العلاقة الروحية بين "المخلوع" مبارك
وكبير حاخامات اسرائيل
وكيف أصبح الكنز الاستراتيجي للكيان
انتخب الحاخام الشهير " عوفاديا يوسف " فى 5 نوفمبر 1972 حاخاما اكبر لدولة إسرائيل لطائفة اليهود " السفاردايم " ــ الشرقيين ــ وقد ظل فى المنصب لنفس الفترة الزمنية حتى عام 1983.
ولد الحاخام " عوفاديا يعقوب يوسف " فى العاصمة العراقية بغداد فى 23 ديسمبر 1920 وهو بكر التاجر اليهودى يعقوب يوسف وزوجته " جورجيا " اللذان هاجرا إلى فلسطين تحت الانتداب عام 1924 واستقر بهم الحال فى مدينة القدس .
مع وصولهما إلى القدس ألحقت الأسرة أبنها " عوفاديا" بالمدارس الدينية بالقدس فأحب الطفل عوفاديا التفاسير الشرعية وتخصص بعدها فى دراسة الأحكام الشرعية وفتاوى الديانة اليهودية .
وفى عام 1940 حصل عوفاديا يوسف ــ الشاب ــ على إجازة القضاء الشرعى اليهودى وعين فى الفترة من عام 1945 وحتى عام 1947 قاضيا شرعيا بمحكمة الطائفة اليهودية الشرقية
بمدينة القدس .
فى تلك الفترة كان المعلم الروحى للقاضي عوفاديا يوسف هو الحاخام الأكبر لليهود الشرقيين بدولة إسرائي الحاخام " بن تسيون مائير حاى عوزئيل" الذى شغل المنصب الدينى فى الفترة من عام 1939 وحتى عام 1955.
وكان عوفاديا يوسف قد التحق سرا بالمنظمة العسكرية القومية الصهيونية فى إسرائيل الشهيرة باسم " أتسل" ــ تأسست على ايدى مجموعة انشقت عن منظمة الهاجاناه فى 10 إبريل عام 1931 ــ وكانت منظمة تقوم بعمليات إرهابية سرية ضد العرب فى فلسطين خارج نطاق ومسئولية منظمة الهاجاناه .
فاكتسب عوفاديا يوسف نفوذا كبيرا من عضويته السرية بتلك المنظمة وقد ساعده قربه من الحاخام الأكبر لليهود الشرقيين بدولة إسرائيل " بن تسيون مائير حاى عوزئيل : للترشح لسفر إلى القاهرة لتولى منصب القاضي الشرعى للطائفة اليهودية فى مصر التى وصلها يوسف فى بداية عام 1947.
أما السر الجديد الذى أكشفه هنا لأول مرة أن عوفاديا يوسف القاضى الشرعى ورئيس المحكمة الشرعية لطائفة يهود مصر عندما استقر به الحال فى القاهرة تم تجنيده بعد شهور قليلة بشكل رسمى لحساب جهاز المخابرات الحربية الإسرائيلية المعروفة بالاسم الكودي " أمان" .
وكان التكليف للقاضي عوفاديا يوسف من قبل الجهاز الاسرائيلى يومها ليس لجمع المعلومات بل لهدف استراتيجى أعمق وهو العمل على مساعدة الوكالة اليهودية وتمهيد الأرضية الدينية اليهودية بالقاهرة لقبول أفكار الهجرة إلى إسرائيل .
حيث أقتصر دور عوفاديا يوسف رئيس المحكمة اليهودية الشرعية الشرقية بالقاهرة فى تلك الفترة على إصدار الفتاوى الشرعية التى تحتم على الشباب والشابات أبناء الطائفة اليهودية فى مصر الهجرة إلى أرض الميعاد استنادا إلى ما جاء فى كتاب التوراة اليهودية .
فى حى الظاهر بالقاهرة حيث عاش الحاخام عوفاديا يوسف وترأس المحكمة الشرعية لليهود المصريين الشرقيين فى العباسية ودخل فى مشكلات كبيرة مع الطائفة اليهودية بسبب تشدده فى أحكام الزواج وهى غير متفق عليها بين الطوائف اليهودية وأدى به ذلك إلى مشكلات كبيرة مع اليهود.
وهاجم عدد من الشباب اليهود المصريين القاضى الشرعى اليهودى عوفاديا يوسف رئيس المحكمة الشرعية فى إحدى الليالى فى أحد شوارع العباسية الجانبية أثناء عودته مساء إلى منزله .
وفى عملية الاعتداء ضربوا عوفاديا يوسف على رأسه بقوة بهدف قتله فنُقل على الفور لمستشفى قصر العيني بالقاهرة لكن كانت شبكية عينية قد تعرضت لضرر وتسببت الحادثة فى مرض ضعف البصر الذى صاحبه حتى يومنا هذا .
( مات أخيرا )
فى النهاية اضطر الحاخام عوفاديا يوسف عام 1949 إلى تقديم استقالته من منصبة فى رئاسة المحكمة الشرعية اليهودية بالعباسية بالقاهرة .
ومع ذلك لم يعد عوفاديا يوسف إلى إسرائيل مباشرة لأنه ظل يعالج عينيه لدى أحد أطباء مستشفى قصر العيني البريطانيين وفى يونيو 1950 عندما استقر حالته وترك الطبيب البريطانى مصر عائدا
لبلاده عاد الحاخام القاضى الشرعى عوفاديا يوسف إلى القدس .
فى الحقيقة تجربة الحاخام عوفاديا يوسف فى مصر أثرت دوما فى حياته لكنها منحته دراية عميقة بالمجتمع المصرى والمصريين الذين كّون بينهم شريحة كبيرة من الأصدقاء كان على رأسهم فى نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينات اللواء " محمد نجيب " الذى أصبح عقب حركة الضباط الأحرار ليلة 23 يوليو 1952 رئيس لمصر فى الفترة من ليلة 18 يونيو 1953 وحتى 14 نوفمبر1954 .
هنا نقفز مرة أخرى لعام 1974 وقت تبادل مصر وإسرائيل الأسرى والجرحى وقتلى وشهداء حرب أكتوبر 1973 طبقا لما أتفق عليه بينهما فى مفاوضات الكيلو 101 يومها وجد الحاخام
عوفاديا يوسف نفسه مضطرا بسبب منصبه كحاخام اكبر لليهود الشرقيين فى إسرائيل لاستخدام بعض علاقاته القديمة مع الشخصيات المصرية التى كانت قد كبرت فى مناصبها وبرزت على الساحة السياسية المصرية فى تلك الفترة .
المثير أن بين هؤلاء الأصدقاء الذين تعرًّف عليهم الحاخام عوفاديا يوسف فى القاهرة نهاية الأربعينيات ضابطا شابا فى سلاح الطيران المصرى يدعى " محمد حسنى السيد مبارك " كان شغوفا وقتها بكل ما يتعلق باليهود فى مصر وكان يتردد على مكتب الحاخام القاضى عوفاديا يوسف فى العباسية ليسأله عن بعض الأمور التى تثيره .
هذا الطيار الشاب " مبارك " كانت له علاقات قوية بعدد من وجهاء الطائفة اليهودية المصرية وأسرهم الثرية التى كانت تدعوه لحضور حفلاتها الخاصة من وقت لأخر وكان من الطبيعى أن يكون بينهم رئيس المحكمة اليهودية الشرعية الحاخام عوفاديا يوسف القاضى الشرعى المثير للجدل للطائفة اليهودية المصرية حتى عام نهاية 1949 وبداية عام 1950 .
فى عام 1974 خلال المفاوضات بين مصر وإسرائيل فى الكيلو101 كان مبارك قد أصبح قائدا كبيرا فى سلاح الطيران المصرى وكان نفوذه ونجمه فى تصاعد مستمر بجانب الرئيس محمد أنور السادات .
فقرر الحاخام عوفاديا يوسف استغلال العلاقات القديمة بينه وبين مبارك خاصة أن المنصب الدينى الكبير للحاخام عوفاديا يوسف عام 1974 جعله بشكل رسمى أحد المسئولين عن استعادة كل جثث قتلى الجيش الاسرائيلى المفقودين فى المعارك داخل الاراضى المصرية خاصة جنود وضباط القوات الخاصة الإسرائيلية وطيارى وملاحى القوات الجوية الإسرائيلية الذين أسقطت طائراتهم فى وقت الحرب وقبلها داخل الحدود ومدن الدلتا المصرية .
هنا قرر عوفاديا يوسف لأول مرة منذ تركه مصر فى يونيو 1950 الاتصال بالمسئول الكبير محمد حسنى السيد مبارك ويومها كانت أول مرة يبارك فيها الحاخام عوفاديا يوسف بشكل رسمى مبارك طبقا للشريعة اليهودية .
البركة مثبتة فى خطاب رسمى صدر من مكتب الحاخام الاسرائيلى الأكبر لليهود الشرقيين ــ السفارديم ـ عوفاديا يوسف وجهه مباشرة إلى محمد حسنى السيد مبارك ودعا له فى الخطاب بالنجاح وبالصحة واعدا إياه بالدعم الروحى مدى الحياة .
وقد ترجى عوفاديا يوسف فى خطابه الأول حسنى مبارك بشكل شخصي وإنسانى مساعدة الأسر الإسرائيلية الثكلى التى فقدت الأبناء فى المعارك داخل أراضى مصر عن طريق تقديم مبارك لكل ما يمكنه من مساعدات تؤدى للتوصل إلى أماكن دفن المفقودين.
فى الحقيقة يثبت ملف المفقودين فى المعارك من الجيش الاسرائيلى بسبب سرقة خراطيش هوياتهم العسكرية الثمينة من واقع تحقيقات لجنة أجرانات الإسرائيلية ان ما قام به المسئول حسنى مبارك من جهود كان أول مساعدة حقيقية قدمها محمد حسنى السيد مبارك فى حياته لدولة إسرائيل .
فقد سجلت الوثائق الرسمية الإسرائيلية أن مبارك قبل ورحب بطلب الحاخام عوفاديا يوسف وأنه تذكره من الماضى وقرر مساعدته بالفعل وأن مبارك حمل الخطاب وذهب به إلى الرئيس السادات وأطلعه عليه وحكى له معرفته من الماضى بالحاخام عوفاديا يوسف حاخام إسرائيل الأكبر ــ يومها ــ فقرر السادات استغلال مبارك بسبب تلك العلاقة سياسيا .
وتكشف الوثائق الإسرائيلية بشكل حصرى لأول مرة ان مبارك كلفه الرئيس السادات فورا بالتعامل مع ملف الأسرى الإسرائيليين كما كلفه الرئيس السادات ومنحه كافة الصلاحيات لمعاونة إسرائيل فى البحث عن قتلاها المفقودين فى مصر .
لقد قام مبارك رسميا بما عليه طبقا لتكليفات الرئيس السادات واستردت إسرائيل مع الوقت معظم المفقودين وليومنا هذا ما يزال هناك عدد بسيط جدا لم يتوصل إلى مكان جثته وأعلن مفقودا من عمليات معارك حرب السادس من أكتوبر فى مصر .
علما أ ن ملف هؤلاء المفقودين الاسرائليين ظل مفتوحا على مكتب مبارك حتى بعد ان أصبح رئيسا للجمهورية
وللتأكيد الملف ما زال مفتوحا حتى يومنا هذا وقت كتابة تلك الصفحات .
( كتاب أسرار آخر الحروب – توحيد مجدى – من واقع الوثائق الاسرائيلية )