الخميس، 20 أغسطس 2015

الخطاب النسائي الإمبريالي: ماذا تعرف عن علم الاجتماع الأنثوي؟.



علاقة الرجل والمرأة في القرآن 
ما يجب على التيارات النسوية فهمه أن تلك الرؤية الفكرية الشاملة للعالم تحمل في طياتها أفقًا للعدل والحرية
  والأمر مرهون بتطوير السياقات التي يتم في ظلها 
الجدل الاجتماعي الواسع



شكل الخطاب الحقوقي في صيغته الجديدة أحد أهم منتجات الحداثة الغربية، هذا الأخير الذي جاء كتتويج لثورة عالمية ضد الظلم والاستبداد والخطابات العنصرية المذكية لعدد من الصراعات، وقد استطاعت البشرية بمختلف مللها ونحلها التفاعل بدرجات متفاوتة مع الخطاب الحقوقي ومحاولات التأسيس له من خلال عدد من الآليات الحقوقية والمدنية والشعبية.
وقد شكل ظهور الحركة النسائية، أو بالتعبير الذي انحاز إليه حسب الدكتور المسيري رحمه الله: "نظرية الحقوق الجديدة"، أحد تجلياتها وأوجه التفاعل مع موجة الحقوق والحريات، لكن وفي إطار التدافع الحاصل بين عدد من الرؤى والمقتربات، خاصة بين الحضارة المادية التي تنبني على منطق الصراع والهيمنة وتشيء الانسان كما قال بذلك الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله "نحن نعيش في عالم يحولنا إلى أشياء مادية ومساحات لا تتجاوز عالم الحواس الخمس، إذ تهيمن عليه رؤية مادية للكون"، وبين الحضارة الإسلامية التي تنبني فيها علاقة الرجل بالمرأة على أسس التكامل والتراحم.
وسنعمد في هذه الدراسة وفق ما يسمح به المقام لبسط تصورات الموجة الجديدة في الخطاب النسائي، وإبراز مختلف الأسس النظرية التي تستند عليها ومحاولة نقدها انطلاقًا من عدد من الدراسات التي سبق أن تناولت هذا التوجه ويتعلق الأمر خاصة بالدكتور عبد الوهاب المسيري - رحمه الله -، كما سنورد التصور القرآني للعلاقة بين الرجل والمرأة انطلاقًا من عدد من المفاهيم القرآنية، كل ذلك لأن للموضوع أهمية بارزة كما قال الدكتور سعد الدين العثماني إنه "يحتاج إلى أن يبنى على رؤية إسلامية حضارية مخلصة من شوائب القرون، ومن تشيئ وإباحية التغريب، إن الأمر جد لأنه يتعلق بنصف المجتمع، فبدون حياته فلا حياة للمجتمع، وبدون حيويته فلا حيوية في المجتمع".
وقد تشكلت الملامح الفكرية والإبستيمية لموجة الحقوق الجديدة من خلال ما سماه المسيري "بالواحدية الهيومانية" والتي تنطلق من صراع الإنسان ضد أخيه الإنسان، وهو ما عبرت عنه بعض التوجهات الفلسفية خاصة مع توماس هوبزThomas Hobbes حينما عبر بمقولة "الإنسان ذئب لأخيه الإنسان"، وإذا ما نظرنا إلى تلك الفلسفات يمكن الوقوف بشكل واضح على تحيزاتها وقراءاتها للإنسان، خاصة تلك التي تحصر الإنسان في زاوية الحيوان، وتقصره على شهواته الجنسية أو الاستهلاكية وغيرها.
لكن حركات الحقوق الجديدة لا تقف عند الواحدية الإنسانية وإنما تتعداه إلى أن تصل إلى مرحلة الواحدية السائلة ذلك العالم الذي يغيب في المركز ويصير الحلول هو مركز الكون على حد تعبير المسيري، فخطورة الخطاب النسواني الجديد ليس في دفاعه عن المرأة وهو المطلب الذي لا يمكن لعاقل أن يجادل فيه، وهو ضرورة إعطاء المرأة لمكانتها التي تستحقها دون احتقارها، وهو المطلب الذي جاء الإسلام ليرسخه، وصحيح أن المرأة قد طالها من الظلم والتعسف ما نالها جراء التخلف ومحاولة البعض بناء تصورات نكوصية انطلاقًا من مبررات دينية لا تصمد أمام الدراسة والتحليل.
لكن خطورة هذا التوجه هو محاولة الانطلاق فلسفيًا قبل انطلاقه العملي من اعتبار الرجل عدوًا للمرأة ومن ثم تبنى مختلف التصورات والتحركات من هذا المنطلق، والذي كان القصد من ورائه هو هدم الأسرة باعتبارها أحد أهم المؤسسات المنشئة للإنسان، ويشكل الجندر أو النوع الاجتماعي Gender أحد المرتكزات النظرية التي تنطلق منها هذه الموجة المعلمنة في محاولتها لبسط تصوراتها وبناء نماذجها المعرفية، وكذا في تأسيساتها للصراع بين الرجل والمرأة.
وقد شكلت عدد من الدراسات الأكاديمية وقودا
لذلك التوجه نورد بعضها:
Dorothy smith وهي عالمة الاجتماع البريطانية والتي دعت إلى اعتماد علم اجتماع أنثوي منتقدة بذلك ذكورية علم الاجتماع الحالي[5] والذي يشكل بالنسبة لها أحد مؤسسي العقلية الذكورية، أو Raewyn Connell والتي تحدثت عن التسلط الذكوري Hegemonic Masculinity، من باب الإنصاف فقد ظهرت في الغرب كذلك تصورات مناقضة للخطاب النسائي وقد ظهرت عدة مدارس في مقاربة قضايا المرأة خاصة من زاوية علاقتها بالرجل فنجد نظرية Heterosexual  والتي يمكن أن تعتبر نقيضًا لـ Homosexuality.
ولعل حقل التاريخ شكل أحد أبرز الحقول التي شهدت هذا الصراع، وقد أفرد المسيري - رحمه الله - نقاشًا لهذا المبحث، إذ أصبح دعاة التمركز حول الأنثى ينادون بضرورة سرد التاريخ من وجهة نظر أنثوية بل وأعيد تسمية التاريخ فهو بالإنجليزية History التي وجد بعض الأذكياء أنها تعني (قصته his story ) فتقرر تغيير الاسم إلى her story)) " قصتها".
وقد انتقل هذا الصراع إلى الحياة الزوجية، وهو ما نجده في الدعوة إلى التمرد على الأمومة ومحاولة التمرد على الفطرة البشرية من خلال الدعوة إلى السِّحاق كما قالت Ti-Grace Atkinson وهي إحدى رائدات التوجه المتطرف "إذا كان الفيمينزم النظرية، فإن السِّحاق هو التطبيق"if feminismis the theory, lesbianismis the practice"، وكذا محاولة اعتبار الإنجاب من متاعب المرأة وغيرها من التصورات التي تستمد مرجعيتها من خطاب الواحدية السائلة، ولعل ما بات يعرف بقضايا استئجار الرحم ليشكل أحد منتجات هذا التوجه العلماني الشامل الذي يحاول التمرد على كل المرجعيات، كما أن الدعوة إلى الشذوذ الجنسي هو كذلك أحد منتجات هذا التوجه.
علاقة الرجل والمرأة في القرآن:
لقد تميز الخطاب الإلهي في القرآن الكريم بتفرده في وصف علاقة الرجل بالمرأة، إذ استطاع القرآن أن يؤسس لعلاقة من خلال عدد من المفاهيم المركبة التي تميز بها القرآن دون غيره، وإذا كان مفهوم الفردية مثلاً، هو محدد في التفكير الغربي وقد أدى إلى كوارث في العالم بسبب الندية التي أدت إلى الصراع، كما تعرضت الأسرة الغربية إلى هزات بسب الفردية والأنانية، فالإسلام، حسب محمد الطلابي، يعتبر مفهوم الزوجية يؤدي إلى التعاون وإلى العمران الرشيد، ويهتم بالتدافع بدل الصراع، لأن الكون مبني على الزوجية في كل شيء فلا وجود لقطب الموجب بدون السالب، وهو الذي تتحدث عنه الآية الكريمة: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
كما يشكل مفهوم السكن وهو ما تشير إليه الآية القرآنية السالفة الذكر بقوله تعالى: {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} ولعل نظرة واحدة في مفهوم السكن كفيلة بحيازة تصور حول إحالات مفهوم السكن في القرآن فنجد قال ابن القيِّم: هي الطُّمَأنِينة والوَقَار والسُّكون، الذي ينزِّله الله في قلب عبده عند اضطرابه من شدَّة المخاوف، فلا ينزعج بعد ذلك لما يرد عليه، ويوجب له زيادة الإيمان، وقوَّة اليقين والثَّبات،وقال الجرجاني: "السَّكِينَة: ما يجده القلب من الطُّمَأنِينة عند تنزُّل الغيب، وهي نور في القلب يَسْكُن إلى شاهده ويطمئن".
مفهــــوم المســــاواة
في هذا الصدد يقول سعد الدين العثماني: "فالرجل والمرأة في نصوص الشرع متساويان، شقيقان لا يجوز معاملة أحدهما بالتمييز أو التفضيل أو المحاباة، وأهمية توضيح هذا المبدأ يظهر في أن مساواة الجنسين في مجال أو أمر أو حكم لا يحتاج إثباته إلى دليل لأنه الأصل، والذي يحتاج إلى البحث عن الدليل هو عدم المساواة وتخصيص النساء بأحكام مميزة، وهذا في رأينا أصل أصول النظر إلى قضية المرأة وأدلة هذا الأصل في الشريعة كثيرة منها: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، ولم يكتف القرآن بتقرير هذه الأرضية الصلبة لأصل المساواة بين الجنسين، بل ركزت آيات عديدة على مساواتهما في المسؤولية والعمل والجزاء بشكل لافت للنظر، يقول تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}.فحتى تفاوت الرجل والمرأة في الأحكام الإلهية ليس مرده لتفضيل الرجل على المرأة وإنما مرده كما قال العلامة البوطي رحمات الله عليه: "ولكن قد يقال: فما بال الرجال يخاطبون بتكاليف لا تخاطب بها النساء؟ وما بال النساء يخاطبن بتكاليف لا يخاطب بها الرجال؟ والجواب: أن هذا الاختلاف ليس آتيًا من فرق ما بين الذكورة والأنوثة أو ما بين الرجال والنساء، وإنما هو آت من عوامل خارجية أخرى تتعلق بالحكمة أو المصالح التي شرعت من أجلها هذه التكاليف.

ومجمل القول في الختام أني لا ادعي الإحاطة بالموضوع من مختلف جوانبه وتفرعاته، لكن حسبي أن أنبه إلى موضوع يستحق منا دراسته والانتباه إليه إذ هو من المواضيع المتجددة، خاصة في ظل تنامي السعار الإمبريالي الذي يسعى إلى "تشيء الإنسان وحوسلته"[13]، وجعله آلة من آليات الإنتاج متغاضيًا في ذلك تكريم الله لبني الإنسان، وتشكل المرأة في هذا التدافع المحموم حجز الزاوية، إذ أراد المشروع الإمبريالي جعلها مصدرًا للثروة من خلال جعل جسد المرأة أحد وسائلها من خلال تنميط صورة المرأة في الإعلام وربطها بالجنس وتجارته، مستغلين في ذلك بعض القراءات النكوصية لقول الله تعالى وأقوال رسوله محاولين إهانة المرأة من خلال قراءة تلكم النصوص قراءة لا تستقيم ولا تستجيب لروح الإسلام الذي كرم الإنسان وأفرد للمرأة مكانة مهمة في الإسلام، وحسبنا أن جعل الجنة تحدت أقدام الأمهات وساوى بين الرجل والمرأة كما قال العلامة البوطي رحمات الله عليه: "وواضح أنه لا فرق في هذه الحيثية بين الرجل والمرأة، إذ إن العبودية فرع عن المملوكية، ولا شك أن كلاً من الرجل والمرأة مملوك لله عز وجل، فاطر كل شيء، ومن ثم فإن عبوديتهما لله واحدة في حقيقتها وقدرها، ولا مجال لفهم أي تفاوت ما بين الرجل والمرأة فيها، والنتيجة التي تتفرع عن ذلك تتمثل في أن الواجبات التي كلف الله بها عباده الرجال هي نفسها التي كلف بها إماءه النساء.

ولعل مشكلتنا في أوطاننا المتخلفة هو مع "المُقَلّدة" على حد تعبير الفيلسوف طه عبد الرحمن، إذ يحاول هؤلاء الانسلاخ عن مقومات الهوية الحضارية الجمعية للشعوب المسلمة، واقفًا مندهشًا أمام الحداثة الغربية، ومحاولين اجترار مقولات غربية دون النظر فيها ودون تمحيصها، ويا ليتنا أمام حداثيين بخلفية معرفة أو حتى أيديولوجية صلبة، لكن واقع الحال أننا امام مقلدة مستلبة، تحاول قسرًا العمل على مشاريع الاستتباع الثقافي للغرب واعتبارنا فضاءً حيويًا Espaces vitales للغرب لتنفيس تناقضاتها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية.

وكما قالت هبة رؤوف عزت "ما يجب على التيارات النسوية فهمه أن تلك الرؤية الفكرية الشاملة للعالم تحمل في طياتها أفقًا للعدل والحرية، والأمر مرهون بتطوير السياقات التي يتم في ظلها الجدل الاجتماعي الواسع لأن الأمة العربية اليوم لا تملك مشروعًا متبلورًا للبقاء واستمرار كأمة، بل للنهضة ككيان ووطن عربي، فكيف ينتظر منها بلوغ إجماع أو حتى اتفاق عام على قضايا المرأة؟
تلك هي المشكلة الحقيقية.





ليست هناك تعليقات: