الخميس، 25 ديسمبر 2014

«تهامى التسريبات» رجل المخابرات الذى أطاحت به الثورة والانقلاب



الإطاحة بالتهامي وإعفاءه من منصبه 
 المسئول الأول عن الأمن القومى فى بلد الانقلاب بل وأستاذ قــائد الانقـلاب
 وعراب ملاحقة قادة الثورة
 وقيادات جماعة الإخوان المسلمين
 وامتد أثره وتخريبه إلى ملاحقة أشراف المقاومة
 فى غـــزة العــزة.



ربما لا تتفق الثورة والثورة المضادة وأغلب الظن أنه لا يكون بينهما أى خطوط تماس أو أرض مشتركة، خاصة وأن أحرار الوطن وزبانية الدولة العميقة يسيران فى خطين متوازيين لا يمكن أن يلتقيا إبدا إلا من أجل صدام واقع لا محالة عاجلا أو آجلا، وسينتهى إلى استعادة مكتسبات 25 يناير بعز عزيز أو بذل ذليل.
إلا أن هناك رجلا واحدا تمكن من جمع قرارات الثورة والانقلاب والإجماع على ضرورة الإطاحة به، لما يمثله من خطورة على الأمن القومى، رغم أنه هو نفسه المسئول الأول عن الأمن القومى فى بلد الانقلاب بل وأستاذ قائد الانقلاب، وعراب ملاحقة قادة الثورة وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، وامتد أثره وتخريبه إلى ملاحقة أشراف المقاومة فى غزة العزة.
"محمد فريد التهامى" لمن لا يعرف هو مدير المخابرات العامة الذى انتهت حياته المهنية مرتين، الأولى كانت على يد الرئيس الشرعى للبلاد د. محمد مرسى –أول رئيس مدنى منتخب فى تاريخ مصر- فى قرار ثورى فى سبتمبر 2012، عمل على الإطاحة برموز الفساد وطامسى أدلة إتهام عصابة المخلوع وأحد رجالات الدولة العميقة عندما كان يشغل آنذاك منصب مدير الرقابة الإدارية بقرار مبارك منذ 2004.
إلا أن الانقلاب العسكرى الفاشى على البلاد أعاد الرجل الغامض إلى الواجهة من جديد إلى منصب مدير المخابرات العامة، على فوهة دبابة 3 يوليو بقرار المستشار الصامت عدلى منصور خلفا للواء رأفت شحاتة، تشفع له علاقته الوطيدة مع قائد الانقلاب السيسي الذى يعد التهامى أستاذه ومديره السابق فى قطاع المخابرات الحربية.
إلا أن السحر انقلب على الساحر، خاصة وأن الجنرال التهامي الذي اعتبره البعض أحد صقور النظام الانقلاب، الرافض لعمليات التهميش الممنهج من جانب السيسي لكافة مفاصل الدولة ليجمع كافة السلطات والصلاحيات فى يده، خشية انقلاب محتمل عليه، كان هو المتهم الأبرز فى نظر النظام فى فضيحة التسريبات التى طالت أكابر المجلس العسكرى على مائدة تزوير وتلفيق وتزييف اتهام الرئيس الشرعى.
عودة التهامي –رغم أدلة الفساد التى لاحقته- إلى المشهد كانت على خلفية حالة الكره العارمة التى يكنها رجل مبارك للتيار الإسلامى عامة وجماعة الإخوان على وجه الخصوص، باعتباره مهندس تفكيك الجماعة فى مصر وإزاحتها من الحياة السياسة، إلا أن مع فشله الذريع والمتوقع فى مهمته، إلى جانب توغله فى نظام الانقلاب كأحد الصقور، جعلت برحيل مدير المخابرات.. هذه المرة إلى غير رجعة.
البداية كانت مع كشف فضائية "مكملين" لتسريبات صادمة لكيان الانقلاب الهش، من قلب معقل وزارة الدفاع ومكتب قائد الانقلاب، أبطالها رئيس الأركان وقائد القوات البحرية ومدير مكتب السيسى وممدوح شاهين ووزير الدفاع والنائب العام، وهى الفضيحة التى وجهت أنظار الثورة إلى وجود حرب ضروس بين أروقة الانقلاب وصراع صقور بين زبانيته، وتوجهت أصابع الاتهام التي تخطت مرحلة التكهنات إلى المخابرات العامة.
إلا أن المبررات التي ساقها الانقلاب لتمرير الإطاحة المفاجئة بالتهامي، أرجعت القرار المفاجئ إلى الحالة الصحية المتأخرة للرجل، ورحلة العلاج الشاقة على مدار شهرين، وهو التبرير الذى هدته توارد أنباء عن زيارة سرية لمدير المخابرات إلى البحرين والسعودية على مدار الأيام العشرة الماضية.
المخابرات العامة لم تعلق على الخبر أو طرح تفصيلات حول حيثياته، وأكتفت بإعلان تولي اللواء خالد فوزى رئيس جهاز الأمن القومى، اعتبارا من اليوم 21 ديسمبر الجارى، خلفا لـ التهامي الذي يعاني من متاعب صحية داهمته طوال الشهرين الماضيين.
إلا أن الدكتور السيد أبو الخير -الخبير القانونى- أكد أن قرار قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي، بإقالة رئيس جهاز المخابرات العامة محاولة من الإنقلاب لإحاطة نفسه بالعديد من الاتباع والعبيد حتى يؤخر سقوطه المحتوم، مشيراً الى أن التهامى هو أستاذ السيسي أما خالد فوزى فهو تلميذه الذى يدين له بالولاء ومن ثم يكون التلميذ أكثر إنصياعاً للأوامر من الأستاذ.
وقال أبو الخير -فى تصريحات خاصة لـ"الحرية والعدالة " إنه أيا كانت الأسباب وراء الإطاحة بالتهامى فإن هناك حقيقية هامة لابد من لفت النظر إليها وهى أن المعركة الآن بين الشرعية والانقلاب فى مرحلة فارقة ، حيث أصبح الإنقلاب أكثرشعورا بالتهديد من أى وقت مضي، والانقلاب يبحث طوال الوقت عن الأتباع والعبيد الأكثر إنصياعا وتنفيذاً لأوامره لضمان استمراره، مدركاً للعواقب الوخيمة التى تترتب على سقوطه من حيث إنهاء دور المؤسسة العسكرية السياسى والاقتصادى ليست فى مصر وحدها بل فى المنطقة العربية كلها, وما يترتب علي ذلك من زوال عروش وتيجان العائلات الحاكمة فى المنطقة.
من جانبه، قال د. حسام عقل -رئيس المكتب السياسي لحزب البديل الحضاري-: إن الإطاحة بالتهامي وإعفاءه من منصبه يعد في تقديري تغييرا مفاجئا في توقيته وأيضا في طبيعة الشخصية، مضيفا أنه يتصور أن هذا له علاقة بالتسريبات التي كانت بمثابة الضربة الموجعة، ومن الملاحظ وجود محاولات للتخلص من هذه التسريبات من خلال الإطاحة برئيس المخابرات وأيضا عن طريق اجتماع السيسي بالمثقفين ومطالبته بالتسويق للفكر المطروح وهذا لإثارة الأدخنة حول القرارات الكبيرة مثلما كان يفعل مبارك.
وتابع عقل: "هذا مؤشر على وجود صراع قوي بين أجنحة السلطة، لأن الإطاحة جاءت دون أي مقدمات أو أسباب واضحة، لافتا إلى أن هذا يؤكد أن النظام يعاني من تناقض فاضح ومعلن بين مكونين أحدهما المؤسسة العسكرية والآخر فلول نظام مبارك ورموزه. متوقعا مع اقتراب المشهد من الانتخابات البرلمانية اشتداد هذا الصراع".
الحقوقى حسام بهجت، كشف عن سطوة التهامى داخل الدولة، بعدما أبدى استغرابه من عدم الحديث عن فساد الرجل الذى تدعمه المستندات، فقال: "ما الذي حدث للنائب العام الذي فتح التحقيق في قضايا الفساد والتجاوزات القانونية المتعلقة بمحمد تهامي؟ لماذا تمت الإطاحة به –أي النائب العام- بتلك الطريقة المذلة؟
لماذا عين التهامي من جديد، رغم سنه المتقدم؟"، ثم أضاف: "لا أحد يجيب على أو يناقش هذه الأسئلة الخطيرة في مصر".
وفى الوقت الذى يرى فيه مراقبون يرون أنه خروج يعني اختفاء أحد اشد الصقور في ادارة الرئيس السيسي التى كانت تدير البلاد فى الخفاء وتدافع عن مصالح الفاسدين وتوفر لهم حماية خاصة، اعتبر البعض أن رحيل التهامى منطقيا بعد أن أدى دوره على أكمل وجه باعتباره منظر "مذبحة القرن" فض اعتصامى رابعة والنهضة، وأبرز المناهضين لوجود التيار الإسلامى فى المشهد السياسي، وأحد أبرز المهاجمين لحركة حماس والذى يقف وراء تحريك قضايا داخلية لملاحقة قادتها بتهم الإرهاب.
وهو الدور الذى كشفته "النيويورك تايمز" نقلا عن أحد الدبلوماسيين الغربيين الذين فتحوا قنوات تفاوض مع الانقلاب بحثا عن صيغة مصالحة شاملة، عندما أكد أن الجنرال التهامي كان من يوجه دفة الحديث عند لقاء السيسي، وكان موقفه رافضا لأى مصالحة مجتمعية تعيد التيار الإسلامى للسياسة وعدم دمج جماعة الإخوان المسلمين في العملية الانتقالية، زاعما أن أعضاء الإخوان كلهم إرهابيون، وأن الجماعة يجب أن تقصى بالكامل من الحياة السياسية، ولا بد من ضرب التنظيم وتفكيكه.

...عـــراب الفســـاد في سطـــور ...
لواء أركان حرب محمد أحمد فريد التهامي من مواليد عام 1947، تخرج في الكلية الحربية عقب النكسة في ديسمبر‏ 1967، وتدرج فى جميع الوظائف القيادية بالقوات المسلحة المصرية في سلاح المشاة‏، لذلك اعتبره البعض الإبن المدلل لقائده فى سلاح ذاته حسين طنطاوي، والأب الروحي لتلميذه فى السلاح عبد الفتاح السيسي.
اختاره طنطاوي مديرا للمخابرات الحربية وتخير هو بدوره السيسى مساعده الأول، وبعد بلوغه سن المعاش عينه المخلوع حسني مبارك رئيس هيئة الرقابة الإدارية، أحد أضلاع الأمن القومى، وشغل المنصب منذ إلى ، حتى أطاح به الرئيس مرسى، بعدما نجح فى الأشهر التى أعقبت الثورة فى التغطية علي جميع فضائح الفساد المالي والإداري داخل جميع مفاصل الدولة والتى تطول المؤسسات الرئاسية والعسكرية والقضائية والتنفيذية وحتى عالم رجال الأعمال، إلا أن الانقلاب أعاده من جديد فى 5 يوليو 2013 إلى منصب مدير المخابرات العامة ليكمل سطوته على مثلث الأمن القومى "المخابرات الحربية، والرقابة الإدارية، والمخابرات العامة".



ليست هناك تعليقات: