الأحد، 22 يونيو 2014

حكومة جاءت على أسنّة الرماح، بلا إرادة شعب قرر الكفاح.



حكومـــة الســاعة الســابعة صباحــاً في مصــر



محلب، رئيس مجلس وزراء الانقلاب
الرئيس قال لنا.. اللي يخاف ميحكمش.. 
واللي يحكم ميخفش. 
 هذه حكومة جديدة لرئيس جديد في عهد جديد، جاءت على أسنّة الرماح، وسط مظــاهر البهجــة والأفـــراح. 
 لم يحدثنا أحد فيها عن الديموقراطية والحريات العامة والخاصة؟ 
ولم يتناول أحد موضوع سيادة القانون وحقوق الإنسان؟ 
والأهم، أن أحداً لم يشر، من قريب أو بعيد، إلى القصاص، 
 أو حق الــدم الذي يمثل محوراً أساسياً في حياة المصريين

"اللي يخاف ميحكمش".. تلك كانت كلمات المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء المصري (رئيس أكبر شركة مقاولات في مصر سابقاً)، في بداية أول مؤتمر صحافي يتم عقده في مقر رئاسة الجمهورية، بعد أداء اليمين الدستورية.
وهنا، أفضّل استخدام كلمة أداء اليمين، لأن حلف اليمين قد تعني القسم، والمسؤولون في بلادنا لا يقسمون على مضمون محدد، لكنهم يؤدون طقساً بروتوكولياً لا أكثر، يبدأون بعده مزاولة مهامهم في مناصبهم، حتى إقالتهم، ولم يحدث أن تمت محاسبة أحد على عدم احترامه اليمين أو حنثه به، اللّهمّ إلا محاولات مستميتة لمحاسبة الرئيس المدني المنتخب الوحيد في تاريخ الدولة المصرية بعد إعلان الجمهورية، محمد مرسي، باعتباره لم يحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه، من دون أن يكون هناك اتهام له جدي، أو محدد، أو حتى محبوك بحرفية!.
 المهم أن رئيس وأعضاء مجلس الوزراء أدوا اليمين الدستورية أمام الرئيس الذي سبق أن أدى اليمين الدستورية أمام أعضاء الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا التي يرأسها نائب رئيس المحكمة، علماً أن أحداً من هؤلاء الأعضاء لم يؤدّ أيّ يمين أمام أي أحد، وهم معيّنون بقرارات من الرئيس (المتخلّي) حسني مبارك، وهذه صفته المستخدمة حالياً.
وبعد أداء الوزراء اليمين في الساعة السابعة صباحاً، اجتمع بهم الرئيس بضع ساعات، حتى منتصف النهار، وأصدر توجيهاته العامة إلى الجميع، ثم تعليمات محددة لكل منهم على حدة. وفي تقليدٍ جديدٍ، جمع رئيس المجلس أعضاء الوزارة في قاعة، وجلسوا في صفوف متراصة وخلفهم الإعلاميون. والملاحظة الرئيسية غياب وزير الدفاع عن هذا المؤتمر الصحافي، وهذا منطقي، فليس طبيعياً أن يكون لدى وزير الدفاع متسع من الوقت لمثل تلك المؤتمرات، إضافة إلى أنه الوزير الوحيد الذي يرأس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، صاحب صلاحية تعيين رئيسه الذي هو القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع، وإن كان بروتوكولياً عليه القيام بمراسم أداء اليمين الدستورية. اصطفّ الوزراء، وتحدث رئيسهم، بداية، عن عهد الضبط والربط الذي بدأ، وعن حكومة المقاتلين "اللي حتصحى من النجمة، علشان تبني الدولة القوية"، ثم تداول المستوزرون والمستوزرات الكلمات على التوالي. ولم تخرج كلماتهم المقتضبة عن ماذا كان نصيبه، او نصيبها من التوجيهات وعن اندهاشهم من المعلومات التفصيلية والدقيقة التي لدى رئيسهم، وعن فرحتهم واستبشارهم بما هو آتٍ في ظل الرئيس القائد النشيط الرشيد والحكومة الرشيدة، أقصد النشيطة، حكومة السابعة صباحاً، والتي ستستيقظ في الخامسة صباحاً. فكبار السن، كما حالنا وحال أعضاء الوزارة، يحتاجون بعض الوقت، لإعداد أنفسهم قبل مغادرة المنزل صباحاً إلى العمل، بدءاً من أدوية الصباح إلى تجهيزات الأسنان الصناعية، والنظارات أو العدسات للسيدات، والإفطار الصحي الخاص وقهوة الإفاقة الصباحية، وغير ذلك من الترتيبات الضرورية. وعلى الرغم من ذلك، الوزراء المقاتلون الأشاوس سعداء فرحون مستبشرون، ولم يكن ينقص المشهد الحماسي سوى أن يرتدي أعضاء الوزارة الملابس العسكرية المموّهة، لباساً موحداً مناسباً للحكومة المقاتلة، وهو أمر ليس جديداً على أي حال! وقد تطوعت السيدة المستوزرة، غادة والي، حاملة حقيبة التضامن الاجتماعي، بتقديم تفسير منطقي لمسألة السابعة صباحاً، فأوضحت أن القائد قصد من التوقيت المبكر أن تتحرك مواكب الوزراء وأطقم مكاتبهم مبكراً، قبل ازدحام الشوارع، فلا تسبب مضايقات للناس، وتؤثر على سيولة المرور. ثم أطلقت تصريحاً تحول إلى مانشيت لبعض الصحف القومية، وقالت: "الرئيس قال لنا.. اللي يخاف ميحكمش.. واللي يحكم ميخفش".
 و"عدّى" النهار من الساعة السابعة صباحاً وحتى قرب الثالثة بعد الظهر، مراسم وحلفان وتصريحات، عن الانضباط والنشاط والدولة القوية والتوجيهات.
وتبقى ملاحظة بعد هذا كله، هذه حكومة جديدة لرئيس جديد في عهد جديد، جاءت على أسنّة الرماح، وسط مظاهر البهجة والأفراح.
لم يحدثنا أحد فيها عن الديموقراطية والحريات العامة والخاصة؟ ولم يتناول أحد موضوع سيادة القانون وحقوق الإنسان؟ والأهم، أن أحداً لم يشر، من قريب ولا من بعيد، إلى القصاص، أو حق الدم الذي يمثّل محوراً أساسياً في حياة المصريين. وكان على الحكومة أن توضح هذا الأمر، في أول ظهور لها على الناس، لو كانت تؤمن بأنها حكومة بالمعنى السياسي للحكومات، أي أنها الأداة التنفيذية لتحقيق الإرادة الشعبية، مثل حكومات الدنيا.
 لكن، حتى لا نظلم هذه المجموعة من الموظفين العموميين، كبار السن، المدركين طبيعة دورهم الوظيفي بدقة، علينا أن نعود إلى عنوان المقال الذي نعنيه بدقة، حكومة السابعة صباحاً، أي مجموعة المديرين المنوط بهم الإشراف على انضباط العاملين، وتشغيل دولاب العمل اليومي، طبقاً لجدول المقاولة، حتى يتم تجنب غرامات التأخير، بمفهوم المقاولات.
ولهذا، لم يكن غريباً، كما تصوّر بعضهم، أن يتم اختيار رئيس كبرى شركات المقاولات المنضبطة رئيساً لمجموعة المديرين (الوزراء). ثم نأتي إلى العبارة الثانية: "اللي يحكم ميخفش"، والحكم، هنا، ليس بمعنى السياسة، ولكن بمعنى الإدارة والسيطرة، أي إصدار الأوامر والإشراف ومتابعة التنفيذ بحسم وحزم، لأن غير ذلك هو الخوف "واللي يخاف ميحكمش"؟ قد يكون هذا أسلوباً جيداً في قيادة وحدة عسكرية، وقد ينجح في تسيير مؤسسة كبرى، أو شركة استثمارية، بشرط اتباع قواعد الإدارة العلمية الحديثة.
ولكن، لا يمكن أن يكون نظاماً سياسياً لدولة مدنية، ديموقراطية حديثة، دولة لا يمكن أن تأتي على أسنّة الرماح، بل بإرادة شعب قرر الكفاح. (العربي الجديد) عادل سليمان كاتب وباحث أكاديمي مصري في الشؤون الاستراتيچية والنظم العسكرية. لواء ركن متقاعد، رئيس منتدى الحوار الاستراتيجى لدراسات الدفاع والعلاقات المدنية - العسكري



قد يُمهل اللهُ العبادَ لحكمةٍ تخفى ويغفل عن حقيقتها الورى
قل للذي خدعته قدرةُ ظالمٍ لاتنسَ أن اللهَ يبقى الأقدرا




ليست هناك تعليقات: