الجمعة، 17 أبريل 2015

المثقف الجيص الشوباشي نموذجًا.



"مالك طــالع زي الجيص" 
اللعبة حلوة، بعض البجاحة، والعلاقات، 
وبنطلون مخروم بطبيعته
.. وتصبح أشهر من نانسي عجرم ..


أما الـ"جيص" فهي كلمة قبطية، وتعني في اللغة القبطية القديمة "ريح من البطن"، وهي من المفردات الكثيرات التي استوعبتها العامية المصرية المؤلفة من العربية بشكل أساسي، والقبطية، التي يذهب بعض الباحثين إلى أنها من أصول عربية هي الأخرى، ثم أشتات من لغات الغزاة، والزائرين، لعل أبرزها التركية!
وأما الشوباشي، فهو على أرجح الأقوال من (شوبش) وهي كلمة قبطية بدورها، أصلها الهيروغليفي "شت"، وأما المثقف، فلا يوجد تعريف واضح في المعجم المصري لهذه المفردة اللقيطة، إلا أن التعريف الرسمي يقول إن المثقف هو الذي يخبرنا "النظام" أنه كذلك، وإن كان من العالم "الخواجات" غير الناطقين بالعربية أو القبطية أو الهيروغليفية، أو حتى اللهجة الصعيدية!
ولقد نسج الخيال الشعبي بعض الصور الذهنية حول "الجيص"، بوصفه ظاهرة صوتية، لعل أهمها ما يقوله أهالينا في حواري المحروسة وما حولها من قرى ونجوع، عن ذلك "الغشيم" المتعافي الذي يقتحم مجلس الرجال ومسارات الكلام فيه، فيعلو صوته بكلام فارغ، في غير مكانه ولا أوانه، حيث يعنفه الكبراء بقولهم: "مالك طالع زي الجيص"
هذا "النكرة" الذي ما أجلسه مع الرجال سوى عضوه الذكري، وما أورده مواردهم سوى نسبه، أو قبيلته، أو شفاعة أحدهم له، ما كان له في حقيقة الحال أن يكون لصوته بينهم حضور لولا أنه خرج مثل "ألجيص"، فهذا النوع من البشر فارغًا من كل قيمة، حتى قيمة الصمت، لا يحمل ما يؤهله لأن يستمع إليه الناس، فاشل حتى في حديث المزاح وخفة الدم، فماذا يفعل إلا أن يفجع الناس بما هو شاذ وغريب بصرف النظر عن موقعه من الحقيقة، ويختار أكثر الوسائل ابتذالا لإيصاله: "الجيص"
ومن مجالس الرجال إلى فوتيهات الاستديوهات، أمام الكاميرات، حيث يحاول بعض من أخبرتنا الدولة أن علينا اعتبارهم من المثقفين أن يبدوا كذلك بالفعل، لا تسعفهم أبواب النشر المفتوحة على مصراعيها، سرقة الأبحاث، ونحت الكتب، واستيراد الأفكار الفرنسية، دون الإشارة لمصادرها، كل ذلك لم يفلح في أن يصنع مثقفا، البعيد فاشل، لا يلتفت إليه أحد، فماذا بعد التجاهل إلا “الجيص”، هكذا يتصور، ثمة طرق ووسائل وسبل، التعب، الاشتغال الحقيقي على فكرة، لكن مثقف النظام يهدر الكثير من الوقت في لحس الأعتاب، ولا يتبقى له من طاقته ما يصلح لأي شيء، سوى أن "يجيص"
يسقط سيبويه، هكذا يصرخ المثقف التنويري، لماذا يا عم؟ 
لأنه ناجح، ماذا؟ 
لأنه ناجح وعليه أن يدفع ثمن نجاحه، إي والله العظيم ثلاثًا، هذا بالضبط ما حدث، الشوباشي يؤلف كتابًا كوميديا في نقد النحو العربي، تطبعه الدولة على نفقتها طبعًا، ربما لأنه لا يوجد ناشر يحترم نفسه يمكنه أن يفعل، يصدر الكتاب، لا يلتفت إليه أحد، شبكة العلاقات تشتغل، عروض الكتب في جرائد الدولة تمنحه بعض الزخم، حوارات صحفية للنقاش حول كتاب لم يقرأه إلا كاتبه، تصريحات، وحركات، أخيرا يتجرد أحد الأساتذة للرد، محمد محمد داوود إذا لم تخني الذاكرة، تقام المناظرة يبدو فيها المسكين كمن جاء من غير والدته، يترفق به خصمه، يربت على كتفيه، لا بأس عليك يا شيكو، نحن لسنا ضدك، لكن ما هكذا تورد الإبل يا حبيبي، هل تعرف معنى الإبل؟
يملأ الكتاب فراغًا كان أولى به أن يمتلأ بدراسات جادة سبقته، ولحقت به، في تجديد النحو العربي، إلا أن أصحابها لم يروموا سوى البحث العلمي، اقتطعوا من أعمارهم السنين الطوال، أضاعوا زهرات الشباب، حاولوا، وراكموا، في جهد ينتظر من يزيد عليه، ثم تدفعه حركة التاريخ إلى أن تصل به إلى لحظة التبلور علمًا صالحًا ونافعًا لزمانه، ينسى الناس كل هؤلاء، بل لا يعرفونهم أصلا، شوقي ضيف، عفيف دمشقية، عبد السلام المسدي، وعشرات غيرهم، ينساهم الناس، ولا يلفت خياشيمهم قبل الأسماع سوى "الجيص"
اللعبة حلوة، بعض البجاحة، والعلاقات، وبنطلون مخروم بطبيعته، وتصبح أشهر من نانسي عجرم، البعض يلعبها بنفسه، والبعض الآخر يتطوع آخرون لأن يلعبوها له، فجأة تسمع عن واحد اسمه "بحيري"، جيص آخر، ناقدًا للتراث، لماذا؟
 للتراث، أهلًا وسهلًا، مثل من؟: 
محمد عابد الجابري، طه عبد الرحمن، حسين مروة، يحيى محمد، عبد المجيد الشرفي، طيب تيزيني، علي أومليل، ناصيف نصار، فهمي جدعان، هشام جعيط، طه العلواني، أبو القاسم حاج حمد، الصادق النهيوم، عبد المجيد الصغير، حمادي ذؤيب، من هؤلاء؟، 
وما هو وزنهم؟ كم مرة ظهروا على الشاشة؟ 
كم واحدا استفزوا على مواقع التواصل؟ 
ما حجم ما يستطيعون تعاطيه من الكرنب، والفول الحراتي؟
هل يجيدون "الجيص" الإجابة لا، إذن لا مكان لهم، المجد للجياصين.
نوال السعداوي، إبراهيم عيسى، إيناس الدغيدي، منى عراقي، توفيق عكاشة، كتاب، روائيون، صحفيون، إعلاميون، رجالي، وحريمي، جميع المقاسات، الجميع أبناء اللعبة، عرفوها، وعرفهم الناس بها، يعود الشوباشي لممارسة فعل الحزق، لعله يذكر الناس بأنهم يوما التفتوا له ثم نسوه، جيص آخر، ثورة خلع الحجاب!، صلاة النبي أحسن، أعرف دراسات جادة ومحترمة اشتبكت مع الموروث في مساحات أكثر خطورة، حاول أصحابها تفكيك فهم الأقدمين، ورده إلى سياقاته الاجتماعية والسياسية، والتحرك مع مساحات التأويل التي يمنحها النص، وممكناته العابرة للزمان والمكان، أعرف محاولات، ومشاغبات، طروحات، وأفكار، "معافرة"، لكن لا أحد يهتم، ذلك لأن أصحابها درسوا ما يحاولون تفكيكه، وبذلوا جهدهم، ولم يكن لديهم وقت كاف لتفريغ انتفاخاتهم في وجه الناس، إضافة إلى لغتهم العصية على القاريء العام، البعيدة عن مساحات الشعبوي والمتداول، يمكننا أن نشتغل على إيصالهم للناس، إذا لم نستطع أن نجاريهم في دأبهم، ويمكننا أن نكون مثل المثقف الجيص، الأخير أسرع في الوصول ولو ساءت رائحته، وانعدمت فائدته!!
يا عزيزي، ليس المشكل أنهم تافهون، وأغبياء، وأدوات رخيصة، في يد سلطة توظفهم، المشكل أنهم فارغون، بلا معنى، بلا قيمة، رائحتهم نتنة، بوصف مفتيهم، في بلاد أخرى، مثقف السلطة مثقف حقيقي، تنويري، له تأثيرات إيجابية في مساحات أخرى غير مساحات السلطة المستأجر من أجلها، له مشروعية ثقافية يكتسبها أولا بما يقدمه من جهد يستحق معه أن يقدره الناس، وأن تستأجره السلطة، حتى في مصر، وفي غيرها من الأقطار العربية المنكوبة بحكم عساكرها، كنا كذلك، كم من مثقف للسلطة، باعوا أنفسهم، وضمائرهم، وخبراتهم، لكنهم كانوا على شيء يذكر، هيكل، أنيس منصور، الأبنودي، أدونيس، سعيد عقل، الخازن، القائمة تطول، أما الآن فنحن أمام فتحة الشرج، آخر العساكر، وآخر الزمان الأغبر.
أنت غاضب من دعوة خلع الحجاب، هذا حقك، سواء كنت غاضبا لأفكارك، أو كنت مثلي، تحب أن تتجاور الأفكار، والقناعات، لكن وفقا لعقد اجتماعي، يحفظ للجميع حقوقه، ولا يدع المجال العام لكذابي الزفة، يسممونه برائحة جياصهم، لكن لا بأس عليك، فقط انتبه، لا تدعهم يشتتون طاقة غضبك، كل ذلك من جرائر حكم الجنرالات، وكلنا، إذا نجحوا في صرفنا عن هدفنا الأساسي، خاسرون.
يقول المثل المصري: "جيص البقرة الحرنانة، لا يقوم زرع، ولا يطلع سـجرة"، دع البقر، في أوهامهم، وركز، وثق أن الله لن يخذل من أحسن تفكيرا وعملا، وكما جاء على لسان ستي وستك: لو ربك بيسيب – بتشديد الياء – كان سيب الجيص ع اللبن!!
أخيرًا: أعتذر لقاريء، أحبه وأحترمه، وأحرص ما وسعني ألا آخذه إلى بؤرة القرد ليشم، إلا أن نقد بعض الخطابات يحتاج إلى بعض التماهي، "شوبش بقى"..


ليست هناك تعليقات: