الجمعة، 4 يوليو 2014

الاغتصاب ؛ المسمار الأخير فى نعش عسكر مصر. الأرجنتين نموذجاً .



مجـنونات من أجـل أبنائنا .. لنا الفخـر 
  مجنونات ولكن لسنا قاتلات


 فى أمريكا اللاتينية كثير من التجارب الملهمة لدول الثورات العربية التى عانت من بطش وتنكيل أكثر قمعا ووحشية من التى يعانيها العرب السنة فى سوريا ومصر والعراق تلك الأيام، خصوصا فى الملف الحقوقى والاغتصاب وعمليات التعذيب الجنسى الممنهجة للمتظاهرات المختطفات، واحدة من تلك التجارب الملهمة هى الأرجنتين التى اكتوت بنار الجنرال خورخه فيديلا الذى جاء الى السلطة بانقلاب عسكرى عام 1976 ليحكمها بشعار ( الحكم بالرصاص ) بدعم أمريكى قوى سواء مالى وتقنى وعسكرى.
خلال هذا الحكم العسكرى الفاشى للأرجنتين فى الفترة التى سماها مجلسها العسكرى ( اعادة التنظيم القومية للجمهورية للأرجنتينية ) بين أعوام 1976-1983 اختفى حوالى 30 ألف شخص فى حرب أمنية ضد ارهاب مزعوم سميت بالحرب القذرة Dirty WAR هؤلاء الآلاف من المختفين كان منهم حوالى 30% من من البنات والسيدات !
آلاف النساء تم اختطافهم قسرا من كافة الشرائح العمرية خصوصا الشابات بدعوى انهم ( ارهابيين تخريبيين ) من داخل منازلهم أو جامعاتهم ومقار عملهم أو المظاهرات ضد الحكم العسكرى والبطش الأمنى، فيما كان النسبة الأكبر للطلاب والطالبات؛ تم اختطاف الكثير منهن مع أطفالهم الصغار الرضع أو تم اغتصابهم داخل أماكن الاختجاز ومعسكرات الاعتقال السرية ليصبح نسبة الحوامل منهن نتيجة الاغتصاب الممنهج حوالى 3% من اجمالى المعتقلات الذين يصل أعدادهم الى الآلاف فيما لم يتم حصر المزيد نظرا لاختفاءهم ثم دفنهم فى أماكن سرية فيما بعد أو رميهم بالطائرات فى المحيط، التقديرات تشير الى تعرض المعتقلين الرجال كذلك الى جرائم من العنف والتعذيب الجنسى ولكن بنسب أقل من السيدات المعتقلات.
2012-6-19-تلك النسبة من المعتقلات الحوامل بشكل روتينى أبقين كذلك بهدف انجاب المزيد من طبقة الظباط للخبة العسكرية التى تحكم البلاد أو لتتحول المعتقلات الى ماكينة لتوفير أطفال الى الظباط والجنرالات الغير قادرين على الانجاب.
المعتقلة كانت تلد طفلها ثم يبقى معها لبضع أيام أو أسابيع لينتقل بعدها الى مراكز تربية لكى يكبروا لاحقا كضباط جدد أو الى منازل الجنرالات المصابين بالعقم، قدر أهالى المعتقلات العدد بمئات الأطفال ممن تم انجابهم فى تلك العملية البشعة التى تواطئت فيها الكنيسة الكاثوليكية لاعطاء الموافقة للجيش عليها، فقط العشرات من الأطفال ( 56 حالة ) استطاعت عائلاتهم الأصلية استعادتهم لاحقا بعد التخلص من العسكر.
 ( رحـلات المـوت ) !!!!!!!!!
بعد انتهاء مهمة الانجاب تأتى ( رحلات الموت ) فيتم التخلص من المعتقلات عبر حقنهن ليصبحن فى غيبوبة ثم يحملن على طائرات بعد اخبارهن كذبا بأنه سيتم اطلاق سراحهن ويؤمرن بالرقص والاحتفال بذلك عرايا، فى النهاية يتم رمى المعتقلة من الطائرة فى المحيط أو نهر بليت لكى يتم التخلص منهن نهائيا ليصبحن مجرد مجموعة من الصور فى أيادى أمهاتهن فى مظاهرات استمرت لسنوات من أجل المطالبة بالكشف عن رفات بناتهن وأولادهن المختطفات، فقط 4 من كل 10 معتقلات صرن على قيد الحياة.
بهذه الأساليب القمعية تم إخضاع الأرجنتين للحكم العسكري، وتناقصت حتى انعدمت مظاهر الرفض لاستمرار حكم العسكر، اختفت الاحتجاجات بسبب البطش وانعدمت حريات الرأى والتعبير. لم يتم ذلك إلا بعد أن أصبح آلاف من الأرجنتينيين خلف الشمس، آلاف من المعتقلين خصوصا البنات لا أحد يعلم مصيرهم وأماكن احتجازهم وسط معلومات متناثرة هنا وهناك عن تعذيب فاق التصورات.
وحدهن الأمهات أكملن المسيرة .. كن يبحثن عن الأبناء في السجون ومراكز الشرطة ومعسكرات الجيش وسط سخرية الجنود والتهديدات بنفس المصير لهم ولذويهم المتبقين، خلال هذه الجولات فى السجون تلاقت الأمهات .. تجمعن من واحدة الى 2 ثم 3 ثم 4 حتى بلغ عددهن 14 أما.
حتى تولدت من رحم هذا القمع العسكري في السبعينيات حركات مثل «أمهات ميدان مايو» للوقوف ضد سياسات الحكم العسكرى والمطالبة برحيله والقصاص من القتلة والبحث عن أبناءهم المفقودين.
بدأت الحركة المجتمعية التى تضم روابط وثيقة بالأمهات والعائلات المتضررة أنشطتها الميدانية عبر المسير نحو ميدان مايو في بوينس آيرس عام 1977 أمام قصر الرئاسة “المنزل القرنفلي”، في تحدٍ لإرهاب الدولة واجراءاتها الأمنية لتدشن سلسلة من الاحتجاجات المستمرة حتى نجحت فى النهاية فى اسقاط الحكم العسكرى بالتوازى مع الحراك العمالى والطلابى والشبابى والأرجنتينى العام.
ففي يوم 30 مارس 1977 تظاهرت الأمهات في مظاهرة صامتة بلافتات عليها شعار واحد: أين أبناؤنا؟. لم يكترث النظام القمعى بتلك الخطوة وبغروره لم يفكر فى قمعها مثل باقى التحركات الاحتجاجية السياسية. تزايد عدد الامهات اسبوعا بعد اسبوعا، هنا قررالجنرال “آرغيدنغي” التدخل للتقليل من شأن هذه التحركات فى الاعلام حيث أنهم يتحدون نظاما عجز عن مواجهته الرجال فوصف الأمهات بأنهن: أمهات مجنونات!!. فى الفعاليات التالية لهذا التصريح حملت الامهات لافتات تحمل شعار(مجنونات من أجل أبنائنا .. لنا الفخر).. ( مجنونات ولكن لسنا قاتلات ) فى مظاهرة انتقلت لأول مرة الى الصحافة الأجنبية وسط تكتيم محلى.)
مرت السنوات، ولم تيأس الأمهات حيث كن يلتقين في موعدهن من كل أسبوع في الساحة ضد الحكم العسكرى حتى نجحوا فى اسقاط الديكتاتور فى النهاية ثم الحكم العسكرى تدريجيا بعد هزيمة الجنرال فى الحرب التى دخلها الجنرالات المغترين بأنفسهم أمام بريطانيا، وحتى بعد رحيل الحكم العسكرى بالتدريج ظلت الامهات فى التظاهر كل اسبوع لسنوات من اجل المطالبة بمحاكمة العسكر على جرائمهم والاقتصاص من الظباط.
وبعد سنوات من العمل للبحث عن المفقودين والمغتصبات والأطفال المختطفين فى بيوت الجنرالات والظباط، وثقت الحركة هويات 256 من الأطفال المفقودين من بين مئات آخرين فشلوا فى اكتشافهم، فيما عاد 31 من الأطفال إلى أسرهم الأصلية وآخرين دخلوا فى صراع قضائى من أجل استعادة أبنائهم.
فشلت حالات كثيرة فى توثيق تجاربها بسبب الشعور بالعار أو الخجل وكذلك الصدمة التى تنتج الانسحاب والانهزامية وعدم الرغبة فى الاستمرار فى استعادة حقوقهن لاحقا، بعض البنات وصفن أنفسهن بأنهن كانوا كالعبيد لتحقيق المتعة للظباط فى المعتقلات.
تلك العملية الوحشية التى قام بها جنرالات الأرجنتين ضمن ( اعادة التنظيم القومية للجمهورية للأرجنتينية ) كانت بدعوى خلق ( طبقة أصلية جديدة ) من الأطفال لاعادة بناء الأرجنتين، بعض الكتاب لاحقا أسموها ( بذور شجرة الشر )، الأمر الذى بررته الكنيسة الكاثوليكية فى الأرجنتين وبابواتها بل وتورطوا فى عمليات تعذيب واغتصاب والتغطية عليها والتبرير لها دينيا، حتى بابا الفاتيكان فرانسيس نفسه تلاحقه الاتهامات أثناء عمله فى الارجنتين حول التورط فى أمور من هذا الشأن.
عام 1976، دار اجتماع بين هنرى كيسنجر وكان وزيرا للخارجية الأمريكية وبين الادميرال سيزار اوغوستو غوزيتي وزير الخارجية الارجنتيني بعد ستة اشهر من اغتصاب العسكر للسلطة، وفي ذلك الاجتماع قال كيسنجر «اسمع يا عزيزي موقفنا الاساسي اننا نريدكم ان تنجحوا فأنتم الاصدقاء الذين يجب ان يحصلوا على دعمنا ومساندتنا… لقد قرأنا عن مشاكلكم مع حقوق الانسان، لذلك اذا كانت هناك امور(!) ينبغي القيام بها فعليكم ان تنهوها بسرعة وان تعودوا بعد ذلك للاجراءات الطبيعية»! تلك الحليفة أمريكا لم تستطع انقاذ العسكر المغترين بعصاهم الأمنية فى نهاية المطاف بعد تكالب الأزمات الداخلية والخارجية والاقتصادية والتورط فى حرب مع بريطانيا.
وفي خورخى فيديلا، الديكتاتور العسكري السابق في زنزانته في السجن، حيث كان يقضي حكما السجن مدى الحياة لارتكابه جرائم ضد الإنسانية، مات حاملا معه أسرارا لم يكشفها عن عمليات الاختفاء التي ظل وقعها مؤثرا على اجيال من الارجنتينيين لتفشل الأمهات فى استعادة جثث أبناءهم المفقودين، فيما تم احصاء نحو 350 معسكرا سريا للتعذيب والتصفية على كافة الاراضي خلال الحكم الدكتاتوري في الارجنتين، كان فيديلا قد تقاعد بعد فشله الذريع فى الحكم برغم القبضة العسكرية وبسبب الاحتجاجات الشعبية المستمرة وحراك المعارضة الذى قادته الأمهات والجدات عام 1981، وفي العام التالي فى عهد خلفاءه العسكريين دخلت الأرجنتين في حرب مع بريطانيا على جزر فوكلاند، وهو الصراع الذى وضع حدا نهائيا لحكمها العسكرى بعد الفشل المريع فى الحرب. الهزيمة بجانب الوضع الاقتصادى وملف حقوق الانسان وضعت حدا للحكم العسكري. غفي عام 1983، تم استعادة الديمقراطية مع انتخاب راؤول ألفونسين وبدأت البلاد عملية تقييم مدى الدمار الذي قد أحدثه فيديلا بحكمه العسكرى المرير لتنتقل البلاد الى مرحلة جديدة من الانتقال الديمقراطى العسير...



قد يُمهل اللهُ العبادَ لحكمةٍ تخفى ويغفل عن حقيقتها الورى
 قل للذي خدعته قدرةُ ظالمٍ لاتنسَ أن اللهَ يبقى الأقدرا

؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛







ليست هناك تعليقات: