الخميس، 15 مارس 2012

ماذا يحدث داخل الجهاز المركزى للمحاسبات؟



العسكر يتعاملون مع كل المنتمين إلى الثورة كأنهم رجس من عمل الشيطان
ماذا يحدث داخل الجهاز المركزى للمحاسبات؟
 اللهم إنا لا نسألك رد القضاء لكن نسألك اللطف فيه.
 العسكرى سعى جاهداً منذ البداية ليس لإرساء دعائم نظام جديد، وإنما لإعادة إنتاج النظام السابق،برموز وأسماء وقيادات جديدة.


ماذا يحدث داخل الجهاز المركزى للمحاسبات؟ 
 اللهم إنا لا نسألك رد القضاء لكن نسألك اللطف فيه. أتابع نشاط حركة «رقابيون ضد الفساد»، التى التقيت برئيسها وبالعديد من أعضائها فى ميدان التحرير إبان أيام الثورة المصرية الكبرى، منذ ما يزيد على العام الآن. ونظرا لنشاطها المتميز فى الكشف عن أوجه ومكامن فساد النظام السابق فقد حرصت على المشاركة فى عدد من المؤتمرات والندوات التى نظمتها هذه الحركة وكشفت فيها عن أوجه فساد كثيرة كتبتُ عنها فى حينها.
 وكم كنت أتمنى أن يستمع القائمون على إدارة المرحلة الانتقالية إلى ما يقوله هؤلاء للاستفادة منه فى وضع الآليات التى تكفل كشف ومكافحة أوجه الفساد الرهيب الذى ساد طوال العقود الماضية وإصلاح أهم جهاز رقابى فى مصر وتمكينه من القيام بدوره المهم فى هذا المجال. لكن يبدو أنه كتب على كل المخلصين فى هذا الوطن أن يصرخوا فى إفراغ ليس فيه من سميع أو مجيب. ومن الواضح تماما الآن أن سادة المرحلة الانتقالية باتوا يرفضون الإنصات لأى صوت يمت للثورة بصلة وراحوا يتعاملون مع كل المنتمين إلى الثورة العظيمة كأنهم رجس من عمل الشيطان.
 وقد وصلنى مؤخرا بيان موقع عليه من رئيس هذه الحركة، الأستاذ إبراهيم أبوجبل، وأيضاً من رئيس نادى المحاسبات، الدكتور وليد الجوهرى، يشير إلى أن العاملين بالجهاز المركزى للمحاسبات قرروا القيام باعتصام أمام المقر الرئيسى للجهاز وبإضراب عن العمل فى كل فروع الجهاز بالمحافظات ومراقبات الحسابات، والامتناع عن مراجعة حسابات الشركات، وعدم حضور الجمعيات العمومية، خاصة الشركات المقيدة فى البورصة المصرية، وعدم إتمام القوائم المالية الخاصة بها، وعدم مراجعة الحساب الختامى للدولة، حتى تتم الاستجابة إلى جميع مطالبهم المشروعة. وتنقسم المطالب التى ينادون بها إلى قسمين: --الأول مطالب عامة، أهمها:
 1- سرعة تعيين رئيس جديد للجهاز يكون قادراً على قيادة هذا الجهاز المهم والحيوى وحماية المال العام.
 2- سرعة إصدار قانون يكفل استقلال الجهاز المركزى للمحاسبات ومنح أعضائه السلطات والصلاحيات التى تمكنهم من توفير حماية جدية للمال العام واسترداد مئات المليارات المنهوبة منه ووقف نزيف مزيد من الأموال.
 3- إلغاء العقد الذى أبرمه الدكتور جودت الملط، الرئيس السابق للجهاز مع السيد محمد ونيس للعمل كمستشار له، وإلزامه بتسليم كل ما لديه من ملفات الفساد التى تحت يديه، وتعيين وكيل جهاز لشؤون مكتب رئيس الجهاز.
 4- توفير الاعتمادات المالية لتمكين الجهاز من القيام بمهامه الرقابية على الوجه الذى يضمن استقلال أعضاء الجهاز.
 5- نشر التقارير المحبوسة بالأدراج، التى كشفت ارتكاب رجال النظام السابق مخالفات كبيرة ترتب عليها إهدار مليارات الجنيهات، وتنفيذ ما بها من توصيات.
 أما القسم الثانى، والذى جاء فى ذيل القائمة، فيمكن اعتبار ما فيه مطالب فئوية تخص العاملين بالجهاز المركزى للمحاسبات ,أهمها:
 1- مساواة أعضاء الجهاز مادياً بمأمورى الضرائب.
 2- رفع جميع البدلات التى لم تزد منذ أكثر من 15 عاما بحيث تتماشى مع الأسعار الحالية.
 3- منح أعضاء الجهاز بدل عدم انضمام للأحزاب السياسية «المحظور عليهم قانوناً الانضمام إليها ضماناً لحياديتهم» أسوة بالهيئات التى تتقاضى هذا البدل. لا أريد أن أعلق هنا على المطالب الفئوية لأعضاء الجهاز، فهى لا تختلف كثيرا عن المطالب المشروعة للغالبية الساحقة من فئات اجتماعية يسود لديها شعور عميق بالظلم، لكن مطالبهم المتعلقة بإصلاح المؤسسة التى يعملون فيها، وهى أهم مؤسسة رقابية فى مصر، هى مطالب عامة شديدة الأهمية.
 ولأننى لا أجد سبباً واحداً يدعو المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى إهمال هذه المؤسسة الحيوية وتركها دون قيادة تجمع بين الكفاءة والنزاهة، أو سبباً واحداً يجعل مجلس الشعب الجديد يتباطأ إلى هذا الحد فى طرح مشروع قانون يكفل استقلال الجهاز ويستحدث آليات جديدة لمكافحة الفساد فى ضوء ما كشفت عنه ممارسات المرحلة السابقة، أشعر بقلق عميق تجاه ما قد تسفر عنه إدارة المرحلة التى يفترض أن تنتهى فى يونيو المقبل. فالواقع أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة تعامل مع الجهاز المركزى للمحاسبات بالطريقة نفسها التى تعامل بها مع مؤسسة العدالة ومع المؤسسة الأمنية: بقاء الوضع على ما هو عليه والاكتفاء بإصلاحات شكلية أو تجميلية. لذا أصبح من الواضح تماما أن المجلس العسكرى سعى جاهداً منذ البداية ليس لإرساء دعائم نظام جديد، وإنما لإعادة إنتاج النظام السابق، لكن برموز وأسماء وقيادات جديدة. كتبت منذ شهور طويلة مؤكدا أن المجلس العسكرى كان «ضد التوريث»، لكنه لم يكن أبدا «مع الثورة»، وأظن أن سلوكه تجاه جميع القضايا يؤكد هذه الحقيقة يوماً بعد يوماً. اللهم إنا لا نسألك رد القضاء لكن نسألك اللطف فيه.

ليست هناك تعليقات: