الثلاثاء، 15 نوفمبر 2011

تعليقات القراء تحت المجهر - قراءة في الأبعاد والدلالة



قراءة تحليلة للأبعاد والدلالة
لنضع أيدينا على النافع منها فنزكيه وندعمه،
 وعلى الضار منها فنفحصه ونعالجه




تعتبر تعليقات القراء، وزوار المواقع الإلكترونية ساحة خصبة للباحثين فى الدراسات الإجتماعية، خصوصا المهتمين بتحليل الشرائح الإجتماعية والأنساق الفكرية، بما تغذى مثل هذه الدراسات العاملين فى المجال الاجتماعى. 
ويتميز هذا النوع من الدراسات بوفرة المواد (موضوع الدراسة)، حيث تحتل فرصة التعليق على المقالات والقضايا المطروحة مكانا واسعا بالمواقع الالكترونية.
أولا: مميزات هذا النشاط والمقصود بالمميزات هو معرفة الأوصاف التى تشكل هذا النشاط بغض النظر عن تقييمه والحكم عليه. فمن المميزات: إتاحة مساحة من الحرية غير المقيدة فى إبداء الرأى. التفاعل بين الكاتب والمعلقين ومعرفة الأثر ورد الفعل.
التفاعل بين الموضوع والمعلق بشقيه الإيجابى والسلبى. التفاعل بين المعلقين أنفسهم وظهور التجاذب والتوافق بين بعضهم أوالتنافر منهم.
يتعرف الموقع على شرائح زواره والمعلقين به. يتعرف المعلق على مكانه وحجمه ومستوى فكره بين المعلقين.
أولا: إتاحة الفرصة (للمهتمين بالعمل الإجتماعى) بالاطلاع على بعض شرائح المجتمع الذى يعملون به، وصفاتهم وماتتميز به أفكارهم...
ثانيا: شرائح المعلقين وشرائح التعليقات ونهتم هنا بوصف شرائح المعلقين الذين يساهمون بالكتابة، وليس مجرد القارئين دون تعليق، وبعض هذه الأوصاف تختص بالمعلق نفسه، أو تختص بتعليقه.
(شرائح المعلقين) 
مثقفون: وهم شريحة تتميز بالإدراك والوعى، وتعرف بالإطلاع، وتتسم بفهم الأبعاد والنسب، ومرامى الأمور، وتتصف بالعقلانية والحيادية فى عرض وجهة النظر، وتركز فى تعليقها على المضمون المطروح، وتبتعد عن شخصنته، وتتعامل مع المضامين بوصفها رأيا يقبل الأخذ والرد.
جاهلون: وهم شريحة ليس لها حظ من المعرفة والثقافة وليس عندها رصيد فى مجال القراءة والاطلاع، ولذلك تأتى تعليقاتها خالية من المضامين الفكرية التى تغذى الموضوع المطروح بإضافة علمية أونقد علمي.
عقلانيون: وهم الذين ينظرون إلى القول لا إلى قائله، ويحتكمون إلى العقل فيما يقرؤوه أو يكتبوه، ويشغلهم بالدرجة الأولى المحتوى الفكرى عن الإنشغال بغيره.
عاطفيون: وهم الانفعاليون الذين يقدمون عواطفهم على عقولهم، ويحتكمون إلى مشاعرهم في الحكم علي القضايا المطروحة، فما توافق مع أهوائهم وأمزجتهم كتبوا يؤيدونه، وما اختلف مع أمزجتهم كتبوا ينكرونه، بل وربما هاجموه.
(شرائح التعليقات) علمية:
وهى التعليقات التى تركز على الموضوع المطروح، وتتناول أيا من جزئياته، ولا تتغافل عن المنهج العلمى فى العرض، وتأتى غالبا متسقة متوازنة فى طرح الفكرة، بأسلوب لغوى سليم يفهمه القارئ دون عناء.
أنفعالية: والإنفعال الحاصل فى هذا النوع يتجلى فى صور مختلفة:
كالمدح والثناء أوالذم أوالهجوم أو التحريض أو الاستقطاب.. ويأخذ المدح والثناء أشكالا مابين المتوازن المنضبط، والمبالغ المنفرط.. وكذلك الذم والهجوم، يقترب من النقد العلمى أحيانا ويبتعد منه فى كثير من الأحيان إلى حد التجريح والسباب.. أما الاستقطاب فهو الإنفعال الخفى، وغالبا مايلوى عنق الأفكار ليجر باقى المعلقين إلى معنى آخر غير ما يريد الكاتب، والاستقطاب يلبس ثوب العلمية إلا أنه فى حقيقته انفعالى.
جــادة: وهى التعليقات التى يؤمن أصحابها بجدوى المشاركة فى المقال أوالقضية المطروحة، إدراكا منهم لدور الفكر فى تشكيل المجتمع وتحريكه، فتراهم يركزون في تعليقاتهم على أهمية الموضوع المطروح وجدواه وخطورته، بإلقاء الضوء على معنى من معانيه، أوالتحذير والاحتراس من بعض الأخطاء فيه.
هوجاء: وهى التعليقات التى لا ضابط لها ولا رابط، أصحابها كحطاب ليل، أوسكارى غافلين، لايفهمون مايقرؤوه، ولايعلقون عليه، بل ربما أنشأ أحدهم معركة شخصية بينه وبين الكاتب أو المعلقين فى موضوعات لا صلة لها أصلا بالموضوع، سلاحهم السباب والتجريح وانتقاص الآخرين والتعالى عليهم، وسوء الظن بهم.
حاقــدة: والتعليقات الحاقدة هى التى لا يعجبها العجب ولا يرضيها الذهب، أول ما تفكر فيه وتبادر إليه هو النقد اللاذع، والهجوم غير المبرر، لاترى إلا نفسها ولاتعترف بالمبدعين أوغير المبدعين.
متسائلة: وهى تعليقات استفهامية استفسارية تبحث عن العلل، وتطرح الأسئلة لتحصل على إجابات تزيل شكوكها وتطمئن نفوسها وتزيل حيرتها.
جاءت هذه التقسيمات السابقة باعتبارات مختلفة، لتلقى الضوء على دلالات شتى تتعلق بأنماط التفكير، وبعض شرائح المعلقين. ثالثا: فوائد دراسة هذا النوع من النشاط لاشك أن المهتمين بالعمل في المجتمع يهمهم التعرف على أفراده وشرائحه، وأنماط تفكيرهم، حتى يتمكنوا من التعامل معه على بينة وبصيرة.
وإن كانت شريحة مستخدمى الانترنت لاتمثل كل شرائح المجتمع إلا أنها شريحة كبيرة لا يمكن التغافل عنها أو الاستخفاف بها. وفيما يلى ذكر بعض أهم الفوائد من دراسة (تعليقات القراء).
التعرف علي مستوى الكبت للحريات:
فالمعلق يكتب من بيته أومكتبه باسمه الحقيقى أو المستعار يعبر عن أفكاره أو أهوائه بحرية ويسر، لايخشى من قيود الاشخاص أو المجتمع، ولا يتعرض لقيود المواجهة من حياء أو مجاملة، فتخرج تعليقاته تلقائية تصف آماله وطموحاته أوتصف مستوى فكره ووعيه، أو تصف مشاكله، أوتصف جموحه واتزانه، أوأهوائه وأحقاده. التعرف علي مستوى الإبداع والتقليد: فقد تتفاجئ بمواهب إبداعية مغمورة لا تجد الفرصة للظهور بمواهبها، إلا من خلال نافذة التعليق الصغيرة.. وقد تكون كلماتها قصيرة لكنها تخفى وراءها عقلا واعيا، ومبدعا واعدا.
وفى المقابل نتعرف على مستوى التقليد والمتابعة لأشخاص لايجيدون إلا السير فى ركاب الآخرين بلا وعى أو فهم.. فهم إمعات فى الخير أوالشر على نحو مايصفهم الحديث (يقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن أساءوا أسأنا..)، تذوب شخصياتهم فى شخصيات غيرهم.
معرفة الموافقين والمخالفين والمتحفظين: فالذى يتعامل مع المجتمع لا يسعه أن يتغافل عن بعض شرائحه – ومنهم المعلقون – يلقى إليهم بأفكاره ولايكون وصيا على عقولهم بل يدعهم يتفاعلون معها ويتفاعل معهم، ويعرف صدى فكرته وتأثيرها ومستوى إستيعاب الآخرين لها، وحجم الموافقين، والمخالفين والواقفين متحفظين يقبلون بعضها ويعترضون على بعضها.
حرية التعليق مطلقة أم مقيدة؟
واذا كان من النافع والمفيد: عدم التدخل فى حرية المعلق واقتحام خلوته وعزلته بوضع قيود على حريته فيما يكتب، وحتى لانفقد التلقائية التى تبدو منه حينذاك فنعرف ما يدور بخلده –فإنه أيضا: من الضار والشائك ترك هذه الحرية مطلقة، تخرج التعليقات عن مسار التركيز على الافكار والمضامين، إلى مسار النيل من الأشخاص والأعراض والعقائد والأخلاق.
فما من شك فى أن حرية المشاركة فى التعليقات لاينبغى أن تتلوث بالهجوم على العقائد أو بالابتذال الاخلاقى، أو انتهاك حقوق الانسان والنيل من عرضه والتشفى فى شخصه والتعريض به، فالكل يتفق على أن حريتك تنتهى عندما تبدأ حرية الآخرين.
خامسا: سمات التعليق النموذجي تعليق يتمتع بالحرية والتلقائية فى العرض والتناول. تعليق يتميز بالعلمية والموضوعية ولا وجود فيه للناحية الذاتية أو الشخصية. تعليق عقلانى جاد يقترب من الفكرة بعلم أو ينتقدها بعلم. تعليق أخلاقى وقور لاينتهك حقوق الغير ولا يطال أعراضهم أوحرماتهم. تعليق إيجابى يبحث عن نقاط التوافق ليعمقها، ويعالج بحيادية وأدب نقاط الاختلاف. يقلل من الافراط فى المدح والثناء على الكاتب ولايلوى عنق الأفكار ليستقطب الآخرين. يصاغ بأسلوب لغوى مفهوم وعرض راق للأفكار. كانت هذه دراسة مختصرة لتعليقات القراء تحت المجهر.. قراءة تحليلة للأبعاد والدلالة -- لنضع أيدينا على النافع منها فنزكيه وندعمه، وعلى الضار منها فنفحصه ونعالجه. وأسأل المولى سبحانه أن يجمع قلوبنا على الخير، ويهدينا سواء السبيل.
 محمد جلال لاشين


ليست هناك تعليقات: