السبت، 28 يوليو 2012

التاريخ السري للإخوان المسلمين في بلاد «خادم الحرمين»



باحث سعودي كشف كواليس العلاقة بين المملكة والجماعة:
التاريخ السري للإخوان المسلمين في بلاد «خادم الحرمين»


التاريخ لا يمكن ان يصاب بـ"الزهايمر السياسي" فمن غير المعقول إن لم يكن مستحيلا أن تزيح فترات بعينها من التاريخ دون أن تقع في "مصيدة الخطأ" من هذا المنطلق جاء الحديث عن تاريخ العلاقة التي جمعت بين المملكة العربية السعودية وجماعة الإخوان المسلمين طوال السنوات الماضية.
"موعد ..فلقاء...فغرام ...فجفاء
ما سبق لا يتعدي كونه اختصارا لتاريخ الجماعة والمملكة حيث بدأ نشاط تنظيم الإخوان المسلمين في السعودية بشكل واضح في فترة حكم الملك فيصل بن عبدالعزيز ملك السعودية في الفترة بين (1964 - 1975).
وقتها كانت العلاقات بين السعودية ومصر والتي كان يرأسها وقتئذ الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في أقصي توترها بين الدولتين ذات النظامين السياسيين المختلفين جذريا. بعد رحيل عبدالناصر، وحدوث تقارب بين خلفه الرئيس الراحل أنور السادات والملك فيصل بن عبدالعزيز، سعي الأخير للتقريب بين الإخوان والسادات، وسيطر المنتمون للإخوان المسلمين علي النواحي التعليمية في الجامعات تحديداً خلال عقدي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كما سيطروا أيضا علي المنابر الإعلامية خاصة في فترة حكم الملك فيصل في السعودية.
العلاقة التاريخية بمختلف فصولها "شتاء وصيف وربيع خريف أيضا" رصدتها دراسة بعنوان " الإخوان المسلمون والسعودية ..الهجرة والعلاقة" للباحث عبدالله بن بجاد العتيبي.
 وإهتم الباحث في دراسته بهجرة الإخوان المسلمين من مصر بلد المنشأ وسوريا والعراق إلي المملكة واعتبرها موضوع البحث، ووصفها بالهجرةٌ ذات الوجهين، أولهما اضطراري بالنسبة للإخوان المسلمين، والثاني كان اختياريا وسياسيا بالنسبة للسعودية، وتابع الباحث منذ قيام الدولة السعودية الثالثة علي يد الملك الراحل عبدالعزيز آل سعود، وقام بالربط بين الديني والسياسي في البلاد، وكان هذا الارتباط نابعاً من قناعة الملك عبدالعزيز بأهمية العامل الديني في تحريك شعوب الجزيرة، لأنه اعتبر ذلك هو العامل السياسي المهم في توحيد كلمة علماء الدين، وتوحيد القبائل البدوية المختلفة وإخضاعها لسلطة الدولة، بل وتوظيفها كجيشٍ قويٍ مهيبٍ يوطّد الأمن داخل الدولة، ويرهب الأعداء الخارجيين وذلك فيما عرف بـ"حركة الإخوان". 
 وكشف "العتيبي" أن علاقة السعودية بحسن البنّا المرشد الاول للجماعة جاءت ضمن هذا السياق، حتي قبل أن تتأسس الجماعة بشكل كامل، حيث كان الملك عبدالعزيز يسعي لإيجاد علاقاتٍ وطيدةٍ مع علماء المسلمين وقادتهم في شتي أنحاء العالم من الهند إلي مصر وغيرها من البلدان، فكان من أصدقائه أمين الريحاني، وشكيب أرسلان، ومحمد رشيد رضا وغيرهم ، وكانت تربطه علاقةٌ خاصةٌ برشيد رضا، وكانت بينهما مراسلاتٌ ومكاتباتٌ سياسية ودينية ونحوها. وقام الباحث بسرد بواكير صلات الإخوان بالسعودية مستشهداً برواية حسن البنّا نفسه، قال: "إنّ فضيلة الشيخ حافظ وهبة مستشار جلالة الملك ابن آل سعود حضر إلي القاهرة لانتداب بعض المدرّسين من وزارة المعارف إلي الحجاز ليقوموا بالتدريس في معاهدها الناشئة، واتصل الشيخ حافظ وهبة بجمعية الشبان المسلمين لتساعده في اختيار المدرسين، فاتصل بي السيّد محب الدين الخطيب وحدثني في هذا الشأن فوافقت مبدئياً، والتقينا وكان أهم شرطٍ وضعته أمام الشيخ حافظ ألا أعتبر موظفاً يتلقي مجرد تعليمات لتنفيذها، بل صاحب فكرة يعمل علي أن تجد مجالها الصالح في دولة ناشئة هي أمل من آمال الإسلام والمسلمين، وشعارها العمل بكتاب الله وسنة رسوله وتحري سيرة السلف الصالح"، ولفت العتيبي إلي تعثر هذا المشروع لأسبابٍ بيروقراطيةٍ.
وذكرت الدراسة بعد محاولة الاعتداء علي الملك عبدالعزيز في الحرم من قبل أحد اليمنيين، قرّر المجتمعون في المؤتمر الثالث لجماعة الإخوان المسلمين 1934 "بأن يرفع مكتب الإرشاد باسمهم التهنئة الخالصة لجلالة الملك عبدالعزيز آل سعود علي نجاته، واستنكار هذا العدوان الأثيم"، وفي العام 1936 توجّه حسن البنّا للحج أوّل مرةٍ في حياته، ويشير مؤرخ الإخوان، شبه الرسمي، محمود عبدالحليم إلي هذه الحجة فيقول: "الأستاذ المرشد قد كاشفنا بأنّ فكرة الهجرة بالدعوة إلي بلدٍ آخر من البلاد الإسلامية يكون أقرب إلي الإسلام من مصر قد سيطرت علي تفكيره وملأت نفسه، وقد اتصلت بالمحكومين والحكّام في كل بلدٍ إسلاميٍ، وخرجت من ذلك باقتناعٍ تامٍ بأنّ فكرة الهجرة بالدعوة أصبحت غير ذات موضوع وأن العدول عنها أمر واجب".
وقال الباحث : من جانبه التقي البنّا، في هذه الحجة، بالملك عبدالعزيز، ولهذا اللقاء قصةٌ يرويها عبدالحليم عن البنّا قائلاً: "اعتاد الملك عبدالعزيز آل سعود أن يدعو كل عامٍ كبار المسلمين الذين يفدون لأداء فريضة الحج إلي مؤتمرٍ بمكة المكرمة تكريما لهم وليتدارسوا أحوال المسلمين في العالم... وطبعاً لم توجّه إلينا دعوةٌ باعتبارنا من عامة الحجاج.. قال: علمت بموعد هذا المؤتمر وبمكانه الذي سينعقد فيه، فأعددت نفسي والإخوان المائة في هيئةٍ موحدة هي الجلباب الأبيض والطاقية البيضاء... وفي الموعد المحدد فوجئ علية القوم المجتمعون بمائة رجل في هذه الهيئة يخطون خطوةً واحدةً يتوسط الصف الأول منهم رجل منهم هو المرشد العام، فكان هذا حدثاً مثيراً للالتفات" وتحدّث المتحدثون ثم يضيف البنّا: "فطلبت الكلمة واعتليت المنصة وارتجلت كلمة كانت أطول كلمة ألقيت وكانت الكلمة الوحيدة التي أيقظت الحاضرين وقوبلت بالإعجاب، واهتزت لها المشاعر .. 
وما كدت أنهي كلمتي حتي أقبلت علي جميع الوفود تعانقني وتشدّ علي يدي، وتعاهدني وتطلب التعرف علي وعلي من معي وتفتح قلوبها للفكرة التي تضمّنتها كلمتي"، ولعلّه في هذه السنة 1936 كان اللقاء الشهير بين حسن البنّا والملك عبدالعزيز، والذي طلب فيه البنّا إنشاء فرعٍ لجماعة الإخوان المسلمين في السعودية، فكان جواب الملك عبدالعزيز ذكياً وديبلوماسياً حين رفض الطلب قائلاً للبنّا: "كلّنا إخوان مسلمون". ويؤكد الباحث أن "البنا" لم يستطع حينها إنشاء فرع للجماعة في المملكة، وفي رحلة البنّا للحج العام 1946 أقام الملك عبدالعزيز مأدبة غداء لبعثة الإخوان، كما أقام الإخوان حفل شاي للأمراء والحجاج البارزين في فندق بنك مصر"، وقد أشارت جريدة الإخوان المسلمين إلي مراسلاتٍ "بين الملك ابن السعود وفضيلة المرشد العام".
وتطرق الباحث الي رواية ذكرها المؤرخ عبده دسوقي تتمثل في أن الحكومة المصرية قد أعدت العدة لقتل البنا في السعودية علي أن تنسب الجريمة إلي بعض اليمنيين، وكان أمير الحج المصري حامد جودة - رئيس مجلس النواب الذي ينتمي إلي الحزب السعدي - قد قام باصطحاب بعض الأشخاص الخطرين، ولكن الحكومة السعودية استشعرت ذلك فأنزلت المرشد العام ضيفًا عليها وأحاطت مقره بحراسة شديدة وقدمت إليه سيارة خاصة بها جندي مسلح لمنع الاعتداء عليه. 
 وأشار "العتيبي" إلي إعجاب حسن البنّا بالملك عبدالعزيز يتضح ذلك من قوله فيه: "فمن كان يظن أنّ الملك عبدالعزيز آل سعود وقد نفيت أسرته وشرّد أهله وسلب ملكه يستردّ هذا الملك ببضعة وعشرين رجلاً، ثم يكون أملاً من آمال العالم الإسلامي في إعادة مجده وإحياء وحدته؟".
مضيفاً أن جوالة الإخوان استقبلت الملك عبدالعزيز في مطار القاهرة عام 1945 بالمشاعل والهتافات الإسلامية مرحّبين بمقدمه، وحين تحدد موعد زيارته للإسكندرية تجمّعت فرق جوّالة الإخوان بالإسكندرية في ملعب الأولمبي لتنظيم برنامج الاستقبال في الساعة الثامنة من صباح ذلك اليوم، بتوزيع الفرق التي ضمت 850 عضواً بالجماعة علي أماكن الاستقبال من محطة السكة الحديد إلي قصر الملك فاروق في رأس التين، وكان يوماً مشهوداً للإخوان المسلمين".
واستكمالاً لعملية البحث التي قام بها العتيبي حول العلاقة بين الإخوان والسعودية، قال في دراسته: لمّا تحمّس الإخوان لعقد مؤتمرٍ عربيٍ من أجل فلسطين، وجهت جماعة الإخوان المسلمين دعواتٍ لرجالات البلاد العربية، وحضر المؤتمر فارس الخوري من سوريا وغيره، وتوافد علي المركز العام رجال كثيرون من زعماء البلاد العربية والإسلامية ومن ذوي الرأي فيها، وكان ممن توافد الأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود والأمير أحمد بن يحيي ومعهما بعض إخوتهما، أوفدوا من قبل والديهم ملك السعودية وإمام اليمن، ليتفاهموا مع الحكومة المصرية ومع الإخوان المسلمين فيما يجب عمله لإنقاذ فلسطين". 
 وتحت عنوان " ثورة اليمن والإخوان والسعودية" أوضح العتيبي أن ثورة اليمن 1948 كانت بداية توتّر العلاقة بين السعودية والإخوان المسلمين، وكان يتردد حينها "صار للدعوة الإخوانية وجودٌ في كل بلدٍ عربيٍ"، وأنّ "الإخوان يقيمون الدول ويسقطونها"، وقد أبدي الإخوان غضبهم من الملك عبدالعزيز لوقوفه ضدّ هذه الثورة، وقد كان لهذه الثورة آثارٌ علي المستوي المصري وأخري علي المستوي العربي، فعلي المستوي المصري فإنها ألقت في روع القائمين علي الحكم في مصر، فليلقوا بثقلهم أولا لإحباطها ثم ليعدّوا العدّة للقضاء علي مدبّريها وهم الإخوان المسلمون الذين بلغوا أشدّهم حتي أنّهم يقيمون الدول ويسقطونها. 
فوجد فاروق في مصر تجاوباً لأحاسيسه عند عبدالعزيز آل سعود في السعودية وقد قرّبت ما بينهما وأنستهما الخلافات التي كانت بينهما"، ويذكر العتيبي أن هذا الموقف جعل السعودية حذرةً في تعاملها مع حسن البنّا، وان جريدة الإخوان المسلمين، تطرقت في بعض أعدادها، لمشكلة اليمن.
** السعودية والإخوان بعد البنّا
وكشف العتيبي في دراسته أنه لقد تعاقب علي منصب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين ثمانية من الإخوان هم: حسن البنا، وحسن الهضيبي، وعمر التلمساني، ومحمد حامد أبو النصر، ومصطفي مشهور: المرشد الخامس للجماعة، ومأمون الهضيبي المرشد السادس للجماعة، ومحمد مهدي عاكف، والمرشد الثامن والحالي الدكتور محمد بديع: المرشد العام الثامن للجماعة،ويؤكد الباحث أن الإخوان المسلمون في عهد حسن الهضيبي مرت بأسوأ لحظات تاريخهم فقد ناصبوا ثورة الضباط الأحرار العداء ولم تدّخر الثورة جهداً في ردّ العداء بعداءٍ أشرس وأقسي، فكان حلّ الجماعة الثاني ثم الاعتقالات في 1954 وفي 1964 وقبلها وبعدها.
وقد أودع الإخوان السجون وتعرضوا للاعتقال والتعذيب والتنكيل، وأعدم بعض رموزهم، وهرب من استطاع النجاة منهم إلي الخارج، وخصوصاً إلي السعودية ودول الخليج. واستشهد "العتيبي" برواية علي عشماوي آخر قادة التنظيم الخاص: "لقد حضر الملك سعود للوساطة بين الإخوان والحكومة بعد الحلّ الأوّل، وفعلاً جامله أعضاء الثورة وفتحوا صفحة جديدةً مع الإخوان".
وأوضحت الدراسة أن الهضيبي قام بزيارة للسعودية في صيف عام 1954 بناء علي دعوةٍ من الملك السابق سعود بن عبدالعزيز، مما جعل العلاقة بينهما تزداد قوة بين الطرفين، وكانت السعودية قد بنت خلال سنواتٍ طوالٍ علاقةً قويةً مع الإخوان المسلمين كأفرادٍ وليس كتنظيمٍ، فاستقدمت الآلاف من قياداتهم وأفرادهم، ولم تكتف بإيوائهم بل سعت لتوفير الحياة الكريمة لهم ودعمتهم بشتي أنواع الدعم، فتولّوا مناصب حسّاسةٍ وحصل عددٌ منهم علي الجنسية السعودية وبعضهم حظي بالجواز الدبلوماسي. و أكد "العتيبي" أن الجماعة استطاعت أن تشكل 3 لجان تابعة لها داخل السعودية في الرياض والدمام وجدة، وبعد وفاة عبدالناصر والإفراج عن حسن الهضيبي والإخوان المسلمين 1971 "انتهز الهضيبي فرصة الحجّ سنة 1973 فعقد أوّل اجتماعٍ موسّعٍ للإخوان في مكة المكرّمة وكان هذا الاجتماع هو الأوّل من نوعه منذ محنة 1954، ونظراً لأن معظم الإخوان في الخارج قد هاجروا إلي منطقة الخليج والجزيرة العربية أو البلاد الأوروبية والأمريكية فقد تركّز عمل لجنة العضوية في تلك المناطق: فتشكّلت لجنة الكويت، ولجنة قطر، ولجنة الإمارات، وقد سهّل علي الهضيبي هذه المهمة انتشار الإخوان في السعودية والخليج وتنظيماتهم المحكمة هناك. 
 وأشار "العتيبي" إلي ملاحظة في منتهي الأهمية في دراسته تكمن في أمر تشكيل مجلس الشوري العام ألا وهي "أنّ أقطار الخليج والجزيرة ممثلة أيضاً بثقلٍ يفوق أهميتها بكثير فحاجة التنظيم الدولي للإخوان للمال يتمّ تلبيته من خلال ذلك.. فمندوبو السعودية وقطر والإمارات والبحرين والكويت وعددهم سبعةٌ يتمّ دائماً توظيفهم في عملية جباية الأموال للتنظيم الدولي للإخوان". وقال العتيبي إنه مع كل الدعم السعودي للإخوان واستقبال زعمائهم وكوادرهم في أحلك لحظات تاريخهم إلا أن التلمساني يزعم قائلاً: " قد علم العالم كلّه أن المرحوم الملك عبدالعزيز بن سعود عندما لمس قوة الإخوان وسريان دعوتهم في قلوب المسلمين قاطبة عندما أحس بهذا الخطر الزاحف علي الملكية المتسلطة المستغلة حذر الملك فاروق من خطورة دعوة حسن البنا وانتهي هذا التحذير بعد ذلك باغتيال الإمام الشهيد حسن البنّا وإقامة الملك فاروق للأفراح في قصوره عندما انتهي إليه نبأ الاغتيال"، وفي عهد التلمساني وفي العام 1977 "بدأت وفود الجماعة تتحرك للخارج لتصل ما انقطع، وبعد التلمساني جاء محمد حامد أبو النصر، وبعده مصطفي مشهور، ثم جاء مأمون الهضيبي، والأخير وصل للسعودية بغرض الحج ثم التحق بالعمل في قسم الحقوق العامة وقسم الحقوق الخاصة بوزارة الداخلية السعودية، ثم ذهب لمصر وعاد ثانيةً لعمله في السعودية، وبقي فيها حتي "زار الأستاذ عمر التلمساني مرشد الإخوان في ذلك الوقت السعودية للحج في منتصف الثمانينات وطلب منه النزول إلي القاهرة. 
 وأجاب الباحث في معرض دراسته عن سؤال غاية في الأهمية وهو لماذا كانت السعودية تستقطب الإخوان؟
 موضحا ذلك بأن السعودية كانت لديها أسبابها الواقعية في تلك المرحلة لاستقطاب الإخوان المسلمين من شتي البقاع، بهدف مواصلة المملكة لسياسة الملك عبدالعزيز في استقطاب النابهين من العالم العربي في شتي المجالات، وكذلك سعي المملكة لمواجهة المدّ الناصري الثوري خصوصاً أنّ عبدالناصر ناصب الملكيات العربية العداء، وسعي إلي الإطاحة بعروشها ونجح مسعاه في ليبيا واليمن، فتبنّت السعودية دعم التضامن الإسلامي في وجه المدّ الناصري. 
وكان أقوي خصوم عبدالناصر في الداخل حينها هم الإخوان، فكان استقطاب الإخوان علي مبدأ عدوّ عدوّي صديقي، بالإضافة الي رغبة المملكة في تطوير الخطاب الديني المحلي، وكان الإخوان المسلمون يقدّمون حلولاً إسلاميةً وبحوثاً شرعيةً معمّقةً لتمرير مشاريع الدولة التي أعاقها الخطاب التقليدي، ويكمل العتيبي ما واجهته السعودية من تحديات داخلية تمثّلت في حركة أحد المتشددين الذي قام بضرب التلفزيون السعودي مع معاونيه والتي أشارت إلي تنامي خطاب التطرف داخل الخطاب التقليدي، وكان هذا الحادث اختراقاً لسلطة الملك وسيادة الدولة. وكذلك قيام تنظيمات حزبيةٍ ثورية منها القومي ومنها البعثي ومنها الشيوعي، تبنّت معارضة النظام بصراحةٍ ووضوحٍ، وانتشر بعضها بين العمّال وبين طلبة الجامعات، وكان أفضل من يقوم بمواجهتهم حينذاك هي جماعة الإخوان المسلمين، نظراً لخبرتها بأطروحاتهم ومقدرتها علي مقارعة حججهم بحججٍ دينية، وهي تجربة لم تنفرد بها السعودية بل استخدمتها أغلب الدول العربية في مواجهة المدّ اليساري، وسعي المملكة المشروع لإثبات نفسها كدولةٍ قائدةٍ ورائدةٍ، وكذلك تثبيت مكانتها وثقلها السياسي في العالمين العربي والإسلامي وفي العالم أجمع. وفي المقابل تحدث العتيبي في دراسته عن أهداف الإخوان في السعودية التي قال عنها: كانت للإخوان أهدافٌ واضحةٌ في المهاجر التي لجأوا إليها وعلي رأسها السعودية، أهمها نشر دعوة الإخوان المسلمين فكراً وتنظيماً، من خلال السيطرة علي كل من العملية التربوية، والجمعيات الخيرية، والمؤسسات ذات الطابع الشمولي، كالمؤسسات الإسلامية الكبري ذات الأدوار السياسية، والتغلغل في كل أعصاب المجتمع بشتي السبل. ولم يتجاهل الباحث مسألة التأثير السلفي علي الإخوان، فقد قال: عندما جاء الإخوان المسلمون للسعودية بخطابٍ دينيٍ مختلفٍ عن الخطاب السلفي السائد، واجهوا معارضةً لأطروحاتهم، وعانوا من عدم التقبّل الشعبي لها، وقد وجدوا حلّهم الخاص لهذه المشكلة، وكذلك أثّر الإخوان علي السعودية في مناحٍ شتّي تقدّم بعضها، وكان تأثيرهم إيجابياً حيناً وسلبياً أحياناً، وأشار الباحث إلي التأثير السلفي علي الإخوان الوافدين، من خلال تأثر الإخوان وحسب روايات بعضهم، بأنهم تأثروا بالشيخ ابن باز، واتجهوا لدراسة العقائد علي منهج السلف . 
 وطرح العتيبي تساؤلاً في بحثه خاص بـ"هل أنشأ الإخوان تنظيماً سعودياً؟" قائلاً: إن من طبيعة الحركات الأيديولوجية المنظّمة أنّها لا تنفكّ عن أيديولوجيتها وأن سعيها علي الدوام للتبشير برسالتها لا يتمّ إلا عبر رصّ صفوفها وإحكام تنظيمها في كل رقعةٍ تصل إليها. وذهب الباحث إلي سيرة البنا واستشهد بما قاله حول هذا الأمر والذي قال فيه الأخير: "دعوتنا في الأقطار الشقيقة،والإخوان المسلمون لا يختصّون بهذه الدعوة قطراً من الأقطار الإسلامية". 
 كما ذكر الباحث في دراسته ما توصل إليه سعد الدين إبراهيم الذي قال: "حينما ضُربت حركة الإخوان المسلمين بواسطة الرئيس المصري جمال عبدالناصر في الخمسينات وفي الستينات، فرّ عددٌ كبيرٌ من الإخوان إلي المملكة العربية السعودية، المعقل الحصين للوهابية، حيث أحسنت وفادتهم وحمايتهم. كما أنّ عدداً كبيراً منهم شاركوا في بناء الدولة السعودية الثالثة، واستفادوا بقدر ما أفادوا أدبياً ومادياً، وهناك من أشار إلي صلةٍ بين الوجود القوي للإخوان المسلمين في الجامعات السعودية وظهور قادةٍ جددٍ للإخوان، وهو "أنّ القدرة التعبوية للجماعات الإخوانية في الجامعات السعودية، وتحديداً جامعة الملك سعود، وجامعة الملك فهد (البترول والمعادن سابقاً) وفي بريطانيا قد ساهمت مساهمة ملحوظةً، في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، في إطلاق قادةٍ جددٍ للحركة". 
وينقل العتيبي عن أحد المنظمّين السابقين لحركة الإخوان المسلمين قسم البحرين قوله: "لقد تمّ تنظيمي عن طريق خلايا الحركة التي كانت منتشرةً في حقبة السبعينات في الجامعات السعودية، لقد كنّا نخضع فيها لاختبار في قدرات التحمّل.. كأن يطلب منّا الخروج في ليالي الرياض الباردة بملابس داخليةٍ .. إلا أننا كثيراً ما ندخل دورات فكرية مختلطة الجنسيات من عرب الشام ومصر من المقيمين في المملكة العربية السعودية، أو من أساتذة جامعاتها المحسوبين علي حركة الإخوان المسلمين من العرب الوافدين وقلةٍ قليلةٍ من السعوديين"، إلا أنّ دور تنظيمات الإخوان المسلمين في الخليج في تنظيم الإخوان الأم، ظل يشبه دور البقرة الحلوب، يلعب دور المموّل بالمال فحسب - وفقاً لما أورده الباحث في دراسته - فالبرغم من "تدنّي موقعها مقارنةً بالجماعات العربية الأخري كالمصرية والسورية والأردنية التي ما زالت تحتكر المواقع القيادية في التنظيم وتمارس فوقية معرفية وأيديولوجية في تعاملها مع فروعها الخليجية التي منذ تأسيسها في الأربعينات حتي الآن، لم تبارح دور المموّل و(البقرة الحلوب) للتنظيمات الإسلامية العربية الأخري في مصر وبلاد الشام والمغرب والجزائر". 
 وعن التنظيم الدولي واستخدامه الأراضي السعودية استند الباحث لعدة شهادات من داخل الجماعة في مقدمتها شهادة الشيخ يوسف القرضاوي التي قال فيها: "التنظيم الدولي للإخوان المسلمين كان يعقد اجتماعاتٍ في مكة المكرمة والمدينة المنوّرة أثناء مواسم العمرة والحج". واختتم العتيبي دراسته بالحديث عن نكران الإخوان الجميل للسعودية والإخوان، فقد آوت المملكة الإخوان المسلمين في أقسي الظروف، التي تعرضّوا لها، ولم تكتف بهذا بل منحتهم الفرصة في الحصول علي الحياة الكريمة عبر الوظائف والمناصب التي أتاحتها لهم، وتري السعودية أنهم أنكروا الجميل وعضّوا اليد التي مدّت لهم، ومن هذا تصريحٌ شديد الأهمية للأمير الراحل نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية السعودي وقتها قال فيه: "جماعة الإخوان المسلمين أصل البلاء. 
كل مشاكلنا وإفرازاتنا جاءت من جماعة الإخوان المسلمين، فهم الذين خلقوا هذه التيارات وأشاعوا هذه الأفكار" ويضيف بمرارةٍ "عندما اضطهد الإخوان وعلّقت لهم المشانق لجأوا إلي السعودية فتحمّلتهم، وحفظت محارمهم وجعلتهم آمنين" ويضيف "أحد الإخوان البارزين أقام 40 سنة عندنا، وتجنّس بالجنسية السعودية، وعندما سئل عن مثله الأعلي قال حسن البنّا"! ويكمل الأمير نايف تعليقا علي الغزو العراقي للكويت: "جاءنا عبدالرحمن خليفة والغنوشي والزنداني فسألناهم هل تقبلون بغزو دولة لدولة واقتلاع شعبها؟ 
فقالوا نحن أتينا للاستماع وأخذ الآراء" وبعد وصول الوفد الإسلامي إلي العراق فاجأنا ببيانٍ يؤيد الغزو"! وأكد الباحث أيضا انه إن كان مستغرباً أن يقوم الإخوان بمثل هذه المواقف ضدّ السعودية فإن علي عشماوي يعتبرها سلوكاً إخوانياً فهو يقول: "فهم -أي الإخوان- يجيدون إيذاء كل من وقف معهم فترةً من الزمن، إذا حدث واختلف معهم مرةً، فقد ساعدتهم السعودية وقطر والكويت والكثير من الدول العربية، فما كان منهم إلا أن أساءوا إليهم وطعنوهم وانقلبوا عليهم.. فعلوا كذلك مع الدول التي آوتهم وأحسنت وفادتهم.. 
وكما قلنا كان مدرسو الإخوان في جميع هذه البلدان يجنّدون الشباب ويشحنونهم ضدّ حكّامهم وبلدانهم حتي ينقلبوا عليهم وكلما وجدوا فرصةً للانقضاض انتهزوها". ويضيف عشماوي: "لقد راقبوا جميع حكّام الدول العربية التي عملوا بها وفتحت لهم أبوابها، كما جمعوا عنهم معلومات؟! وكم استعملوا تلك المعلومات ضدّهم أحياناً أو للسيطرة والحصول علي مزايا ومواقع في تلك الدول؟! .. لقد تعاونوا مع جميع الحكّام ما داموا يحصلون علي ما يريدون، ثم ما يلبثون أن ينقلبوا عليهم حين تختلف المصالح"..


؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛



ليست هناك تعليقات: