بالظلم والقهر وعدم المساواة. 
 ــ التوسع المُفرط فى تعريف الإرهاب، أو بالأحرى في وصم هذا أو ذاك بالإرهاب، لا يجعل أمامه واقعيا غير أن يكون إرهابيا حقيقيا. بمنطق يعرفه متخصصو علم النفس، ملخصه: «طالما أنك موصوم بها في كل الحالات، فلتفعلها إذن». 
 ــ الإرهاب هو الإرهاب. مهما تجمل بفتاوى مجتزأة لأصحاب اللحى، أو تخفى خلف صيحات فاشية أصابتها الهيستريا. 
 ــ عندما تكون القوة فوق العدل، فذلك هو "الإرهاب" تعريفًا. يتساوى في ذلك إرهاب الأفراد أو الجماعات .. أو الدولة. يعيش الإرهاب ويتعايش على شيوع الخوف. لا فارق هنا بين أن تخاف من مجرم يحمل سكينا يخرج عليك في ركن مظلم، أو أن تخاف من زائر فجر يطرق بابك لينتزع ابنك الشاب من فراشه. ليغيبه خلف أسوار لا تعرف لها مكانًا. مختفيًا، أو محبوسا احتياطيا بلا تهمة. 
أو في انتظار محاكمة لا تأتي أبدًا. 
 *متى ينتصر الإرهاب؟ 
عندما يشيع الخوف. ومتى يشيع الخوف؟ 
عندما تصبح القوة فوق العدل. 
 ــ لا يحتاج الأمر إلى أكثر من النظر إلى الخريطة لندرك أن الاستبداد والتمييز والقمع وهيمنة ثقافات التلقين والاتباع والمجتمع الأبوي الذكورية، فضلا عن الإحساس بغياب العدل وعدم المساواة هي العوامل الرئيسة التي توفر البيئة المناسبة لأفكار متطرفة تبحث عن العدل في السماء حين يعز عليها أن تجده على الأرض. ــ مع التمييز الصارخ؛ سياسيا، أو طائفيا، أو قبليا، أو طبقيا لم يشعر الناس بالمساواة أو بالمواطنة الكاملة، فكان طبيعيا أن تحل الانتماءات الأدنى (للجماعة أو الطائفة أو القبيلة) محل الانتماء للدولة أو للقيم الانسانية المشتركة. 
ومع الإحساس بفقدان الأمل فى المستقبل بحث عنه الناس (وخاصة الشباب) فى «الحياة الآخرة» حيث الجنة ملاذا واحدا موعودا ومضمونا. 
 ومع مظاهر صارخة لغياب «العدل» كانت الدعوة إلى تطبيقه بأيدينا (بديلا عن الحاكم أو القاضي الظالم) أكثر جاذبية. كما كان الحديث عن «الحاكمية» منطقيا من وجهة نظرهم، ومخاطبا لحاجة إنسانية طبيعية للبحث عن الحاكم الصالح «والدولة العادلة». أرجوكم عودوا إلى سيرة أبو بكر البغدادي، وإلى تسجيلات مرتدي الأحزمة الناسفة قبل أن يفجروا أنفسهم، لتروا كيف اقتنع هؤلاء أن «الإرهاب هو الحل» 
 ••• وبعــــد .. فالخلاصة،
 أن أنظمة الاستبداد (كلها) وجدت في عنوان مكافحة الإرهاب حلا لتبرير استبدادها وقمعها وللخروج من عزلتها. وكذلك القوى الخارجية التي تبحث عن قلم على طاولة ترسم عليها خرائط منطقة يعاد تشكيلها. والمثير أن المحبطين والمغيبين واليائسين وجدوا أيضا في الإرهاب حلا للانتقام والثأر «والوجود» مجرد الوجود في عالم بدا من وجهة نظرهم يرفض وجودهم أصلا. وبين المطرقة والسندان يُطحن مستقبلنا كل يوم. وتدور دائرة العنف والدماء بلا نهاية. يالها حقًا من مفارقة مثيرة أن يجد الطرفان «المأزومان»؛ المستبدون والمتطرفون «كلاهما» خلاصهما تحت لافتة واحدة. وأن يجد الطرفان، مع اختلاف بين في التفاصيل أن «الإرهاب هو الحل»...




ليست هناك تعليقات: