مصر هي الدولة الوحيدة التي تعتمد اعتمادا كاملا
في وجودها ومعاشها علي مياه النيل
يجب أن يكون أي مشروع علي مجري النيل أو فروعه الأساسية
منشأة مشتركة يتم إدارتها بمشاركة دائمة لدولتي المصبّ
أحذر من اللجوء للقضاء الدولي أو للتحكيم
بشأن مسألة مستقرة وحقوقنا القانونية والتاريخية فيها لا خلاف عليها
لا يجوز وضع مسألة تتعلق بوجودنا ومستقبلنا في يد قضاء دولي،
..رغم ثقتنا في موقفنا القانوني الثابت والمستقر..
بشأن مسألة مستقرة وحقوقنا القانونية والتاريخية فيها لا خلاف عليها
لا يجوز وضع مسألة تتعلق بوجودنا ومستقبلنا في يد قضاء دولي،
..رغم ثقتنا في موقفنا القانوني الثابت والمستقر..
** في المسألة القانونية .. النيل مصري
ربما لا ينتبه البعض إلي أن ما يحكم مياه النيل، ليست فقط اتفاقات بين دول حوض النيل، خصوصا اتفاقية 1929 و1959 وإنما معاهدات دولية متعاقبة، ومنها، علي سبيل المثال، اتفاقية روما لسنة 1891 بين بريطانيا التي كانت تحتل مصر، وإيطاليا التي كانت تحتل إريتريا والحبشة ؛ ثم اتفاقية أديس أبابا لسنة 1902 بين بريطانيا وأثيوبيا، واتفاقية لندن لسنة 1906 بين كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، ثم اتفاقية روما لسنة 1925.
ومحور تلك الاتفاقات دون استثناء هو عدم المساس بحصة مصر التاريخية والقانونية في مياه النيل، وامتناع كل الدول عن القيام بأي مشروعات علي حوض النهر إذا كان من شأنها أن تؤدي للخلل في مياه النيل التي تصل لمصر أو الإنقاص من كميتها، أخذا في الاعتبار أن مصر هي الدولة الوحيدة التي تعتمد اعتمادا كاملا في وجودها ومعاشها علي مياه النيل، ومن ثم فإن مفهوم الأمن المائي لمصر لا يتحقق إلا بالتزام الجميع بالامتناع عن أي إجراءات أحادية تتعلق بحوض النيل دون موافقة مصر.
ثم جاءت اتفاقية 1929 لتتناغم مع ذلك التراث التشريعي الدولي، فقررت حق مصر التاريخي والطبيعي في مياه النيل بالمقادير التي تصلها في المواعيد الطبيعية لها وعدم جواز إقامة أية مشروعات أو أعمال ري أو كهرومائية أو غير ذلك علي النيل أو فروعه أو علي البحيرات التي ينبع منها سواء في السودان أو في البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية، والتي من شأنها إنقاص مقدار المياه التي تصل الي مصر أو تعدل من تاريخ وصولها أو تخفض منسوبه.
وأخيرا جاءت اتفاقية 1959 لتحدد مقدار تلك الحصة بمقدار 55.5 مليار متر مكعب، مكملة نصوص اتفاقية 1929 وما سبقها وليست لاغية لها.
وربما يكون من المفيد التذكير بأن محكمة العدل الدولية قضت 1999 أن اتفاقات المياه شأنها شأن اتفاقات الحدود لا يجوز تعديلها، لأن فتح باب تعديلها لن يتوقف أثره علي المساس بأمن مصر المائي وإنما بالأمن المائي لكل دول المصب لجميع الأنهار بما قد ينفلت معه الأمر لنشوب نزاعات مسلحة جديدة.
ويبدو أن إسرائيل، الضليعة في الاستيلاء علي مياه الدول الأخري كما في نهر الأردن ونهر الليطاني بجنوب لبنان، وضعت ضمن استراتيجيتها إضعاف مصر بتغذية النزاعات مع دول منابع النيل، سواء للتأثير علي الوضع الاقتصادي المصري فيما لو نجح أي مخطط لإقامة مشروعات تؤثر علي حصة مصر في المياه، أو بإشغالها عن قضاياها الجوهرية الأخري كالتنمية والقضايا العربية وعلي رأسها فلسطين.
وتزامن مع التسرب الإسرائيلي غياب شبه كامل للوجود المصري منذ غضب الرئيس المخلوع من محاول اغتياله سنة 1995 بأديس أبابا ؛ وسمح ذلك بتغير المزاج السياسي لتلك الدول، ومن ثم تحولها إلي الجانب الآخر المتململ من السياسة المصرية، والانتقال للتفكير في إعادة بناء أسس جديدة للعلاقة مع الدولة المصرية لا تقوم علي التواصل الجغرافي والعلاقات التاريخية وإنما علي تشويه للدور التاريخي الذي قامت به مصر لإثارة نعرات عدائية لها.
فمن المسلم به أن أيا من دول منابع النيل، بل ودولة السودان، والتي تُعد دولة مصب، لا تعاني نقصا في المياه، ولا شحا في مصادره يبرر أي نزاع حول كميات المياه مع الدولة المصرية، ومع ذلك فإن بعض القانونيين الأثيوبيين بدأ منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي يدعو لإعادة النظر في معاهدات تقسيم المياه وتنظيم إدارة النيل التي أبرمت وقت الاستعمار، علي أساس أن مصر تستأثر بحصة أكبر من مياه النيل لكونها كانت مستعمرة أو لكون المستعمر البريطاني كان يحابيها ويميزها في الاتفاقات المائية التي فرضها علي شعوب المنطقة.
ومن ثمّ طرح بعض إخواننا من الأكاديميين الأثيوبيين تصورا لإعادة اقتسام مياه النيل وفقا للحاجة لا وفقا للحقوق التاريخية، زاعما أن الحاجة لا تعني فقط الحاجة للمياه وإنما الحالة المتطورة بتطور الزيادة السكانية والتمدد العمراني، كما لا تعني الحاجة للمياه كمادة وإنما أيضا الحاجة إليها كوسيلة لتوليد الطاقة.
وبالطبع فإن تلك الآراء مردود عليها بأن الاتفاقات الدولية، بما فيها تلك التي أبرمت إبان الاحتلال هي ملزمة لأطرافها، استنادا لقاعدة توارث الالتزامات والمعاهدات الدولية، وأن غير ذلك يعني انهيار معاهدات ترسيم الحدود وليس تقسيم المياه فقط، ومن ثمّ فتح الباب واسعا لحروب لا نهاية لها. كما أن إعادة تقسيم مياه النيل علي أساس الحاجة ربما لن يغير الوضع أبدا، علي أساس أن الحاجة المصرية لمياه النيل مصيرية ولا يمكن مقارنتها بغيرها من دول حوض النيل.
أما حجة إعادة تعريف الحاجة لتشمل استخدامات المياه كوسيلة لتوليد الطاقة، فإنها لن تصمد فيما لو تصادمت مع الاستخدام الأصيل للمياه في الري والشرب والمعاش.
والحاصل أن الجهود الإسرائيلية أدت في النهاية إلي طرح "الاتفاقية الإطارية الشاملة" CFA التي تم توقيعها سنة 2010 من خمس دول من دول المنبع ثم زادت باضطراد.
وأهم ما اشتلمت عليه هو تغيير مفهوم الأمن المائي، خصوصا لمصر، ليصبح مجرد تعهد علي عاتق دول المنبع في السعي لضمانه، دون التزام بالامتناع أو حتي الاتفاق المسبق بشأن أية مشروعات ترغب أي دولة من دول المنبع في إقامتها علي حوض النيل، ودون أي التزام بألا تؤثر مثل تلك المشروعات سلبا علي الاستخدامات الحالية وحقوق دولتي المصب.
وتبع ذلك طرح مناقصات عالمية لدراسة بناء عدة سدود علي حوض النيل الأزرق الذي تأتي منه غالبية حصة مصر في المياه، وبدأ بالفعل تنفيذ المشروع الأول منه بأعمال فنية تحضيرية لبناء ما يُسمي بسدّ النهضة.
وربما أن إتمام إجراء تحويل مجري النهر بعد زيارة الرئيس المصري لأديس أبابا والمشاركة في القمة الافريقية الاستثنائية، كان يهدف للإيحاء إلي المجتمع الدولي، خصوصا الدول المشاركة في عملية بناء السد، بأن الدولة المصرية الرسمية توافق علي المشروع، بعد أن جري استغلال زيارات وفود شعبية في إرسال رسالة للمجتمع الدولي أن الشعب المصري يقبل المشروع.
وبغض النظر عمّا حدث في اجتماع القوي السياسية برئيس الدولة الأسبوع الماضي، فإن الناحية الإيجابية لهذا اللقاء ولبثه علي الهواء، قصدا أو خطأ، تمثلت في أن رسالة قاسية وصلت لجميع الأطراف بأن المسألة عادت لتصبح قضية شعبية ورسمية من المستوي الأول.
وبالتالي فإن اعتذار رئيس أحد الأحزاب السياسية للدولة الأثيوبية عمّا بدر من بعض ممثلي القوي السياسية في الاجتماع، لم يكن له محل من الإعراب، لأن التجاوز، إن كان تجاوزا، إنما صدر عن ممثلين لقوي سياسية وليس من الدولة الرسمية، ومن ثم فالأمر لا يستوجب اعتذارا ؛ وإلا فنحن الأولي بالاعتذار لنا عن قيام الجانب الأثيوبي بإجراء عملية تحويل مجري النيل الأزرق بمجرد أن اعتلي الرئيس المصري سلّم الطائرة دون اعتبار للعلاقات التاريخية والودية والمصيرية والشعبية.
ربما يحاول البعض التخفيف من المشكلة، لكنّا نري الوضع جدّ خطير ؛ لأن مصر ستحتاج ابتداء من سنة 2017 إلي 86.2 مليار متر مكعب من المياه، ومن ثمّ لم تعد حصتنا الحالية تكفي وهي لا تتجاوز 55.5 مليار متر مكعب، ففي ظل هذه الحصة تبقي مصر في إطار خطّ الفقر المائي والذي يتحدد علي أساس 1000 متر مكعب سنويا للفرد، بينما يبلغ نصيب المصري حاليا 860 م مكعب فقط ؛ وإذا تراجع عن ذلك بسبب أي مشروع يتم بناؤه علي حوض النيل، فإن الأمر ربما يصبح كارثيا.
ونحن لن نستبق الأحداث ونحكم علي الأمر برمته، لكن الواضح أن مصر لم تكن شريكة فيما أجري من دراسات ولا طرفا في عملية التجهيز للمشروع أو في تنفيذه أو إدارته، كما لم يتحدث أحد عن أن دراسة حقيقية جرت للتعرف علي الحلول البديلة الأخري للسد، والذي ربما يوّفر الطاقة لإخواننا في أثيوبيا دون أن يهدد حصتنا في مياه النيل.
وبالتالي فإن البدء في إجراءات المشروع ليس سوي عمل انفرادي بامتياز، لا نملك إلا أن نتخوف منه، ونعترض عليه، ونتمسك بجميع الخيارات لوقفه.
وربما أن أفضل الخيارات للجميع، هي وقف أي أعمال تحضيرية انفرادية والبدء من جديد في دراسة الموضوع بلجان مشتركة علي الأرض بين مصر وأثيوبيا وباقي دول حوض النيل دون تأثير أجنبي، وأن تبدأ الدراسة بسؤال كبير، هل يمكن توفير الطاقة لأثيوبيا دون التعرض لمجري النهر؟
وإذا عجزت الحلول البديلة، يجب أن يكون أي مشروع علي مجري النيل أو فروعه الأساسية منشأة مشتركة يتم إدارتها بمشاركة دائمة لدولتي المصبّ وأن يكون أي مشروع لإنتاج الكهرباء باستخدام مياه النيل في دول المنبع، مشروعا مشتركا ملكية وإدارة مع دولتي المصب.
أخيرا فإنني أحذر من اللجوء للقضاء الدولي أو للتحكيم بشأن مسألة مستقرة وحقوقنا القانونية والتاريخية فيها لا خلاف عليها، إذ لا يجوز وضع مسألة تتعلق بوجودنا ومستقبلنا في يد قضاء دولي، رغم ثقتنا في موقفنا القانوني الثابت والمستقر.
ومحور تلك الاتفاقات دون استثناء هو عدم المساس بحصة مصر التاريخية والقانونية في مياه النيل، وامتناع كل الدول عن القيام بأي مشروعات علي حوض النهر إذا كان من شأنها أن تؤدي للخلل في مياه النيل التي تصل لمصر أو الإنقاص من كميتها، أخذا في الاعتبار أن مصر هي الدولة الوحيدة التي تعتمد اعتمادا كاملا في وجودها ومعاشها علي مياه النيل، ومن ثم فإن مفهوم الأمن المائي لمصر لا يتحقق إلا بالتزام الجميع بالامتناع عن أي إجراءات أحادية تتعلق بحوض النيل دون موافقة مصر.
ثم جاءت اتفاقية 1929 لتتناغم مع ذلك التراث التشريعي الدولي، فقررت حق مصر التاريخي والطبيعي في مياه النيل بالمقادير التي تصلها في المواعيد الطبيعية لها وعدم جواز إقامة أية مشروعات أو أعمال ري أو كهرومائية أو غير ذلك علي النيل أو فروعه أو علي البحيرات التي ينبع منها سواء في السودان أو في البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية، والتي من شأنها إنقاص مقدار المياه التي تصل الي مصر أو تعدل من تاريخ وصولها أو تخفض منسوبه.
وأخيرا جاءت اتفاقية 1959 لتحدد مقدار تلك الحصة بمقدار 55.5 مليار متر مكعب، مكملة نصوص اتفاقية 1929 وما سبقها وليست لاغية لها.
وربما يكون من المفيد التذكير بأن محكمة العدل الدولية قضت 1999 أن اتفاقات المياه شأنها شأن اتفاقات الحدود لا يجوز تعديلها، لأن فتح باب تعديلها لن يتوقف أثره علي المساس بأمن مصر المائي وإنما بالأمن المائي لكل دول المصب لجميع الأنهار بما قد ينفلت معه الأمر لنشوب نزاعات مسلحة جديدة.
ويبدو أن إسرائيل، الضليعة في الاستيلاء علي مياه الدول الأخري كما في نهر الأردن ونهر الليطاني بجنوب لبنان، وضعت ضمن استراتيجيتها إضعاف مصر بتغذية النزاعات مع دول منابع النيل، سواء للتأثير علي الوضع الاقتصادي المصري فيما لو نجح أي مخطط لإقامة مشروعات تؤثر علي حصة مصر في المياه، أو بإشغالها عن قضاياها الجوهرية الأخري كالتنمية والقضايا العربية وعلي رأسها فلسطين.
وتزامن مع التسرب الإسرائيلي غياب شبه كامل للوجود المصري منذ غضب الرئيس المخلوع من محاول اغتياله سنة 1995 بأديس أبابا ؛ وسمح ذلك بتغير المزاج السياسي لتلك الدول، ومن ثم تحولها إلي الجانب الآخر المتململ من السياسة المصرية، والانتقال للتفكير في إعادة بناء أسس جديدة للعلاقة مع الدولة المصرية لا تقوم علي التواصل الجغرافي والعلاقات التاريخية وإنما علي تشويه للدور التاريخي الذي قامت به مصر لإثارة نعرات عدائية لها.
فمن المسلم به أن أيا من دول منابع النيل، بل ودولة السودان، والتي تُعد دولة مصب، لا تعاني نقصا في المياه، ولا شحا في مصادره يبرر أي نزاع حول كميات المياه مع الدولة المصرية، ومع ذلك فإن بعض القانونيين الأثيوبيين بدأ منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي يدعو لإعادة النظر في معاهدات تقسيم المياه وتنظيم إدارة النيل التي أبرمت وقت الاستعمار، علي أساس أن مصر تستأثر بحصة أكبر من مياه النيل لكونها كانت مستعمرة أو لكون المستعمر البريطاني كان يحابيها ويميزها في الاتفاقات المائية التي فرضها علي شعوب المنطقة.
ومن ثمّ طرح بعض إخواننا من الأكاديميين الأثيوبيين تصورا لإعادة اقتسام مياه النيل وفقا للحاجة لا وفقا للحقوق التاريخية، زاعما أن الحاجة لا تعني فقط الحاجة للمياه وإنما الحالة المتطورة بتطور الزيادة السكانية والتمدد العمراني، كما لا تعني الحاجة للمياه كمادة وإنما أيضا الحاجة إليها كوسيلة لتوليد الطاقة.
وبالطبع فإن تلك الآراء مردود عليها بأن الاتفاقات الدولية، بما فيها تلك التي أبرمت إبان الاحتلال هي ملزمة لأطرافها، استنادا لقاعدة توارث الالتزامات والمعاهدات الدولية، وأن غير ذلك يعني انهيار معاهدات ترسيم الحدود وليس تقسيم المياه فقط، ومن ثمّ فتح الباب واسعا لحروب لا نهاية لها. كما أن إعادة تقسيم مياه النيل علي أساس الحاجة ربما لن يغير الوضع أبدا، علي أساس أن الحاجة المصرية لمياه النيل مصيرية ولا يمكن مقارنتها بغيرها من دول حوض النيل.
أما حجة إعادة تعريف الحاجة لتشمل استخدامات المياه كوسيلة لتوليد الطاقة، فإنها لن تصمد فيما لو تصادمت مع الاستخدام الأصيل للمياه في الري والشرب والمعاش.
والحاصل أن الجهود الإسرائيلية أدت في النهاية إلي طرح "الاتفاقية الإطارية الشاملة" CFA التي تم توقيعها سنة 2010 من خمس دول من دول المنبع ثم زادت باضطراد.
وأهم ما اشتلمت عليه هو تغيير مفهوم الأمن المائي، خصوصا لمصر، ليصبح مجرد تعهد علي عاتق دول المنبع في السعي لضمانه، دون التزام بالامتناع أو حتي الاتفاق المسبق بشأن أية مشروعات ترغب أي دولة من دول المنبع في إقامتها علي حوض النيل، ودون أي التزام بألا تؤثر مثل تلك المشروعات سلبا علي الاستخدامات الحالية وحقوق دولتي المصب.
وتبع ذلك طرح مناقصات عالمية لدراسة بناء عدة سدود علي حوض النيل الأزرق الذي تأتي منه غالبية حصة مصر في المياه، وبدأ بالفعل تنفيذ المشروع الأول منه بأعمال فنية تحضيرية لبناء ما يُسمي بسدّ النهضة.
وربما أن إتمام إجراء تحويل مجري النهر بعد زيارة الرئيس المصري لأديس أبابا والمشاركة في القمة الافريقية الاستثنائية، كان يهدف للإيحاء إلي المجتمع الدولي، خصوصا الدول المشاركة في عملية بناء السد، بأن الدولة المصرية الرسمية توافق علي المشروع، بعد أن جري استغلال زيارات وفود شعبية في إرسال رسالة للمجتمع الدولي أن الشعب المصري يقبل المشروع.
وبغض النظر عمّا حدث في اجتماع القوي السياسية برئيس الدولة الأسبوع الماضي، فإن الناحية الإيجابية لهذا اللقاء ولبثه علي الهواء، قصدا أو خطأ، تمثلت في أن رسالة قاسية وصلت لجميع الأطراف بأن المسألة عادت لتصبح قضية شعبية ورسمية من المستوي الأول.
وبالتالي فإن اعتذار رئيس أحد الأحزاب السياسية للدولة الأثيوبية عمّا بدر من بعض ممثلي القوي السياسية في الاجتماع، لم يكن له محل من الإعراب، لأن التجاوز، إن كان تجاوزا، إنما صدر عن ممثلين لقوي سياسية وليس من الدولة الرسمية، ومن ثم فالأمر لا يستوجب اعتذارا ؛ وإلا فنحن الأولي بالاعتذار لنا عن قيام الجانب الأثيوبي بإجراء عملية تحويل مجري النيل الأزرق بمجرد أن اعتلي الرئيس المصري سلّم الطائرة دون اعتبار للعلاقات التاريخية والودية والمصيرية والشعبية.
ربما يحاول البعض التخفيف من المشكلة، لكنّا نري الوضع جدّ خطير ؛ لأن مصر ستحتاج ابتداء من سنة 2017 إلي 86.2 مليار متر مكعب من المياه، ومن ثمّ لم تعد حصتنا الحالية تكفي وهي لا تتجاوز 55.5 مليار متر مكعب، ففي ظل هذه الحصة تبقي مصر في إطار خطّ الفقر المائي والذي يتحدد علي أساس 1000 متر مكعب سنويا للفرد، بينما يبلغ نصيب المصري حاليا 860 م مكعب فقط ؛ وإذا تراجع عن ذلك بسبب أي مشروع يتم بناؤه علي حوض النيل، فإن الأمر ربما يصبح كارثيا.
ونحن لن نستبق الأحداث ونحكم علي الأمر برمته، لكن الواضح أن مصر لم تكن شريكة فيما أجري من دراسات ولا طرفا في عملية التجهيز للمشروع أو في تنفيذه أو إدارته، كما لم يتحدث أحد عن أن دراسة حقيقية جرت للتعرف علي الحلول البديلة الأخري للسد، والذي ربما يوّفر الطاقة لإخواننا في أثيوبيا دون أن يهدد حصتنا في مياه النيل.
وبالتالي فإن البدء في إجراءات المشروع ليس سوي عمل انفرادي بامتياز، لا نملك إلا أن نتخوف منه، ونعترض عليه، ونتمسك بجميع الخيارات لوقفه.
وربما أن أفضل الخيارات للجميع، هي وقف أي أعمال تحضيرية انفرادية والبدء من جديد في دراسة الموضوع بلجان مشتركة علي الأرض بين مصر وأثيوبيا وباقي دول حوض النيل دون تأثير أجنبي، وأن تبدأ الدراسة بسؤال كبير، هل يمكن توفير الطاقة لأثيوبيا دون التعرض لمجري النهر؟
وإذا عجزت الحلول البديلة، يجب أن يكون أي مشروع علي مجري النيل أو فروعه الأساسية منشأة مشتركة يتم إدارتها بمشاركة دائمة لدولتي المصبّ وأن يكون أي مشروع لإنتاج الكهرباء باستخدام مياه النيل في دول المنبع، مشروعا مشتركا ملكية وإدارة مع دولتي المصب.
أخيرا فإنني أحذر من اللجوء للقضاء الدولي أو للتحكيم بشأن مسألة مستقرة وحقوقنا القانونية والتاريخية فيها لا خلاف عليها، إذ لا يجوز وضع مسألة تتعلق بوجودنا ومستقبلنا في يد قضاء دولي، رغم ثقتنا في موقفنا القانوني الثابت والمستقر.
رحم الله أمير الشعراء فقد داعب النيل سنة 1933 بكلمات معبرة:
النيل نجاشي.. حلاوة أسمر.. عجب للونه دهب ومرمر..
عجب للونه دهب ومرمر..أرغوله في إيده.. يسبح لسيده..حياة بلدنا.. يارب ديمه..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق