المخلوع يعمل جاهدا على افساد الثورة بما لديه من أموال وحلفاء
خيارات «مبارك» اما الاستسلام والانهيار او افساد الثورة
لا يداخلنى أى شك فى صدق «مبارك» حين يقول:
«موجود». . و«هذه الاتهامات أنكرها كلها تماماً»
خيارات «مبارك» اما الاستسلام والانهيار او افساد الثورة
لا يداخلنى أى شك فى صدق «مبارك» حين يقول:
«موجود». . و«هذه الاتهامات أنكرها كلها تماماً»
هرب زين العابدين بن على إلى السعودية مستدفئاً بالأموال التى سرقها من شعبه ومتدثراً بالنسيان، وقُتل القذافى فى مشهد لا يقل حماقة وعنفاً عن المشاهد التى اعتاد صناعتها على مدى حياته المثيرة المديدة.. لكن «مبارك» لم يهرب، ولم يُقتل.سيبدو هذا العنوان «خيارات مبارك» صادماً للوهلة الأولى؛ فكيف تكون للرجل خيارات، وهو المريض العاجز المزروع فى سرير، والمحبوس فى قفص من الحديد؟
لاحظ أن «مبارك» لم يهرب، وقد كان قادراً على الهروب، ولاحظ أنه لم يُهرّب أسرته، وقد كان قادراً على تهريبها، ولاحظ أنه لم يطلب الرحمة أو ينهر، وقد كان مقبولاً ومفهوماً أن يفعلها شيخ فى مصابه وفى سنه، ولاحظ أنه مازال حريصاً على أن يُظهر الكبرياء.
انتظر الرجل شهرين كاملين منذ ألقى كلمته المتعجرفة، التى ختم بها كلامه الرئاسى، فى 10 فبراير الماضى، ليتحدث مجدداً إلى المصريين، فى 10 أبريل، عبر قناة «العربية» كـ«رئيس سابق».
فى كلمته عبر «العربية»، بدا الرجل المقيم آنذاك فى قصره بـ«شرم الشيخ» صلباً ومتماسكاً رغم كل ما جرى له، لكن شعوره بأنه «لا يستحق الإساءة» كان مهيمناً على كل فقرة فى الخطاب.
«تألمت كثيراً».. «حملات ظالمة».. «الطعن فى نزاهتى ومواقفى وتاريخى العسكرى والسياسى».. «قضيت عمراً فى خدمة الوطن بشرف وأمانة».. «لا أملك أن ألتزم الصمت فى مواجهة حملات الزيف والافتراء».. يشعر الرجل إذن بأنه «مظلوم» وبأنه «بطل»، وبأن أمامه مستقبلا «لن يلتزم خلاله الصمت» إزاء محاولات «تشويه تاريخه».
الأهم من ذلك، أن «مبارك» لم يكن يصدق حتى هذه اللحظة أنه قد خُلع من الحكم خلعاً بواسطة الثورة، ولذلك فإنه يريد تذكير المصريين بما يعتقد أنه الحقيقة فى مشهد خروجه من الحكم، فيقول: «لقد آثرت التخلى عن منصبى»، و«اخترت الابتعاد عن الحياة السياسية».
حضر «مبارك» إلى مقر محاكمته هو ونجلاه جمال وعلاء فى 3 أغسطس الماضى، لأن الثورة أرادت ذلك وضغطت وألحت، ولأن المجلس العسكرى لم يكن بوسعه الامتناع عن تلبية مطالب الثوار وإلا تعرض لمخاطر كبيرة.. ولأن «مبارك» لم يهرب ولم ينهر. حين سأل القاضى «مبارك» عما إذا كان موجوداً، رد بعبارته الشهيرة، التى تحولت إلى مشهد ختامى لصيغة حكم امتدت آلاف السنين، وإلى عبرة للزعماء والفراعين.. وإلى «رنة موبايل»، قائلاً: «أفندم.. أنا موجود».
لا يصدق هذا الرجل أنه سرق أو قتل أو أفسد أو أهدر، كما يقول الثوار والنقاد أو كما تشير الوقائع ويؤكد التحليل والعقل والمنطق، لذلك فقد قال: «هذه الاتهامات أنكرها كلها تماماً»، ولا يصدق أيضاً أنه فرعون تجرد من سلطته وبات مزروعاً فى سرير ومحبوساً فى قفص، لذلك فقد توقف فى المرات اللاحقة عن الإجابة عن سؤال القاضى بقول «أفندم»، مكتفياً بكلمة «موجود».
*لا يداخلنى أى شك فى صدق «مبارك» حين يقول: «موجود».
مبارك موجود فى إطارنا السياسى الراهن مرتين، مرة بكل ما فعله من تجريف وإفساد وخيارات مخزية ومريضة، ندفع أثمانها أمس واليوم وغداً، ومرة ثانية بما يتوجب عليه فعله الآن تعبيراً عن شعوره بـ «الاضطهاد» و«التنكر» و«الخيانة» و«تشويه السمعة»، وتحقيقاً لرغبته فى «الانتصار لصورته وتاريخه»، والقناعة بأنه على صواب. منذ 11 فبراير الماضى، أخطأت أطراف العملية السياسية المصرية كلها أخطاء متفاوتة ومتباينة الحدة، ورغم أن بعض تلك الأطراف حقق أهدافاً ملموسة وقابلة للقياس، فإن الجميع وقع فى خطايا فاضحة وفادحة، باستثناء شخص واحد لم يخطئ خطأ واحداً.. إنه «مبارك». يبدو «مبارك» حتى هذه اللحظة الوحيد الذى تتحقق رؤيته باطراد، والذى يمكن أن يشعر بأنه كان على حق، ويبدو أنه يجتهد أحياناً ليضمن حصول ذلك، ونجتهد نحن لنساعده فى معظم الأوقات.
ليس أمام «مبارك» سوى خيارين إزاء ما تبقى من حياته وما سيتبقى من حياة أسرته وما سيقوله التاريخ عنه؛ أولهما أن يستسلم وينهار ويعول على الصبر وينتظر الحكم ثم يطلب الرحمة.. لكن «مبارك» أظهر تشبثاً بالحياة نادراً، واعتداداً بالنفس واضحاً، ومكابرة وعناداً لا يجاريان، وثباتاً وإصراراً لافتين حتى هذه اللحظة. لذلك، أعتقد أنه سيجتهد فى خيار ثان، سيعمل خلاله على استغلال ما لديه من أموال بلا حد، وحلفاء موثوقين ونافذين، وشبكات مصالح لن تستسلم بسهولة للملاحقة والعار، وسيعمل على إفساد الثورة، وما ستأخذنا إليه.. والرجاء أن يجنبنا الله هذا الكيد، وألا يسخرنا لمساعدته عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق