الأحد، 1 فبراير 2015

" سلمان" أزال العنكبوت وعَزل عدو الإخوان اللدود ويتَجة نحو تركيا


السياسة السعودية تجاه الأخوان توشك أن تتغير 



حتى اللحظة التي تولى فيها سلمان الحكم، كان التحقيق الذي ترأسه السير جون جينكينز 
مصدر إحراج سياسي كبير، ولم يكن من الممكن نشره 
لأنه وصل إلى النتيجة غير المتوخاة مبرئًا الإخوان المسلمين من التورط في الإرهاب في مصر والآن
 لربما رحب الحكام الجدد في الرياض أنفسهم بهذه النتيجة.

واصل الكاتب البريطاني الشهير "ديڤيد هيرست" تحليلاته للمشهد السعودي منذ تولي الملك "سلمان بن عبدالعزيز" مقاليد الحكم.
وقال "هيرست" في آخر مقالاته بجريدة "هافنغتون بوست" :
لقد اكتمل انقلاب القصر. ففي مرسوم ملكي بعيد المدى أصدره مساء الخميس، أقدم العاهل السعودي الملك سلمان على تفكيك تركة أخيه غير الشقيق عبد الله، واضعا المملكة على طريق إعادة تموضع إقليمي كبير. وتوجد الآن على الطاولة ملفات هامة، منها التقارب المحتمل مع كل من تركيا وقطر، واستعادة الدور التقليدي الذي طالما قامت به السعودية للتوسط بين فتح وحماس، وإحداث تغير نوعي في المساندة التي منحتها الرياض لحكام مصر العسكريين.
لا مفر بعد إزالة بيوت العنكبوت من التصرف مع العنكبوت نفسه، وذلك بالضبط ما حصل، حيث جرد الأمير بندر بن سلطان من آخر دور تبقى له، وهو رئاسة مجلس الأمن القومي، ولعل هذا يكون فعلاً هو آخر العهد ببندر، أو يكون بداية عودة الاستقرار إلى المنطقة.
وتم إعفاء اثنين من أبناء الملك عبد الله، الأمير مشعل بن عبد الله أمير مكة والأمير تركي الذي كان أميراً للعاصمة الرياض، من منصبيهما. الابن الوحيد لعبد الله الذي بقي في منصبه هو الأمير متعب، الذي يستمر في قيادة الحرس الوطني. من الواضح أنه لم يكن بين أفراد هذه العائلة من الحب ما يخشى فقده.
تم تعيين رجل دين محافظ، هو سعد الشثري – الذي يدافع عن الفصل بين الجنسين في التعليم، مستشارا خاصا للملك سلمان، إلا أن ذلك قابله تكليف عادل الطريفي، وهو شاب ليبرالي كان مديرا عاما لقناة العربية الإخبارية، بحقيبة وزارة الإعلام.
إلا أن الرجلين اللذين خرجا من التعيينات الجديدة بنفوذ يمكنهما من إدارة البلاد هما محمد بن نايف ولي ولي العهد، ومحمد بن سلمان الذي تناط به الآن ثلاثة أدوار، فهو وزير الدفاع ورئيس الديوان الملكي ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية، وهو المجلس الذي استحدث مؤخرا. 
وسلمان له ابن آخر، هو عبد العزيز، الذي أصبح يشغل منصب نائب وزير النفط. يتضح من هذه التعيينات أن جناح السديريين نجح في تثبيت أبنائه من الجيل الثاني في بنية النظام بشكل حاسم.
استهل الملك سلمان عهده بشراء حب الشعب، وهو الأمر ذاته الذي حاول القيام به الملك الراحل عبد الله خلال الشهور الأولى من الربيع العربي. بموجب القرارات الملكية الأخيرة سيحصل كل موظف من موظفي الدولة على راتب شهرين إضافيين وسيحصل كل واحد من متقاعدي القطاع العام على شهرين إضافيين من الدخل التقاعدي.
وأما الطلاب، فسيحصل كل واحد منهم على منح إضافية، وسيحصل المعتمدون على الضمان الاجتماعي على تمويل شهرين إضافيين أيضا. وتقدر فاتورة كل هذا الإنفاق بما يعادل 30 مليار دولار.
"أيها الشعب الكريم: تستحقون أكثر، ومهما فعلت لن أوفيكم حقكم، أسال الله أن يعينني وإياكم على خدمة الدين والوطن، ولا تنسوني من دعائكم". كانت تلك هي تغريدة العاهل الجديد عبر حسابه في تويتر، وذلك بعد أسابيع قليلة فقط من مؤشرات صدرت عن الرياض بأنها قد تضطر إلى خفض الانفاق الحكومي بسبب انهيار أسعار النفط. وحظيت تغريدة سلمان بربع مليون "ريتويت".
لقد أمطر الملك سلمان بعبارات الإطراء والثناء، وما من أحد كان يعارض الملك عبد الله إلا كال المديح لسلمان، وذلك أن الملك عبد الله، كما يقول مراقبون سعوديون مطلعون، كان خلال السنوات الأخيرة من حياته قد تمترس وراء أفكار ومواقف جامدة ومتزمتة.
أما سلمان، فهو بالنسبة لهم يمثل عودة إلى الاعتدال الذي تميز به عهد الملك فهد. صحيح أن الملك الجديد أكد على استمراره على نهج سلفه، إلا أن الأيام السبعة الأولى من عهده كانت أبعد شيء عن ذلك، ولعل الخارج هو أول من سيلاحظ النقلة التي تجرى في عهده، ففي عالم تلعب العلاقات الشخصية فيه دورا مهما في السياسة، من المهم تذكر من هم أصدقاء سلمان ومن هم أصدقاء ابن نايف.
ظل الملك سلمان باستمرار يحتفظ بعلاقة وطيدة بالشيخ تميم بن حمد أمير قطر، وبناء عليه يمكن القول بأن التهديد الذي صدر عن المملكة العربية السعودية في العام الماضي بفرض حصار على جارتها الصغيرة أو بطردها من مجلس التعاون الخليجي يبدو الآن كما لو كان مجرد ذكرى سيئة.
وقد علمت من مصادر سعودية بأن محمد بن نايف أيضا يحتفظ بعلاقة وثيقة مع كبار المسؤولين الأتراك. ما من شك إذن في أن يكون قد ساءه ذلك الصدع الذي طرأ على العلاقات بين تركيا والمملكة العربية السعودية إثر تفجر الثورات العربية في عام 2011، ليس فقط لأن هاتين القوتين الإقليميتين تحتاج كل منهما إلى الأخرى لاحتواء النفوذ الإيراني الآخذ في التمدد في العراق واليمن ولبنان وسوريا، ولكن أيضا بسبب علاقاته الشخصية. ومن المتوقع أن يبادر إلى رأب الصدع وتجسير الهوة.
ولعله أيضا الوقت المناسب للعودة قليلاً إلى الوراء لتذكير خصوم ابن نايف الشخصيين بما بدر منهم، إذ إن وزير الداخلية لم ينس بعد تلك المحادثة التي استغرقت ساعتين ونصف، بين ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد وريتشارد هيس قبل اثني عشر عاما، والتي نعلم تفاصيلها بفضل تسريبات ويكيليكس. 
فأثناء حديثه عن والد ابن نايف، الذي كان وقتها وزيرا للداخلية، قال الأمير الإماراتي لمحدثه إنه حينما يرى نايف فإنه تترسخ لديه القناعة بأن داروين كان محقا حين قال إن الإنسان انحدر من القرد.
لدى ابن نايف، حسابات أخرى قد يرغب في تصفيتها، وتتعلق بقضايا أقرب إلى حاضرنا من تلك المتعلقة بوالده. ومن ذلك تلك القضية المتعلقة بوكالة إرم للأخبار، التي تدار كغيرها من وسائل الإعلام الإماراتية من قبل ديوان رئيس الدولة، حيث إن الوكالة شككت في صحة تعيين ابن نايف وليا لولي العهد، وزعمت أن سلمان لم يستشر هيئة البيعة في ذلك، وقالت: "لقد أثارت آلية اختيار محمد بن نايف من بين العديد من الأحفاد المهمين انتباه المراقبين".
لم يكن ما ذكرته الوكالة اعتباطيا. 
ومما يؤكد ذلك أن مقدم البرامج التلفزيونية المصري يوسف الحسيني حاول القيام (التشكيك في ولاية عهد سلمان) بمجرد أن انتشر خبر مرض الملك عبد الله. 
وبحسب موقع أسرار عربية، فقد جاء ذلك ضمن حملة خطط لها وأدارها خالد التويجري المعزول من منصبه والذي كان أمين سر الملك الراحل عبد الله، بهدف ضمان أن يؤول منصب ولي ولي العهد إلى الأمير متعب. وتقصى موقع أسرار عربية الطريق الذي جرى من خلاله إملاء ما ذكره المذيع في برنامجه على قناة أون تي في، حيث كانت البداية من الديوان الملكي السعودي عبر مدير مكتب السيسي عباس كامل، وهو الرجل الذي سجلت له سرا مكالمة هاتفية يطلب فيها إيقاف برنامج باسم يوسف الذي كانت تبثه قناة إم بي سي.
لم يسعف الوقت الثلاثي المكون من التويجري وبندر وابن زايد، فقد توفي الملك قبل أن يتمكنوا من تقديم منافس بديل لسلمان، والآن بات اثنان منهم على الأقل رجالاً من الماضي، وسنراقب بكل اهتمام ما ستؤول إليه أوضاع ثالثهما، فعلى الأغلب سيتم في نهاية المطاف كسر هذه السلسلة من المكر والدسائس التي كانت ممتدة من الرياض إلى القاهرة.
من الواضح أن التغييرات التي تجرى في داخل القصر الملكي السعودي تؤتي أكلها. 
لم يحضر ابن زايد جنازة الملك عبد الله ولم يحضرها عبد الفتاح السيسي كذلك، هذا في الوقت الذي كان فيه في أمس الحاجة إلى حقنة جديدة من النقد السعودي، وتعاني مصر من حالة غير مسبوقة من عدم الاستقرار وتخوض في سيناء عمليات عسكرية واسعة النطاق وتشهد شوارع مدنها وقراها احتجاجات شعبية لا يبدو أنها تتراجع حدة على الإطلاق. وفي الوقت نفسه تراجعت قيمة الجنيه المصري إلى مستويات غير مسبوقة، وتبدو خيارات السيسي كما لو أنها آخذة في التقلص.
في مثل هذه الظروف، ليس من مصلحة العسكر في مصر أن يفقدوا ممولهم الرئيس في الرياض، إلا أن ذلك بات محتملاً في أي وقت. وحتى لو قرر ابن نايف الاستمرار في مد العسكر بالمال، فقد لا يصل المال دون أن يكون مشروطا، مع أهمية ملاحظة أن ثمة فرقا - باستمرار - بين الوعد بالتمويل والحصول على المال نقدا.
وقد يطرأ تغيير أيضا على السياسة التي تعتبر جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية. فقد استقبل سلمان بنفسه الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الذي جاء معزيا بوفاة الملك الراحل. 
وكان الغنوشي هو الشخصية الإسلامية الأرفع مستوى التي يرحب بها في المملكة العربية السعودية. ولعل إقالة سليمان أبا الخيل، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، الذي كان العدو اللدود لجماعة الإخوان المسلمين، تنضوي على مؤشر آخر إلى أن السياسة تجاه الجماعة توشك أن تتغير.
وحتى لو لم يطرأ على السياسة تغير، إلا أن نتيجة الزلزال الذي وقع هذا الأسبوع في المملكة العربية السعودية سوف يتلقاها كبار المسؤولين في وزارة الخارجية البريطانية بالرضا، وهم الذين كظموا غيظهم تجاه قرار دافيد كاميرون فتح تحقيق في الإخوان المسلمين في بريطانيا بسبب ضغوط توالت عليه من قبل السعوديين والإماراتيين.

حتى اللحظة التي تولى فيها سلمان الحكم، كان التحقيق الذي ترأسه السير جون جينكينز 
مصدر إحراج سياسي كبير، ولم يكن من الممكن نشره 
لأنه وصل إلى النتيجة غير المتوخاة مبرئًا الإخوان المسلمين 
من التورط في الإرهاب في مصر.
 والآن، لربما رحب الحكام الجدد في الرياض أنفسهم بهذه النتيجة.
اقرأ المقال الأصلي 


ليست هناك تعليقات: