الأربعاء، 30 يوليو 2014

رسـالة الى ولــدى .أيـــاك مهما كان الألم..أن تبكي أمام خصومك



لا تتخيل للحظـة أننا سنترك لك مصـر كما هـي الآن
 لا والله، الثـورة مستمرة

إما أن ينصرنا الله ونحقق اهدافنا قبل أن تشبوا، 
فتستلموا منا مصر الشريفة الطاهرة التي تحترم مواطنيها 
وترتفع فيها رايات الحرية والعدل.
وإما أن تدركونا والمعركة دائرة، فتكون أيديكم مع أيدينا 
وصفوفكم إلى صفوفنا حتى يحكم الله بيننا وبين القوم الظالمين.



حبيبي أحمـــد
السـلام عليكم ورحمـة الله
 هذه رسالتي إليك، وربما وصيتي إليك إذا لم يمتد بي العمر طويلًا، لأنها لا تحمل فقط أخبارًا عن الماضي، وإنما تحمل ايضًا أفكارًا عن المستقبل، المستقبل الذي يحاول جيلنا أن يمهده لكم، إذا إمتد بنا العمر سنستكمل، إلى أن تشتد سواعدكم فتعملوا معنا، ثم تحملوا الراية، وإذا لم يمتد بنا العمر فيكون عليكم يا ولدي أن تكملوا المسيرة، مسيرة خارطة طريق حقيقية لمصر إلى مستقبل شريف نقي، لا خريطة المستقبل كما يرسمها الطاغية أو الطغيان.
- حبيبي أحمد، أكتب لك في ذكرى مرور عام على طلب المارشال من أتباعه تفويضًا كان البداية لعام من المذابح والقمع وإنتهاك الأعراض والحقوق، وسجن الأشراف الأطهار، وإنتهاب الأموال، في مآسي ومشاهد لم تمر بمصر منذ القرون الوسطى، التي كان هذا التفويض ينتمي إليها إذ لا تعرف المجتمعات الحديثة يا ولدي منذ عهد الدساتير والقوانين فكرة التفويضات المفتوحة غير المكتوبة ولا المحددة، كان تفويضًا ينتمي للعصور الوسطى فكان من المنطقي أن تنتمي تبعاته أيضًا إليها.
- حبيبي أحمد، لا أحب المقارنات بين الأجيال، فلكل جيل عمله وجهاده، تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون، لكن يا ولدي ما أرويه لك إنما هو خلفية الحدث، وكما عودتك يا أحمد لا تستطيع أن تفهم ابعاد الحدث التاريخي إلا أن ترجع إلى ما قبله لتعرف جذوره.
 إن جيل الآباء يا أحمد كان لهم نضالهم ايام كانوا في أعمارنا، خاضوا نضالات العهد الناصري والساداتي، وحاربوا العدو في 1956 و1967 و1973، وقاسوا كثيرًا، وحققوا إنجازات مثل السد العالي وغيرها، وتركوا لنا دولة لها مؤسسات...ولكن.
 الحياة إختيارات يا أحمد، والإنسان أسير اختياراته تمامًا مثل أن تختار طريقًا تسير فيه، فيصبح الرجوع عنه بعدها صعبًا، وكلما سرت فيه صعب الرجوع !!، لقد كانت إنجازات الآباء كلها دون إختيار منهم، حتى آباءنا الذين عبروا في أكتوبر كانوا مجندين لا خيار لهم، وعندما حشدوا في 1967 كانوا لا خيار لهم، لكنهم في النهاية حاربوا وهزموا وإنتصروا، هزموا بلا خيار وإنتصروا بلا خيار.
وعندما كان عندهم الخيار عام 1954 وفي اللحظة الفاصلة فإن أحد منهم لم يكترث كثيرًا بقضية الحرية والديموقراطية والحياة المدنية، ومن أكترث منهم تعب وألقى سلاحه سريعًا، ونسي أن النصر صبر ساعة، تخيل يا ولدي أن اليساريين من جيل الآباء سجنوا وذاقوا ويلات التعذيب ظلمًا لخمس سنوات كاملة في عهد عبد الناصر، فلما خرجوا قابلوا عبد الناصر كثيرًا وقبلوا أن يعملوا عنده وفي جرائده ومؤسساته، ولم ينقل أن واحدًا منهم - ولا حتى واحد فقط - سأله لم عذبتنا في السجون وبأي حق فعلت ؟!!، أو طلب أن يتوقف التعذيب عمن بقي في السجون من غيرهم !!.
أتدري ماذا كانت النتيجة يا أحمد، كانت النتيجة أن همشوا في بلادهم، وما أصبح الحاكم يلقي لهم بالًا، يحشدهم في صحراء سيناء أو في جبال اليمن كيف يشاء دون أن يستأمرهم أو يشاورهم، ينتقل بهم من اليمين لليسار لليمين دون أن يطلب منهم إلا كلمة (آمين)، يحدثهم عن القاهر والظافر وعن القوة التي ستهزم الأسطول السادس، ويحدثهم عن دخول تل ابيب، يحدثهم عن الكرامة وهو يعذب الناس بالنار والسياط في معتقلاته، يحدثهم عن الحريات وهو يقصف الأقلام ويبث المخبرين، كانت النتيجة يا أحمد ان جيل الآباء أصبح يقول على كلام الحكومة أنه كلام جرائد، وأصبح يفزع لو تكلمنا في السياسة، هكذا تربينا يا ولدي، أياك أن تتحدث في السياسة، رغم أن مبارك سمح (بالكلام)، لكن الرعب ظل يحوط جيل الآباء وظل أسير خياره الأول عام 1954 الذي حدد طريقه ومساره.
 كانت 25 يناير يا ولدي ثورة جيل قرر أن يتحرك، وكان ينتظر اللحظة، وعندما جاءت اللحظة حقق إنجازه بتوفيق الله، كان إنجازًا إختياريًا، لم يكن بحشد ولا تجنيد إجباري، ولا أجر ووظيفة مثل بناة السد، بل كان مخاطرة ومغرمًا، ومواجهة الرصاص والخرطوش والغاز بصدور عارية، وكانت القلوب متحدة، أو هكذا ظننا، وكان توفيق الله يحوطنا.
 وفي 11 فبراير عندما تنحى مبارك كنا نظن أننا أمسكنا السماء بأيدينا، تذكر يا أحمد كيف نزلنا نحتفل لأول مرة بإنجاز غير رياضي !!، كنا نقول أننا غيرنا التاريخ، ولم نكن نعرف أن التاريخ صعب المراس يا ولدي، لا يستسلم بسهولة، ولا يغير المطبوع إلا بالجهاد الطويل والصبر والمصابرة والمرابطة، ولم نفعل أي من ذلك، لا صبرنا ولا صابرنا ولا رابطنا في مواقعنا، وإنما تركنا مواقعنا رغم صيحات الرماة مثل حازم أبو إسماعيل وغيره (إياكم أن تتركوا الميادين) فلم نستمع يا أحمد، فكروا علينا من خلفنا ككرة خالد بن الوليد !.
جاءتنا الطعنة من الخلف يا أحمد، جاءتنا طعنات كثيرة من الخلف، لم تأتنا من الأمام أبدًا، كل طعنات الأمام رددناها، نظام مبارك ذاب وإنماع كما ينماع الملح في الماء، واستتر الفلول اول الأمر، وأوصلنا مبارك ورجاله إلى أقفاص المحاكمة، تقدمنا للأمام وسقناهم أمامنا....ولم نؤمن ظهورنا يا أحمد !!، جاءتنا من أنفسنا، من الذين واجههم أول إستفتاء شعبي بنتائج لم ترضيهم، فلم يتقبلوا إرادة الشعب وبدأوا يديرون ظهورهم للصندوق، تركناهم يتحدثون ويعبثون يا ولدي ولم نقف معهم وقفة جادة نصارحهم فيها ونلزمهم بإحترام إختيارات الديموقراطية، وأن هذا هو ما قامت الثورة من أجله، كان لابد أن نعرف أن هؤلاء الذين يتنكرون للديموقراطية الآن عندما خالفت آراؤهم وهواهم هم الذين سيكونون حصان طروادة التي يتسلل منه العسكر والفلول وأتباع الدكتاتورية ليكروا علينا ككرة خالد، كان يجب أن نعرف أن هؤلاء الذين رفضوا الخيار الديمواقراطي في اول محطة مزايدين على الثورية هم أنفسهم الذين سيتمردون على النظام الديمواقرطي المرة وراء المرة وعلى كل ما جاءت به ثورة يناير حتى يأتي اليوم الذي يرفعون فيه الذين عذبوهم وقلتوا إخوانهم فوق أكتافهم ويدلدلون أرجلهم حول أعناقهم كما ظهر في مشاهد 30 يونيو وهم يرفعون الشرطة فوق الأعناق !!، جاءتنا الطعنة يا ولدي من أشقائنا الذين لم يساعدوننا بدرهم واحد منذ ثورة يناير، وإذا بهم يفتحون خزائنهم لكل افاق وبلطجي ومتآمر وينفقون المليارات ليفتعلوا الأزمات في مصر بدلًا من مساعدتها، خوفًا من إنتقال الربيع العربي إليهم، كان ربيعنا يا ولدي ولم نكن ننوي أن ننقله إليهم او لغيرهم – لكن غدًا سنفعل إن شاء الله، وغدًا لناظره قريب، تعلمنا أنه لن يكتمل ربيع العرب إلا أن يشمل كل العرب ! – لكن وقتها لم نفكر في هذا أبدًا، فلماذا تطعنونا يا إخواننا في لعاعة من الدنيا تحرصون عليها، ما هددكم فيها أحد اصلًا، تريدون أن تجروا رقابنا مرة أخرى إلى من هو أسوأ من مبارك وأضل سبيلًا !، لماذا يا أخواننا آويتم كل سارق وناهب لمصر ومتآمر عليها، ثم كنتم أنتم رأس حربة التآمر..آه يا أحمد من الطعنة تأتي من الشقيق.
... حبيبي أحمد، لا تسـرف في الحب أبدًا يا ولـدي ...
لا حب إمرأة ولا صاحب ولا مكان، حتى لا ينكسر قلبك ولا ينجرح فؤادك.
 فلعلك إن إحببت إمرأة لا تكون لك، ولعل صاحبك يومًا لا يسايرك في طريقك ولا تسايره، ولعلك تترك موطنك سعيًا على الرزق، أو طلبًا للأمن، أو للإيمان، أو للأمانة، فإن المرء قد يضطر لترك موطنه يا ولدي سعيًا على الرزق، أو إبتعادًا عن بطش الجبارين، أو فرارًا بدينه من عبدة الطاغوت الذين يريدونه مثلهم فيكونون سواء، ويراودونه على ذلك ترغيبًا وترهيبًا، أو طلبًا للأمانة بعيدًا عن أرض تضيع فيها الأمانة.
لقد إنتكسنا يا أحمد، لكنني لا أكتب لك لأبدل الأدوار وأبكي على كتفك، فما زال كتفك صغيرًا يا ولدي لا يحتملني، ومازال قلبك طريًا لأكويه ببكاء الأب، وأنا الذي اقول لك دومًا: كن متواضعًا عند النصر....قويًا عند الأزمة، أياك أن تبكي وقت الأزمة، كن رجلًا...قويًا ... وتحمل...وتعامل..وأياك – مهما كان الألم - أن تبكي أمام خصومك فتشمتهم أو أمام انصارك فتخذلهم أو امام اهلك فتكسرهم، إن غلبك الألم فأختلي بنفسك وأبكي وحدك، ثم أخرج رافعًا رأسك مكملًا مسارك، ما كنت لأقول لك ذلك ثم أنسى نفسي.
  إنما أكتب لك رسالتي هذه يا أحمد لأعدك، وأعد أخوتك، وأعد أصحابك وجيلك، أننا لن نسلم لك مصر ابدًا كما تسلمناها من جيل الآباء مستكينين أمام الطغيان، أعدك أننا لن نستسلم أمام الطاغية ومن معه أبدًا، لن نسلم لكم إلا مصر التي حلمنا بها، وقاربنا على الوصول إليه قبل أن يكروا علينا، مصر دولة القانون، التي يحترم فيها المواطن، التي بها احزاب قوية، التي لا تؤله الحاكم، التي يمكن أن يصل فيها اي تيار للحكم طالما أن الشعب اراده، مصر التي لا يقتل الناس فيها في الشوارع، ولا يكرم فيها البلطجي ويسجن فيها الشريف.
   إطمئن يا أحمد، ولا تتخيل للحظة أننا سنترك لك مصر كما هي الآن، لا والله، الثورة مستمرة، صحيح إنتكسنا لكن هذه هي طبيعة الثورات، ثم يكون النصر للشعوب الحية في النهاية بإذن الله، صحيح إنتكسنا لكننا لن نخرج ابدًا من المعركة ولن نستسلم أبدًا بإن الله، وإنما هي ثلاثة إحتمالات لا رابع لها إن شاء الله:
إما أن ينصرنا الله ونحقق اهدافنا قبل أن تشبوا، فتستلموا منا مصر الشريفة الطاهرة التي تحترم مواطنيها وترتفع فيها رايات الحرية والعدل.
وإما أن تدركونا والمعركة دائرة، فتكون أيديكم مع أيدينا وصفوفكم إلى صفوفنا حتى يحكم الله بيننا وبين القوم الظالمين.
وإما أن نسقط بالموت أو التغييب دون ذلك، سنسقط يومها والراية في أيدينا واحضاننا، فعليكم يا ولدي يومها أن تكملوا من بعدنا.
 هذه رسالتي إليك يا أحمد، ووصيتي إليك إن جاء الأجل، أرسلها للنشر رغم علمي أن نشر مثل هذا الآن عزيز، حتى عند الأعزاء !!، رسالتي إليك أنشرها على الملأ ولا أعطيها لك يدًا بيد، لتكون وما فيها حجة أمام الناس، حجة علي وعليك، والله خير الشاهدين.
مع حبي وقبلاتي ودعواتي لك ولإخوتك بالتوفيق والسداد والنصر
القاهرة في الذكرى الأولى للتفويض اللعين، 26 يوليو 2014



قد يُمهل اللهُ العبادَ لحكمةٍ تخفى ويغفل عن حقيقتها الورى
قل للذي خدعته قدرةُ ظالمٍ لاتنسَ أن اللهَ يبقى الأقدرا


؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛

ليست هناك تعليقات: