الجمعة، 15 فبراير 2013

لا فصل بين الدعوة والسياسة.. وكلاهما ينضبط بالقرآن والسنة


في الدعـــوة والسياســـة
 هل تعلم من هو النبي الذي صلى بين السماء والأرض ؟
:تأملات فى الآية الكريمة:
 «اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِى غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ »
"حكومة نظيف والجنزورى" يحاكمهــا الرأى العــام 
...على أنها حكومة الإخــوان ...


■ لا فصل بين الدعوة والسياسة.. وكلاهما ينضبط بالقرآن والسنة
■ العمل السياسى عبادة وجهاد وأعلى درجات العمل الصالح
■ لسنا فى حالة أهل الكهف أو مرحلة الاستضعاف فى مكة حتى نؤجل مشروع الاستقلال
■ لن نخرج من الأزمة الاقتصادية بدون إعلان سياسة جهاد البناء والاعتماد على الذات
■ مبادرات الإخوان والنور غير موفقة لأنها لا تسهم فى التعبئة للهدف الرئيسى..
 هذا المقال كُتب قبل أحداث الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، لكن كل ما فيه متصل بالأحداث من خلال الرؤية النقدية لبعض فصائل الحركة الإسلامية. 
كلما قرأت القرآن الكريم، توقفت عند الآية الأولى من سورة الأنبياء.
القرآن كله معجز وكله مؤثر فى النفس المؤمنة، وأحيانا فى غير المؤمنة.
وكتبت فى السجن دراسة بعنوان «كيف تدخل الجنة؟» مستوحيا هذه الآية.
 وأتوقف عندها اليوم من منظور سياسى، فى محاولة مستميتة لمناقشة الذين يفصلون بين الدعوة والسياسة؛ لأن هذا الفصل يضر بالاثنين ضررا بليغا، وبعد مراجعة أهم التفاسير؛ لأن الخوض فى القرآن الكريم لا يكون على أساس الرأى والفكر بصورة عامة بدون تمعن كاف فى اللغة العربية وأسباب النزول وآراء كبار المفسرين وغير ذلك.
وأيضا لا بد من تأكيد أن القرآن كتاب هداية لا كتاب تاريخ؛ فبعض المفسرين يكتفون بربط الآيات بمناسبة النزول، فيقولون مثلا: «هذه الآية نزلت فى كفار قريش»؛ فحتى وإن كان ذلك صحيحا، فإن ذلك لا يغفل عمومية الآية.
 وفى هذه الآية، نجد الخطاب مفتوحا إلى قيام الساعة، وإلى كل الناس. وإذا أغفلنا هذا المنهج فإننا سنعطل معظم آيات القرآن الكريم ونحوله بالفعل إلى كتاب تاريخ يؤرخ لمرحلة صدر الدعوة وما جرى بين قريش وبين سيدنا محمد وعموم المؤمنين. الجانب العقدى الصريح فى هذه الآية أن الساعة –أى يوم القيامة- قريبة جدا أكثر مما يتصور الإنسان. وقد كان هذا الأمر صحيحا منذ أكثر من 14 قرنا، وسيظل صحيحا أبد الدهر!!.
 ورغم أن القيامة هى الحدث الأكبر والحقيقة العظمى فى حياة ومصير الإنسان، فإنه فى أغلب الأحيان يتغافل عنها وينشغل باللهو واللعب.
 والمقصود أساسا المشاغل الدنيوية (مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ  لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ)
(الأنبياء: 2 وجزء من 3).
 ليس المقصود هو تنزيل القرآن بالتدريج فى وقت النزول فحسب؛ فالقرآن يصل إلى الناس تباعا فى كل الأزمان والأمكنة بالتدريج يقرءونه أو يسمعونه ويكتشفونه بالتدريج، وكذلك يعيدون قراءته وفهمه وتدبره أو يعيدون الاستماع إليه.
لكن كيف تكون الساعة قريبة جدا؟
وكيف يكون ذلك صحيحا منذ تنزل الآية حتى نهاية الحياة الدنيا؟!
لتلك الحقيقة سببان أساسيان؛ أحدهما غيبى، وهو أن اليوم عند الله بألف سنة مما تعدون، وبذلك فمنذ نزول القرآن الكريم لم يمر يومان بعد! وهذه الحقيقة الغيبية يوجد ما يساعد على تصورها فى نظرية النسبية التى أصبحت مؤكدة الآن، كعلاقة الزمن بالسرعة... إلخ. أما السبب الثانى الذى يمكن تأكده ماديا، فهو أن الموت قريب من كل إنسان، ويمكن أن ينقض عليه فى أية لحظة، بغض النظر عن عمره وصحته أو حسن صيانة المركبة أو الطائرة التى يركبها أو غير ذلك من الأسباب! ومهما طال العمر بالإنسان فهو جد قصير لا يتجاوز بضع عشرات السنين. وبموت الإنسان تقوم قيامته؛ لسببين: انقطاع سجل أعماله (مع بعض الاستثناءات التى وردت فى الحديث: «... صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له») - وعلى أية حال، فحتى هذه الاستثناءات ما هى فى حقيقة الأمر إلا ثمرة عمله قبل مفارقته الحياة - أما السبب الثانى فهو حساب القبر، وهو أكثر موضوع يؤرق العلمانيين غير الملتزمين جيدا بالدين أو الملحدين، وكثيرا ما عبروا عن تبرمهم الشديد من الكتابات عن عذاب القبر، وكأنهم يشعرون بالتهديد القريب ويخشون احتمال أن يكون حقيقة. والواقع أن كل الناس تخاف من الموت، وتخاف غموضه، لكن المتدين يستعد له بالاجتهاد فى العبادة والطاعة، وغير المتدين أو المقصر فى التدين يعتمد على تناسى الموضوع والتغافل عنه وكأنه سيصيب دائما الآخرين لا هو!.
هذا الجانب العقدى الواضح من الآية، يتضمن أبعاده السياسية. وما السياسة إلا تنظيم المجتمع، وهل يوجد دين اهتم بتنظيم المجتمع أكثر من الإسلام وبأكثر مما ورد فى القرآن والسنة؟!
ومن ثم فإن العمل السياسى عبادة ككل أعمال الإنسان فى الحياة «قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاى وَمَمَاتِى للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» (الأنعام: 162)، بل هو فى أعلى مراتب العمل الصالح؛ لأنه يتعلق بمصلحة المجموع، حتى عرّف أحد الفقهاء الجهاد بأنه «الاستعداد لإتلاف النفس لصالح المجموع»؛ لذلك لا أدرى من الذى أدخل فى روع بعض الإسلاميين أن هناك أمور دعوة منفصلة عن أمور السياسة أو العكس، ويعرفون السياسة -كما يعرفها العلمانيون- بأنها الحسابات المجردة من المبادئ الحاكمة، أو استخدام قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات» لاقتراف أى شىء ولتعطيل النصوص القاطعة والمؤكدة بالجملة ولمدى زمنى مفتوح. 
 سورة الأنبياء مذهلة فى هذا الصدد؛ فقد جاءت جل آياتها كأنها تشرح وتفصل و«تفصص» الآية الأولى؛ فلم تتبعها بآيات تحض على الصلاة أو الزكاة (إلا آية واحدة فى أواخر السورة)، بل على التذكرة بالصراع بين الحق والباطل عامة، ثم تبدأ فى تفصيل معركة سيدنا إبراهيم لهدم الأصنام، ومعارك بعض الأنبياء. 
وعندما اقتربت من النهاية، وكأنها تريد أن تغلق القوس، قال الله عز وجل:
«وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِى الصَّالِحُونَ
* إِنَّ فِى هَذَا لَبَلاَغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ» (الأنبياء: 105، و106).
إن مشكلة قطاع من التيار الإسلامى أنه عندما انغمس فى العمل السياسى، نحّى جانبا ما كان يسميه هو «الأدلة الشرعية» وأصبح يتحدث فى السياسة كما يتحدث محترفو السياسة. وقد أدى ذلك إلى تضارب المواقف والارتباك، فلم تعد المرجعية الإسلامية هى الحاكمة. وعلى خلاف ما يزعم المعارضون العلمانيون، فإن التيار الإسلامى - وأعنى هنا التحالف الحاكم: الإخوان والنور- لا يريد فرض تصوراته الإسلامية على المجتمع، بل بالعكس؛ فهو يتجه إلى عرض تصورات سياسية غير منضبطة بأى اجتهاد إسلامى فى معظم الموضوعات المطروحة، فيما عرض الإسلام بصورته الحقيقية، والاستناد إليه بوصفه مرشدا فى القرارات السياسية والاقتصادية هو الأنجع والأكثر تحقيقا للشعبية.
 وانتهى الأمر بأننا إزاء حكومة لا تتحدث فى الاقتصاد إلا كحكومة نظيف والجنزورى. والمحزن أن هذه الحكومة يحاكمها الرأى العام على أنها حكومة الإخوان المسلمين.
 وعنده حق؛ ألم يشكلها د. مرسى ولا يوجد بها ممثلون لأى حزب آخر؟! فأصبح فشل هذه الحكومة البراجماتية (التى لا تلتزم بأية مرجعية إسلامية) محسوبا على التيار الإسلامى بأسره. لا يملك أى مسلم أن يعطل أحكام القرآن والسنة إلا إذا كان مكرها مستضعفا. ولا بد للحلف الإسلامى الحاكم أن يخرج من نفسية أهل الكهف، بل ومن نفسية مرحلة الاستضعاف فى مكة فى السيرة النبوية؛ فأوضاعنا وأوضاع المنطقة والعالم تختلف جوهريا عن هاتين الحالتين، بل لا يملك أحد أن يعطل فريضة الجهاد بكل أنواعها فى أية مرحلة من المراحل: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» (حديث شريف)، كما يتوجب على المسلمين فى كل جيل أن يسعوا إلى النصر.
 وقد كتبنا فى ذلك كثيرا عندما كنا ندعو الإسلاميين (الإخوان والسلفيين) إلى مجاهدة المخلوع. واليوم، ندعوهم إلى مجاهدة النفوذ الأمريكى الصهيونى، وجهاد بناء دولة مصر المستقلة حقا والساعية إلى التكامل وإلى سوق عربية وإسلامية مشتركة. 
 ويقسّم الشيخ يوسف القرضاوى المواقف المعاصرة من الجهاد بين الموقف الإسلامى الصحيح والمعتدل، وقسم يريد أن يحارب العالم بأسره، وقسم يريد أن يلغى الجهاد تماما. وهذا القسم الأخير فئة تريد أن تهيل التراب على الجهاد، وأن تسقطه من حياة الأمة، وأن تجعل أكبر همها ومبلغ علمها: أن تربى الأمة -كما تقول- على القيم الروحية والفضائل السلوكية، وتعتبر هذا هو الجهاد الأكبر: جهاد النفس والشيطان (فقه الجهاد). والواقع أن هذا القسم الأخير هو الغالب على الفقه الرسمى الذى ترعاه الحكومات، وهو الغالب أيضا على فقه كثير من الجماعات الإسلامية. وهذا سبب جوهرى لاندفاع شرائح من الشباب إلى أحضان فكر وتنظيم القاعدة غير المنضبط، بل والمعرض دوما للاختراق الغربى.
ولا نقول إن واجب الوقت فى مصر هو إعلان الجهاد المسلح لتحرير فلسطين، لكن الاستعداد الحربى لكل الاحتمالات واجب دائم، بل يتعين عدم الاستمرار فى تخويف الناس من الحرب؛ لأنها يمكن أن تُفرَض علينا فى أى وقت، لكن الجهاد مكون رئيسى من مكونات المشروع الإسلامى؛ الجهاد بمعناه الشامل الذى لا يسقط القتال، ومن ثم الاستعداد الدائم له، ويمتد ليشمل جهاد النفس وجهاد الشيطان ومقاومة الحاكم الظالم. وهناك شكل جديد من الجهاد لا نجد له مكانا كافيا فى الفقه المعاصر؛ هو الجهاد السلمى للحفاظ على استقلال الأمة الإسلامية والأوطان المسلمة. 
وهو فقه الموالاة المنصوص عليه فى القرآن والسنة، بوصفه ركنا أساسيا وبديهيا من العقيدة، وهو ما يسميه البعض «عقيدة الولاء والبراء». 
ولن نجد توسعا فى الفقه القديم فى هذا الموضوع؛ لأن المسلمين كانوا هم القوة العظمى الأولى أو إحدى القوى العظمى على الأقل، وكان الصراع الحربى المباشر هو الشكل الغالب على الصراع الدولى. 
أما فى العصور الحديثة فقد أخذت الهيمنة والسيطرة أشكالا اقتصادية وسياسية وثقافية وقانونية. وبعد الحرب العالمية الثانية، توسعت ممارسة الاحتلال غير المباشر (التبعية الجديدة) أى تقليل استخدام الجيوش قدر الإمكان فى السيطرة على الأمم المنكوبة،
وإن ظلت الحروب الإقليمية والتدخلات العسكرية مستمرة وغير قليلة، لكن ازداد مكون أشكال السيطرة غير العسكرية. نقول: «ازداد» لأنه كان موجودا دائما؛ فما كان لبريطانيا أن تحكم العالم بالعدد الضئيل لقواتها المسلحة بدون وسائل تحكم وسيطرة غير عسكرية. ومن ثم فإن النهضة الإسلامية المعاصرة لا يمكن أن توجد وتزدهر وتنمو إلا فى ظل استقلال القرار السياسى والاقتصادى، وإلا فى ظل بناء نمط حضارى مختلف عن النموذج الغربى. فى الفقه القديم، نجد أبحاثا مطولة عن التمايز عن غير المسلمين فى الزى والعادات والأعياد، ويمكن لبعض الآراء والأحكام أن يستفاد منها، لكن الموضوع أصبح أكبر من هذا فى العصر الحديث؛ فنحن عبر الإعلام أصبح لدينا تحديات الغزو الغربى فى الثقافة الاستهلاكية التى تدخل كل بيت فى العالم بالفضائيات والنت، ولم تعد تكتفى بدور السينما والمجلات والكتب. 
 وهذه جبهة غير عادية تفضى إلى حالة من الاستنزاف الاقتصادى والاجتماعى.. تفضى إلى أنماط سلوكية متغربة وإلى زيادة الاعتماد على الخارج والاستيراد وخلل فى الميزان التجارى، وإلى كساد فى الصناعة الوطنية، ومن ثم فإن تشجيع السلع الوطنية ومقاطعة البضائع الأجنبية قدر الطاقة، مهمة جدا لهذا الغرض قبل استخدامها وسيلة لمعاقبة الدول المعتدية على العالم الإسلامى. 
 إن واجب الوقت فى مصر الآن هو جهاد البناء إن جاز التعبير، وما يستدعيه من قيم الاعتماد على النفس وموالاة المؤمنين بعضهم بعضا دون الأعداء، وتعبئة الموارد المحلية، وزيادة السلوك الادخارى، والتقشف والإيثار، والصبر والتجلد، وتعميق الروح الوطنية والاعتزاز بالأمة بدوائرها المتصلة: المصرية والعربية والإسلامية.
وهذا الشعب العظيم يمكن أن تتفجر إمكاناته الكبرى فى البناء كما تفجرت فى الثورة على الطغيان، لكنه يريد خطة وتصورا، ويريد صراحة فى طرح تحديات اللحظة، ويريد فى الأول والآخر قدوة.. قدوة فى التقشف والبذل والتضحية من الحكام والمسئولين، لكن الناس لم تر أسلوبا متغيرا فى هذا المجال؛ فالسيارات هى السيارات، والبدلات هى البدلات، والمكافآت هى المكافآت، والمستشارون هم المستشارون، والخطة المعلنة والمنفذة حتى الآن عكس هذا الاتجاه تماما: مزيد من القروض والمنح؛ أى مزيد من الاعتماد على الخارج.. مزيد من رفع الدعم برفع الأسعار.. مزيد من البحث عن الاستثمارات الأجنبية خاصة الغربية.
 والأهم من كل ذلك، مزيد من استبعاد الجماهير عن المعركة التنموية؛ فعليهم الانتظار فى منازلهم حتى تأتيهم فرص العمل. أما الذين يعملون فنطالبهم بزيادة الإنتاج، وهو شعار فارغ من المضمون؛ لأنه عام جدا، ولأن زيادة الإنتاج مرتبطة بالإنتاجية ورفع مستوى الأداء التقنى ودورات التدريب وبنوعية الآلات المستخدمة، وبضرورة إزالة العقبات التى تعترض العملية الإنتاجية؛ أى بإصلاح السياسات الاقتصادية والتشريعية بحيث تشجع المشروعات الإنتاجية.. وهكذا. 
إن عملية التنمية عملية جهادية، وإن الإصرار على التنمية المستقلة يستعدى القوى التى كانت مسيطرة على البلاد، والتى لم تفقد سيطرتها بعد على كثير من مفاتيح الاقتصاد والسلطة (أمريكا وعملاؤها المحليون). 
 وإذا لم يحشد الإسلاميون (الإخوان والنور) ويعبئوا الجماهير فى هذا الطريق وعلى أساس عقدى؛ فماذا سيفعلون أهم من ذلك؟! لتوضيح الخلاف فى زاوية الرؤية، ورغم أن الحركة بركة، لاحظنا أن المبادرات الجماهيرية الأخيرة للإخوان والنور تختار وتركز على أمور غير إنتاجية، وعلى أمور تبدو حيادية ولا تشير إلى أى موضوع استقلالى؛ فالإخوان أطلقوا مبادرة لمدة شهر ذات ثلاث شعب: زرع شجر - علاج مخفض - أسواق خيرية. 
 وهذا إصرار عجيب على تنفيذ مشروعات من نوعية تناسب القوى المعارضة. 
لماذا لا يريد الإخوان أن يتصرفوا كقوى حاكمة؟ 
أو لماذا يتصورون أن مهمتهم أن يخفوا أنهم القوة الحاكمة لتخفيف الحملات التى تتهمهم بـ«الأخونة»؟ مع أن الحملات تزيد ولا تنقص، والرد عليها ليس بإخفاء علاقة الإخوان بالسلطة، بل بممارسة مزيد من السلطة المشروعة لحزب الأغلبية. 
والنجاح على أرض الواقع يكون هو الرد العملى الوحيد والصحيح على أية حملات ظالمة أو مفتعلة. 
 حتى هذا المشروع، كان يمكن أن يكون أفضل لو أعلنه وزير الحكم المحلى أو رئيس الوزراء، ونفذته أجهزة الحكم المحلى بمساندة شعبية من الإخوان والحرية والعدالة.. هذا فيما يتعلق بزرع الشجر.
أما بالنسبة إلى العلاج المجانى أو المخفض، فالأفضل أن يكون برفع كفاءة المستشفيات الحكومية، وأن تستخدم قوى الإخوان فى تعزيز رفع كفاءة المستشفيات الحكومية، وأن يكون هذا الشهر خطوة منظمة فى طريق إصلاحها، لا الاقتصار على تنشيط مستشفيات الإخوان الخاصة. أما حكاية المسكنات بالأسواق الخيرية لمدة شهر، وإن كانت الناس المحدودة التى ستستفيد منها ستفرح مؤقتا، فإن الناس عموما لن تقبل من الإخوان فكرة تقديم النموذج؛ فهذه تكون مناسبة لتنظيم معارض خارج السلطة.
لا بد من سياسة لضبط وتخفيض الأسعار... وهذا أمر متصل ـــ كما قلنا أساسا ـــ بتعزيز فكرة الاقتصاد الإنتاجى التى لم تعرف لها طريقا فى هذه المبادرة. وما أكثر المشروعات التى يقترحها د. خالد عودة!، لماذا لا تختاروا واحدا منها؟!
ولماذا الابتعاد دائما عن سيناء وعن الصحراء عموما وعن الصناعة التى هى كلمة السر فى الانطلاق الاقتصادى؟!
أما حزب النور، فقد فاجأنا بما تصوره هو ضربة معلم؛ فحزب النور السلفى أعلن عن مبادرة لتشجيع السياحة!!، فى محاولة صريحة لمحو الصورة التى رسمها له الإعلام من أنه سيدمر التماثيل أو سيغطيها بالشمع. 
ومن حق الحزب أن يفعل ما يريد لتوضيح رؤيته أو لتحسين صورته قبل أو بعد الانتخابات، لكن ما يهمنا هنا أن هذه المبادرة تشترك مع مبادرة الإخوان فى البعد عن تشجيع المشروعات الإنتاجية أو العمرانية، والبعد عن كل ما يجسد طبيعة مشروعنا الحضارى الاستقلالى.
 ورغم أننا مع تنشيط السياحة ونرى أنها مورد مهم للدخل القومى، إلا أن ترتيبها فى سلم الأولويات لا يأتى فى المقدمة، كما كان يرى النظام البائد؛ وذلك لأسباب عديدة؛ أهمها أن مواردها مهما تعاظمت أقل من الصناعة كثيرا، وهى لا تستوعب عددا كبيرا من العاملين، وتخضع للمؤثرات الخارجية. 
والمهم أن مبادرة حزب النور تتضمن سفر وفود إلى أوروبا وأمريكا للترويج السياحى، وهذه مبالغة فى غير محلها. وحتى لا يقول أحد إن قانون الأحزاب لا يسمح بالاستثمار الإنتاجى، نقول: وهو أيضا لا يسمح بالتجارة ولا السياحة. 
 والمقصود من الحديث السابق ليس تأسيس الأحزاب شركات إنتاجية ومصانع، بل تحفيز هذه المشروعات، وإرسال الشباب والكبار للعمل التطوعى بها، كالمشاركة فى إقامة وبناء مدينة صناعية فى سيناء على سبيل المثال، أو العمل التطوعى فى شق وتعبيد الطرق، أو فى الإرشاد الزراعى... إلخ، وأن يكون ذلك بالتنسيق مع الحكومة لا بأساليب فوضوية.
 لا بد من إخراج البلاد من هذه الدورة البائسة بين تيار كاره للمرجعية الإسلامية مدعوم من الخارج ولا يزال له ركائز قوية فى السلطة، وبين تيار إسلامى لا يريد أن يخوض غمار معركة نهضة حقيقية لا بد أن تكون مستقلة عن الهيمنة الأمريكية الصهيونية، وأن يرد على الحملات الظالمة بإنجازات حقيقية على الأرض، ورؤية صريحة لحقيقة التحديات؛ حتى يلتحم الشعب معه.. التفاف الشعب حول التيار الإسلامى هو السبيل الوحيد للنجاح.
 **************
 وعودة مرة أخرى إلى أول سورة الأنبياء، ليُوصِ بعضنا بعضا بعدم تأجيل واجب اليوم إلى الغد؛ فلا نعرف متى تأتى الساعة، لكن لنتذكر أنها قريبة، ولنتذكر أن فريضة الجهاد بالمعنى المشار إليه غير قابلة للتأجيل، وأن الخلاص من الهيمنة الأمريكية الصهيونية هو الوجه الآخر للنهضة المستقلة، وهى الوسيلة الوحيدة لحل مشكلات الجماهير وتحقيق العدالة الاجتماعية، وأن هذا هو واجب الوقت فى مصر. وهذا أعلى مراتب الجهاد؛ لأنه لا قيام لدولة إسلامية بدونه.


هل تعلم من هو النبي الذي صلى بين السماء والأرض ؟




ليست هناك تعليقات: