الجمعة، 29 يونيو 2012

بجاتو: فى شهادته للتاريخ


حــذَّرت من حل البرلمــان منذ عـــام.. 
ولم يستجب أحد


فى شهادته للتاريخ عن اللقاءات التى حضرها بين المجلس العسكرى والقوى السياسية الصيف الماضى لإعداد التشريعات الخاصة بالانتخابات البرلمانية، وكيف أنه وزميله المستشار د.محمد عماد النجار انسحبا اعتراضا على عدم الالتفات لملاحظاتهما، وإصرار القوى السياسية على إجراء الانتخابات بأغلبية المقاعد أو كلها بالقائمة الحزبية. ويفجر بجاتو مفاجأة بأن المجلس العسكرى كان ينوى فعلا إجراء الانتخابات التشريعية فى يونيو 2011، لولا الجدل الذى دخلته القوى السياسية حول مسألة «الدستور أولا» ويشرح لماذا رأت لجنة المستشار طارق البشرى، التى كان عضوا فيها، ضرورة انتخاب البرلمان قبل وضع الدستور. كما يقص بجاتو تفاصيل قصة غير معروفة عن مطالبة وزير العدل الأسبق ممدوح مرعى للرئيس السابق حسنى مبارك بمحاسبة من نهبوا أراضى الدولة فى آخر 10 سنوات فى خطاب رسمى قبل اندلاع ثورة يناير بيومين.. 
 ● ما رؤيتك للحكمين الأخيرين الصادرين من المحكمة الدستورية بشأن قانون العزل وحل البرلمان؟ 
 ــ حكمان صحيحان ولهما حجية قضائية ملزمة، الأول أكد صحة وجهة نظر اللجنة فى أنها هيئة قضائية وفى أن هذا القانون نموذج للانحراف التشريعى، وهى المرة الأولى التى تصف فيها المحكمة قانونا بأنه معيب بالانحراف التشريعى، وفى رأيى فإن هذا القانون الملغى كارثة قانونية لأنك طالما ارتضيت بالشرعية الدستورية يتعين عليك الامتثال لها، وأريد هنا أن أوجه سؤالا لمن أرادوا حرمان رموز النظام السابق: لماذا لم تستغلوا قانون إفساد الحياة السياسية الذى صدر بالفعل أواخر العام الماضى، ولم يتكلم عنه ولم يتقدم أحد بشكوى ضد أى من رموز النظام السابق بموجبه؟ أما حكم حل البرلمان فقد كان متوقعا لأن التقسيمة من الأساس بها شبهة عدم دستورية، ومزاحمة الحزبيين للمستقلين غير سليمة، وبالمناسبة فإنه لا مجال للحديث عن انفصال المنطوق عن الحيثيات، لأن كليهما ملزم للجميع. 
 ● ما رأيك فى رد فعل القوى السياسية على الحكمين؟ 
 ــ الاتهام والتشكيك فى الأحكام القضائية يفتح أبواب جهنم على مصر، لأن أساس استقرار أى دولة هو إحساس المواطن بأنه يحصل على حقوقه بالقانون، وإذا نزعت منه هذا الإحساس فسوف يقتص بيده لتتحول البلد إلى غابة، أو يغور صدره على النظام والمجتمع فيتحول البلد إلى فوضى. وأشير هنا إلى أن هجوم الإخوان المسلمين على الحكمين غير مبرر إطلاقا، لأن نفس المحاكم التى تقضى ضدهم فى بعض الدعاوى سبق وأن أنصفتهم ضد النظام السابق، فهل من المنطقى إذن أن أهاجم القضاء الإدارى مثلا عندما يبطل الجمعية التأسيسية، وأمتدحه عندما يحكم لصالحى! وللعلم، فأنا من المؤمنين بمرجعية الشريعة الإسلامية، ومتعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين بسبب ما لاقته فى جميع العهود السابقة من عنت وإقصاء منذ بداية اشتغالها بالعمل السياسى، ومتفهم تماما للشكوك التى تساورهم من الأنظمة المختلفة، لكنى لا أقبل أن يكون هذا على حساب اللجنة العليا أو المحكمة الدستورية، لأننا لم نشارك فى إقصائهم. 
 ● هل تربطك علاقة جيدة بالإخوان؟ 
 ــ نعم.. بكثير من قياداتهم منذ كنت مستشارا لوزير العدل المستشار الجليل ممدوح مرعى، حيث كنت ألتقيهم فى البرلمان. 
 ● وصفت ممدوح مرعى بـ«المستشار الجليل» فما صحة ما يتردد من شائعات وأقاويل عن الرجل بحكم معرفتك اللصيقة به؟ 
 ــ هو شخصية رائعة، وصلبة، وطاهر اليد، وأعتبر انه ظلم من الجميع.. لا أحد يعرف أن مرعى يوم 23 يناير 2011 كتب إلى الرئيس السابق مبارك يطالبه بمحاسبة من نهبوا أراضى مصر.. وتفاصيل الحكاية أن مشروع قانون عرض على مرعى، أعدته وزارة الإسكان لإنشاء هيئة لاستخدام أراضى الدولة، وبعد أن نقد القانون تشريعيا، كتب بخط يده «فخامة الرئيس.. أنا غير موافق على مشروع القانون برمته.. ويجب علينا أن نبحث كيف نهبت أراضى مصر فى آخر 10 سنوات قبل أن نجد أنفسنا أمام لا شىء نديره». مرعى كانت له وجهة نظر معينة هى عدم اشتغال القضاة بالشأن العام، ورغم الهجوم المستمر عليه إلا أنه طور القضاء والمحاكم وحارب الفساد والمرتشين، ولم يكن يبتغى إلا وجه الله.. ووقف هو والمشير طنطاوى ضد بيع أراضى سيناء للأجانب وعطل هذا المشروع فى عهد أحمد نظيف، ولم يعتد برأيه عندما طلب بعض الوزراء، المتهمين الآن فى قضايا أخرى، الاستيلاء على أراضى الدولة لإنشاء مجمعات تجارية. 
 ● بالعودة لموضوع حل مجلس الشعب.. البعض يقول إنك كنت حاضرا أثناء وضع القانون المقضى ببطلانه.. نريد اليوم شهادة للتاريخ عن الجلسات التى حضرتها أثناء وضع هذه التشريعات مع المجلس العسكرى ومجلس الوزراء والقوى السياسية؟ 
 ــ بداية أؤكد أن هذا البرلمان هو أنزه مجلس تشريعى انتخب فى تاريخ مصر، أما عن شهادتى فتبدأ من عضويتى فى لجنة التعديلات الدستورية برئاسة المستشار الفقيه طارق البشرى، الذى سيكتب فى تاريخى أننى عملت معه.. فبعد وضع التعديلات اجتمعنا لوضع 5 مشاريع قوانين منظمة للانتخابات ومباشرة الحقوق السياسية وهى القوانين المكملة للدستور، واعتذر اثنان من أعضاء اللجنة عن المشاركة لعضويتهما فى المحكمة الدستورية، واحتمال أن تعرض عليهما هذه القوانين فيما بعد، هما المستشاران ماهر سامى وحسن البدراوى، وهذه أيضا معلومة لم تنشر من قبل. كان «طارق بك» يرى أن الأفضل هو إجراء الانتخابات التشريعية بالكامل بالنظام الفردى، وكانت لى وجهة نظر مخالفة هى تخصيص الثلث للقوائم والثلثين للفردى، إلا أننى اقتنعت بوجهة نظر «طارق بك» وعملنا على هذا الأساس، وأرسلنا القوانين للمجلس العسكرى، الذى أحالها بدوره إلى مجلس الوزراء ووزارة العدل. 
وفى هذه الفترة سافرت للخارج فى رحلة عمل إلى سويسرا، وبعد انتهائها، سافرت إلى ألمانيا على حسابى الخاص للاطلاع على النظام الانتخابى هناك، باعتبارها أصل النظام الانتخابى المختلط فى العالم، وزرت معهد ماكس بلانك فى هايدلبرج، وقضيت أسبوعا أبحث وأدرس. بعدها عدت إلى القاهرة والتقيت خبراء يابانيين علمت منهم أن النظام الانتخابى هناك مختلط بنسبة 37.5% قوائم والباقى فردى، وتوسعت فى الدراسة بغرض المعرفة الشخصية، إلا أننى فوجئت بالحديث يتكاثر فى الشارع السياسى عن إهمال مشروعنا وإلغائه، وبدأ الكلام والإلحاح على المجلس العسكرى لتخصيص أكثر من نصف مقاعد البرلمان للقوائم، أو قوائم بنسبة 100%. 
 وتمت دعوتى أنا وزميلى المستشار د.محمد عماد النجار، رئيس هيئة المفوضين بالدستورية، إلى اجتماع مع مجلس الوزراء والقوى السياسية لمناقشة مطالبها ومدى إمكانية تحقيقها فى القانون، لكننا عارضنا هذه الأمور لأننا نعرف أنها محكوم عليها بالبطلان سلفا، وستؤدى لحل البرلمان، واقترحنا إجراء الانتخابات مناصفة بين الفردى المستقل والقوائم الحزبية. ودعينا لاجتماع آخر مع القوى السياسية والمجلس العسكرى فى أحد الفنادق التابعة للقوات المسلحة امتد من 11 صباحا إلى 6 مساء.. وأصررنا على رأينا.. فهاجمنا الجميع واتهمونا بأننا لا نفقه شيئا فى القانون الدستورى.. وبأننا فلول.. وكانت كل القوى حاضرة وعلى رأسها الإخوان والسلفيون والوفد والتجمع والمصرى الديمقراطى. اتهمتنا القوى السياسية بعرقلة القانون، ورفضوا العتبة الانتخابية التى اقترحناها بنسبة 2.5% رغم أنها الأقل فى العالم، فقررت أنا والنجار الانسحاب من وضع القانون واعترضنا على ما أرادته القوى أخيرا بتخصيص الثلثين للقوائم والثلث للفردى. وأذكر هنا أن أحد النشطاء المعروفين بـ«شباب الثورة» استهزأ بكلامى فى الاجتماع عندما عارضت إجراء الانتخابات بالكامل بالقائمة، وقال «يبقى كده قانون الانتخابات البلجيكى غير دستورى!» ظنا منه بأن «دستورية القوانين» عامة مطلقة على جميع الدول وليست نسبية وفق دستور كل دولة. 
 ● من تحمل خطأ إصدار هذه القوانين إذن؟ 
 ــ القوى السياسية أولا، والمجلس العسكرى ثانيا لأنه استجاب للأحزاب فى طلباتها، وأعتقد أنه وقتها كان يريد أن يصنع توافقا سياسيا، وبالتالى أهمل الجميع نصيحتنا المحايدة، وأؤكد اليوم أنه لا يجوز أن تدفع المحكمة الدستورية وقضاتها من أخطاء القوى السياسية. 
 ● كنت عضوا فى لجنة البشرى ووضعتم خريطة انتقالية قانونية وافق عليها الشعب فى استفتاء 19 مارس.. هل تراها نجحت؟ 
 ــ لم تفشل ولكنها لم تنجح، وأؤكد هنا أن فشلها لم يكن بسببها.. بل بسبب تأجيل الانتخابات التشريعية 5 أشهر كاملة وتأخير تنفيذ الخطة.. وأشهد للتاريخ أيضا أن المجلس العسكرى كان ينوى إجراء الانتخابات التشريعية فى يونيو 2011، والدليل على ذلك أن التعديل القديم لقانون مباشرة الحقوق السياسية فى أبريل 2011 كان ينص على أن «يدير اللجنة العليا للانتخابات الرئيس القادم لمحكمة استئناف القاهرة» وهو نص مؤقت غير مسبوق فى تاريخ التشريعات المصرية، كان يهدف لأن يرأس اللجنة المستشار عبدالمعز إبراهيم فى ظل وجود المستشار السيد عبدالعزيز عمر رئيسا للمحكمة حتى سبتمبر 2011، رغبة من المجلس العسكرى فى محو آثار انتخابات مجلس الشعب 2010 التى رأس لجنتها السيد عبدالعزيز. 
 ● كيف حسمتم فى لجنة التعديلات الدستورية مسألة «الدستور أم البرلمان أم الرئيس أولا»؟ ـ
ـ كان الاتفاق بيننا أن تكون البداية وضع الدستور، لكن السؤال كان «بأية صيغة وبأية تشكيل وبأى جمعية تأسيسية يوضع الدستور الجديد».. ووجدنا أن هناك طريقتين: الأولى تحكمية بأن يضع المجلس العسكرى التشكيل بنفسه.. والثانية ديمقراطية بأن ينتخب أعضاء الجمعية التأسيسية. طبعا كلنا اخترنا الطريقة الثانية، وظهر أن تنفيذها ممكن بطريقتين.. إما بالانتخاب المباشر عن طريق إعداد قوائم فئوية يختار منها الناخبون أو يضع المجلس العسكرى قائمة كبيرة موسعة يختار منها الناخبون، ووجدنا أن كلتا الطريقتين صعبتان وستؤديان لتقسيم فئوى للدولة، فاخترنا أن يكون الانتخاب بطريقة غير مباشرة، حيث ينتخب المصريون مجلسهم النيابى، ويختار هو بالنيابة عنهم الجمعية التأسيسية، وكان فى ذهننا وقتها.. ــ وهذه شهادة أخرى للتاريخ ــ أن يكون الاختيار من داخل البرلمان أو خارجه سواء بسواء، وهذا ظاهر فى محاضر عملنا. 
 ● تقصد أن حكم القضاء الإدارى ببطلان الجمعية خالف وجهة نظر اللجنة؟ 
 ــ نعم، ولكنى مؤمن بأن كلمة القضاء هى الأعلى، وأنه لا يعتد بآراء واضعى النصوص، لأن النص ينفصل تماما عن واضعه بمجرد نشره. 
 ● منذ عامين ثارت مشكلة تعيين المرأة فى مجلس الدولة وكتبت أنت تقرير هيئة مفوضى الدستورية فى القضية.. فما تفاصيله؟ 
 ــ للمرأة الحق فى التعيين فى سلك القضاء مثل الرجل تماما، وهو أمر لا يحتاج وصايتى أو وصاية أى سلطة، بشرط ألا تنال معاملة تفضيلية على حساب الرجل، وهذا حقها الدستورى وحق الرجل الدستورى أيضا، فأنا مؤيد لإتاحة الفرصة للمرأة، لكن عليها هى أن تقيم صلاحيتها للعمل فى هذا السلك المجهد جدا، وبالمناسبة.. لى ابنة تدرس الحقوق ولن تدخل القضاء أبدا ولو كانت الأولى على دفعتها. شبهة التمويل الأجنبي تطارد 7 من مرشحي الرئاسة (1-2)...


ليست هناك تعليقات: