السبت، 22 أغسطس 2015

بعد تفويضه للقضاء على الإرهاب المحتمل،السيسي يلعب بالنار.



مصر الآن لديها 90 مليون متهم محتمل بالإرهاب
 إذا كان قائد الانقلاب هو الفيل في المنديل،
 فإن قانون الإرهاب الذي صيغ مؤخرًا أصبح 
... ديناصور المشهد السياسي المصري ...



أحد أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر، جمال عيد، كتب يقول إن "مصر الآن لديها 90 مليون متهم محتمل بالإرهاب، لقد فقدنا كل الدلائل على وجود دولة مدنية"، تعليق جمال عيد لم يكن مبالغًا فيه، فقد سارعت مصر من مسيرتها التي لا يمكن إنكارها نحو عسكرة القوانين للسيطرة على وسائل الإعلام وكل الشعب.
 تواجه البلاد تمردًا في سيناء وعنفًا في مناطق أخرى، لكن القانون الجديد شديد القسوة إلى حد أنه يسمح باتهام شريحة كبيرة من المواطنين بالإرهاب، وهذه ليست المرة الأولى التي يلعب بها السيسي بالنار، فقد كان هناك قانون إرهاب آخر تم تمريره قبل ستة أشهر، وهو الذي أدى إلى خلق محاكم إرهاب استثنائية وإلى تحصين العاملين في الدولة - الشرطة والجيش على وجه الخصوص - من الملاحقة القضائية في حالة استخدامهم العنف ضد المشتبه بهم.
 هذه المرة، هناك هجوم صارخ على حرية التعبير، بالنسبة للصحفيين، الأمر ليس أقل من استهداف مباشر للسلطة الرابعة. الذين حكموا مصر، بداية من عبدالناصر، كانوا يدركون تمامًا الدور الحاسم الذي تلعبه وسائل الإعلام في توجيه أو حتى تضليل الرأي العام، لكن ثورة 25 يناير أعطت الدولة العميقة في مصر درسًا قيمًا؛ أصبح الإنترنت سلاحًا في أيدي الطبقة الثورية، ولذلك فإن قانون الإرهاب يسعى إلى السيطرة على تلك الثغرات من الحرية، كذلك فإنه يهدد بفرض غرامات كبيرة على وسائل الإعلام التقليدية؛ ففي بلد يبلغ متوسط دخل المواطن 2 : 3 دولارات يوميًا، فإن التهديد بفرض غرامات بين 25 ألف دولار و64 ألف دولار يمثل حاجزًا شاقًا، وربما لا يمكن التغلب عليه، للصحفيين الذين يقومون بتغطية أخبار مصر ونظام السيسي.
 هناك طريقين واضحين تسعى الدولة من خلالهما إلى ممارسة نفوذ لا حد له على وسائل الإعلام بكافة أنواعها، أولًا من خلال توسيع مفهوم ما تعنيه كلمة "الإرهاب".
الأمم المتحدة، المنظمة ذاتها المسؤولة عن الأمن الدولي، تعرف الإرهاب بعبارات لا تضع المدنيين تحت التدقيق الأمني من دون داع، فتعريف الإرهاب هو "الأعمال الإجرامية، بما في ذلك الموجهة ضد المدنيين، المُرتكبة بقصد القتل أو إلحاق إصابات بدنية خطيرة، أو أخذ الرهائن بغرض إشاعة حالة من الرعب بين الجمهور أو تجاه جماعة معينة أو أشخاص معينين" كما نقرأه في القرار رقم 1566. على الجانب الآخر، نقرأ في المادة الثانية من قانون الإرهاب، تعريفًا للمصطلح على النحو التالي، "كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع في الداخل أو الخارج، بغرض الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر، أو إيذاء الأفراد أو إلقاء الرعب بينهم .. أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو الأمن القومي".
 *فهم السيسي المُعوجّ للقانون والنظام من بين المصطلحات التي قُصد لها أن تكون غير دقيقة "تعريض سلامة المجتمع للخطر" و"الإضرار بالوحدة الوطنية"، وهو ما يأتي فورًا إلى الذهن بصور دولة فاشية، فمن يمكنه تحديد ما الذي يعنيه "الإضرار بالوحدة الوطنية"؟ البيئة الموجودة في مصر الآن، تقوم بتخوين أي شخص أو مجموعة قوم بمخالفة السردية الرسمية، استعمال هذه المصطلحات لن يفعل شيئًا سوى إضفاء قدر من الصحة القانونية على آليات سحق أي غريزة ديموقراطية أو توازن سياسي في البلاد، تخيل للحظة، كاتبًا صحفيًا يقوم بالتحقيق في مشروع القاهرة الجديدة، ويقوم بالحصول على تعقيب من خبير دولي في البنية التحتية، الصحفيون في هذه الحالة لديهم خياران؛ إما أن يحذفوا السردية المتضاربة مع الرواية الحكومية، أو مواجهة احتمال فرض غرامات وسجن بتهمة "الإضرار بالوحدة الوطنية".
 في الواقع، ليس من وظيفة وسائل الإعلام أن تقوم "بالتوحيد"، لكن عليها فقط أن تطرح الأسئلة، وأن تستفز الإجابات، وأن تقدم توازنًا لرواية الدولة، وكذلك مصطلح "تعريض سلامة المجتمع للخطر" ليس أقل خطورة، وهو غامض بما فيه الكفاية ليخيف الصحفيين المهددين بالفعل. بعد كل شيء، ارتفع عدد الصحفيين السجناء من 18 في 1 يونيو، إلى 22 في 17 أغسطس وفقًا للجنة حماية الصحفيين. وإذا كنت تعتقد أن المادة الثانية من القانون ستقيد الصحافة، فعليك أن تقرأ المادتين 7 و35 اللتين يبدو كما لو أن من صاغهما مسؤول في أمن الدولة، وكان في مزاج سيء حين كتبهما، ولا تشمل أولوياته حرية الصحافة.
 المادة السابعة، مرة أخرى، توسع الشباك قدر ما تستطيع؛ "يعاقب باعتباره شريكًا كل من سهل لإرهابي أو لجماعة إرهابية بأي وسيلة مباشرة أو غير مباشرة ارتكاب أية جريمة إرهابية أو الإعداد لارتكابها"، وأكثر من ذلك، فهذه المادة لا تنص على طبيعة العقوبة، وعلى الرغم من أن المادة 9 توضح أن أي "جريمة إرهابية" يعاقب عليها بالمنصوص عليه في المواد 28 و29 و38 و98 من قانون العقوبات، لكن بالنظر إلى المادة 7 ووضعها في الاعتبار، لنتخيل كيف يمكن لأي محكمة أن تتعامل مع إجرام المشاركة في مظاهرة قام بها الإخوان المسلمون.
 المادة 35 هي التي تلقت أكبر قدر من الاهتمام، وهي تلك التي تعاقب الصحفيين إذا ما قدموا رواية غير التي توفرها الدولة، في جميع المسائل المتعلقة بالأمن، هذه جريمة يُعاقب عليها بغرامة تصل إلى 64 ألف دولار. فكر مرة أخرى في الهجوم الذي قامت به ولاية سيناء التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في يوليو، قامت وسائل الإعلام المصرية والغربية على حد سواء بنقل أعداد القتلى من مصادر طبية وأمنية متعددة، لكن الرواية الرسمية خرجت لتقول بأن عدد القتلى النهائي أقل من ثلث الأعداد المذكورة، في البيئة التي يهيئها القانون الجديد، يقع جميع هؤلاء الصحفيين تحت طائلة المادة 35، وكلهم سيكون محظورًا عليهم مزاولة المهنة "لمدة لا تزيد على سنة واحدة". المصريون بشكل عام، والصحفيون على وجه الخصوص، يواجهون الآن شبكة واسعة من الشكوك، فعبر خلق قانون مكافحة إرهاب يرفع مستويات الاشتباه إلى غالبية المصريين، فإن الدولة العميقة تفرخ الإرهاب في الوقت الذي تحاربه فيه.


ليست هناك تعليقات: