ابتكر خبراء الضرائب الأفذاذ في مصر طريقة الخصم من المنبع، لتلافي الانتظار حتى نهاية العام لتحصيل الضريبة بالطريقة المعتادة، فأصبح المصريون يدفعون الضريبة بمجرد شراء السلعة، رغما عنهم، ومن يرفض دفع الضريبة، فكأنه يرفض شراء السلعة.وامتدادا لهذا المنهج، استفاد منظرو الانقلاب وأرادوا تمرير قانون لمنع التظاهر من المنبع، بعد اشتراط الإخطار، وموافقة الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة الداخلية. قانون تنظيم التظاهر الذي قدمته حكومة هشام قنديل كان بشهادة أهل الاختصاص غاية في التحضر والرقي والتعبير عن الرأي بحرية لا مثيل لها بين أعظم دول العالم.
لكن مصر هذه الأيام باتت في انتظار تقنين للاستبداد ومنع للتظاهر من المنبع، فيما وصف بأنه خطوة ترمي إلى شرعنة القتل والإبادة الجماعية التي مارسها الانقلاب ضد المتظاهرين السلميين في رابعة والنهضة وسائر الميادين.
لم يكتف الانقلاب بتكميم الأفواه وغلق القنوات، ومصادرة الحريات وخطف الرئيس المنتخب، وتعطيل الدستور وعسكرة وسائل الاعلام؛ بل عمد مؤخرا إلى إحكام قبضته في حصار التظاهرات والاعتصامات السلمية والتي كانت أحد المكتسبات الرئيسية لثورة 25 يناير.
ويأتي هذا السعي المحموم لتمرير قانون منع التظاهر؛ في أعقاب سقوط نحو 5 آلاف شهيد برصاص الأمن والجيش في شوارع مصر، ولم يحتج الانقلابيون وقتها إلى قانون يبيح لهم قتل آلاف الشباب؛ بل قتلوهم أولا ثم بدأوا في البحث عن مسوغ من القانون عبر ترزية متخصصين في تفصيل هذا النوع من القوانين!وفي هذا الصدد يؤكد المستشار أحمد مكي وزير العدل السابق أن هذا القانون يأتي بهدف البحث عن مسوغ قانوني لجرائم الانقلاب السابقة. وللمزيد من التلبيس على الشعب المغيب؛ زعم إعلام الانقلاب ونخبته السياسية أن ما يجري هو مجرد استكمال لمشروع قانون التظاهر الذي كانت ترعاه حكومة قنديل.وشتان ما بين الأمرين؛ فالأول صدرعن سلطة منتخبة أرادت تنظيم التظاهرات التي وصلت إلى درجة الاعتداء على القصر الرئاسي، وجلب بلدوزر لخلع بابه دون تحرك لأجهزة الأمن؛ أما الثاني فيهدف إلى قتل التظاهرات من المنبع.
أما موقف هذا وزير الداخلية محمد إبراهيم من مشروعي القانون، فيحتار فيه أولو الألباب، فقد كان أرحم بالمتظاهرين من أنفسهم، حينما كانوا معارضين للرئيس المنتخب، حتى إنه رفض تسليح أفراد الداخلية المكلفين بفض التظاهرات.ثم ما لبث الرجل أن انقلب مع الانقلابيين، لتحصد قواته من أرواح المصريين آلاف المعتصمين بالميادين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق