العَشْوَائِيَّةِ فى أنْمَاطِ حَيَاةِ القضاة
و الهُوَّةَ السَّحِيْقَةَ بَيْنَ مَا يُظْهِرُوْنَ و ما يَكْتُمُوْنَ
و الهُوَّةَ السَّحِيْقَةَ بَيْنَ مَا يُظْهِرُوْنَ و ما يَكْتُمُوْنَ
نَشْعُرُ أنَّنَا نَغُطُّ فِىْ نَوْمٍ عَمِيْقٍ ونَحْلُمُ بِكَابُوسٍ مُزْعِجٍ ،
أوْ أنَّنَا فِىْ بِلَادِ العَجَائِبِ التِى زَارَتْهَا ” أَلِس”
أوْ أنَّنَا فِىْ ألْفِ لَيْلَةٍ ولَيْلَةٍ .
كُلُّ شَيْئٍ مَقْبُولٌ و لَوْ كَانَ غَيْرَ مَعْقُوْلٍ
أوْ أنَّنَا فِىْ بِلَادِ العَجَائِبِ التِى زَارَتْهَا ” أَلِس”
أوْ أنَّنَا فِىْ ألْفِ لَيْلَةٍ ولَيْلَةٍ .
كُلُّ شَيْئٍ مَقْبُولٌ و لَوْ كَانَ غَيْرَ مَعْقُوْلٍ
لأنَّ الطُّيُوْرَ عَلَىْ أشْكَالِهَا تَقَعُ ، جَمَعَهُمَا العَمَلُ كرئِيْسَيْنِ بِمَحْكَمَةِ استِئْنَافِ الإسْكَنْدَرِيَّةِ ، ورَبَطَتْ بَيْنَهُمَا صَدَاقَةٌ وَصَلَتْ سَرِيْغًا إِلىْ المُسْتَوى العَائِلِىِّ ، وَكَانَ لَدَىْ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يُقَدِّمَهُ لِلْآخَرِ ، فَأحَدُهُمَا (م.م.ع) يَقْطُنُ فِىْ إحْدى مَرَاكِزِ الشَّرْقَّيَّةِ ، وكُلَّ شَهْرٍ – حَيْثُ تَنْعَقِدُ الْمَحْكَمَةُ إسْبُوْعًا – يَذْهَبُ إلى صَدِيْقِهِ (ع.ع) الذِى يَسْتَوْطِنُ الإسْكَنْدَرِيَّةَ مُحَمَّلُا بَخَيْراتِ الفَلَّاحِيْنَ مِنْ فَطِيْرٍ و جُبْنٍ و عَسَلٍ و سَمْنٍ و زُبْدٍ و مَاشَابَه ذَلِكَ ، بَلْ كانَ يَأْخُذُ مَقَاسَ قَدَمِه لِيَأتِىَ لَهُ بِنَوْعٍ مِنَ الأحْذِيَةِ الشَّعْبِيَّةِ اشْتُهِرَ تَصْنِيْعُهَا فِى مَحَلُّ إقَامَتِهِ يُسَمَّى ” البُلَغ ” ، وفِىْ الْمُقَابِلِ كَانَ الآخَرُ يُغْدِقُ عَليْه الكَثِيْرَ – لَيْسَ مِنْ جَيْبِهِ طَبْعًا – بَلْ مِنَ الخَدَمَاتِ الَّتِى يُقَدِّمُها نَادِى قُضَاةِ الإسْكَنْدَرِيَّةِ , وَكَانَ رَسُوْلَهُ لإنْفَاذِ أىِّ شَيْئٍ يُرِيْدُهُ مِنْ وَزَارَةِ العَدْلِ التى يحْظَى فِيْها – وهُوَ رَجُلُهُا الأوَّلُ فى الإسْكَنْدَرِيَّةِ – بِنفَاذِ الكَلِمَةِ لِمَا لَهُ مِنْ عَلَاقَاتٍ وَثِيْقَةٍ بِرِجَالِها الذيْنَ لمْ يَكُونُوا – فِى عُمُوْمِهِم – يَوْمًا شُرَفَاءَ عَلَى الإطْلَاقِ ، تِلْكَ العَلَاقَاتُ المَشْبُوْهَةُ جَعَلَتْهُ مِنْ أغْنَى أغْنِيَاءِ الإسْكَنْدَرِيَّة ، يَمْتَلِكُ أوْ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى آلَافَ الأفْدِنَةِ مِنْ أراضِى الدَّوْلَةُ ثَمَنَ السَّمْعِ والطَّاعَةِ فِىْ إصْدَارِ الأحْكَامِ المُسَيَّسَةِ بِالأمْرِ المُبَاشِرِ ، فَكَانَ مِنْ أشّدِّ النَّاسِ عَداوَةً لِشَرْعِيَّةِ الثَّوْرَةِ لَأنَّهَا أوْشَكَتْ أنْ تُطِيْحَ بِهِ و بِصَدِيْقِه و شَرِيْكِهِ أحمد الزِّنْد رئِيْسِ نَادِىْ القُضَاة فِى التَّحْقِقَاتِ التى كَانَتْ جَاريَةً ضِدَّهُمَا ، و بَعْدَ وُصُوْلِهِ لِسِنِّ المَعَاشِ عَيَّنَهُ الزِّنْدُ فِىْ مَنْصِبٍ تَنْفِيْذِىٍّ رَفِيْعٍ فِىْ حُكُوْمَةِ الإنْقِلَابِ .
كَانَتْ “المِكْيَافِيْلِّيَّةُ ” هِىَ الضَّابِطُ لِلصَّدَاقَةِ بَيْنَ الإثْنَيْنِ ، يَبْتَسِمَانَ كُلٌّ فِىْ وَجْهِ صَاحِبِه ، و فِى ظَهْرِه يَقُوْلُ فِيْهِ الكَثِيْرَ والكَثِيْرَ ، قَاضِى الشَّرْقِيَّةِ كَانَ يَقُوْلُ لأولادِهِ بِالحَرْفِ الوَاحِدِ : إنَّ صَدِيْقَهُ لَيْسَ فَوْقَ مُسْتَوَى الشُّبُهَاتِ و إنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَى مِسَاحَاتٍ شَاسِعَةٍ مِنْ أراضِىْ الدَّوْلَةِ بِالإسْكَنْدَرِيَّةِ تَحْتَ سَمْعِ و بَصَرِ المَسْئُوْلِيْنَ ، بَلْ إنَّ النِّيَابَةَ العَامَّةَ جَمَّدَتْ كًلَّ التَّحْقِيْقَاتِ فِى الجَرائِمِ النَّاشِئَةِ عَنْ تِلْك الأفْعَالِ إلى أجَلٍ غَيْرِ مُسَمًّى لِتَظَلَّ أوْرَاقُهَا حَبِيْسَةَ الأدْرَاجِ إلى أنْ يَشَاءَ اللهُ ، ويَحْكِى زَوْجُ ابْنَةِ مُسْتَشَارِ الشَّرْقِيَّةِ أنَّ زَوْجَتَهُ أخْبَرَتْهُ – وللأسَفِ تَعْمَلُ طَبِيْبَةً – أنَّها فوجِئَتْ ذَاتَ يَوْمٍ أنَّ صَدِيْقَ والِدِها وزَوْجَتَهُ وابْنَهُ وَزَوْجَتَه قَدِمَوا مِنَ الإسْكَنْدَرِيَّةِ – لَيْلًا – إلى بَيْتِهِم ، و رَأتْ الشَّيخَ سَمِيْرَ المُعالِجَ الرَّوْحَانِىَّ الذى كَانَ يُحْضِرَهُ أبُوها – بِشَكْلٍ دَوْرِىٍّ – لاسْتِخْرَاجِ العَفَارِيْتِ التى تلْبَسُ أجْسَادَ أفْرَادِ الأسْرَةِ ولِكَىْ يُعَالِجَهُ هُوَ شَخْصِيًّا مِنْ الرَّبْطِ الذِى أصابَه عَنْ وَالِدَتِهَا – رأتْهُ يُحْلِسُ – بَيْنَ يَدَيْه – أحْمَدَ الإبْنَ الوَحِيْدَ لِصَدِيْقِ أبِيْها والذى يَعْملُ بالوِرَاثَةِ قَاضِيًا أيْضًا ، ويُتَمْتِمُ عَلَيْهِ بِكَلَامِه المَعْهُودِ ، و فَجْأةً انْتَابَتْ أحْمَدَ تَشَنُّجَاتٌ هِسْتِيْرِيَّةُ وارْتَمَى عَلَى الأرْضِ ، وبَدَأ الشَيْخُ يَتَحدَّثُ إليْه وكأنَّهُ يَتَحّدَّثُ إلى شَخْصٍ آخَرَ .
تَقُوْلُ الإبْنَةُ سَألْتُ أمِّى عَنْ أصْلِ الحِكَايَةِ ، و كَانَتْ تَقِفُ هِىَ الأخْرَىْ و إخَوَتِى جَمِيْعًا إلَى جِوَارِىْ يُشَاهِدُونَ مَا أرَىْ ، فَقَالَتْ إنَّ أحْمَدَ هَذَا تَزَوَّجَ مُنْذُ فَتْرَةٍ طَوِيْلَةٍ إلا أنَّ الله لَمْ يَرْزُقْهُ بالأوْلَادِ ، و مِنْ نَاحِيَةٍ أخْرَى فإنَّ العَلَاقَةَ بَيْنَهُ و بَيْنَ زَوْجَتَه أصابَهَا الفُتُورُ و دَبَّتْ بَيْنَهُمَا المَشَاكِلُ والخِلَافَاتُ ، انْظُرِىْ إلى السَّيِّدَةِ التِى تَجْلِسُ فِىْ مَكَانِ كّذَا – وأشارتْ إلى امْرأةٍ نَحَيْفَةٍ نَاحِلَةِ الجِسْمِ لا تَتَمَتَعُ بِأىِّ قَدْرٍ مِنَ الجَمَالِ – إنَّهَا زَوْجَتًهً ، واستطْرَدَتْ قَائِلَةً كَانْ الشَيْخْ سَمِيْر مَازَالَ يَتَحَدَّثُ إلى الجِنِّيِّ المُتَلَبِّسِ بِالقَاضِى الإبْنِ يَسْألُهُ وَ يُحَاوِرُهُ و الجِنِّىُّ يُجِيْبُ :
- مَا اسْمُكَ ؟
- كعْبورْ
- ما سُّنُّكَ ؟
- خَمْسِوْنَ سَنَةً
- كّاذِبٌ ، سأحْرِقُكَ بِذَلِكَ المَاءِ الذِى قَرأتُ عَلِيْهِ القُرْآنَ الكَرِيْمَ
- سَأقُوْلُ ، سَأقُوْلُ ، أنا أنا أنا حَضَرْتُ مَعْرَكَةَ بَدْرٍ ، جَمَعَنَا إبْلِيْسُ لِنُحَارِبَ مَعَ جَيْشِ المُشْرِكِيْنَ ، لَكِنَّنَا لَمْ نُحَارِبْ ، و لَمْ نَتَقَدَّمْ خُطْوَةً بِسَبَبِ نُزُوْلِ المَلَائِكةِ ، بَلْ إنَّنَا لَمْ نَكُنْ نَسْتَطِيْعُ الإقْتِرَابَ مِنْ الرّسُوْلِ ، و إلَّا احْتَرَقْنَا بالنُّوْرِ الذىْ يُشِعُّ مِنْ وَجْهِهِ .
- أخْرُجْ مِنْ جَسَدِ أحْمَدْ فَوْرًا و إلا أحْرَقْتُكَ بِسُوْرَةِ كَذَا وَ سُوْرَةِ كَذَا .
- لَنْ أخْرُجَ ، و سَيَنَالُكَ مِنِّى أذىً شَدِيْدًا ، أنْتَ لا تَعْرِفُ مَنْ وَرَائِىْ مِنْ الجِنِّ و الأبالِسَةُ .
بَدَأ الشَّيْخُ سَمِيْرُ فِى القِرَاءَةِ ، و بَدَأ الصَّوْتُ الذى يَتَحَدَّثُ عَلَى جَسَدِ أحْمَدَ يخْتَنِقُ شَيْئًا فَشَيْئًا ، و أخَذَ يُنَادِى عَلَى إبْلِيْسَ أنْ يُدْرِكَهُ قائِلًا لَهُ : ” لَا تَتْرُكْنِىْ ، افْعَلْ شَيْئًا ، وَسْوِسْ إلِيْهِ فِى القِرَاءَةِ كَمَا تَفْعَلُ دَائِمًا مَعَ قَارِئِى القُرْآنِ . ” و فَجْأةً عَلَا الصَّوْتُ و أخَذَ يَصِيْحُ : ” الزَّبَانِيَةُ الزَبانِيَةُ ، النَّارُ ، أحْتَرِقْ ، سأتْرُكُهُ و سَأدْخُل الإسْلَامْ ، اتْرُكْنِى ، سأمُوْتُ . ” صِحْتُ أنا و إخْوَتى – مَازَالَ الحَدِيْثُ لِابْنَةِ مُسْتَشَارِ الشَّرْقِيَّةِ – فِى نَفَسٍ وَاحِدٍ : ” اتْرُكْهُ يَا عَمُّ سَمِيْرُ ، حَرَامٌ عَلَيْكَ ، لَا تَقْتُلْهُ ” غَضِبً الشَّيْخُ سَمِيْرُ وأشَارَ لَنَا أنْ نَسْكُتَ ، و كان آخِرُ ما سَمِعْتُهُ عِبَارَةُ ” لقَدْ مِتَّ يا كَعْبُورْ ، لقَدْ مِتَّ يا كَعْبُورْ ” سَكَتَ الصًّوْتُ ، فَهَرِعْنا إلى الشَّيْخِ سَمِيْر مُعَاتِبِيْنَه أنَّه لَمْ يَتْرُكَ الجِنِّىَّ بعد الذى قالَ نَدَمًا وتَوْبَةً ، فَرَدَّ قائِلًا لا تُصَدِّقُوْهُ إنَّهُ خَبِيْثٌ كَذَّابٌ .
أفَاقَ أحْمَدُ و هُوَ لَا يَدْرِىْ شَيْئًا مِمَّا كَانَ ، وَعِنْدَمَا خَلَدَ الضُّيُوفُ إلَى النَّوْمِ ، جَلَسْنَا قَلِيْلًا إلَى جَانِبِ الشَّيْخِ سَمِيْر ، وسَألْنَاهُ عَنْ سَبَبِ مَا حَلَّ بِذَلِكَ الشَّابِّ المِسْكِيْنِ ، فَقَالَ إنَّ أمَّهُ تَتَرَدَّدُ عَلَى السَحَرَةِ كَىْ تَسْحرَ أبَاهُ لِيَكُونَ كَالْحِذَاءِ فِىْ قَدَمَيْهَا ، وَ قَدْ أدْخَلَتْ بذَلِكَ السِّحْرِ الشَيْطَانَ بيْتَهَا فَمَسَّ مَنْ فِيْهِ ، لَقَدْ ظَلَّ أحْمَدُ سِنِيْنًا طِوَالًا مَرْبُوطًا أنْ يَقْرَبُ زَوْجَتَهُ ، وهِى تَصْبِرُ عَلَيْهِ ، وتَتَحَمَّلُ نَعْتَ أمِّهِ لَهَا بالعُقْمِ و تَهْدِيْدِهَا بتَزْويْجِهِ مِنْ أخْرىْ تُنْجِبُ لَهُ الوَلَدَ الذى سَيَرِثُ أموالَ جَدِّه الحَرَامِ ، مَعَ أنَّ العَيْبَ فِى ابْنِهَا و لَيْسَ فِيْهَا ، و لَمْ يَفُتْنِىْ أنْ أسْألَهُ كَيفَ حضَرَ ذّلِكَ الجِنِّىُّ مَعْرَكَةَ بَدْرٍ ـ فأجَابَ إنَّ الجَنَّ تُقَدَّرُ أغمَارُهُم بآلَافِ السِّنِيْنَ ، و أردَفَتْ قَائِلَةً لِزَوْجِهَا : كَمْ أكْرهُ هَذِهِ المَرْأَةَ الشِّرِّيْرَةَ ، إنَّ الدَّلِيْلَ عَلَىْ سُوءِ طَبْعِهَا أنَها تَوَاءَمَتْ سَرِيْعًا مَعَ أمِّى فَالطُّيورُ عَلَىْ أشْكَالِهَا تَقَعُ ، و أخذتْ تَسُبُّها بِأقْذَعِ سِبَابٍ .
إنَّ وُلوْجَ تِلكَ العوالِمَ المَنْهِىَّ عَنْ وُلُوْجِهَا كَعَالَمِ الجِنِّ و العَفَاريْتِ ، لَا يَأتِى – قَطْعًا – إلَّا بأثَرٍ سيئٍ قَدْ يتَجَاوزُ الفَرْدَ نَفْسَهُ إلى أسْرَتِهِ وَ مَنْ حَوْلَهُ ، لأنَّ النَّهْىَ الإلَهِىَّ عَنْ أمْرٍ لا يَكُوْنُ إلَّا لِعِلَّةِ المَصْلَحَةِ بِمَدْلُوْلَيْهَا : العَامِّ و الخَاصِّ ، و قَدْ قَالَ الله عَزَّ و جَلَّ فِىْ الآيَةِ 69 مِنْ سُوْرَةِ طَهَ ” و ألْقِ مَا فِىْ يَمِيْنِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوْا إنَّمَا صَنَعُوْا كَيْدُ سَاحِرٍ و لَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىْ ” و لا أدْرِىْ كَيْفَ يَبْلُغُ التَّبَاسُطُ و الإسْتِهْتَارُ بِالْبَعْضِ إلَى هَذَا الحَدِّ الذِى يُسْمَحُ فِيْهِ للأبْنَاءِ بِمُشَاهَدَةِ مِثْلِ ذَلِكَ الذِىْ جَرَىْ ، بَل كَيْفْ يُسْمَحُ – مِنَ الأسَاسِ – بِمِثْلِ تِلْكَ المُمَارَسَاتِ السِّحْرِيَّةِ فِى البُيُوتِ و غَيْرِهَا ، كَيْفَ يَرْضَىْ مِثْلُ هَؤْلَاءِ القَوْمِ – و همْ مَنْ هُمْ – أنْ ينْجَرِفُوا سَعْيًا وَرَاءَ الإسْتِعَانَةِ بِغَيْرِ الله ، و أنْ يَتْرُكُوا نِسَاءَهم وبَنَاتِهِمْ دُوْنَ رَقِيْبٍ عَلَيْهِنَّ ليَقَعْنَ فَرِيْسَةَ سَهْلَةً لِبَعْضِ المُشَعْوِذِينَ الذيْنَ يَبْتَزُّوْنَهُنَّ و يَعْبَثُونَ بِأعْرَاضِهِنَّ و يَسْلُبُوْنهُنَّ شَرَفَهُنَّ ، أنْظُرُوْا مَاذَا حَدَثَ لِهَاتَيْنِ الأُسْرَتَيْنِ البَائِسَتَيْنِ كَمَا رَوْىْ زَوْجُ ابْنَةِ مُسْتَشَار الشَّرْقِيَّةِ نَقْلًا عَنْ حَمَاتِهِ و أبْنَائِهَا الذِيْنَ لَا يَكُفُّوْنَ عَنِ سِبَابِ أصٍدِقَائِهِم .
- لَقدْ مَنَّ الله عَلَى نَجْلِ مُسْتَشارِ الإسْكَنْدَريَّةِ بِالوَلَدِ ، إلا أنَّ علاقَتَه مَعَ زَوْجَتِهِ ظَلَّتْ مُتَأزِّمَةً بِسَبَبِ والِدَتِه وكُرْهِهَا غَيْرِ المُبَرَّرِ لَهَا ، و مُنْذُ فَتْرَةٍ كانَتْ المَرأةُ تَبْحَثُ لَابْنِها عَنْ عَروْسَ جَدِيْدَةٍ مِنَ الشَّرْقِيَّةِ لَدَىْ صَدِيْقَتِهَا زَوْجَةِ مُسْتَشَارِ الشَّرْقِيَّةِ ، و رُبَّمَا يَكُونُ الأنَ قَدْ تَزَوَّجَ الثَّانِيَةَ بِالْفِعْلِ ، أمَّا أخْتَاهُ – ابنتا مُسْتَشَارِ الإسْكَنْدَريَّة – : فإحْدَاهُمَا قَدْ طُلِّقَتْ والثَّانِيَةُ رَبَطَتْهَا عَلَاقَةُ عِشْقٍ سَاخِنَةٍ بِشَابٍ مَسِيْحِىٍّ قِيلَ – و الرِّوَايَةُ لِلقَائِلِ – إنَّه أسْلَمَ خِصْيْصًا لِيَتَزَوَّجَهَا ، و بِالْفِعْلِ تَزَوَّجَتْهُ رَغْمًا عَنْ أنْفِ أبيها .
- أمَّا مُسْتَشَارُ الشَّرْقِّيَّةِ فإنَّ ابْنَهُ الأكْبَرَ الذى وِرِثَ – أيْضًا – القَضَاءَ عَنْهُ ، يُؤكِدُ أصْدِقاؤُهُ و خُلَطَاؤُهُ أنَّهُ قَدْ أدْمَنَ تَعَاطِىَ المُخَدِّرَاتِ بَعْدْ أنْ شَاهَدَ أمَّهُ تَسُبُّ أبَاهُ و تَنْعَتُهُ بَأنَّهُ غَيْرُ رَجُلٍ لِعِنَّةٍ أصَابَتْهُ آخرَ أيَّامِه ، فَلَمْ يَتَمَكَّنَ مِنْ إتْيَانِها حَتَّى مَاتَ ، و قَدْ بَدَأَ التَفْتِيشُ القَضَائِىُّ – مُنْذُ فَتْرَةٍ وَجِيْزَةٍ – يَفِطِنُ إلى جَرَائِمَ مَسْلَكِيَّةٍ أخْرَىْ وَقَعَتْ مِنْهُ لَا تَقِلُّ فِىْ خُطُوْرَتِهَا عَنْ إدْمَانِ المُخَدِّرِاتِ ، فاستَدْعاهُ أكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ – بَعْدَ أنْ تَوَاتَرَتْ الشَّكَاوَىْ ضِدَّهُ – للتَّحْقِيْقِ مَعَهُ فِيْها ، ولا زَالَتْ التَّحْقِقَاتُ مَعَهُ جَارِيَةً ، أمَّا أخْتَاهُ فَقَدْ كتب الله أنْ يَمَسَّ بَيْتَهُمَا الخَرَابُ مَع وابِلٍ مِنَ الفَضَائِحِ و القَضَايَا جَرَرْنَهُ إلَيْهَا ، وَ قَدْ أصَابَهُمَا و أمَّهُمَا شَيْئًا مِنَ الجُنُونُ ، فَسِحْنَ فِىْ الأرْضِ شَرْقًا و غَرْبًا رَكْضًا وِرَاءَ الدَّجَّالِيْنَ و المُشَعْوِذِيْنَ بَعْدَ أنْ أصْبَحَ حَبْلُهُنَّ عَلَى الغَارِبِ ، و انْتَهَىْ بِهِنَّ المَطَافُ إلى شَيْخٍ يَشْتَرِطُ لِخِدْمَةِ روَّادِهِ أنْ يُقَبِّلُوا يَدَهُ ، فصِرْنَ يُسَارِعْنَ إليهِ كُلَّ يَوْمِ خَمِيْسٍ لِيَقَفْنَ – بالسَّاعاتِ – فِى صّفٍّ طَوِيْلٍ يَضُمُّ الرِّجَالَ و النِّسَاءَ مَعًا ، وعِنْدَمَا يُسْمَحُ لَهُنَّ بِالمُثُوْلِ لَدَىْ الشَّيْخِ يَرْكَعْنَ فِى الزِّحَامِ أمَامَه ، و ينْهَلْنَ عَلَى يَدَيْهِ تَقْبِيْلًا .
الأمُّ تَقُوْلُ إنَّهَا كَانَ يَجِبُ أنْ تَتَزَوَّجَ نَبِىًّا أوْ صَحَابِىًّا ، و لَا أدْرِىْ كَيْفَ ذَلِك – أيُّهَا العُقَلَاءُ – و قدْ وَلَّىْ زَمَنُ النُّبُوَّةِ و مَضَى عَصْرُ الصَّحَابَةِ ؟ و أىُّ فَضْلٍ لامْرَأةٍ أذاقَتْ زَوْجَهَا الأمَرْيْنِ قَبْلَ وَفَاتِهِ ، و إنْ كَانَ يسْتَحِقَ مَا جَرَىْ لَهُ عَلَى يَدَيْهَا ، بِل إنَّ أوْلَادَهَا لَازالُوا يَتَّهِمُوْنَهَا – لِلْيَوْمِ – بِقَتْلِهِ ، و يُشِيْعُونَ عَنْها أنَّهَا كَاذِبَةٌ نَاقِضَةٌ للأيْمَانِ تُخَاوى الأبالِسَةَ و الشَّيَاطِيْنَ و تَصْنَعُ السِّحْرَ للنَّاسِ بِيَدَيْها ، و الأخْتُ الكُبرىْ قَدْ أصَابَهَا التَّوَحُّدُ – كَمَا تَصِفُ زَمِيْلَاتُها حَالَتَهَا – بَعْدَ أنْ تَرَكَهَا زَوْجُها ، و مِنْ حِيْنٍ لِآخَر تَنْتَابُهَا نَوْبَاتٌ هِسْتِيْرِيَّةٌ فَتَنْهَالُ عَلَى مَنْ أمَامَهَا ضَرْبًا وسَبًّا ، و الأخْتُ الصُغْرَى – و تَعْمَلُ فِى النَّيَابَةِ الإداريَّةِ – يُعْرَفُ عَنْهَا الحَمَاقَةُ و الخِفَّةُ و الرُّعُوْنَةُ ، و مَا إنْ بانَ لِزَمِيْلَاتِهَا ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّىْ أخَذُوا فِى استِثَارَتِهَا للضَّحِكِ والتَّنَدُّرِ بِهَا ، فَأُسْمَيْنَهَا ” النُّفِّيْخَةُ ” أىْ ” البالونة ” لِتَشَابُهِهِما فِى أنَّ كِلَيْهِمَا فَرَاغٌ مِنَ الدَّاخِلِ ، وَ أَصْبَحْنَ يَشْتَرِيْنَ البَالونَاتْ – فقط – لإغاظَتِهَا ، فَتَثورُ عَلِيْهِنَّ و تَتَشَاجَرُ مَعَهُنَّ كَالْحَيَوَانِ الهَائِجِ ، و قدْ تَمَّ نَقْلُهَا أكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ لِذَلِكَ السَّبّبِ ، إلا أنَّ الغَرِيْبَ قِىْ الأمٍرِ أنَّها مازالتْ وَكِيْلةً لِلنِّيْابَةِ الإدَارِيَّةِ – حَتَّى الآنَ – رَغْمَ جُنُوْنِهَا البَيِّنِ..
إنَّ ذَلِكَ الإرْتِبَاكَ و تِلْكَ العَشْوَائِيَّةِ فى أنْمَاطِ حَيَاةِ هؤلَاءِ النَّاسِ ، و الهُوَّةَ السَّحِيْقَةَ بَيْنَ مَا يُظْهِرُوْنَ و ما يَكْتُمُوْنَ ، تُنْبِئُ – بِالدَّلِيْلِ القَاطِعِ – أنَّ طَبَقَةِ الحُكَّامِ و القُضَاةُ أهَمُّ مَنْ فِيْهَا – بِحُسْبَانِ أنَّهُم يَجْلِسُوْنَ عَلَىْ التَّأْبِيْدِ فَوْقَ كَرَاسِيِّهِم اسْتِثْنَاءً مِنْ قَاعِدَةِ تَدَاوُلِ السُّلْطَةِ و تأقِيْتِهَا بالنِّسْبَةِ للسُّلْطَتَيْنِ الأخْرَيَيْنِ : التَنْفِيْذِيَّةِ و التَشْرِيْعِيَّةِ – لَهُمْ بَاطِنٌ يَخْتَلِفُ كُلِّيَّةً عَنِ الظَّاهِرِ ، ذَلِكَ البَاطِنُ رُبَّمَا يَكُوْنُ كَارِثِيًّا بِدَرَجَةٍ تَبْعَثُ عَلَىْ الخَوْفِ و لَا يَتَخَيَّلُهَا عَقْلٌ ، إنَّه قَدْ يَتَكَشَّفُ بِمَحْضِ الصُّدْفَةِ – أحْيَانًا – كأنْ نَجِدَ قَاضٍ يَدِيْنُ بِالبَهَائِيَّةَ أو ارْتَدَّ عَنِ الإسلْاَمِ و تَهَوَّدَ مَثَلًا أو نَجِدَ أخَرَ يُدِيْرُ بَيْتًا للدَّعارةِ أوْ يُدْمِنُ المُخَدِّرَاتِ أو يَأتِىَ غَيْرَ ذِلِكَ مِن المَسَالِكِ التى لا يُتَصَوَّرُ وجُوْدُهَا فِى أنَاسٍ كَالقُضَاةِ ، تِلْكَ الأُمُوْرُ لا يَصِلُ العِلْمُ بِهَا إلَى الرَّأىِّ العَامِ بِشَكْلٍ مُمَنْهَجٍ بَل بِمُنَاسَبَةِ تَسْلِيْطِ الضَّوءِ عَلَى بعْضٍ هؤْلَاءِ لِسَبَبٍ أوْ لِآخَرَ ؛ لافْتِقَادِنا مَنْهَجِيَّةِ الدِّرَاسَةِ التَّأصِيْلِيَّةِ فِى اسْتِكْشَافِ أطُرِ العلاقاتِ الإجْتِمَاعِيَّةِ التى تَتَشَكَّلُ مِنْهَا مُجْتَمَعَاتُنَا ؛ لإيْجَادِ مُعَامِلِ التَّأثِيْرِ فِيْهَا و تَوْجِيْهِهَا الوِجْهَةَ الصَّحِيْحَةَ ، لِذَلِك نَحْنُ لازلنا نَعِيْشُ العَشْوائِيَّةَ فِى أزْهَى صُوَرِهَا ، بَلْ نُقَنِّنُهَا ونَضَعُ القَوَاعِدَ المُلْزِمَةَ لِتَنْظِيْمِهَا ، نَعَمْ إنَّنَا بِالْفِعْلِ نَعِيْشُ العَشْوَائِيَّةَ المُنَظَّمَةَ ، فَفِىْ مُجْتَمَعَاتِنَا المَعْقُوْلُ واللامَعْقُوْلُ يَقِفَانِ جَنْبًا إلَى جَنْبٍ ، الحَقِيْقَةُ والخَيَالُ يَمْتَزِجَانِ بِبَعْضِهِمَا فَلَا نَسْتَطِيْعُ التَّمْييزَ بَيْنَهُمَا ، الشَّيْئُ ونَقِيْضُهُ يَسْتَوِيَانِ بَلْ يَتَزَاوَجَانِ بِشَكْلٍ غَرِيْبٍ ويَنْسَجِمَانِ تَماَمَ الإنْسِجَامَ ، فَنَشْعُرُ أنَّنَا نَغُطُّ فِىْ نَوْمٍ عَمِيْقٍ ونَحْلُمُ بِكَابُوسٍ مُزْعِجٍ ، أوْ أنَّنَا فِىْ بِلَادِ العَجَائِبِ التِى زَارَتْهَا ” أَلِس” ، أوْ أنَّنَا فِىْ ألْفِ لَيْلَةٍ ولَيْلَةٍ ، كُلُّ شَيْئٍ مَقْبُولٌ و لَوْ كَانَ غَيْرَ مَعْقُوْلٍ .
المستشار عماد أبوهاشم رئيس محكمة المنصورة الإبتدائيَّة
قد يُمهل اللهُ العبادَ لحكمةٍ تخفى ويغفل عن حقيقتها الورى
قل للذي خدعته قدرةُ ظالمٍ لاتنسَ أن اللهَ يبقى الأقدرا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق