السبت، 7 أبريل 2012

"القاعدة" المصرية فى سيناء بداية تحول الصراع


تحول الصراع إلى مواجهة
 بين الإسلام الوسطى والإسلام الجهادى فى مصر. 
التأثيرات المحتملة لظهور تنظيم "أنصــار الجهـــاد" في سينـــاء 



في ظل الربيع العربي، ظن الكثيرون أن الثورات العربية قد كتبت بداية النهاية للقاعدة، وأن القاعدة فى طريقها إلى الزوال والاختفاء، لأن الثورات السلمية العربية أثبتت بما لا يدع مجالا للشك فشل الفكر الجهادي والقاعدي، حيث استطاعت هذه الثورات السلمية أن تحقق في وقت وجيز ما فشلت فيه التيارات الجهادية والقاعدة على مدى ثلاثين عاما، من تغير لبعض الأنظمة العربية، والتي استعصت على كل التيارات الجهادية في المنطقة العربية.
 وزاد من صحة هذا الظن الضربات الفكرية القوية التى وجهت إلى تنظيم القاعدة قبل قيام الثورات العربية، والمتمثلة فى المراجعات الفكرية، التي قام بها العديد من التيارات الجهادية في المنطقة العربية، والتي بدأت من مصر على يد الجماعة الإسلامية، ثم تبعتها مراجعات تنظيم الجهاد المصري، ثم انتقلت إلى العديد من الدول.
 ولكن أخيرا، اتضح أن الصورة ليست كما كان يظنها الكثيرون، حيث لوحظ، عقب الثورات العربية، النشاط الكبير لتنظيم القاعدة فى شمال إفريقيا، حيث نشط تنظيم "القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامي"، ثم تبعه ظهور جديد للقاعدة فى سيناء، تحت مسمى "أنصار الجهاد فى سيناء"، حيث أثار ظهور هذا التنظيم الكثير من المخاوف، منها على سبيل المثال، عودة العنف الدينى المسلح من جديد، وكذلك عودة العمليات الإرهابية التى عانتها مصر فترة طويلة من الزمن، بعد أن تم القضاء عليها.
 وقد تمثل الظهور الإعلامى الرسمى للقاعدة فى مصر، من خلال بيان صدر عن جماعة أطلقت على نفسها " جماعة أنصار الجهاد فى سيناء"، وهو بيان مبايعة لزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري. واحتوى البيان الصادر بتاريخ 23 يناير2012 ، ما نصه " إلى أميرنا الحبيب، وشيخنا المفضال، أبي محمد أيمن الظواهري ، حفظك الله ونصرك وأعانك، من جنودك في سيناء الحبيبة في أرض الكنانة، نبايعك على السمع والطاعة في المنشط والمكره، والعسر واليسر، وأثرة علينا، فارم بنا حيث شئت، فلن ترى ولن تسمع منا إلا ما تقر بها عينك، وتشفي بها صدرك، فلن نقر ولن نستسلم إلا على آخر قطرة من دمنا في سبيل الله، وحتى يحكم الإسلام بعون الله تعالى. وفقكم الله شيخنا الحبيب المجاهد إلى ما فيه الخير للإسلام والمسلمين، ونسأل الله أن يحفظكم بحفظه، وأن يحفظ قادة الجهاد في كل مكان إنه ولي ذلك والقادر عليه"، واختتم البيان بتوقيع " جنودكم في جماعة "أنصار الجهاد في جزيرة سيناء".
نماذج تنظيم القاعدة وتنظيم "أنصار الجهاد فى سيناء"
 هو أحد نماذج القاعدة. وتنظيم القاعدة في الآونة الأخيرة لم يعد هو تنظيم القاعدة وقت تأسيسه، حيث إن مسمى القاعدة المنتشر في عدد من دول العالم ليس تنظيماً واحداً وتحت قيادة واحدة، وإنما هناك ثلاث صور أو أشكال للقاعدة هي: - القاعدة الأم (المركزية) وهى التنظيم الأصلى الذي أسس تحت مسمى "الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين" الذي كان يقوده أسامة بن لادن، ومن بعده أيمن الظواهري. - فروع القاعدة، وهى التي صدر أمر بإنشائها بأمر مباشر من أسامة بن لادن، والمثال الوحيد لها هو "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب"، حيث يعد تنظيم القاعدة في جزيرة العرب امتداداً فكرياً وأيديولوجياً لتنظيم القاعدة المركزي. - نماذج القاعدة، وهى الصورة الثالثة من صور القاعدة، والتى يندرج تحتها تنظيم "أنصار الجهاد فى سيناء"، وهى تلك التيارات المنتشرة فى عدد من الدول الإسلامية، وتنتهج نهج القاعدة وتعد أسامة بن لادن زعيماً روحياً لها، ولكنها لم تنشأ بأمر من بن لادن، وليست لها أي علاقة بالقاعدة الأم، وأشهر الصور على هذه النماذج هي "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" .
   عمليات "أنصاء الجهاد" فى سيناء:
كانت أهم العمليات التى قام بها" أنصار الجهاد في سيناء" هى تفجيرات المتتالية لخط الغاز المؤدي إلى إسرائيل عبر محافظة شمال سيناء، وكذلك تفجير إيلات الأخير في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي قتل فيها 8 جنود إسرائيليين في أغسطس الماضي. كما حاول التنظيم تدمير وحرق قسم شرطة ثان العريش، وذلك عندما قامت مجموعة من "الملثمين"، قدر عددها بنحو 200 فرد، السيطرة على قسم شرطة العريش، واستخدموا في ذلك أسلحة متطورة (آر بي جيه، وقنابل وأسلحة آلية)، وتصدت لهم قوات من الشرطة والجيش، وأسفرت الاشتباكات عن مقتل خمسة أشخاص، بينهم ضابطان، أحدهما من الشرطة، والآخر من القوات المسلحة، إضافة إلى إصابة 19 شخصاً بجروح خطرة، في سابقة هي الأولى من نوعها في مصر. وكذلك، قام التنظيم بقتل ضابط شرطة بالسياحة ، وشرطي آخر أمام مسجد الإسكندرية بالعريش، كما قام التنظيم بالعديد من أعمال العنف خلال الفترة القليلة الماضية، وقد قامت قوات الشرطة والجيش بالقبض على العديد من أعضاء التنظيم بعد اشتباكات ضارية مع أعضاء التنظيم. ويسعى تنظيم "أنصار الجهاد في سيناء" إلى إقامة إمارة اسلامية فى سيناء، حيث طالب في بيانه بأن تكون سيناء إمارة إسلامية، وأن يكون الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع، وذلك عن طريق طرد الجيش والشرطة من سيناء، والاستيلاء على جميع المقار الأمنية، والضغط على الحكومة المصرية من أجل إلغاء الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، والتدخل لفك الحصار على غزة.
 ويملك تنظيم "أنصار الاسلام فى سيناء" علاقة وثيقة بتنظيم "جيش الاسلام الفلسطينى" الموجود فى غزة، حيث ثبت من واقع التحقيقات أن "تنظيم انصار الجهاد" فى سيناء مدعوم من جيش الإسلام في قطاع غزة، حيث لعب جيش الاسلام دوراً مهما وأساسيا فى تجنيد وتدريب عناصر "أنصار الجهاد" فى سيناء، الذين تلقوا تدريبا قتاليا على أعلى مستوى في قطاع غزة قبل وبعد الثورة مع جيش الإسلام في منطقتين بقطاع غزة، هما تل سلطان برفح الفلسطينية، وخان يونس. وكانت أعداد قليلة من أعضاء التنظيم قد تلقت تدريبا في قطاع غزة قبل الثورة، وذلك من خلال تسللهم إلى غزة عبر الأنفاق. وكان بعض عناصر "أنصار الجهاد"، قد أفرجت عنهم وزارة الداخلية بعد اعتقالهم، في إطار فتح صفحة جديدة. 
ولكن بعد خروجهم من المعتقل، عادوا إلى سيناء وانضموا للتنظيم، وتم تدريبهم في قطاع غزة على جميع فنون القتال، واستخدام مدافع الهاون، وجميع أنواع الأسلحة والتدريب، وتجميع المتفجرات وتفكيكها وتفجيرها بالأسلاك الكهربائية.
تأثيرات تنظيم القاعدة فى سيناء:
ظهور تنظيم القاعدة فى هذا الوقت العصيب الذى تعانى فيه البلاد الانفلات الأمنى الشديد، وضعف هيبة الدولة، سوف يكون له عدد من التأثيرات المحتملة ، ومن أهمها :
 1) العداء الشديد للقاعدة تجاه الإخوان المسلمين، الأمر الذى ينذر بمواجهة من نوع فريد بين الإخوان المسلمين، القوة السياسية الكبرى فى البلاد وأصحاب الأغلبية فى البرلمان، وممثل الإسلام الوسطى، وبين تنظيم القاعدة، ممثل الإسلام الجهادى، الذى دائما ما كان يحاربه النظام السابق بقوة وضراوة، فى الوقت نفسه الذى كان يضيق فيه على جماعة الإخوان المسلمين، والآن ربما يتحول الصراع إلى مواجهة بين الإسلام الوسطى والإسلام الجهادى فى مصر.
 2) وجود تنظيم القاعدة فى أى دولة يمثل تحدياً واضحاً لأي حكومة، لكون التنظيم دائما ما يستهدف المواطنين الغربيين (الهدف المفضّل للقاعدة)، وهو أمر يؤدي إلى الإضرار بقطاع السياحة الذي يقوم عليه الاقتصاد المصري، بما في ذلك اقتصاد سيناء حيث تقع أبرز المنتجعات السياحية المصرية.

 3) موقف تنظيم "أنصار الجهاد" من الأمور الداخلية المصرية، يشكّل تحدياً كبيرا، ربما لا يقل خطورة عن تحدي الارتباط الخارجي "بالقاعدة"، كونه يمسّ النسيج الوطني المصري، وتحديداً العلاقة بين المسلمين والأقباط. حيث أوردت الجماعة على موقعها الإلكتروني مواقف واضحة في شأن العلاقة مع الأقباط، وهي مواقف تختلف إلى حد كبير مع مواقف الإخوان وحتى السلفيين، حيث أعلن التنظيم "أنه يجب على الأقباط أن يدفعوا الجزية للحكام المسلمين، في ظل الدولة الإسلامية في مصر.

 4) التنظيم من الناحية الفكرية لا يقبل بأى فكر غير جهادى، حتى ولو كان إسلاميا، كالإخوان والسلفية، فكيف بالتيارات الفكرية غير الإسلامية، كالليبرالية والاشتراكية والقومية...الخ؟، فلا شك فى أنه لن يقبل بفكرة وجود هذه التيارات أصلا. ولقد عبر التنظيم عن ذلك بقوله إن الذين يقولون "لا نريدها دولة دينية… لا يفهمون أنهم يعترفون بقولتهم هذه بأن دولتهم دولة علمانية، أي دولة كافرة خارجة على نظام الله".
 5)وأخيرا، فإنه من أخطر تأثيرات وجود تنظيم "أنصار الجهاد" - أحد نماذح القاعدة - فى سيناء هو أن التنظيم سوف يجعل من سيناء قاعدة ينطلق منها لشن هجماته على إسرائيل، الأمر الذى قد يؤدى إلى أن تتخذ إسرائيل هذا الأمر ذريعة للدخول إلى عمق سيناء بحجة القضاء على هذا التنظيم، وحماية حدودها، فى وقت يعد فيه الأمن المصرى فى سيناء" متراجعا" ، إضافة الى المشاكل الداخلية، والاضطرابات السياسية، التى لم تشهدها البلاد من قبل، الأمر الذى يمكن أن يضع مصر فى مواجهة مع إسرائيل، فى ظل ظروف صعبة جدا تمر بها البلاد.




ليست هناك تعليقات: