الخميس، 8 مارس 2012

صياغة استراتيجية أمن قومي للسياسة الخارجية لمصر ضرورة ملحة



مأزق العلاقة الأمريكية مع مصر 
 هذه الشعوب مستسلمة بطبعها للحكم المستبد
 يحتم تشكيل مجلس أمن قومي حسب المعايير المعمول بها في العالم 
ويكون المجلس بمنزلة عقل الرئيس والدولة، في إدارة السياسة الخارجية




** مبارك ليس ديكتاتوراً وأنه صديق ل “إسرائيل” . . الظاهر أن العلاقة المصرية الأمريكية، ستبقى لفترة، على مسافة من بلوغ مرحلة الاستقرار على شكل نهائي لعلاقة تبادلية طبيعية لمصلحة البلدين . سيحدث هذا حين تخرج أمريكا من صدمة ثورة 25 يناير التي فوجئت بها، باعتراف كبار مسؤوليها، وأبرز المختصين فيها من خبراء ومؤرخين . . وأيضاً إلى أن تنتهي مصر من إعادة صياغة استراتيجية مكتملة للسياسة الخارجية، سواء مع الولايات المتحدة، أو مع العالم بصفة عامة بعد ثلاثين عاماً، من إدارة علاقاتها، بلا أي رؤية أو استراتيجية للسياسة الخارجية .
 وتذكر وثائق أمريكية منشورة عن الأيام الأولى للثورة، أن أوباما لم يطلب من مبارك التنحي، بل كان يشجع انتقالاً للسلطة، يتولاها عمر سليمان . 
 وكان أول رد فعل من جو بايدن نائب الرئيس، قوله إن مبارك ليس ديكتاتوراً . وأنه صديق ل “إسرائيل” .
وصاحب ذلك تعبير تردد في واشنطن يقول مبارك رجلنا في القاهرة .
 ولما كان هناك دائماً ربط من المسؤولين الأمريكيين، ورجال الكونغرس، بين التخوف من تأثيرات الثورة على المصالح الأمريكية، وعلى علاقات مصر ب “إسرائيل” في الوقت نفسه، فقد تزامنت مع ذلك، تصريحات لمسؤولين “إسرائيليين”، تقول إن قيام ديمقراطية في مصر، تنتج عن ثورتها، يمثل تهديدًا لوجود الدولة اليهودية . وهو ما عبرت عنه صحيفة “يديعوت أحرونوت” بقولها لقد استولى على “إسرائيل”، خوف من الديمقراطية في مصر .
وصاحب ذلك تصريحات تتحدث عما وصفوه بإدخال قوى بناءة (من وجهة نظرهم)، في المجتمع المصري . وحسب وصف مالكولم هو ينسلين نائب الرئيس التنفيذي لرؤساء مؤتمر المنظمات اليهودية الرئيسة في الولايات المتحدة، قوله إن هذه القوى البناءة، لا يجب أن يكون بينها الدكتور محمد البرادعي . واعتمد رفض البرادعي على القول، إنه يتمتع بعداوة اللوبي “الإسرائيلي”، بسبب تنديده بحصار غزة، ووصفه له، بأنه وصمة عار في جبين كل عربي، وكل مصري، وكل إنسان، وبسبب معارضته للمواجهة العسكرية مع إيران . واتصالاً بهذا، كان ما كتبه آدم شاتز الكاتب الأمريكي الذي تنشر مقالاته كثير من الصحف الأمريكية، حين قال: “إن البرادعي ليس بالرجل الذي تستطيع واشنطن التعامل معه” .
 المشكلة على الجانب الأمريكي، في ما يتعلق بالعلاقة مع مصر، أن الولايات المتحدة، كانت تدير علاقاتها مع مصر، والعالم العربي أجمع، وفق قواعد وضعت للمدى البعيد، وكأنها ثوابت راسخة، ليست قابلة للتغيير . ومنذ منتصف السبعينات، كان هناك اتفاق عام، لدى تيار من المحللين وخبراء الشرق الأوسط، في واشنطن، مقتنع تماماً بأن الأوضاع الداخلية في العالم العربي، بما في ذلك مصر، لن تتغير، وأن هذه الشعوب مستسلمة بطبعها للحكم المستبد .
وحين نجحت الثورة في خلع مبارك، وقع في الحال انقسام داخل إدارة أوباما وهو ما كشفت عنه مناقشات معلنة في ندوات ومؤتمرات سياسية وأكاديمية حيث رفض كثيرون من مساعدي أوباما تأييد الثورة، ثم جاء موقف أوباما مخالفاً لهم، ولنصائحهم بعدم التخلي عن مبارك . وبالتوازي مع الموقف الرسمي، داخل إدارة أوباما، كانت هناك مؤتمرات وورش عمل، يشارك فيها أبرز خبراء السياسة الخارجية، يدرسون بطريقة علمية مجردة، ما يجري في مصر، واتفقوا كلهم تقريباً، على أن ما حدث في مصر، هو ثورة حقيقية نقلت صناعة القرار من يد حكومات استبدادية، إلى يد الشعوب، وحذروا من أنه إذا لم تتجاوب أمريكا مع هذا التحول، فإن مصالحها سيلحقها الضرر .
وهو تيار كان له تأثيره في تفكير أوباما .
 ومن البداية حرصت برامج الحوارات التلفزيونية على استطلاع آراء صناع السياسة الخارجية، وكان منهم هنري كيسنجر الذي قال إن أمريكا في مأزق بين تأييد ثورة هدفها إقامة حكم ديمقراطي، وبين مخاوفها من تأثير الثورة في المصالح الأمريكية في المنطقة، وأنها في حاجة إلى رؤية مختلفة، ومبتكرة لسياستها الخارجية، تخرجها من هذا المأزق .
 والمعروف أن النظام السياسي الأمريكي، له طبيعة خاصة، حيث تسيطر الأوضاع الداخلية على توجهات السياسة الخارجية، بسبب ما سمح به النظام السياسي لقوى الضغط، وجماعات المصالح، من ممارسة ضغوط لمصلحةالأطراف التي تمثلها . إضافة إلى أن الكونغرس شريك بحكم الدستور، للسلطة التنفيذية، في طريقة عمل السياسة الخارجية.............. وكل هؤلاء لهم حساباتهم وأجنداتهم ومواقفهم من ثورة مصر، واحتمالات تأثيرها على المدى البعيد في المصالح الأمريكية، فضلاً عن ارتباطات معروفة لهم ب “إسرائيل” . وهذه القوى تمثل ثقلاً كبيراً فوق إدارة مؤسسات الدولة للسياسة الخارجية . وتبقى المشكلة التي لاتزال تعيق تحرر السياسة الأمريكية من إرث ماض طويل، أنها مازالت تعتمد على فكر وأدوات مرحلة ما قبل الثورة، في إدارة علاقاتها وسياستها الخارجية مع مصر، بينما يتفق تيار العلماء وخبراء السياسة الخارجية خارج الدائرة الرسمية، على أن هذا الفكر وهذه الأدوات، لم تعد تصلح لعصر تنتقل فيه تقاليد وإدارة السياسات من يد حكومات استبدادية، إلى يد الشعوب . ولأن العلاقة تبادلية، تتوازن من خلال أداء الجانبين، وليس جانباً وحده من دون الآخر، فإن هناك ضرورة ملحة وعاجلة، لصياغة استراتيجية أمن قومي، للسياسة الخارجية لمصر، وعلى أساسها، تحدد الدول الأخرى مسار سياساتها مع مصر . وهذا أمر يحتم تشكيل مجلس أمن قومي حسب المعايير المعمول بها في العالم ويكون المجلس بمنزلة عقل الرئيس والدولة، في إدارة السياسة الخارجية، والمنار الذي ترى الدنيا على ضوئه ما هي مصر، وكيف تفكر، وإلى أين تتجه؟

ليست هناك تعليقات: