السبت، 28 مارس 2015

سَدُّ مأرب وسَدُّ النهضة وسَدُّ الحنك !.



آن للحكام العرب أن يتعلموا قليلا من التواضع 
 وأن يعلموا أن اللعب بالنار قد يحرق الأصابع 


سَدُّ مأرب وسَدُّ النهضة وسَدُّ الحنك ! 
●– في بلاد سد مأرب: في بلاد سد مأرب ... اليمن السعيد ... سيطر الحوثيون المدعومون من إيران والسعودية على البلاد كلها تقريبا بقوة السلاح، لقد ابتلعوا الدولة في عدة أيام، دون مقاومة من أحد. سيقول لي قائل : "الحوثيون مدعومون من إيران فقط، وليسوا مدعومين من السعودية" ... ولكن الحقيقة المُرَّة أن الحوثيين حين بدؤوا عملية "بَلْع" اليمن كانوا مدعومين من السعودية، أو على الأقل سكتت المملكة على تمددهم وتوَغلهم، وقبلت وجودهم في معادلة الحكم اليمني (نكاية في الإسلاميين والثوريين)، وفي النهاية انقلب الحوثيون على الجميع. فعلت المملكة ذلك في نهاية عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز كُرْهًا في التيار الإسلامي، وفي ثورات الربيع العربي. للمرة الألف يدعم الحكام العرب مستبدا لكي يذوقوا منه الويل فيما بعد، دعموا صدام حسين حتى فتك بهم، ثم دعموا الإطاحة بصدام حسين وأصبحوا تحت رحمة إيران، ودعموا مبارك حتى انهار حكمه بسبب استبداده، ثم دعموا المجلس العسكري ضد الثورة، ثم دعموا من انقلب على مكاسب الثورة (أعني المسار الديمقراطي الذي جاء بالرئيس مرسي)، ودعموا علي عبدالله صالح، ثم دعموا الرئيس هادي، ثم دعموا الحوثيين كرها في الإسلاميين، والآن يخوضون حربا لا يعلم أحد نهايتها من أجل أن يحاولوا تصحيح الخطأ الاستراتيجي الفادح الفاضح الذي أوصل الجيش الإيراني متمثلا في كتائب الحوثي إلى مضيق باب المندب، وداخل الجزيرة العربية ! 
 نتائج الحرب في اليمن ليست مضمونة، وفي جميع الأحوال ستكلف الخزائن العربية مليارات، خصوصا إذا طالت، وهي حرب لا معنى لها، ولا داعي لها، وكان من الممكن تجنبها لو أن الحكام العرب قبلوا حقيقة أن الشعوب من حقها أن تحكم نفسها، وأن تختار من يحكمها، وأن مقاومة ذلك سير عكس اتجاه التاريخ. هذه الحرب قد ينتج عنها ما لا يُتَوَقَّع، فهناك بؤر ساخنة قد تشتعل بفعل هذا الاشتباك العسكري المفاجئ، مملكة البحرين، والمنطقة الشرقية في السعودية، وجنوب لبنان، وسوريا، والعراق، كل هذه المناطق من الممكن أن نراها قد اشتعلت أو ازدادت اشتعالا، والذين يتخيلون أن ضرب اليمن سيكون نزهة لطيفة ربما يثبت تسرعهم في الحكم على الأمر. 
 حرب اليمن قد تؤدب الحوثيين، ولكنها – بلا شك – ستؤدب كثيرا من الأنظمة التي تعبث بمقدرات الدول والشعوب، وقد آن للحكام العرب أن يتعلموا قليلا من التواضع، وأن يعلموا أن اللعب بالنار قد يحرق الأصابع. بالنسبة لمشاركة الجيش المصري في هذه الحرب، لا أجد تعليقا على الأمر سوى أن الدولة المصرية كلها سفينة مختطفة بما ومن عليها، ويكفي أن نعلم أن العالم كله كان يتحدث عن مشاركة مصر بينما لا يعرف المصريون شيئا عن الموضوع، وحين حاولت أن أتابع الأمر من خلال الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري للقوات المسلحة، وجدت الصفحة تتحدث عن استضافة الكلية الفنية العسكرية للجنة ما من المجلس الأعلى للجامعات، ولم تتحدث الصفحة عن الموضوع إلا بعد يوم كامل من الصمت على المشاركة المصرية في هذه الحرب ! 
 لقد تذكر المتحدث العسكري مثل هذه الأخبار التي قد لا تهم الكثيرين، ولكن فاته أن يخبر المصريين أن قواتهم المسلحة (برا وبحرا وجوا) تشارك في عملية عسكرية ضخمة عند مضيق باب المندب في بلاد اليمن السعيد (كما سمعنا في وكالات الأنباء) ! يحاول البعض أن يظهر مصر في دور القائد، والحقيقة أن اختيار التوقيت كان مقصودا، فقد تعمدَّت السعودية أن تبدأ الحرب قبل انعقاد القمة العربية في شرم الشيخ، لكي لا يكون هناك أي شبهة في الأمر، فالقاهرة تسير كما تقرر الرياض، و"كله بحسابه". الإجراءات الدستورية التي تحدث عنها ما يسمى بدستور لجنة الخمسين تتضمن إجراءات كثيرة قبل مشاركة الجيش في أي حرب، وهي إجراءات من الصعب أن يزعم أحد أنها قد تَمَّتْ، ولكن يبدو أن هذه الأمور الشكلية أصبحت أبسط مما نتخيل في هذا العهد الأسود الذي نعيشه.
 -مادة 152 من الدستور المصري (الحالي) : "رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا يعلن الحرب، ولا يرسل القوات المسلحة في مهمة قتالية إلى خارج حدود الدولة، إلا بعد أخذ رأي مجلس الدفاع الوطني، وموافقة مجلس النواب بأغلبية ثلثي الأعضاء. فإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجب أخذ رأي المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وموافقة كل من مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني". 
 هــل حــدث ذلك؟ 
الإجــابة : الورق ورقنا ! 
 ملحوظة : سيحدثنا البعض عن مكاسب مصر من المشاركة، ونحن هنا نتحدث عن خسائرنا ... لقد خسرنا الدولة ... لا توجد دولة في العالم المتحضر اليوم يستيقظ شعبها ليجد جيشه مشاركا في حرب دون أخذ رأي أحد، هذا التصرف ضد فكرة الدولة أصلا. 
 ●– بلاد سد النهضة: 
 كتبت في مقالتي الأخيرة بعنوان "رسالة إلى رئيس وزراء إثيوبيا" أسباب عدم اعترافي كمواطن مصري بالاتفاقية التي وقعها رئيس جمهورية الأمر الواقع السيد "عبد الفتاح سيسي"، وسررت بتجاوب آلاف المصريين الشرفاء مع هذه المقالة، فتمت ترجمة الرسالة إلى اللغة الإنجليزية، وبدأ الناس بإرسالها إلى السيد رئيس وزراء إثيوبيا، وإلى العديد من السفارات الإثيوبية في العالم، في مصر وواشنطن وإلى البعثة الإثيوبية في الأمم المتحدة، وغيرها. 
 لقد تجاوب المصريون من مختلف اتجاهاتهم، وحاولوا من خلال إرسال هذه الرسالة أن يقوموا بعمل (محضر إثبات حالة)، لكي لا يحتج أي أحد علينا بإمضاء شخص منفرد على وثيقة تمحو عشرات الاتفاقيات، دون إجراءات دستورية ينبغي أن تحترم، ودون استشارة أحد، ودون الأخذ في الاعتبار أن أي توقيع على أي تفاهم في هذا الشأن معناه اعتراف بشرعية إقامة السد. الناشطون على الإنترنت دشنوا عدة هاشتاجات بدأت بالانتشار، وهو شكل من أشكال الاصطفاف الإلكتروني المحمود. 
 يحاول البعض النزول بهذه الورقة إلى الشارع لجمع توقيعات المصريين، وأنا لا أملك سوى أن أدعم هذا التوجه من موقعي ككاتب. يحاول البعض أن يأخذ الأمر باتجاه الخلاف السياسي بيننا وبين السلطة الحاكمة، والحقيقة أنه لا علاقة للرسالة بذلك، فهي رسالة تتحدث من منطلق الحرص على مياه النيل وحقوقنا التاريخية فيها، وليس من منطلق تسجيل أي هدف في مرمى النظام الذي نعارضه. إن تهديد البعض بمنع الماء عن دول المصب اليوم قد ينقلب لتصبح دول المنبع تحت تهديد خزان السد الممتلئ ! في نهاية هذه المقالة سيجد القارئ الكريم الرسالة بالعربية والإنجليزية، مع بعض الإيميلات لبعض المسؤولين الإثيوبيين. 
 ● – بلاد سد الحنك: 
 في مصر العظيمة، فضح الله النخبة التي تدعي الليبرالية والمدنية فضيحة خلف أخرى، فها هم يخرسون أمام مشاركة قواتنا المسلحة في حرب بلاد سد مأرب دون استئذان من الشعب المصري صاحب السيادة، وها هم يخرسون أو يبررون توقيع اتفاقية إطارية غامضة تتعلق بسد النهضة الإثيوبي دون (أحم ولا دستور)، بعد سبق اعتراضهم الشديد عليها في عهد آخر، ولا زالوا كلما تحدثنا عن الاصطفاف يسخرون، بل بلغت الصفاقة مبلغها حين تحدث بعض هؤلاء عن الاصطفاف خلف الزعيم الملهم لتأييده في توقيع تلك الوثيقة الكارثية ! لا أقول لهؤلاء الذين حولوا مصر إلى بلاد "سد الحنك" سوى "أف لكم ولما تعبدون من دون الله" ! عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ... ملحوظة : في هذا الرابط رسالتي للسيد رئيس وزراء إثيوبيا باللغتين العربية والإنجليزية، وبعض المعلومات والإيميلات للسادة المسؤولين الإثيوبيين، بإمكان من يؤيد الرسالة إرسالها اعتراضا على توقيع ما يسمى بوثيقة النهر:
* عبدالرحمن يوسف






ليست هناك تعليقات: