الأحد، 13 مايو 2012

نجح حمدين صباحى فى أن «يدخل بكتفه» فى المنافسة



 حجم طموح الإنسان مؤشر على رجاحة تفكيره
 هل المشاريع الكبرى خيار مصر فى الوقت الحالى؟


لم أعلق على حمدين صباحى من قبل، لأنه لم يطرح نفسه كمرشح قوى، ولم يُجِب عن أسئلة صعبة.
وقد ألزمت نفسى فى موضوع الانتخابات الرئاسية أن لا «أنفخ فى مرشح»، ولا ألتفت إليه، إلا حين يفرض نفسه على مجال النظر.
 أظن أن حمدين صباحى فعل ذلك خلال الأسبوع الماضى، واستطاع أن يقدم نفسه كمرشح ذى رؤية يمكننا أن نتفق ونختلف حولها.
 بداية، كشخص يؤمن بالفرد والمجتمع فى مقابل الدولة، أخشى كثيرا من ذوى الاتجاه الناصرى، كونهم يعظمون دور الدولة ويبررون لها التدخل فى كل شأن من شؤون الحياة، فيحملونها من الأعباء ما لا تطيق، ويجعلونها تدخل فى خصومة مع فئات من المجتمع، إذ تسلبهم حقوقهم لكى تعوض العجز «المحتوم» فى ميزانيتها.
 لكن حمدين بدا أكثر تطورا من هذه الفكرة بتعهده بتشجيع المجتمع المدنى ومنظماته، وبرؤيته الاقتصادية التى شبّهها بالطريق الثالث الذى انتهجته الأحزاب الاجتماعية الأوروبية. أقلقنى طبعا موضوع بيع القصور لبناء إسكان شعبى، ليس حرصا على القصور فى حد ذاتها، إنما قلقا من طريقة التفكير فى حد ذاتها، لأن القصور موارد غير متجددة، ولأن الإجابة تبدو سطحية تنحو إلى انتزاع التصفيق لا إلى النظرة الشاملة. قصور الدولة جزء من هيئتها أمام العالم، يمكننا أن نحولها إلى مزارات سياحية، أو معارض فنية فى أوقات معينة من السنة، نسمح فيها للمصريين والأجانب بالاطلاع على مقتنياتها وبـ«المعيشة فيها ساعات».
 لكنها ستظل قصورا رئاسية، تستقبل فيها مصر ملوك وأمراء ورؤساء الدول الأخرى. لو أراد الناصرى حمدين صباحى أن يوفر شققا سكنية للشباب فليتحدث إلينا عن رؤيته لقانون العلاقة بين المالك والمستأجر، لأن ذلك مثال للآلية، للقواعد، التى تؤكد دور الدولة كجهة منظمة تكفل حقوق الجميع، ولا تلقى بمسؤولياتها على «صغار الملاك».
 فى مصر ملايين الشقق التى لا تساوى قيمتها الإيجارية، والتى يتعرض مالكوها لظلم بيِّن من دولة لا تقوم بدورها التنظيمى، بل تنحاز إلى فئة دون فئة، لكى تدارى فشلها الاقتصادى. من هذا العدد نحو مليون شقة مغلقة لأنها لا تكلف من أغلقوها وحجبوها عن سوق العقارات أكثر من خمسة جنيهات شهريا.
 وفى مصر مئات الآلاف من الشباب، من أبناء الملاك القدامى، لا يملكون ثمن شقة بينما أملاكهم تورث من المستأجرين إلى أبنائهم أمام أعينهم.
 هؤلاء أيضا أصحاب حق، لكنهم لا يجدون من يدافع عنهم كما دافع المناضل حمدين صباحى عن مستأجرى الأرض.
 حمدين صباحى تطور فى أسلوب خطابه، وهذه ميزة نوعية، فبدأ يتحدث عن مشاريع محددة ومصادر تمويل محددة، وجدوى اقتصادية.
 السؤال الغائب الحاضر هنا: هل المشاريع الكبرى خيار مصر فى الوقت الحالى؟
 ضعى تحت «الوقت الحالى» ألف خط. خطة الدولة كخطة اللعب فى مباراة، تختلف حسب ظروف كل مباراة.
 ونحن لدينا هوس بجملة «المشاريع الكبرى»، مع أن الحقيقة أن مصر تحتاج حاليا وخلال فترة حكم الرئيس القادم إلى «مشاريع صغرى»، ذات مردود سريع، كالمشاريع السياحية، والمشاريع الخدمية.
 المشاريع الكبرى التى تحتاج إليها مصر والتى يمكن أن تشارك فيها الدولة هى مشاريع البنية التحتية، ومشاريع النقل (حمدين أشار إلى النقل) ومشاريع تطوير سيناء (وهذه أيضا أشار إليها) وغيرها من الأماكن البعيدة عن المركز.
كل مشروع كبير تشارك فيه الدولة يعنى أعباء أكثر على موازنتها، وهو ما يحتم على مسؤوليها الحرص فى ترتيب الأولويات، والشفافية فى مصادر التمويل (القصور الرئاسية هتخلص لو بعتوها، وماعندناش حاجة نأممها زى ما عمل الناصريين القدامى) وإلا فسيكون البديل فرض مزيد من الضرائب، والتأثير سلبا على تشجيع الاستثمار.
الرئيس الذى يستطيع خلال 4 سنوات ضبط المرور فى الشارع المصرى، للحفاظ على حياة المواطن أولا، ثم لتشجيع الاستثمار والسياحة ثانيا، رئيس يستحق كتابة اسمه بحروف من نور، لأنه سينجح فى ما فشل فيه كل السابقين، وسيحقق فرص عمل وافرة فى ضوء إمكانياتنا، وفى إطار المهارات المتوفرة «حاليا» لدى الأيدى العاملة المصرية.
 ولتكن فترة السنوات الأربع لتدريب الأيدى العاملة المصرية على المشاريع الكبرى الأكثر تعقيدا، والأبطأ مردودا. وحين تنتهى الدولة من الأهم (البنية التحتية) تنتقل إلى المهم (المشاريع الرائدة).

 حجم طموح الإنســان مؤشر على رجــاحة تفكيره ووعيــه بإمكــانياته، 
وإلا تحولت البرامج الانتخابية إلى نظير مكتوب لأحلام اليقظة.
 هذه ملاحظات سريعة على السلبيات، من وجهة نظر مقابلة سياسيا. لكن فى المجمل العام نجح حمدين صباحى فى أن «يدخل بكتفه» فى المنافسة. 
نجاحه فى الانتقال إلى منطقة الوسط يُحسَب له، على الأقل جعل مواطنا يتخوف من كلمة «ناصرية» مثلى يضعه فى قائمة مَن قد يصوّت له.


؛؛؛؛ مصـــر الـيـــوم ؛؛؛؛



ليست هناك تعليقات: