الاثنين، 22 أكتوبر 2012

غضب الجيش ليس مفهوما وليس بريئا . وذلك الغضب موجه ضد من؟




بيان غضب الجيش و تداعيات ذلك الغضب

لماذا لا تتم محاسبة طنطاوى وعنان وبدين على أخطائهم وعلى قتل المتظاهرين فى ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء؟ 
ألم يكونوا فى الحكم ويحكمون ويتحكمون فى أمر البلاد؟ 
.. (أم أنها كانت شراكة مع الإخوان؟!) .. 
لماذا يعلن الرئيس محمد مرسى 
احترامه لتلك القيادات 
وأن ما نُشر عن بلاغات والتحقيق معهم غير صحيح؟ 
أليس هذا تدخلا فى أمور القضاء، خصوصا أن هناك بالفعل قاضى تحقيق 
تم انتدابه من وزير العدل للتحقيق فى تلك القضايا؟





ليس مفهوما، وأكاد أقول ليس بريئا، ذلك اللغط المثار حول غضب الجيش في مصر، إذ منذ نشرت إحدى الصحف خبرا مكذوبا عن منع السفر والتحقيق مع بعض القيادات السابقة (المشير طنطاوي والفريق عنان واللواء بدين)، صرنا نقرأ أخبارا وتحليلات عن إهانة الجيش وغضبه، وكتابات أخرى حذرتنا من تداعيات ذلك الغضب، التي تكاد تلوح باحتمالات حدوث انقلاب عسكري في البلاد. تعلمنا في المهنة أن المرء حين يتلقى المعلومة ينبغي أن يتحقق من صحتها أولا وأن يتعرف على أطرافها بعد ذلك. لذلك فإن السؤال الأول الذي يخطر على البال هو:
هل هناك غضب فعلا أم لا؟
الأمر الذي يستدعي عددا آخر من الأسئلة من قبيل: ما هي تجليات الغضب؟
 ومن يكون الغاضب؟
 وذلك الغضب موجه ضد من؟
 هل هو ضد الرئيس أم ضد رفاق السلاح من القيادات العسكرية الجديدة، أم ضد وسائل الإعلام التي دأبت على نشر الأخبار الملتبسة والمكذوبة؟ 
 حين حاولت تحري الأمر من خلال طرح تلك الأسئلة على من أعرف من ذوي الصلة تلقيت الردود التالية:
 ■ إن الحاصل الآن يتعذر وصفه بأنه غضب في الجيش، وإنما هو شعور بالاستياء وعدم الارتياح إزاء تناول الأبواق الإعلامية للموضوع. خصوصا في الشق المتعلق بالبلاغات التي يقدمها البعض ضد قيادات المجلس العسكري السابق، التي يتعلق بعضها بالمسؤولية عن قتل بعض المتظاهرين ويتعلق البعض الآخر ببلاغات والتي تنسب إلى بعض القادة تصرفات تدخل في عداد الكسب غير المشروع. وهذه البلاغات لا تعني الإدانة أو ثبوت التهمة، ولكنها تعد مجرد ادعاءات تخضع للفحص إذا ثبتت جديتها، وقد تؤدي إلى تبرئة المدعى عليه وحفظ القضية، وقد تنتهي بإحالة الأمر إلى النيابة العامة والقضاء.
 ■ إن قيادة القوات المسلحة ساءها تحويل الإدعاءات إلى الأخبار من ناحية، واختلاق الأخبار المتعلقة بقيادات المجلس العسكري السابق من جهة ثانية. وقد نقلت ذلك الاستياء إلى رئاسة الجمهورية. وفي حالة الخبر المكذوب الخاص بمنع القادة الثلاثة من السفر والتحقيق معهم، فإن الرئاسة أحالت الأمر إلى مجلس الشورى الذي يفترض أنه المالك القانوني للصحف القومية باعتبار أن الخبر نشرته صحيفة الجمهورية، التي هي واحدة من تلك الصحف. (ملحوظة: بالغ رئيس مجلس الشورى دون مبرر في الإجراء الذي اتخذه لتدارك الموقف، حين قرر إيقاف رئيس تحرير الجريدة وإحالته إلى التحقيق، علما بأن الأمر كان يمكن علاجه بصدور تصريح رسمي يكذب الخبر، وبإحالة الموضوع إلى نقابة الصحفيين لتبحث الموضوع إذا استلزم الأمر ذلك).
 ■ ليس صحيحا أن الجيش طرف في الموضوع. إذ من حسن الحظ أنه يقف خارج السياسة ويتصرف كمؤسسة محترفة مهمتها حماية حدود البلاد وأمنها. ولكن الاتصالات التي تمت معبرة عن الاستياء صدرت عن قيادة الجيش الراهنة الحريصة على سمعة القوات المسلحة وقياداتها، خصوصا أولئك الذين أدوا خدمات جليلة للبلد، وكان المجلس العسكري ضمن هؤلاء. بأدائه الذي أمن فيه الثورة ووفى بما وعد به بخصوص المرحلة الانتقالية.
 ■ هذا الحرص عبر عنه الرئيس محمد مرسي طوال الوقت، حين أصدر قراره بإقالة قادة المجلس العسكري ثم كرمهم واحتفظ بهم كمستشارين. وقد دأب على إعلان تقديره لدور القوات المسلحة في مختلف المناسبات الخاصة بالجيش والتي يحرص على حضورها. وأغلب الظن أن تشديد الرئيس على ضرورة الحفاظ على كرامة وسمعة القادة العسكريين هو الذي دفع رئيس مجلس الشورى إلى المبالغة في محاسبة رئيس تحرير جريدة الجمهورية، فظلمه الرجل لكي يعدل مع قادة المجلس العسكري(!).
 ■ صحيح أن المشير طنطاوي والفريق عنان واللواء بدين لم يكونوا سعداء بإقالتهم، وليس مستبعدا أن يكون الحديث عن الغضب محصورا في دائرتهم الضيقة، وفي كل الأحوال فإن تعميم مشاعرهم تلك على الجيش كله لا يخلو من تعسف وافتعال.
 علما بأن أولئك القادة كان ينبغي لهم أن يخرجوا من صدارة المشهد بعد تسلم الرئيس المنتخب لمنصبه. ثم إنهم أخرجوا بطريقة مهذبة وكريمة، ولم تكن مهينة بأي حال كما ادعى البعض، ناهيك عن أنه لم يكن هناك سبيل آخر لإخراجهم إلا بالصورة التي تمت، إلا إذا كان المطلوب الإبقاء عليهم طول الوقت. في هذا الصدد لابد من الإشارة إلى أن القيادات التي حلت محلهم تحظى بتقدير كبير داخل القوات المسلحة، باعتبارهم من أكفأ الضباط وأكثرهم خبرة على الصعيد المهني واستقامة على الصعيد الأخلاقي.
 إذا كان الأمر كذلك فمن حقنا أن نسأل: لمصلحة من الترويج لمقولة غضب الجيش، وشيوع الغليان في داخله. وما الهدف من وراء تخويفنا بما يمكن أن يفعله الجيش إذا غضب؟ ثم ــ هل نبالغ إذا تشككنا في براءة ومقاصد استمرار بث مثل تلك الشائعات؟ إننا إذا وسعنا الدائرة وتطلعنا إلى المشهد من علٍ فسنجد أن ثمة إلحاحا على تفريغ مصر من المؤسسات التي تم انتخابها بعد الثورة (بعد حل مجلس الشعب هناك مسعى يلح على حل مجلس الشورى وإلغاء الجمعية التأسيسية للدستور)، ثم هناك لغط يثار حول دور الجيش وموقفه، وهناك رموز تتحرك في الداخل والخارج لهدم كل ما تم بناؤه إلى الآن، الأمر الذي يستدعى سؤالا كبيرا هو: إذا لم يصب ذلك في صالح الثورة المضادة فأي مصلحة يتحراها إذن؟



ليست هناك تعليقات: