الثلاثاء، 24 يونيو 2014

المفاهيم الأساسية للمسيحية الصهيونية .فيديو



الوجـــه الجـــديد للمسيحية الأميركيــــة


... الحقيقـــــة المُـــــرة ...
 إن إسرائيل التي نعتبرها آخر جيوب الاستعمار والعنصرية،
 هي في أذهان أغلب الأميركيين مشروع إلهي
.. لا يقبل الإدانة والنقد ..
فهــل ندرك مدلــول ذلـك 
. في الوقت الذي يترسخ فيه أثر الدين في السياسة الأميركية .  
   أم أهم ما انجزت بفضل العملاء الجدد بالمنطقه
 وفشــل العملاء القدامى الاغبيــاء وكبيرهــم مبــارك

حمل غالبية المهاجرين الأوروبيين إلى الأراضي الأميركية العقيدة البروتستانتية الأصولية التي كانوا يحاولون تطبيقها في مجتمعاتهم ولم ينجحوا. ومنذ بداية تأسيس الدولة الأميركية في القرن الـ17 لعبت الرؤى الأصولية المسيحية البروتستانتية دورا كبيرا في تشكيل هوية الدولة.
 المسيحية الصهيونية
 تأثرت العقيدة البروتستانتية كثيرا باليهودية، ونتج عن هذا التأثر تعايش يشبه التحالف المقدس بين البروتستانتية واليهودية بصورة عامة، وخلقت علاقة أكثر خصوصية بين الصهيونية اليهودية والبروتستانتية الأصولية. وتتميز البروتستانتية في الولايات المتحدة بصفتين يمكن من خلالهما فهم محاور حركة المسيحية الصهيونية:
• هيمنة الاتجاه الأصولي على البروتستانتية.
• سيطرة التهود على الأصوليين البروتستانتيين. وآمنت المسيحية الصهيونية Christian Zionism "قبل تأسيس دولة إسرائيل" بضرورة عودة الشعب اليهودي إلى أرضه الموعودة في فلسطين، وإقامة كيان يهودي فيها يمهد للعودة الثانية للمسيح وتأسيسه لمملكة الألف عام. وتمثل فكرة عودة اليهود إلى فلسطين حجر الأساس في فكر المسيحية الصهيونية، لذا كانت فكرة إنشاء "وطن قومي لليهود في فلسطين" التي آمن بها المسيحيون البروتستانت قبل إيمان اليهود أنفسهم بها هي أهم ما يجمع بين الطرفين. ومصطلح المسيحية الصهيونية لم يتم الإشارة إليه كثيرا قبل حقبة التسعينيات من القرن الماضي، وتصنف هذه المدرسة ضمن جماعات حركة البروتستانت الإنجيليين Protestant Evangelical ، ولهذه الحركة ما يقرب من 130 مليون عضو في كل قارات العالم. ويمكن تعريف المسيحية الصهيونية بأنها "المسيحية التي تدعم الصهيونية"، وأصبح يطلق على من ينتمون إلى هذه الحركة اسم "مسيحيين متصهينين". وتتلخص فكرة هذه الحركة في ضرورة المساعدة لتحقيق نبوءة الله من خلال تقديم الدعم لإسرائيل. وتريد المسيحية الصهيونية إعادة بناء الهيكل اليهودي في الموقع الذي يقوم عليه المسجد الأقصى اليوم. وفي نظرهم يتم ذلك عن طريق تحقيق هيمنة إسرائيلية كاملة على كل "فلسطين"، كون فلسطين هي (الأرض الموعودة). وتعتقد المسيحية الصهيونية أن من شأن القيام بذلك تعميم البركة الإلهية على العالم كله.

  نشــأة الحــركة 
 نشأت المسيحية الصهيونية -كما نعرفها اليوم- في إنجلترا في القرن الـ17، حيث تم ربطها بالسياسة لا سيما بتصور قيام دولة يهودية حسب زعمها لنبوءة الكتاب المقدس، ومع بدء الهجرات الواسعة إلى الولايات المتحدة أخذت الحركة أبعادا سياسية واضحة وثابتة، كما أخذت بعدا دوليا يتمثل في تقديم الدعم الكامل للشعب اليهودي في فلسطين. وتتصل جذور هذه الحركة بتيار ديني يعود إلى القرن الأول للمسيحية ويسمى بتيار الألفية (Millenarianism)، والألفية هي معتقد ديني نشأ في أوساط المسيحيين من أصل يهودي، وهو يعود إلى استمرارهم في الاعتقاد بأن المسيح سيعود إلى هذا العالم محاطا بالقديسين ليملك في الأرض ألف سنة ولذلك سموا بالألفية. هناك تفسير اعتمد تاريخيا في العقيدة المسيحية ينص على أن الأمة اليهودية انتهت بمجيء المسيح، وأن خروج اليهود من فلسطين كان عقابا لهم على صلب السيد المسيح، وأن فلسطين هي إرث المسيح للمسيحيين، إلا أن ظهور حركة الإصلاح الديني في أوروبا في القرن الـ16 تبنت مقولة أن "اليهود هم شعب الله المختار"، وأنهم الأمة المفضلة عند الرب، وأن هناك وعدا إلهيا يربط اليهود بفلسطين، لذا ارتبط الإيمان المسيحي البروتستانتي بعد حركة الإصلاح بالإيمان بعودة المسيح الثانية بشرط قيام الكيان الصهيوني على كل أرض فلسطين. وحدث انقسام بين منظري المسيحية الصهيونية في القرن الـ19، وظهرت مدرستان، البريطانية الداعمة لنظرية تحول اليهود للمسيحية قبل عودتهم لفلسطين كمسيحيين، والأميركية التي آمنت بأن اليهود سيعودون إلى فلسطين كيهود قبل تحولهم للمسيحية. ورأس فكر المدرسة الأميركية القس الايرلندي جون نيلسون داربي الذي يعتبر بمثابة الأب الروحي لحركة المسيحية الصهيونية الأميركية.

 وخلال 60 عاما بشر داربي لنظريته بكتابة العديد من المؤلفات التي فصلت رؤيته لنظرية عودة المسيح الثانية، ونظرية الألفية. وقام داربي بست زيارات تبشيرية للولايات المتحدة، ومن ثم أصبح داعية مشهورا ومدرسا له أتباع كثيرون. وحمل لواء الحركة من داربي عدة قساوسة من أشهرهم داويت مودي الذي عرف بترويجه لنظرية "شعب الله المختار"، وويليام يوجين بلاكستون الذي ألف كتاب "المسيح آت" عام 1887 وأكد فيه على نظرية حق اليهودي طبقا لقراءته للتوراة في فلسطين. إلا أن أكثر المنظرين تطرفا كان القس سايروس سكوفيلد الذي ألف كتابا عنوانه "إنجيل سكوفيلد المرجعي" عام 1917، وهو الكتاب الذي أصبح بمثابة المرجع الأول لحركة المسيحية الصهيونية. ومن أشهر السياسيين الذين أسهموا في نمو حركة المسيحية الصهيونية عضو البرلمان البريطاني اللورد شافتسبري، وكان شافتسبري مسيحيا محافظا وعلى علاقة جيدة بصانعي السياسة البريطانيين في منتصف القرن الـ19. وفي العام 1839 ذكر شافتسبري في مقال نشر في دورية شهيرة Quarterly Review أنه "يجب أن نشجع عودة اليهود إلى فلسطين بأعداد كبيرة، حتى يستطيعوا مرة أخرى القيام بالرعي في سامراء والجليل"، وكان ذلك قبل 57 عاما من ظهور الحركة الصهيونية العالمية، وكان اللورد شافتسبري هو أول من وصف اليهود وفلسطين قائلا "شعب بلا وطن.. لوطن بلا شعب". يعد تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية الحديثة هو أول من استخدم مصطلح "الصهيونية المسيحية"، وعرف المسيحي المتصهين بأنه "المسيحي الذي يدعم الصهيونية"، بعد ذلك تطور المصطلح ليأخذ بعدا دينيا، وأصبح المسيحي المتصهين هو "الإنسان الذي يساعد الله لتحقيق نبوءته من خلال دعم الوجود العضوي لإسرائيل، بدلا من مساعدته على تحقيق برنامجه الإنجيلي من خلال جسد المسيح". تيودور هرتزل نفسه آمن وطرح فكرة الدولة اليهودية ولم تكن دوافعه دينية بالأساس، فهو قومي علماني، وأعلن استعداده لقبول استيطان اليهود في أوغندا أو العراق أو كندا أو حتى الأرجنتين، أما المسيحيون المتصهينون فقد آمنوا بأن فلسطين هي وطن اليهود، واعتبروا ذلك شرطا لعودة المسيح، لذا انتقدوا الموقف المتساهل من قبل تيودور هرتزل.

  أدبيات حـركة المسيحية الصهيونيـة
 تلتقي الحركتان الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية حول "مشروع إعادة بناء الهيكل اليهودي في الموقع الذي يقوم عليه المسجد الأقصى اليوم".
لذا فالهدف الذي تعمل الحركتان على تحقيقه يتمحور حول فرض سيادة يهودية كاملة على كل فلسطين بدعوة أنها "أرض اليهود الموعودة" ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تعميم البركة الإلهية على كل العالم. وترجمت معتقدات هذه الحركة بداية في العام 1917 مع صدور وعد بلفور "الذي أيد فكرة وطن قومي لليهود في فلسطين" وافق أغلب البروتستانت الأميركيين على هذه الفكرة واعتبروا تنفيذها واجبا دينيا راسخا. وتأثرت المسيحية الصهيونية بثلاثة توجهات يجمع بينها خلفية التفسير الديني المعتمد على النصوص التوراتية، ورغم تباين هذه التوجهات وتناقضها بعضها مع بعض أحيانا، فإن التفسير الحرفي للتوراة والإيمان بضرورة مساعدة إسرائيل جمع بينهم. والحركات الثلاث هي:
1. حركة تهتم بقضية نهاية العالم ومؤشراته.
2. حركة تهتم بقضية التقرب من اليهود من أجل المسيح.
3. حركة تركز على الدفاع عن إسرائيل وعلى مباركتها ودعمها بكل ما هو ممكن ومتاح.
وأهم ما يجمع بين المسيحية الصهيونية واليهودية اليوم يمكن تلخيصه في ثلاث نقاط أساسية:
1. التراث المسيحي اليهودي المشترك.
2. الأخلاق اليهودية المسيحية.
3. الالتزام الأدبي والأخلاقي بدعم إسرائيل.

تترجم حركة المسيحية الصهيونية أفكارها إلى سياسات داعمة لإسرائيل، وتطلب ذلك خلق منظمات ومؤسسات تعمل بجد نحو تحقيق هذا الهدف. لذا قامت حركة المسيحية الصهيونية بإنشاء العديد من المؤسسات مثل "اللجنة المسيحية الإسرائيلية للعلاقات العامة" ومؤسسة الائتلاف الوحدوي الوطني من أجل إسرائيل"، ومن أهداف هذه المؤسسات دعم إسرائيل لدى المؤسسات الأميركية المختلفة، السياسي منها وغير السياسي. 
 وهناك ما يقرب من 40 مليونا من أتباع الصهيونية المسيحية داخل الولايات المتحدة وحدها، ويزداد أتباع تلك الحركة خاصة بعدما أصبح لها حضور بارز في كل قطاعات المجتمع الأميركي. ويشهد الإعلام الأميركي حضورا متزايدا لهم حيث إن هناك ما يقرب من 100 محطة تلفزيونية، إضافة إلى أكثر من 1000 محطة إذاعية ويعمل في مجال التبشير ما يقرب من 80 ألف قسيس. وامتد نفوذ الحركة إلى ساسة الولايات المتحدة بصورة كبيرة وصلت إلى درجة إيمان بعض من شغل البيت الأبيض بمقولات الحركة والاعتراف بهذا علنيا.


الرئيسان السابقان جيمي كارتر "ديمقراطي" ورونالد ريغان "جمهوري" كانا من أكثر الرؤساء الأميركيين إيمانا والتزاما بمبادئ المسيحية الصهيونية. المسيحية الصهيونية والسياسة الأميركية اعتاد الناس في عالمنا العربي الإسلامي أن يفسروا التحيز الأميركي لإسرائيل بأسباب سياسية واستراتيجية، مثل المال اليهودي المؤثر في الحملات الانتخابية، والإعلام اليهودي المتلاعب بالرأي العام الأميركي، والصوت اليهودي الموحد في الانتخابات، ثم موقع إسرائيل رأس حربة في المنطقة العربية، ذات الأهمية الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة.
 لكن كل هذه التفسيرات -عند التأمل- تبدو سطحية وبعيدة عن الدقة، أو هي -على أحسن تقدير- ليست سوى مظاهر تعبر عن ظواهر أعمق وأرسخ.
 ولاية (مينوساتا) الأميركيةيمثلهايهوديدائمافيمجلسالشيوخمنذعام 1978 رغمأنعدداليهودبهالايتجاوز 1%.
 وأنالمرشحينلهذاالمنصبفيالولايةيهوديانهما (نورمكولمان) و(ويلستون) الذيقتلفيتحطمطائرةأثناءحملتهالانتخابية”
• فالمال اليهودي في الانتخابات لا يصلح تفسيرا للإجماع السياسي الذي يحظى به دعم إسرائيل في الأوساط السياسية الأميركية، حتى تنافس فيه المتنافسون من كل ألوان الطيف السياسي. إضافة إلى أن في أميركا من أهل الثراء غير اليهود ما يكفي وزيادة لمعادلة المال اليهودي.
• والإعلام اليهودي لا يكفي تفسيرا لانحياز شعبي كامل يبلغ درجة الاعتقاد، بل هو اعتقاد ديني عميق -كما سنرى لاحقا- في بلد فيه من التعددية الإعلامية وحرية الكلمة ما يكفي لبلورة رأي مخالف لو كان له أنصار.
• وموقع إسرائيل في المنطقة العربية لا يكفي لتفسير التحيز الأميركي. فقد كانت إسرائيل دائما مصدر حرج للنفوذ الأميركي في المنطقة العربية، أكثر من كونها مصدر دعم، إضافة إلى أن بعض حكام الدول العربية أغنوا أميركا عن إسرائيل في هذا المضمار.
• أما الصوت اليهودي فليس موحدا بالطريقة التي يتخيلها البعض، بل فيه تعدد وتباين واختلاف. كما أن التحيز لإسرائيل أعمق وأرسخ في بعض الولايات الأميركية التي لا تكاد توجد بها جالية يهودية أصلا.
• وقد افتخرت صحيفة (جيروسالم بوست) الإسرائيلية مؤخرا بأن ولاية (مينوساتا) الأميركية يمثلها يهودي دائما في مجلس الشيوخ منذ عام 1978 رغم أن عدد اليهود بها لا يتجاوز 1%. وبأن المرشحين لهذا المنصب في الولاية يهوديان هما (نورم كولمان) و(ويلستون) الذي قتل في تحطم طائرة أثناء حملته الانتخابية (جيروسالم بوست 27/10/2002).
• ويكفي أن تعرف أن نسبة اليهود في أميركا أقل من 3%، وأن نسبتهم في مجلس الشيوخ 10% لتدرك أن الصوت اليهودي ليس أهم عامل هنا.
• إن الرجوع إلى التاريخ والتعمق في الخلفية الدينية المؤطرة للعلاقات بين أميركا وإسرائيل، هو وحده الذي يقدم تفسيرا مقنعا لتلك العلاقات. ومن الكتب التي تقدم رؤية تاريخية موثقة للعلاقات الأميركية الإسرائيلية كتاب (المسيح اليهودي) للكاتب المصري رضا هلال وكتاب (فرض إرادة الرب ( Force Gods Hand للكاتبة الأميركية غريس هالسل Grace
 من "التدنيس" إلى "التقديس"
• ظل اليهود في نظر العالم المسيحي بأسره "أمة ملعونة" لمدة ألف وخمسمائة عام، لأنهم -في اعتقاد المسيحيين- هم قتلة السيد المسيح. وقد عانى اليهود صنوفا من الاضطهاد والازدارء بناء على هذا التصور الذي ترسخ في العقل المسيحي. ورغم أن هذا التصور -من وجهة نظر إسلامية- تصور ظالم أنتج ممارسات ظالمة، إلا أنه صمد على مر القرون، مدعوما بنصوص كثيرة من الإنجيل، وظروف اجتماعية وسياسية خاصة.
• لكن القرن الخامس عشر الميلادي أظهر تحولات عميقة في النفس المسيحية -الغربية على الأقل- مع بزوغ ما عرف بحركة الإصلاح، وما استتبعه ذلك من انشقاق سياسي وعقائدي داخل الديانة المسيحية بشكل عام، والكاثولوكية الغربية بشكل خاص.
• كان من نتائج هذه التحولات أن أصبحت المسيحية الجديدة التي عرفت باسم البروتستانتية ربيبة لليهودية: فقد أصبحت للتوراة -أو العهد القديم- أهمية أكبر في نظر البروتستانت من الإنجيل أو العهد الجديد، وبدأت صورة الأمة اليهودية تتغير تبعا لذلك في أذهان المسيحيين الجدد.
ولم يكن الانشقاق داخل الكنيسة -رغم الطابع الأديولوجي الذي اصطبغ به- بعيدا عن صراعات السيادة بين الأمم الأوروبية يومها، خصوصا بين فرنسا وإنجلترا وألمانيا، فقد انحازت الكنيسة الكاثوليكية إلى جانب فرنسا، مما جعل الشعبين الإنجليزي والألماني يميلان إلى اعتناق المذهب البروتستانتي الذي يدعو للتحرر من سلطة الكنيسة. 
وقد ظهر هذا التحول في النظرة المسيحية إلى اليهود في كتابات رائد الإصلاح البروتستانتي، القس الفيلسوف (مارتن لوثر). فقد كتب لوثر عام 1523 كتابا عنوانه: "المسيح ولد يهوديا" قدم فيه رؤية تأصيلية للعلاقات اليهودية المسيحية من منظور مغاير تماما لما اعتاده المسيحيون من قبل، فكان مما قال في كتابه: "إن الروح القدس شاءت أن تنزل كل أسفار الكتاب المقدس عن طريق اليهود وحدهم. إن اليهود هم أبناء الرب، ونحن الضيوف الغرباء، وعلينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي تأكل من فتات مائدة أسيادها" (رضا هلال ص63). ومع ذلك لم يكن مارتن لوثر حاسما في موقفه من اليهود، بل كان مترددا مثقلا بتراث الماضي السحيق، ولذلك عاد فألف كتابا آخر في ذم اليهود سماه "ما يتعلق باليهود وأكاذيبهم"، بعدما يئس من دفعهم لاعتناق المسيحية. لكن (لوثر) فتح ثغرة في تاريخ المسيحية لصالح اليهود ظلت تتسع إلى اليوم.

وظلت كفة الصراع بين مدرسة "المسيح ولد يهوديا" ومدرسة "ما يتعلق باليهود وأكاذيبهم" تتأرجح في الضمير الغربي طيلة القرون الأربعة التالية لكتابة هذين الكتابين، حتى انحسم الأمر أخيرا للمدرسة الأولى. ” علاقة أميركا بإسرائيل أكثر من مجرد علاقة خاصة. لقدكانت ولاتزال علاقة فريدة، وهي علاقة لايمكن تقويضها،لأنهامتأصلة فيوجدان وأخلاق وديانة ومعتقدات الشعب الأميركي" جيمي كارتر ومما يلاحظ أن هذا المسار التاريخي لم يعرف العدل ولا التوسط: فاليهود تحولوا من "أمة ملعونة" إلى "أبناء الرب"، من "الغيتو" إلى قمة المجتمع، من "أمة مدنسة" ظلمها المسيحيون كثيرا، إلى "أمة مقدسة" يظلم بها المسيحيون شعوبا أخرى لا صلة لها بتاريخ التدنيس والتقديس هذا. 
كما يلاحظ أيضا أن المذاهب المسيحية تفاوتت في استيعابها لهذا التحول تفاوتا كبيرا، فالبروتستانت (الأميركيون والبريطانيون) تمثلوا هذا التحول كأعمق ما يكون، حتى أصبحت اليهودية جزءا من لحمهم ودمهم، والكاثوليك (فرنسا وإيطاليا وإسبانيا) ظلوا أكثر تحفظا إلى حد ما، ولذلك لم يبرئ الفاتيكان اليهود من دم المسيح إلا عام 1966، أما الأورثوذكس (الأوروبيون الشرقيون) فلايزالون يحتفظون بتلك النظرة المتوجسة تجاه اليهود واليهودية. 
وهذا ما يفسر التفاوت في المواقف السياسية: حيث التماهي مع الدولة اليهودية في أميركا وبريطانيا (وأخيرا في ألمانيا البروتستانتية)، والتحفظ في أوروبا الجنوبية على السياسات الإسرائيلية (خصوصا من طرف فرنسا أكبر الأمم الكاثوليكية الغربية) والريبة في أوروبا الشرقية، وخصوصا روسيا، لكن ما يهمنا هنا هو التماهي الأميركي مع الدولة اليهودية، ومحاولة فهمه.
الصهيونية المسيحية قبل أختها اليهودية
 إن الذين يقرؤون التحيز الأميركي لإسرائيل بعيون سياسية وإستراتيجية، يغفلون حقيقة تاريخة على قدر كبير من الأهمية، وهي أن الصهيونية المسيحية سبقت الصهيونية اليهودية في الزمان. ”الجماعات اليهودية بدأت في الأعوام الأخيرة تميل إلى الحزب الجمهوري،لأن ولاءه للمسألة اليهودية نابع من اعتقاد ديني ثابت،مجرد من الاعتبارات السياسية والإستراتيجية في الغالب،بخلاف الحزب الديمقراطي ذي الميول الليبرالية،الذي يتعامل مع إسرائيل باعتبارها "دولة دنيوية" إلى حدما”
• ففي عام 1844 وفد إلى القدس أول قنصل أميركي، (واردر كريستون)، وكان من الأهداف التي رسمها القنصل لنفسه أن "يقوم بعمل الرب، ويساعد على إنشاء وطن قومي لليهود في أرض الميعاد" (رضا هلال: المسيح اليهودي ص 95). وبذل (كريستون) جهدا مضنيا في الاتصال بالقادة الأميركيين وحثهم على العمل من أجل "جعل فلسطين وطنا قوميا لليهود حتى يلتئم شمل الأمة اليهودية، وتمارس شعائرها وتزدهر" (رضا هلال ص 95) كما ألح على القادة العثمانيين للتعاون في هذا السبيل دون جدوى.
• وعلى خطى كريستون جاء الرحالة الإنجيلي الأميركي (ويليام بلاكستون)، الذي نشر كتابا بعنوان "المسيح قادم" عام 1878 بيعت منه ملايين النسخ، وأثر تأثيرا عميقا على البروتستانتية الأميركية. والفكرة الرئيسية للكتاب أن "عودة المسيح" التي ظل المسيحيون ينتظرونها على مر القرون لن تتم إلا بعودة اليهود إلى أرض الميعاد. 
وفي العام 1891 تقدم بلاكستون بعريضة إلى الرئيس الأميركي يومها (بنيامين هاريسون) مطالبا بتدخل أميركا لإعادة اليهود إلى فلسطين. وجمع على العريضة توقيعات 413 من كبار رجال الدين المسيحي في أميركا، إضافة إلى كبير قضاة المحكمة العليا، ورئيس مجلس النواب، وعدد كبير من أعضاء مجلس الشيوخ، ورؤساء تحرير عدد من الصحف الكبرى (رضا هلال ص 97). 
ففكرة إنشاء "وطن قومي لليهود في فلسطين" آمن بها المسيحيون البروتستانت قبل إيمان اليهود بها، وسعوا إلى تنفيذها قبل أن يسعى اليهود إلى ذلك، بل قبل أن يؤمن اليهود بإمكانية تحقيقها. 
ويمكن الجزم بأنه لولا الدعم الاعتقادي لهذه الفكرة من طرف البروتستانت الأميركيين والبريطانيين لما اهتم بها اليهود اهتماما عمليا. إن (تيودور هرتزل) مؤسس الحركة الصهيونية حينما طرح فكرة "الدولة اليهودية" لم تكن دوافعه دينية بالأساس، فهو قومي علماني في الصميم، ولذلك كان مستعدا لقبول استيطان اليهود في أوغندا أو العراق أو كندا أو الأرجنتين. أما المسيحيون الصهاينة في أميركا وغيرها فقد آمنوا من أول يوم بفلسطين وطنا لليهود، واعتبروا ذلك شرطا في "عودة المسيح" ، وأخرجوا "المسألة اليهودية" من الإطار السياسي إلى الإطار الاعتقادي. 
ولذلك فقد "انتقدوا الموقف المتساهل لهرتزل، والمؤتمر الصهيوني الأول في بازل عام 1897، حتى إن بلاكستون أرسل إلى هرتزل نسخة من العهد القديم، وقد علَّم على صفحاتها، مشيرا إلى الفقرات التي عين فيها النبيون فلسطين تحديدا بأنها "الوطن المختار للشعب المختار". وحينما بدأت فكرة الوطن اليهودي تتبلور سياسيا، وصدر وعد بلفور لصالحها، تلقف أغلب السياسيين الأميركيين الفكرة، وتعاملوا معها بمنطق الاعتقاد الديني الراسخ, ومن أمثلة ذلك خطاب ألقاه رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي (هنري كابوت لودج) في مدينة (بوسطن) عام 1922، حيث قال في الخطاب "إنني لم أحتمل أبدا فكرة وقوع القدس وفلسطين تحت سيطرة المحمديين.. إن بقاء القدس وفلسطين المقدسة بالنسبة لليهود، والأرض المقدسة بالنسبة لكل الأمم المسيحية الكبرى في الغرب، في أيدي الأتراك، كان يبدو لي لسنوات طويلة وكأنه لطخة في جبين الحضارة من الواجب إزالتها" (رضا هلال ص 102).
 الصحوة المسيحية في ربع القرن الأخير
 وزاد من تهود المسيحية الأميركية التحولات العميقة في الثقافة الدينية الأميركية منذ السبعينيات حتى اليوم، فقد خرجت الكنائس من الزوايا وهوامش المجتمع، إلى صدارة الحدث السياسي والاجتماعي، بفضل ثورة الإعلام والاتصال، وخصوصا عبر ما يدعى (الكنائس التلفزيونية)، وتوسعت الطوائف الأصولية كالمعمدانيةBabtistوالمنهجيةMethodist وغيرها على حساب المسيحية التقليدية. وأصبح تيار "المسيحيين المولودين من جديد" Born Again Christians في اتساع مطرد، وهو أكثر التيارات المسيحية تماهيا مع اليهودية، وبالتالي مع عصمة الدولة اليهودية وقدسيتها. 
”إن إسرائيل التي نعتبرهاآخر جيوب الاستعمار والعنصرية،هي في أذهان أغلب الأميركيين مشروع إلهي لايقبل الإدانة والنقد،فضلاعن المقاومة والنقض” ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة وصل إلى البيت الأبيض عام 1974 رئيس يعتز بانتمائه إلى هذا التيار، وهو الرئيس (جيمي كارتر)، الذي عبر عن حقيقة الرباط العقدي بين اليهود والمسيحية الأميركية في خطاب له أمام الكنيست الإسرائيلي عام 1979 قال فيه: "إن علاقة أميركا بإسرائيل أكثر من مجرد علاقة خاصة.. لقد كانت ولاتزال علاقة فريدة، وهي علاقة لا يمكن تقويضها، لأنها متأصلة في وجدان وأخلاق وديانة ومعتقدات الشعب الأميركي" (رضا هلال ص 166-167)، ومن بعد كارتر زادت قوة هذا التيار رسوخا برئاسة (بوش) الأول، ثم بوش الثاني.
وقد توصل أحد الباحثين الأميركيين مؤخرا -بعد دراسته لكل أحاديث الرئيس الحالي بوش وخطاباته- إلى أن بوش "أصولي مسيحي، يؤمن بأن الضفة الغربية وقطاع غزة منحة ربانية لليهود لا يجوز التنازل عنها". وهو نفس الاعتقاد الذي عبر عنه (التحالف المسيحي) بقيادة (بات روبرتسون) مؤخرا في مسيرة له بواشنطن العاصمة، طالب فيها القادة الإسرائيليين بعدم التنازل عن الضفة الغربية وقطاع غزة، لأن ذلك "مناقض لإرادة الرب".
ومما يدل على أصولية الرئيس بوش أنه أول رئيس أميركي يمول التعليم الديني من ميزانية الدولة الأميركية التي يفترض فيها أنها دولة علمانية تقف من الدين موقف الحياد. وحينما سأل الصحفي الشهير (جيم لهرر) جورج بوش أثناء مناظرة تلفزيونية مع (آل غور) عن برنامجه اليومي، رد بوش بأنه يبدأ يومه بقراءة في الكتاب المقدس، وإطعام كلبه، وإعداد القهوة لزوجته. كما صرح مرارا بأن المسيح هو مثاله السياسي. وهذه مظاهر جديدة على السياسة الداخلية الأميركية، كما لاحظ البروفسور (جون أسبوزيتو) مدير مركز التفاهم الإسلامي المسيحي بجامعة (جورج تاون)، في كتابه الجديد "الحرب غير المقدسة". وقد شاهدت بنفسي الرئيس بوش خلال العام الماضي وهو يصرح بأن "اليهود هم شعب الله المختار الوحيد على وجه الأرض".
ورغم وجود يهود في الحزب الديمقراطي، نظرا لانقسام اليهود إلى ليبراليين ومتدينين -وأحيانا تفاديا لوضع البيْض في سلة واحدة- فإن الجماعات اليهودية بدأت في الأعوام الأخيرة تميل إلى الحزب الجمهوري، لأن ولاءه للمسألة اليهودية نابع من اعتقاد ديني ثابت، مجرد من الاعتبارات السياسية والإستراتيجية في الغالب، بخلاف الحزب الديمقراطي ذي الميول الليبرالية، الذي يتعامل مع إسرائيل باعتبارها "دولة دنيوية" إلى حد ما. ”فكرةإنشاء "وطن قومي لليهود في فلسطين" آمن بها المسيحيون البروتستان تقبل إيمان اليهود بها،وسعواإلى تنفيذها قبل أن يسعى اليهود إلى ذلك،بل قبل أن يؤمن اليهود بإمكانية تحقيقها”..
  الوجه الجديد للمسيحية الأميركية 
في عام 1983 وصلت إلى القدس الكاتبة الأميركية (غريس هالسل) ضمن مئات من المسيحيين الأميركين جاؤوا في رحلة إلى الأراضي المقدسة على نفقة القس (جيري فالويل)، ولاحظت الكاتبة الأميركية أن فالويل لم يشر في منشوراته التي وزعها على المسافرين على الإطلاق إلى "أن هؤلاء الحجاج المسيحيين قادمون إلى الأرض التي ولد بها السيد المسيح، ونشر دعوته.. بل كان كل تركيزه على إسرائيل" كما لاحظت أن "المسيحيين [الفلسطينيين] كانوا حولنا في كل مكان، لكن فالويل لم يرتب لنا لقاء مع أي من هؤلاء المسيحيين"(غريس هالسل ص 59). ولو أن هالسل عاشت لترى حصار الجنود الإسرائيليين لكنيسة المهد أمام سمع وبصر العالم المسيحي، لأدركت أن المسيحية الجديدة لم تعد تمت بصلة للمسيحية التي آمنت بها.

واستغربت هالسل كيف أصبح اليهود في نظر العديد من المسيحيين الأميركيين أقرب وأهم من المسيحيين الآخرين، بمن فيهم المسيحيون الفلسطينيون، كما استغربت كيف أن بعض المسيحيين الأميركيين مستعدون لتجاوز الخطوط الحمراء في خدمة الأهداف اليهودية، أكثر من اليهود أنفسهم، كما دلت عليه حاثة اعتقال الشرطة الإسرائيلية مجموعة من الأميركيين كانوا يخططون لنسف المسجد الأقصى عام 1999(هالسل ص 89). ويمكن أن نضيف نحن إلى ذلك أن الأصوليين المسيحيين أكثر جرأة في الطعن في الإسلام، وجرح مشاعر المسلمين، من حلفائهم اليهود. كما تدل عليه تصريحات (فرانك غراهام) و(بات روبرتسون) و(جيري فالويل) حول الإسلام خلال العام المنصرم. ولاحظت الكاتبة الأميركية أن الأصوليين المسيحيين في أميركا "مستعدون لتقبل نقد موجه لفرنسا أو إنجلترا، أو ألمانيا، أو إيطاليا، أو الولايات المتحدة، أو أي بلد آخر في العالم، لأن ذلك شأن سياسي، أما نقد إسرائيل فهو يساوي عندهم نقد الرب ذاته" حسب تعبيرها (هالسل ص 80).
”اليهود تحولوا من "أمة ملعونة" إلى "أبناء الرب"،من "الغيتو" إلىقمة المجتمع،من "أمة مدنسة" ظلمهاالمسيحيون كثيرا،إلى "أمة مقدسة" يظلم بهاالمسيحيون شعوباأخرى” إن فهم المسار التاريخي الذي أدى إلى تهود المسيحية البروتستانتية هو المدخل الصحيح - في اعتقادي - لفهم السياسة الأميركية في فلسطين، وفي العالم الإسلامي بشكل عام، فالوقوف عند المظاهر السياسية والانتخابية لهذه السياسة لم يعد مجديا اليوم، وتفسيره بمجرد "شطارة" الأقلية اليهودية في أميركا تفسير سطحي لظاهرة تاريخية عميقة ضاربة الجذور "متأصلة في وجدان وأخلاق وديانة ومعتقدات الشعب الأميركي" حسب تعبير الرئيس (كارتر). لقد آن الأوان لفهم الحقيقة المرة: إن إسرائيل التي نعتبرها آخر جيوب الاستعمار والعنصرية، هي في أذهان أغلب الأميركيين مشروع إلهي لا يقبل الإدانة والنقد، فضلا عن المقاومة والنقض، فهل ندرك مدلول ذلك في الوقت الذي يترسخ فيه أثر الدين في السياسة الأميركية يوماً بعد يوم؟؟!!.
ام اهم ما انجزت بفضل العملاء الجدد بالمنطقه 
وفشل العملاء القدامى الاغبياء وكبيرهم مبارك.



قد يُمهل اللهُ العبادَ لحكمةٍ تخفى ويغفل عن حقيقتها الورى
قل للذي خدعته قدرةُ ظالمٍ لاتنسَ أن اللهَ يبقى الأقدرا



ليست هناك تعليقات: