الثلاثاء، 14 أغسطس 2012

لغز مجزرة رفح وتقاعس الكبار فى العسكرية المصرية؟!


الفصل من الوظيفة لا يكفى .. ولا بد من المحــاكمة
 لكل من خان مصر وتلاعب بأمنها ومقدراتها 
 أهذا ماانتهت إليه انتصــارات العــاشر من رمضان،
 لنغوص فى أوحال كامب ديفيد..؟!
والإهمال والخيانة، والتلاعب بالأرواح..والمخابرات المصرية



فى أواخر صيف سنة ١٩٨٠ وبعد غياب عشر سنوات عن مصر كنت شديدَ الحرص على أن تكون زيارة الحدود المصرية - مرورًا بسيناء- فى صدر أولوياتى.. شدّنى إلى هذه المغامرة حشدٌ مختزن فى الذاكرة من الأخبار والتقارير العالمية عن معركة العبور الأسطورية ومعارك الدبابات الطاحنة فى سيناء.. بعد مشوار طويل بالسيارة فى قلب سيناء وصلنا إلى رفح.. لم يكن هناك بوابة ولا معبر، ولا أى مظهر من مظاهر الحياة.. إنما صحراء جرداء وبعض أكشاك خشبية.. تليها أسلاك شائكة ممتدة على طول الحدود، بين القوات الإسرائيلية من ناحية غزة، وبين هذه الأكشاك التى يأوى إليها حُرّاس الحدود المصريون.. إستأذنّا بالدخول لنلتقى بثلاثة من الشبان.. قالوا: إنهم ضباط من الجيش، ولكنهم يعملون بصفتهم رجال شرطة لأنه ممنوع على مصر أن يكون لها قوات عسكرية على الحدود، ولذلك تـمّ تغيير بطاقة الهوية.. سألتهم: كيف تحرسون الحدود وأنتم لا تحملون أسلحة..؟ 
قالوا: لدينا فقط مسدسات للدفاع الشخصى.. وما فائدة الأسلحة أمام المدرّعات والمدافع -كما ترى- على الجانب الآخر..؟ 
 لم أستوعب الموقف تمامًا.. وزادت دهشتى عندما نظرت حولى فلم أجد شيئًا من معالم الحياة الإنسانية: لا حنفية ماء ولا كهرباء ولا وسائل لطهى الطعام.. ولا حتى دورة مياه..! ماء الشرب يأتيهم من العريش فى قُلّة من الفخّار، ووسيلة الإضاءة لمبة نمرة عشرة تشتعل بالكيروسين (أشياء متْحفية..!) لا يوجد تليفون ولا راديو ولا تلفاز، ولا شيء يصل هؤلاء الشبان بالعالم الحى ولا حتى بقيادتهم.. إن كان لهم قيادة...! مضى الوقت سريعًا: كنا مهتمين بمعرفة كل شيء عن حياتهم الغريبة، وقد صادف هذا هوًى عندهم؛ فليس هناك مَن يهتم بهم أو يتحدث إليهم... حتى غربت الشمس وحل المساء فجأة، وإذا بنا نرى على الجانب الآخر أضواء الكهرباء تغمر المكان، وحركة للمدرعات الإسرائيلية، وأصوات تنادى من مكرفونات.. لا نفهم ماذا تقول.. سِوَى أنها إشارات لحياة وحركة، وعنفوان كيان يريد أن يشعرك بوجوده وأنه هو المنتصر والمهيمن.. غاصت أرواحنا إلى مواضع أقدامنا.. فقد كانت المقارنة بين الوضع التعيس لأبنائنا، وبين أولئك أمر لا يحتمله عقل إنسان...! 
 فانسحبنا صامتين لنقضى ليلة حزينة فى فندق بالعريش.. نتساءل: أهذا ماانتهت إليه انتصارات العاشر من رمضان، لنغوص فى أوحال كامب ديفيد..؟! هذه قطعة من الذاكرة لا يمكن أن يمحوها الزمن مهما طال.. تعود بكل قوّتها وتناقضاتها على وقّع الحادث المأساوي الذى راح ضحيته ستة عشر جنديًا وضابطًا من أبنائنا فى رفح، وربما فى نفس الموقع الذى شاهدناه من قبل.. لعل الظروف المعيشية قد تحسنت قليلاً.. ولكن أبناءنا لا يزالون يعانون من الإهمال.. ويسقط منهم الشهداء بين يوم وآخر، نتيجة الاعتداءات الصهيونية المتكررة بلا رادع.. ولكن الفرق فى هذه المرة أنها تكشّفت عن أبعاد أخرى كانت خافية علينا فى عهد المخلوع.. تكشّف لنا أن هناك مع الإهمال خيانة، وتلاعبًا بالأرواح.. وقد سجّل هذا الإهمال تقرير رسمى لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى يقول: "إن الوجود الأمنى المصرى على الحدود مع إسرائيل يعانى من عجز خطير، لدرجة أن الدوريات الإسرائيلية تضطر أحيانًا إلى توفير الغذاء والضروريات الأخرى لنظرائهم المصريين"..! 
هذه المجزرة - كما أشرت - ليست الأولى فى مسلسل الاعتداءات على حراس الحدود: فقد فعلتها إسرائيل من قبل، وتفعلها اليوم - بالنيابة عنها - مجموعات إرهابية لا يهمنى اسمها فى شيء بقدر ما يهمنى أنها تعشّش فى سيناء تحت سمع وبصر القيادات المصرية فى المخابرات والأمن والإدارة.. ولا أستبعد صلتها بإسرائيل، فهذا عالم خفيّ يصعب أن تتحقق فيه من أي شيء.. ولكن بداخلك شك قوي بوجود تواطؤ بين خلفاء عمر سليمان فى المخابرات المصرية وبين إسرائيل، فاللواء موافى مثلا كان من رجال عمر سليمان، هو الذى وضعه ليحل مكانه على رأس المخابرات عندما عينه رئيس العصابة المخلوع نائبًا له.. فالكل تجمعهم مصلحة واحدة وأهداف مشتركة منها: زرع الألغام فى طريق الرئيس محمد مرسى لإنهاكه وإفشاله، وإغلاق معبر رفح، وإعادة الحصار على غزة.. بعد أن ظهرت بوادر اتفاق بين مصر وحكومة هنية لتنظيم الحركة فى المعبر، ومنها تيئيس الشعب من الثورة، وإعادة السيطرة العسكرية.. والتخلص من السلطة المنتخبة، التى يخشوْن من أخْونتِها فيما يزعمون، وهم فى الحقيقة يخشوْن الديمقراطية، تحت أي نظام وطني حر ينتخبه الشعب: إسلاميًا كان أو غير إسلامي فالنتيجة واحدة.. أقول لا يهمنى الأشخاص الذين قاموا بالمجزرة ولا انتماءاتهم ولا تصنيفاتهم، فقد تعلمت من تجارب التاريخ أن الذين يقومون بتنفيذ مثل هذه الجرائم هم مجرد أدوات.. يمكنك وصفهم بأنهم أغرار.. متطرفون.. متهوّسون.. غارقون فى وهم أنهم يؤدّون مهمة مقدّسة.. ولكنهم يُستخدمون فى تنفيذ مخططات، لا يدركون حقيقة أهدافها.. ثم يتم التخلّص منهم، حتى تُدفن حقيقة علاقاتهم بمن يحركونهم فى الخفاء.. وهذا ما حدث بالفعل مع الذين نفذوا مذبحة رفح، فقد تم تدميرهم على الحدود الإسرائيلية.. مما يوحى بأن التنسيق كان قائمًا بين المخابرات المصرية والإسرائيلية.. إننا نعلم أن هناك ما يسمى بالتعاون الأمني وتبادل المعلومات الاستخبارتية بين مصر والكيان الصهيوني.. ومعنى هذا أن هناك تواصلاً قائمًا بين قيادات استخباراتية وعسكرية من الطرفين.. وبالتالى اتصالات هاتفية متبادلة.. ولم يستجد شيء بعد الثورة ليقطع هذا التعاون الإجرامي.. لا شك أن "موافى" مدير المخابرات العامة مسئول عن هذه المجزرة ولكن - لا يمكن فى ضوء هذه الحقائق - أن يكون هو المسئول الوحيد عنها؛ فهو مع غيره من كبار القيادات العسكرية مشتركون فى المسئولية، ولا يمكن أن يكون الحل هو مجرد إقالته من منصبه.. إنها خطوة صائبة حقًا، ولكنها لا تغنى عن البدء فى التحقيق الجاد معه ومع الآخرين، خصوصا أنه اعترف أنه أبلغ المسئولين الكبار قبل وقوع الحادثة، ولكنهم لم يتحركوا لمنعها.. لا بد إذن من التحرى والتحقيق: من هى الشخصيات التى أبلغها موافى، وتقاعست..؟! 
 أعلم أن هذه مهمة صعبة ومتشعّبة.. قد لا يملك رئيس الجمهورية نفسه – فى الوقت الراهن - القوى المتاحة لتنفيذها: حيث قوة الشرطة مهلهلة، وكثير من قياداتها فى مباحث أمن الدولة مشغولون بالتآمر ضد الثورة وضد الرئيس.. وحيث السلطة العسكرية فى يد المجلس العسكري المناوئ للتغيير.. ولا يملك الرئيس قوة خاصة به لتنفيذ أوامره، وتحقيق رغبة الشعب فى تطهير مؤسسات الدولة من الفساد والمفسدين.. ولكن هناك بدايات يمكن البناء عليها.. منها: استبعاد موافى من المخابرات، واستبعاد بَدين من الشرطة العسكرية، وقد كان هذا الأخير ركناً فى إفساد هذا الجهاز والعبث به: قبل الثورة فى تطويع ضباط الجيش لمبارك، وبعد الثورة بالمشاركة فى قمع وتعذيب المدنيين، وقتلهم فى العباسية، وغيرها من المواقع.. استمع إلى الشيخ حافظ سلامة وهو يتحدث عن اقتحام الشرطة العسكرية لمسجد النور بحجة البحث عن أسلحة مخبأة فيه.. فالشيخ يتهم اللواء حمدي بدين بالكذب والخداع.. فقد وعد الشيخ بأن الموجودين فى المسجد سوف يخرجون سالمين، وأقسم على هذا بشرفه العسكري.. ولكنه أوعز إلى ضباطه باستدراج الرجال والنساء من المسجد بدعوى تأمين عودتهم إلى بيوتهم.. ولكن سيارات الجيش أخذتهم إلى المعتقلات ليتعرّضوا لألوان من التعذيب الوحشي والإهانات البدنية والنفسية المروّعة. كانت هذه الجرائم - فى الماضى - من خصوصيات مباحث أمن الدولة، أما أن تنتقل عدواها إلى الجيش، فهذا هو الفساد الذى أعنيه، والذى ورّط الجيش المصري فيه "بدين" وأمثاله.. فالذى يفعل هذا إنما يخلق عداءً متبادلاً بين الشعب والجيش، ولا يعبأ بتصدّع الثقة بينهما، فلا بد من محاسبته على هذه الجريمة.. لذلك قلت إن تسريح هؤلاء من وظائفهم ليس كافيًا، وأنه لا بد من تحقيقات جادة وحازمة لمعرفة شركائهم ومن يتواطأ معهم فى السلطة العسكرية وغير العسكرية.. ولست أدعو بهذا إلى تناطح مع المجلس العسكري، فهناك مَن يتربص ويعمل على تفجير هذا الصدام.. لتدمير الثورة ومكتسباتها الديمقراطية.. ولكنى أدعو إلى تحجيم دور هذا المجلس، بالشروع فى تحقيقات جادة، ليشعر المذنبون باقتراب أجلهم. 
وأنا أزعم أن كثيرًا من أعداء الثورة سيسقطون من تلقاء أنفسهم كأوراق هشّة من شجرة جافة.. لتستبّ الأمور الطبيعية – بصفة نهائية- فى يد السلطة الشرعية.. لا شك أن مركز رئيس الجمهورية يتعزّز، وأنه يسير فى الاتجاه الصحيح لاستعادة سلطاته الشرعية المنقوصة: منها قرارات العزل الأخيرة.. وتشكيل الحكومة، وبالذات تغيير وزيريْ العدل والداخلية.. والمضيّ حثيثا فى تشكيل الفريق الرئاسي المساعد.. ولا شك أن استعادة الحماس الجماهيري لهذه التغييرات والقرارات الجريئة ينبئ بأن محمد مرسى لم يبتعد كثيرًا عن الحشد الشعبي الذى استقبله مرحِّبا به فى ميدان التحرير ليلة فوزه بمقعد الرئاسة.. الأوضاع تتحول إلى جانبه ضد خصوم الثورة: ومؤشرات ذلك أن خسّتهم وأكاذيبهم تفتضح أكثر كلما أمعنوا فى التهجم عليه.. ويتبين للناس أن هناك بؤرًا ومعاقلَ فساد آخذة فى التهاوى.. مثل مجموعة عكاشة والزند وبدين: استمع إلى الحوارات المسجلة بين عكاشة من ناحية وبين الزند وبدين من ناحية أخرى واندهش ما شاء لك الاندهاش: كبير نادى القضاة ومدير الشرطة العسكرية يعظّمان شخصية بلغت حدًا من التفاهة والسفاهة والعمالة للأجنبي حدًا لم يعد خافيًا على عاقل، ومع ذلك يقول له "بدين" بلا خجل: كلنا يعلم وطنيتك وشهامتك.. وأنا من ضمن المحبّين لك...! 
لا شك أن الأوضاع غير الطبيعية وغير الشرعية تتكشف وتنفضح بفضل ما يرتكبه أصحابها من أخطاء وحماقات، تدفع بهم إلى موارد التهلكة.. ومطلوب من الرئيس وحكومته مواصلة الضغط والبدء فى تحقيقات جادة، ومصارحة الشعب والعقلاء من الثوار، والحريصين على تحقيق أهداف الثورة، بحقائق الأمور.. إن الرصيد الشعبي للرئيس لم ينضب كما يتصور خصومه، وهو أكبر وأقوى أدواته فى حسم المعركة لصالح الشعب وثورته...

ليست هناك تعليقات: