التى تزعج السلطات فى مجال حقوق الإنسان
إن كانت الحكومة تسعى لوقف التمويل الأجنبى للجمعيات الأهلية متى كان مخالفا للقانون، فلم اختارت تلك التى تعمل فى مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والحقوق السياسية بشكل خاص
لا أتصور أن هناك اختلافا جوهريا على ضرورة أن يكون هناك تنظيم قانونى ورقابة من الدولة على تمويل الجمعيات الأهلية خاصة حينما يكون التمويل واردا من الخارج. فلا يوجد بلد يحترم نفسه إلا وبه قوانين ونظم تحميه مما يمكن أن يؤدى إليه التمويل الأجنبى غير المنظم من تدخل فى البلد وفى أمنه القومى، ولا أن يخلو مجتمع من الرقابة على الجمعيات الأهلية حرصا على ألا تخالف القانون. لماذا إذن يكون هناك خلاف على ما شهده الأسبوع الماضى من تفتيش وتحقيق مع بعض الجمعيات الأهلية المصرية التى قد تكون تلقت تمويلا أجنبيا؟ الإجابة أن الموضوع هنا لا يتعلق فقط بتطبيق مواد القانون وإنما بالظروف العامة وملابسات هذه القضية التى جعلتها محل خلاف واستنكار من القوى السياسية الحريصة على مستقبل العمل الأهلى فى مصر، ولها الحق فى ذلك.
من جهة أولى فإن تطبيق القانون يكتسب مصداقية ومشروعية ليس فقط من استناده إلى نصوص سليمة، وإنما من أن يكون هذا التطبيق متكافئا ومتسقا. أما الانتقائية فى تطبيق القانون فتفقده شرعيته أمام الرأى العام والمجتمع، وتجعله يتحول إلى أداة لتحقيق أغراض سياسية لا لإقامة العدالة. فإن كانت الحكومة تسعى لوقف التمويل الأجنبى للجمعيات الأهلية متى كان مخالفا للقانون، فلم اختارت تلك التى تعمل فى مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والحقوق السياسية بشكل خاص وتجاهلت الجمعيات التى تلقت مئات الملايين من الجنيهات (بحسب المنشور فى الإعلام الرسمى) لتمويل الانتخابات البرلمانية الجارية فى مخالفة صريحة وصارخة ليس فقط لقانون الجمعيات وإنما لقانون الانتخابات والأحزاب السياسية بل ولنصوص الإعلان الدستورى؟ ...
هذه الانتقائية هى ما يجعل الرأى العام يتوجس ويفقد ثقته فى أن القانون سوف يتم تطبيقه على الجميع بالتساوى وبالعدل، ويستشعر العودة لسياسة إقصاء الجمعيات التى تزعج السلطات فى مجال حقوق الإنسان وترك الجمعيات الأخرى الممولة من الخارج دون رقابة برغم نشاطها السياسى والانتخابى الواضح. من جهة ثانية فإن التاريخ سوف يسجل أن الجمعيات والمنظمات الأهلية التى تعمل فى مجال حقوق الإنسان فى مصر قد لعبت دورا رئيسيا فى حشد الرأى العام ضد النظام السابق وفى العمل على إسقاطه، وذلك كله بالمخالفة للقوانين المقيدة للنشاط السياسى والأهلى التى كانت ولا تزال تمنع اشتغال هذه الجمعيات والمنظمات بالعمل السياسى. ولو كانت هذه الجمعيات والمؤسسات قد اتبعت القانون بحذافيره خلال الأعوام الماضية لما كانت ثورة، ولا تغيير، ولا أمل فيهما.
الجمعيات الأهلية، فى ظل القوانين المقيدة للعمل السياسى، كانت لاعبا رئيسيا فى تغيير المجتمع وفى تشر التوعية السياسية وهو دور يجب أن يقدره المجتمع ويعطيه حقه كاملا، ويسعى لتطويره وتنظيمه دون تقييده بالكامل.
وأخيرا فإن الجمعيات الأهلية بطبيعتها تحتاج للتمويل، وفى ظروف مصر الاقتصادية الحالية فإن كثيرا منه يجب أن يأتى من الخارج وإلا توقف نشاط الجمعيات التى تعمل فى مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والرعاية الصحية والتمويل متناهى الصغر ورعاية الأسرة والفقراء وغير ذلك من الأغراض التى تخدم ملايين المحتاجين فى مصر وتسد فجوة كبيرة فى قدرة الدولة على تنمية التنمية الاجتماعية. ولذلك فالحديث عن مخاطر التمويل الأجنبى للجمعيات، واعتباره كله تمويلا يرمى إلى قلب نظام الدولة يتجاهل أن الجمعيات الأهلية صارت فى المجتمع المعاصر شريكا رئيسيا فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومصدرا رئيسيا لتمويلها ووسيلة فعالة لمشاركة المجتمع فى مبادرات ضرورية لسد احتياجات رئيسية لا تقدر الدولة على التعامل معها.
ما تحتاجه ليس الاكتفاء بتجريم التمويل الأجنبى للجمعيات الأهلية، بل العمل على تيسير وتشجيع وسائل جذب المزيد منه لدعم العمل الأهلى الذى يشارك فى تنمية المجتمع بدلا من التركيز على جانب التقييد والتضييق فقط. لو كانت الرغبة صادقة فى تنظيم الجمعيات الأهلية فى مصر بما يحقق التوازن المطلوب بين الرقابة عليها وعلى التمويل الذى تتلقاه من الخارج، وبين حمايتها وحماية الحقوق والحريات التى تمثلها، فإن الأجدر بالحكومة أن تتقدم أولا بقانون جديد أو بتعديل فى القانون القائم يحقق هذا التوازن ويصحح من وضع معيب تعاملت معه الجمعيات لعقود طويلة بدلا من أن تستمر فى تطبيق قانون نعلم جميعا عيوبه ومشاكله وما أدى إليه من تقييد لنشاط الجمعيات دون مبرر.
وأتصور أن طرح قانون جديد للجمعيات، ومشاركة الأطراف المختلفة فى مناقشته، وصدوره من برلمان منتخب، ثم تطبيقه على كل الجمعيات دون تفرقة ولا انحياز لا يمكن أن يثير خلافا فى المستقبل. أما الإصرار على إعادة تطبيق قانون معيب بينما الفرصة متاحة لوضع أساس جديد للعمل الأهلى فى مصر، فلا يمكن أن يكون أسلوبا للتقدم ولا ينبئ إلى رغبة فى تقييد مجال العمل الأهلى. نحن بحاجة إلى قانون للجمعيات يحرر العمل الأهلى من القيود الإدارية الخانقة، ويتيح للجمعيات والمؤسسات الأهلية النشاط فى مختلف المجالات بما فيها حماية الحقوق السياسية والشخصية، ويطلق طاقات العمل الأهلى الذى صار من ركائز المجتمع الحديث، ويحمى الجمعيات من تعسف الحكومة والدولة. وتجاهل كل ذلك والعودة لتطبيق قانون يتفق الجميع على أنه غير صالح إلا لتقييد نشاط الجمعيات الأهلية، ثم تطبيقه بشكل انتقائى، فهو ما يجعل من الواجب مساندة الجمعيات الأهلية الوطنية فيما تتعرض له من تقييد وتضييق مرة أخرى. - زياد بهاء الدين -
من جهة أولى فإن تطبيق القانون يكتسب مصداقية ومشروعية ليس فقط من استناده إلى نصوص سليمة، وإنما من أن يكون هذا التطبيق متكافئا ومتسقا. أما الانتقائية فى تطبيق القانون فتفقده شرعيته أمام الرأى العام والمجتمع، وتجعله يتحول إلى أداة لتحقيق أغراض سياسية لا لإقامة العدالة. فإن كانت الحكومة تسعى لوقف التمويل الأجنبى للجمعيات الأهلية متى كان مخالفا للقانون، فلم اختارت تلك التى تعمل فى مجال الدفاع عن حقوق الإنسان والحقوق السياسية بشكل خاص وتجاهلت الجمعيات التى تلقت مئات الملايين من الجنيهات (بحسب المنشور فى الإعلام الرسمى) لتمويل الانتخابات البرلمانية الجارية فى مخالفة صريحة وصارخة ليس فقط لقانون الجمعيات وإنما لقانون الانتخابات والأحزاب السياسية بل ولنصوص الإعلان الدستورى؟ ...
هذه الانتقائية هى ما يجعل الرأى العام يتوجس ويفقد ثقته فى أن القانون سوف يتم تطبيقه على الجميع بالتساوى وبالعدل، ويستشعر العودة لسياسة إقصاء الجمعيات التى تزعج السلطات فى مجال حقوق الإنسان وترك الجمعيات الأخرى الممولة من الخارج دون رقابة برغم نشاطها السياسى والانتخابى الواضح. من جهة ثانية فإن التاريخ سوف يسجل أن الجمعيات والمنظمات الأهلية التى تعمل فى مجال حقوق الإنسان فى مصر قد لعبت دورا رئيسيا فى حشد الرأى العام ضد النظام السابق وفى العمل على إسقاطه، وذلك كله بالمخالفة للقوانين المقيدة للنشاط السياسى والأهلى التى كانت ولا تزال تمنع اشتغال هذه الجمعيات والمنظمات بالعمل السياسى. ولو كانت هذه الجمعيات والمؤسسات قد اتبعت القانون بحذافيره خلال الأعوام الماضية لما كانت ثورة، ولا تغيير، ولا أمل فيهما.
الجمعيات الأهلية، فى ظل القوانين المقيدة للعمل السياسى، كانت لاعبا رئيسيا فى تغيير المجتمع وفى تشر التوعية السياسية وهو دور يجب أن يقدره المجتمع ويعطيه حقه كاملا، ويسعى لتطويره وتنظيمه دون تقييده بالكامل.
وأخيرا فإن الجمعيات الأهلية بطبيعتها تحتاج للتمويل، وفى ظروف مصر الاقتصادية الحالية فإن كثيرا منه يجب أن يأتى من الخارج وإلا توقف نشاط الجمعيات التى تعمل فى مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية والرعاية الصحية والتمويل متناهى الصغر ورعاية الأسرة والفقراء وغير ذلك من الأغراض التى تخدم ملايين المحتاجين فى مصر وتسد فجوة كبيرة فى قدرة الدولة على تنمية التنمية الاجتماعية. ولذلك فالحديث عن مخاطر التمويل الأجنبى للجمعيات، واعتباره كله تمويلا يرمى إلى قلب نظام الدولة يتجاهل أن الجمعيات الأهلية صارت فى المجتمع المعاصر شريكا رئيسيا فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومصدرا رئيسيا لتمويلها ووسيلة فعالة لمشاركة المجتمع فى مبادرات ضرورية لسد احتياجات رئيسية لا تقدر الدولة على التعامل معها.
ما تحتاجه ليس الاكتفاء بتجريم التمويل الأجنبى للجمعيات الأهلية، بل العمل على تيسير وتشجيع وسائل جذب المزيد منه لدعم العمل الأهلى الذى يشارك فى تنمية المجتمع بدلا من التركيز على جانب التقييد والتضييق فقط. لو كانت الرغبة صادقة فى تنظيم الجمعيات الأهلية فى مصر بما يحقق التوازن المطلوب بين الرقابة عليها وعلى التمويل الذى تتلقاه من الخارج، وبين حمايتها وحماية الحقوق والحريات التى تمثلها، فإن الأجدر بالحكومة أن تتقدم أولا بقانون جديد أو بتعديل فى القانون القائم يحقق هذا التوازن ويصحح من وضع معيب تعاملت معه الجمعيات لعقود طويلة بدلا من أن تستمر فى تطبيق قانون نعلم جميعا عيوبه ومشاكله وما أدى إليه من تقييد لنشاط الجمعيات دون مبرر.
وأتصور أن طرح قانون جديد للجمعيات، ومشاركة الأطراف المختلفة فى مناقشته، وصدوره من برلمان منتخب، ثم تطبيقه على كل الجمعيات دون تفرقة ولا انحياز لا يمكن أن يثير خلافا فى المستقبل. أما الإصرار على إعادة تطبيق قانون معيب بينما الفرصة متاحة لوضع أساس جديد للعمل الأهلى فى مصر، فلا يمكن أن يكون أسلوبا للتقدم ولا ينبئ إلى رغبة فى تقييد مجال العمل الأهلى. نحن بحاجة إلى قانون للجمعيات يحرر العمل الأهلى من القيود الإدارية الخانقة، ويتيح للجمعيات والمؤسسات الأهلية النشاط فى مختلف المجالات بما فيها حماية الحقوق السياسية والشخصية، ويطلق طاقات العمل الأهلى الذى صار من ركائز المجتمع الحديث، ويحمى الجمعيات من تعسف الحكومة والدولة. وتجاهل كل ذلك والعودة لتطبيق قانون يتفق الجميع على أنه غير صالح إلا لتقييد نشاط الجمعيات الأهلية، ثم تطبيقه بشكل انتقائى، فهو ما يجعل من الواجب مساندة الجمعيات الأهلية الوطنية فيما تتعرض له من تقييد وتضييق مرة أخرى. - زياد بهاء الدين -
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق