السبت، 8 أغسطس 2015

مصر بين عناوين الثورة و« ثورة العناوين » !.



العســكر والإخـــوان 
- الإخوان جاؤوا متأخرين.. نعم 
 - ارتكبوا أخطاء بعد ذلك.. نعم
 لكنهم جزء لا يتجزأ من الثورة المصرية،



ليس من قبيل المبالغة القول إن الصراع السياسي في مصر منذ فترة طويلة يعكس في أحد جوانبه المهمة نزاعاً حول: «العنوان السياسي»، وأن عصابة الانقلاب العسكري والقوى التي تقف خلفها تدرك هذا الأمر جيداً، ببساطة لأن لكل ثورة في الدنيا «عنواناً سياسياً» يتم الرجوع إليه أو الحديث معه إذا أراد كائن من كان أن يتحدث مع الثوار.
وفي تقديري أن أحد أبرز أخطاء ثورة 25 يناير أن العنوان السياسي لها لم يكن واضحاً منذ البداية، بل تم التلاعب به، بل تشويهه من جانب أعداء الثورة. الحقيقة التي لا ينكرها أحد هي أن الثورة بدأها «شباب» من كل التيارات، ثم انضمت إليها قوى سياسية تقليدية محافظة لتضمن استمرارها ونجاحها. والحقيقة المؤكدة عندي ولدى الكثيرين هي أنه لولا انضمام أكبر قوة سياسية محافظة ما نجحت الثورة، وما وصلت إلى ما وصلت إليه من إجبار مبارك على التنحي، وأقصد هنا بالطبع جماعة الإخوان المسلمين. الإخوان جزء مهم من ثورة الشعب المصري في 25 يناير 2011، لحقت بالثورة متأخرة نسبياً نتيجة لحسابات معقدة داخل الجماعة نظراً لطبيعتها المحافظة والتقليدية وطريقة تفكير قياداتها، لكن من الإنصاف الإحجام عن اعتبارهم أحد جناحي الثورة المضادة مع الفاشية العسكرية كما يرى الثوريون الاشتراكيون مثلاً.
 - الإخوان جاؤوا متأخرين.. نعم
 - ارتكبوا أخطاء بعد ذلك.. نعم
 لكنهم جزء لا يتجزأ من الثورة المصرية، وهم يبرهنون لكل «صاحب ضمير» في مصر أنهم منذ عامين يدفعون ثمناً غالياً مع قلة آخرين من دمائهم للدفاع عن ثورة كل المصريين، وللتكفير عن اجتهادات في الحكم والسياسة بعضها أصاب وبعضها أخطأ، فهم بشر مثلنا جميعاً: نصيب ونخطئ.
 أثناء وجود الشعب المصري في الميدان واستمراره في الضغط على نظام مبارك خلال الأيام العشرة الأولى من شهر فبراير من العام 2011، كان جنرالات المؤسسة العسكرية، وهم رأس الحربة للثورة المضادة، ووراءهم قوى ومصالح داخلية وخارجية، كانوا يفكرون في كيفية تفتيت «وحدة الميدان».
 ونجحت الثورة المضادة في تفتيت وحل «ائتلاف شباب الثورة»، وباتت العناوين السياسية في مصر تنحصر بين طرفين لا ثالث لهما: العسكر والإخوان.
 الثوار غير المنظمين أو الذين يفتقرون لإطار سياسي أو حزبي (عنوان) وجدوا أنفسهم وحدهم في ميدان الثورة فرفعوا شعار: «يسقط حكم العسكر»، وقام المجلس العسكري بتدبير أحداث محمد محمود 1 و2 ومجلس الشورى والعباسية وغيرها، وتعمد مجلس عصابة العسكر أن تسيل دماء الثوار الشرفاء ليضرب عصفورين بحجر واحد؛ يردع الثوار من ناحية ويوغر الصدور بين الثوار والإخوان من ناحية أخرى. وأرادت عصابة القتلة في المجلس العسكري أن يكون انسحابها التكتيكي من المشهد الثوري أو السقوط المؤقت لعنوانهم السياسي خسارة أيضاً لـ «أعدقائهم» أي شركائهم الحاليين وأعدائهم المنتظرين، فخرج شعار الثوار: يسقط كل من خان: عسكر، فلول، إخوان.
 واستطاع العسكر بتسليم السلطة وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية أن يخصم من «الرصيد الثوري» للإخوان كثيراً، خصوصاً لدى الثوار، السلطة والحكم كان الإغراء.
 قلت في حينها إن الإخوان ابتلعوا هذا «الطعم المسموم» من العسكر وشربوا منه حتى الثمالة!! 
 بعد فوز الرئيس محمد مرسي كان يمكن للإخوان ترميم العلاقة بينهم وبين بقية قوى الثورة ولو جزئياً، غير أن العسكر كانوا يحكمون قبضتهم على مفاتيح السلطة، ويلعبون في المشهد السياسي من وراء ستار، وتركوا الرئيس وحيداً بلا سلطات ولا برلمان منتخب (على الأقل مجلس الشعب) ولا تتعاون معه مؤسسات الدولة التي تأتمر بأوامر الجنرالات الفاسدين. ووقع الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، واستطاع العسكر للمرة الثانية أن يجهضوا «العنوان السياسي الثاني» للثورة بعد أن فرغوا من قبل من «العنوان السياسي الأول» وهو «ائتلاف شباب الثورة»!! عدم انتباه الثوار لخديعة العسكر في مجال العناوين السياسية لم تكن الخطيئة الوحيدة للثوار في تلك المرحلة، فالصمت على الدم كان الخطأ الأكبر. تصور الانقلابيون بعد ذلك أنهم أصبحوا «العنوان السياسي» الوحيد في مصر لولا ظهور «التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب». وجن جنون الجنرالات عندما رأوا ممثلين عن الاتحادين الأوروبي والإفريقي يتواصلان مع تحالف دعم الشرعية باعتباره العنوان السياسي الثاني في مصر، فقاموا - ضمن أسباب أخرى بالطبع - بارتكاب مجزرة فض الاعتصامين يوم 14 أغسطس من عام 2013، والتي تحل ذكراها الثانية هذه الأيام. محاولات سلطة الانقلاب لم تتوقف خلال العامين الماضيين لفرض نفسها كـ «عنوان سياسي وحيد».. داخلياً صار الجيش حزباً سياسياً، وخارجياً عمد إلى حرمان خصومه من الثوار من مزايا العنوان السياسي وأهمها تقليص شرعية الانقلاب المفروضة بقوة السلاح، وأيضاً حرمان الثوار من كافة أشكال الدعم الخارجي.
 لذلك قامت سلطة الانقلاب بعملية هدم منظمة وممنهجة ومتعمدة للتحالف الوطني لدعم الشرعية في الداخل عبر اعتقال عناصره القيادية، وممارسة ضغوط رهيبة على الأطراف المكونة له من أحزاب تنتمي جميعها للتيار الإسلامي، بالإضافة إلى بعض الحركات المهنية النوعية مثل «إعلاميون ضد الانقلاب» و»صحفيون ضد الانقلاب» وغيرهم.
 وأزعم أن فهمي لأهمية «العنوان السياسي» للثورة في صراعها مع سلطة الانقلاب، هو الذي دفعني مع آخرين لتأسيس المجلس الثوري المصري في التاسع من أغسطس من العام 2014، ليقاوم محاولات تفتيت العنوان الأول للثورة ضد العسكر وليقوم بالأدوار التي لا يستطيع «التحالف الوطني لدعم الشرعية» أو الثوار في الداخل القيام بها مثل التواصل السياسي والحقوقي والإعلامي. واستطاع المجلس الثوري المصري خلال فترة وجيزة أن يؤكد وجوده كعنوان سياسي للثورة المصرية في الخارج.
 وباعتباري قيادياً ومتحدثاً رسمياً باسم المجلس، أؤكد دوماً أننا لا نقف ضد حرية الثوار في الخارج في تكوين كيانات خاصة بهم، وإن كان المجلس وفقاً لفهمه لقضية الصراع حول العناوين السياسية يرحب بانضمام الجميع له حتى يتوحد العنوان السياسي للثوار في اصطفاف وطني حقيقي، يكون بمقدوره تقديم دعم ملموس للثوار على الأرض، وإذا أصر بعض الثوار بالخارج على إنشاء كيانات أخرى فسوف نتعامل معها ونصطف حولها وخلفها، وسوف نساندها، شريطة أن نلتزم جميعاً بالعمل تحت مظلة ثورة 25 يناير ومكتسباتها.. وليس بعيداً عنها أو خارجها، وفقاً لمبادئ المجلس التي صيغت في وثيقة «حماية الثورة المصرية».




ليست هناك تعليقات: