الثلاثاء، 27 أكتوبر 2015

فشل واستبداد وفساد .. فلم لا يكون التخلف؟!



لا يمكن لدولة أن تنهض إذا كان أبناؤها يعانون الاضطهاد 
 الأيادى المرتعشة لا تنتج، والقلوب الخائفة لا تبني، 
والنفوس المضطربة لا يرجى منها خير
 كل أولئك ينتجون الفشل ويورثون الإحباط، 
ولا يسعون لانتشال أنفسهم من مستنقعات الفقر والتخلف،



لى صديق مهندس عركته الحياة، وقد جاب الشرق والغرب طلبًا للعلم والخبرة، وهو وطنى من طراز فريد، وإن لم تكن له نشاطات ظاهرة، غير أنه يحب بلدنا حبًا جمًا، ويتمنى دائمًا أن تكون مصر فى مصاف الدول العظمي..
حكى لى (الباشمهندس) -بحسرة- أنه لم ير تخلفًا فى دول العالم الأخرى مثلما رآه فى مصر، وأقسم إنه - ونحن فى عام 2015- يعمل فى ورشة تابعة لأحد مصانع القطاع العام، على أجهزة لم يتم تحديثها منذ مطلع الستينيات، وأنه زار دولا لم تكن تعرف شيئًا عن المدنية وقت أن كانت مصر تستعمل هذه الأجهزة، والآن صارت هذه الدول نمورًا صناعية لا يمكن -بحال- عقد مقارنة بينها وبين مصر.
وقد تطرق الصديق إلى أسباب هذا الفشل الذريع، مؤكدًا أن الأنظمة الحاكمة المتتابعة هى أُسّ هذا التخلف؛ لما أسسته من عدم استقرار سياسى أفضى إلى ما نحن فيه من فشل وتراجع، يقول: لا يمكن لدولة أن تنهض إذا كان أبناؤها يعانون الاضطهاد من قبل الحكومات، ولا يمكنها التقدم خطوة وهى قائمة على الفساد والظلم والمحسوبيات، وإذا كانت بعض الأنظمة المستبدة قد نجحت ماديا وحضاريا، فإنما كان نجاحًا مؤقتًا؛ إذ سرعان ما انهارت مع أول أزمة أو جائحة مرت عليها، مع العلم أن هذه الأنظمة قد التزمت إلى حد كبير بقيم العدل، وعدم التفرقة بين مسئول ومواطن أو وزير وخفير.

وأضاف: أتحسّر على بلدى الذى أكله الفقر، ودمره المرض والجهل، وتسيد فيه اللصوص، والفسدة والجهلة، أما الكفاءات فقد قضى عليها المستبدون، وتوارت بعيدًا عن الأنظار أمام (روتين) غبى من صناعة الديكتاتوريات المتعاقبة، وجيل بعد جيل صار الجهل هو الأصل، والفساد هو الأساس، أما من يحاولون النهوض بالبلاد والعباد، ومن لديهم الأحلام العريضة فى الأخذ بأيدينا إلى مصاف الدول المحترمة، فأولئك هم الفئة المغضوب عليها، والتى ربما اتهمت بالانغلاق والجمود وأنهم من سكان كوكب آخر.
ويستطرد الصديق: فكرت كثيرًا فى الهجرة، وقد جاءتنى لذلك فرص كثيرة، لكننى -والله- فضلت البقاء هنا أملا فى أن يتغير النظام أو أن يأتى من يفهم معنى الحضارة والأسس التى تقوم عليها، وقد طرت فرحًا لما قامت الثورة وتغير النظام وتخلصنا من الحكم العسكرى الفاسد، ثم طرت فرحًا مرة أخرى لما جاء رئيس مدنى على نفس طريقتى فى التفكير، وقد وعد بتنفيذ ما كنت أتمناه لبلدي، ولكن الحلم لم يدم، فقد عدنا إلى ما كنا عليه من فشل واستبداد وفساد، بل ربما أسوأ مما كنا فيه.. فعدت أفكر الآن بجدية فى الهجرة من هذا البلد..
إننا لن تقوم لنا قائمة، ولن نضع لبنة فى بناء التقدم إلا إذا أصلحنا -أولا- أحوالنا السياسية، والتزمنا فيها بالعدل والإنصاف الواجبين، وأن يشعر كل مواطن بأنه حر فى بلده، لا يظلم، ولا يقهر، ولا يستعبد، يستوى فى ذلك الجميع، بل للمواطن الحق فى استجواب المسئول، ومراجعته، ومحاسبته؛ لأن هذا هو الحق الطبيعى للمواطنين فى الدول المحترمة، فإن تم ذلك عظم الشعور بالانتماء وساد التعاون بين الناس، وخلصت النيات وعلا قدر البلد فى نفوس الشباب، ما يدفعهم للحماس له، والعمل من أجله، وافتدائه بالغالى والنفيس، وما قامت الثورات الصناعية فى الدول المتقدمة إلا بهذه المقدمة، لكن إذا بخس حق المواطن، وظلم وانتهك عرضه وسرق ماله من قبل السلطة كما يحدث عندنا، فأنى يكون له انتماء، بل أقسم إنه سوف يعمل ضد دولته، ولو واتته الفرصة لقدم خدماته إلى الأعداء انتقامًا من بلده الذى لم ينصفه، ومن حكامه الذين أهدروا كرامته وعصفوا باستقراره واستقرار أسرته، فضلا عن زهده فى العمل والسعى والإنتاج.
إن الأيادى المرتعشة لا تنتج، والقلوب الخائفة لا تبني، والنفوس المضطربة لا يرجى منها خير، وكل أولئك ينتجون الفشل ويورثون الإحباط، ولا يسعون لانتشال أنفسهم من مستنقعات الفقر والتخلف، وفى المقابل فإن الواثقين بأنفسهم، المطمئنين إلى عدل حكامهم ودولهم يشيدون الحضارة، ويخلقون التقدم من العدم، وانظروا إن شئتم ما فعله مواطن اليابان الذى يعيش فى جزر منعزلة، وكيف انحنى له العالم اعترافًا بتفوقه وإنجازه وإجادته، وهو الذى لا يملك عشر معشار ما يملكه مواطن مصر، غير أن الأول هيئت له الأوضاع التى جعلته منتجًا بارعًا، أما المصرى فقد طاله فساد العسكر وفشلهم واستبدادهم، فصار ممسوخًا لا يقدر على شىء، أينما توجهه لا يأت بخير.
.




ليست هناك تعليقات: