السبت، 9 يونيو 2012

المشاهد الثلاثة التي تجسد حالة مصر السياسية



المَشْهَدُ السِّيَاسِي فِي مِصْرَ


مصر باختصار يمكن اختزالها في ثلاثة مشاهد قصيرة ، تشكل ثلاثية أبعد ما تكون عن ثلاثية نجيب محفوظ لما يعتري المجتمع المصري الآن من إحداثيات لا تسير بخطى ثابتة بل هي أشبه بقفزات الكينجارو السريعة والتي لا يستطيع متكهن أو عراف التنبؤ بمكان القفزة المقبلة . لاسيما وأن الطريق وعر وغير ممهد . والمشاهد الثلاث أبطالها معروفون للقاصي والداني ، المجلس العسكري ، والإسلاميون أو أنصار الإسلام السياسي حتى ننتفي صفة الدين عن هؤلاء ، والليبراليون ومن في حوذتهم من ثوار وبقايا الفلول الشرفاء وملايين المنتمين لحزب الكنبة الصامتون سابقاً .
"* فمشهد المجلس العسكري
تفي باختصار عن تصريحات إعلامية بجدية تسليم السلطة لحكومة ونظام مدني طبيعي وذلك بعد الانتهاء من وضع دستور جديد للبلاد رغم أن هناك دولاً أكثر مدنية لا تعمل بالدستور ولكن في حالتنا المصرية الحصرية غدا الدستور أهم من لقمة العيش وأنبوبة البوتجاز وتعيين العاطلين رواد المقاهي ومنتديات الإنترنت . وفي الوقت نفسه يرى المجلس العسكري أنه يحمل مسئولية وطنية وقومية وهي الحفاظ على مقدرات هذه الأمة وإدارة شئون البلاد والعباد حتى الوصول بهما إلى بر الأمان .
والمجلس العسكري يرى في بقائه بسدة الحكم حتى تشكيل الدستور ضرورة وأمانة ، رغم أنه يفطن ويعلم أن مصر بطبيعتها الرافضة قد لا تعينها فكرة وجود دستور ، ولولا الثورة وهوس الفضائيات التي تناولت موضوع الدستور وصياغته ولجنته وأعضائه لما انتبه الشعب المصري أساساً إليه ، لاسيما وأنه من المنطقي جداً أن يتم تعطيل العمل بهذا الدستور الوليد بقرار رئاسي أو بفعل حرب تخوضها البلاد أو إعلان حالة الطوارئ من جديد لأي سبب .
واضحة أن مصر متعطشة لمشروعات وبنى تحتية جديدة ومرافق بدلاً من التي تقوضت بفعل ما يحدث في برها الآن ، ومجرد اكتفاء المجلس العسكري بالجدل السياسي والقانوني والدستوري لم يعد كفيلاً بإقناع هذا الشعب الذي لم يعد يكترث بالمشهد السياسي قدر اكتراثه بحياته واقتصاده وأمنه ، وليس من الضروري أن نعلق مستقبلنا بوجود رئيس أو حكومة منتخبة أو برلمان فقد كافة صلاحياته الرقابية والتشريعية حتى غاب عن المشهد السياسي تقريباً ، هذا باختصار ما يريده المواطن من قصة المجلس العسكري فهو قد مارس حريته بالفعل من خلال الثورات والاعتصامات والإضرابات والعصيان المدني ، والديموقراطية أصبحت مشهداً ملموساً في حياته ، وكل ما يتبقى لديه من مطامح الحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية و عودة الأمن والاستقرار لحياته . ولابد أن يعي المجلس العسكري تماماً وغيره من القوى المدنية الأخرى أن مصر الآن باتت غير مؤهلة لسماع أو تقبل أية رؤى أيديولوجية نظرية تبعده بمسافات واسعة عن واقعه المعاش .
المشهد الثاني
فيمثله قصة التيارات الدينية التي صعدت نحو المشهد السياسي واعتلته بقوة جنونية وبدأت تهوي بنفس السرعة لأسباب متباينة منها ما هو خارج عن إرادة أحزاب وفصائل الإسلام السياسي ومنها ما هو من داخلها بفضل تصريحات أو شعارات أو تصرفات اصطدمت برأي الشارع المصري . فتلك التيارات لابد وأن تعترف بأنها خسرت معركة الظهور والتواجد الشرعي بين المصريين منذ الجلسة الإجرائية الافتتاحية لبرلمان الوطن ، وباتت تخسر كل يوم وليلة شبراً جديداً لها على أرض المحروسة لأنها باختصار ظهرت بمظهر المغالب للسلطة والمقتنص للفرص المواتية التي تأتي بها ريح المشهد السياسي .
ووضح الأمر أن تلك الفصائل السياسية ذات الصبغة الدينية تفتقد إلى منهج واضح وخطة براجماتية للنهوض بهذا الوطن ، فالقصة مكرورة وأصبحت مملة لإعادة صياغتها بعبارات جديدة ، التواجد على استحياء ثم الدخول في تفاصيل هامشية واعتلاء السلطة والمنصب ومن ثم تحقيق مطامع ومطامح تخص الفصيل بعينه دون الاهتمام بالشأن العام .
وكادت البيانات والخطب التي تصدر عن هذه الفصائل لا تخرج عن قضايا فقهية حسمها الشرع منذ قرون ، وهم لا يزالوا يفكرون بمنطق الفاتح لبلد تعيش وثنية متأخرة ، ولم يعد يكفيهم ما يرونه على أرض مصر من مظاهر دينية كفيلة بحسم قضاياهم المزعومة سوى أنهم يؤكدون كل عشية بأنهم يحملون خيراً لمصر ، ويبدو إما أن هذا الخير ثقيل جداً لدرجة عدم حمله ، أو أننا من وجهة نظرهم لا نستحق هذا الخير .
وخير دليل على رتابة هذا المشهد أن المجتمع المصري أصبح أكثر وعياً في إعلان رفضه لتلك التيارات التي لم تصاحبها خططاً مستقبلية سواء تجسد هذا الرفض في أحذية مرفوعة أو هجوم مباشر باللفظ والكتابة والنقد لتلك الفصائل التي استمرأت حق الرأي والحل والعقد .
وأخيراً المشهد الثالث الذي لم تكتب له نهاية بعد ، وهي قصة الليبراليين والجيوب السياسية والمجتمعية الخارجة منها ، وأولئك اكتشفوا فجأة أن لهم دوراً بجانب المجلس العسكري والتيارات الدينية يمكنهم المشاركة فيه . وإن كان دورهم بعض الشئ لا تعدى الإشارات النقدية للقصيتين السابقتين ، مع وضع بعض الديكورات اللفظية حول دورها المفترض كالحراك السياسي ، وفرضية الدستور ، ومدنية السلطة ، والفصل بين السلطات وغير ذلك من المواضعات السياسية التي مكانها المعاجم المتخصصة والتي لا تعد الشعب بشئ يذكر .
وهؤلاء ارتفعت أصواتهم داخل قصتهم بعد حالة الخفقان التي انتبات القوى والفصائل السياسية الدينية ، ولولا هذه الحالة ما وجدنا لهذه القصة صدى بالمشهد السياسي ، وعليهم أن ينتبهوا جيداً للأحداث قصة التيارات الدينية وما آلت إليها من انتفاء للحبكة القصصية ولغياب دور الشخصيات الرئيسة بها ، ومن ثم تفادي هذا القصور عن طريق الوجود الفعلي في الأحداث السياسية مع وضع خطة عاجلة للبلاد للخروج من أزماتها التشريعية والرقابية والدستورية ، لأن هذه الأزمات انعكست بصورة مباشرة على حالة المواطنين اليومية .
ونحن بصدد الحديث عن المشاهد الثلاثة التي تجسد حالة مصر السياسية لا ينبغي علينا أن نتغافل عن القارئ بوصفه العنصر الأساسي والرئيس للحكم على مدى جودة أو ضعف هذه المشاهد ، هذا القارئ هو المواطن الذي لم يعد مواطناً عادياً أو بسيطاً ، فهو الذي سمح للمجلس العسكري أن يدير شئونه منذ سنة ، وهو الذي دفع بالتيارات الدينية نحو اعتلاء سدة السلطة التشريعية ، وهو الذي يقيم مليونات تعبر عن رفضه لأمور تعكر صفو حياته ، فاحذره.....


ليست هناك تعليقات: