بعضنا استطاع أن ينفذ ببصره وأن يرى النفايات
القــــابعة خلف الســـتار
أتذكر حالة «الشحتفة» الوطنية التي كانت تنتابني عندما كنت أقرأ الجملة التالية من تقرير الكونجرس بعد زيارة أعضائه لمصر في أعقاب حرب أكتوبر كما كنت أعتقد «وقد لفت نظر اللجنة خطة الخداع الاستراتيجية التي قامت بها المخابرات المصرية لإخفاء استعدادات الهجوم على إسرائيل»، ثم اتضح لي عندما قررت أن أعيد كل قراءاتي من منظور جديد بعد مجزرة رابعة التي ارتكبتها ميليشيات الانقلاب من عسكر وداخلية، أن تلك الجملة هي العمة الشقيقة للجمل إياها من «مذكرات هيلاري كلينتون» التي أسرت فيها الضفادع البشرية قائد الأسطول السادس الأميركي.
بعد الانقلاب، انزاح الستار عن حجم ((الفشر)) الذي كان يمارسه العسكر طيلة ستين سنة، لنكتشف حجم الخديعة التي تعرضت لها عقولنا، وأن الثوابت التي نشأنا عليها ليست إلا أكاذيب، بعضنا استطاع أن ينفذ ببصره وأن يرى النفايات القابعة خلف الستار كالعبقري جلال كشك مؤلف «ثورة يوليو الأميركية» ولكني مع البدء في قراءة كتاباته، أدركت أن الرجل كان سيصاب حتماً بالذهول من ذلك الوضوح الذي شاهدنا به كيف تمت كل تلك الخدع، التي كشفها في كتبه، مما كان سيدفعه لوضع تفسيرات مغايرة تماماً لما توصل إليه.
فالحياة في أميركا مثلاً توفر للمرء حصانة معينة ضد التشويش الذي تمارسه أجهزة إعلام العسكر، فلا يمكن أن يرى الانقلاب ثورة إلا صاحب مصلحة في اعتباره كذلك، علاوة على أن المتابعة الدائمة للإعلام الأميركي، تجعلك قادراً على تمييز «حالة الإرتكاريا» التي تصيب الصحافة الرسمية والإعلام هنا تجاه موضوع بعينه، فالإعلام الرسمي الأميركي حرص ((بتوجيهات)) على تجاهل إطلاق مصطلح الانقلاب على الكارثة التي حدثت في مصر، واستخدم بدلاً منه مصطلحات فضفاضة على غرار «ما حدث في مصر» أو «الإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطياً» تماماً كما يحدث في مشهد أي محاكمة تراه في فيلم أميركي، حين يتعمد الشهود استخدام مصطلحات ثعبانية ليفلت من أي اتهامات قد يوجهها له القاضي.
حينها فقط بدأت أدرك حجم «اللعبة المشتركة» التي تمارسها الإدارة الأميركية مع عصابة الانقلاب في مصر، أذكر في مرة كنت أقوم بإعداد التقرير الأسبوعي لبرنامج «سكرتير التحرير» على الجزيرة مباشر مصر، وكنت أستعرض ما نشرته إحدى الصحف الأميركية الشهيرة عن مظاهرات رافضي الانقلاب وفوجئت باللغة المتحيزة للجريدة والتي لا تختلف عن لغة أي قناة يديرها «عباس»، ثم اكتشفت أن المراسلة التي أعدت التقرير للجريدة الأميركية، قبطية تعيش في مصر أرسلت تقريرها عن التظاهرات حتى يصدر التقرير مُذيلاً بختم «الخواجة» الذي لا يكذب.
واللعبة ليست معقدة، فمنذ انقلاب يوليو 1952، تمتلك أميركا مندوباً دائماً في قصر الحكم في مصر (باستثناء الرئيس مرسي) تقدمه للمساكين في مصر بنكهات مختلفة، مرة بالنكهة الاشتراكية السوفييتية، ومرة بالنكهة الأميركية، ثم بالنكهة الصهيونية حالياً لعدم وجود مندوبين أذكياء، مع التنويع في استخدام التوابل، ويُسمح للمندوب بـ (الفشر المحلي).
بشرط ألا يتجاوز ذلك حدود المنزل، فالقاعدة الأولى هي ألا يبصق المندوب خارج المنزل، فيمكنه ادعاء العداء مع أميركا بل وسبها إن لزم الأمر، كما كان يفعل المقبور عبدالناصر، ويمكنه ادعاء استقلال القرار الوطني وشن حرب على إسرائيل كما فعل السادات في حرب أكتوبر والتي كانت إحدى أفضل الأدوار التي أداها كيسنجر على المسرح العالمي، على أن يبقى ((الفشر)) في حدود المنزل، فلا بأس من ادعاء أن السادات هدد أمن إسرائيل وأن ذلك الهجوم الذي رتبه الثلاثي (كيسنجر – ديان – السادات).
كان سيمحو إسرائيل، حتى وإن كان الصهاينة قد نجحوا في أسر 8 آلاف جندي مصري ومحاصرة الجيش الثالث وحتى إن التقطت جولدا مائير الصور حول مدينة السويس، المهم ألا يبصق المندوب خارج المنزل!
آيات عرابيبعد الانقلاب، انزاح الستار عن حجم ((الفشر)) الذي كان يمارسه العسكر طيلة ستين سنة، لنكتشف حجم الخديعة التي تعرضت لها عقولنا، وأن الثوابت التي نشأنا عليها ليست إلا أكاذيب، بعضنا استطاع أن ينفذ ببصره وأن يرى النفايات القابعة خلف الستار كالعبقري جلال كشك مؤلف «ثورة يوليو الأميركية» ولكني مع البدء في قراءة كتاباته، أدركت أن الرجل كان سيصاب حتماً بالذهول من ذلك الوضوح الذي شاهدنا به كيف تمت كل تلك الخدع، التي كشفها في كتبه، مما كان سيدفعه لوضع تفسيرات مغايرة تماماً لما توصل إليه.
فالحياة في أميركا مثلاً توفر للمرء حصانة معينة ضد التشويش الذي تمارسه أجهزة إعلام العسكر، فلا يمكن أن يرى الانقلاب ثورة إلا صاحب مصلحة في اعتباره كذلك، علاوة على أن المتابعة الدائمة للإعلام الأميركي، تجعلك قادراً على تمييز «حالة الإرتكاريا» التي تصيب الصحافة الرسمية والإعلام هنا تجاه موضوع بعينه، فالإعلام الرسمي الأميركي حرص ((بتوجيهات)) على تجاهل إطلاق مصطلح الانقلاب على الكارثة التي حدثت في مصر، واستخدم بدلاً منه مصطلحات فضفاضة على غرار «ما حدث في مصر» أو «الإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطياً» تماماً كما يحدث في مشهد أي محاكمة تراه في فيلم أميركي، حين يتعمد الشهود استخدام مصطلحات ثعبانية ليفلت من أي اتهامات قد يوجهها له القاضي.
حينها فقط بدأت أدرك حجم «اللعبة المشتركة» التي تمارسها الإدارة الأميركية مع عصابة الانقلاب في مصر، أذكر في مرة كنت أقوم بإعداد التقرير الأسبوعي لبرنامج «سكرتير التحرير» على الجزيرة مباشر مصر، وكنت أستعرض ما نشرته إحدى الصحف الأميركية الشهيرة عن مظاهرات رافضي الانقلاب وفوجئت باللغة المتحيزة للجريدة والتي لا تختلف عن لغة أي قناة يديرها «عباس»، ثم اكتشفت أن المراسلة التي أعدت التقرير للجريدة الأميركية، قبطية تعيش في مصر أرسلت تقريرها عن التظاهرات حتى يصدر التقرير مُذيلاً بختم «الخواجة» الذي لا يكذب.
واللعبة ليست معقدة، فمنذ انقلاب يوليو 1952، تمتلك أميركا مندوباً دائماً في قصر الحكم في مصر (باستثناء الرئيس مرسي) تقدمه للمساكين في مصر بنكهات مختلفة، مرة بالنكهة الاشتراكية السوفييتية، ومرة بالنكهة الأميركية، ثم بالنكهة الصهيونية حالياً لعدم وجود مندوبين أذكياء، مع التنويع في استخدام التوابل، ويُسمح للمندوب بـ (الفشر المحلي).
بشرط ألا يتجاوز ذلك حدود المنزل، فالقاعدة الأولى هي ألا يبصق المندوب خارج المنزل، فيمكنه ادعاء العداء مع أميركا بل وسبها إن لزم الأمر، كما كان يفعل المقبور عبدالناصر، ويمكنه ادعاء استقلال القرار الوطني وشن حرب على إسرائيل كما فعل السادات في حرب أكتوبر والتي كانت إحدى أفضل الأدوار التي أداها كيسنجر على المسرح العالمي، على أن يبقى ((الفشر)) في حدود المنزل، فلا بأس من ادعاء أن السادات هدد أمن إسرائيل وأن ذلك الهجوم الذي رتبه الثلاثي (كيسنجر – ديان – السادات).
كان سيمحو إسرائيل، حتى وإن كان الصهاينة قد نجحوا في أسر 8 آلاف جندي مصري ومحاصرة الجيش الثالث وحتى إن التقطت جولدا مائير الصور حول مدينة السويس، المهم ألا يبصق المندوب خارج المنزل!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق