الأحد، 25 سبتمبر 2011

كلمة واحدة لجمال عبدالناصر في مثواه .. رحمك الله أيها الزعيم فقد كنت رجلا



الرئيس الراحل جمال عبدالناصر
 صورته في الميدان منذ بداية الثورة وحتي الان


شهد ميدان التحرير انتشارا ملحوظا لعدد من للبيانات المعبرة عن كافة التيارات والتوجهات السياسية والحزبية، وحرص عدد كبير من المشاركين علي رفع صور الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذي ترفع صورته في الميدان منذ بداية الثورة وحتي الان ليكون الزعيم العربي الوحيد تمجيدا له سواء من الاحياء او الاموات.

«حتة» من وجدان مصر وهو حياة جيلنا.. الجيل الذي عاش يوليو 1952 بأحلامها وطموحاتها وإنجازاتها وانكساراتها وأحزانها».. بهذه الكلمات بدأ السفير الدكتور حمدي الطاهري مساعد سكرتير الرئيس الأسبق للاتصالات الخارجية وهو يستعيد ذكرياته مع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.. ويواصل: بدأت معرفتي بالرئيس عبدالناصر في نوفمبر 1952 عندما افتتح معهد العلوم السياسية وانضم إليه حوالي 160 من خريجي العلوم السياسية من الحاصلين علي درجة جيد، بالإضافة إلي حوالي 160 ضابطاً من مختلف الرتب وكان وقتها يتم الإعداد لأول دفعات ثورة يوليو في الخارجية المصرية وحدث موقف لا أنساه، كان عبدالرحمن الرافعي يدرس لنا تاريخ مصر السياسي فانبري له أحد شباب الضباط وسأله عن رأيه في ثورة يوليو فكان رد الدكتور الرافعي: «يابني الثورات لا يحكم عليها إلا بعد عشرات السنين» فما كان من الضابط الذي كان مفعما بحماس ثوري زائد إلا أن قال للدكتور الرافعي: «هما المدنيين كده.. خونة» فلم يتحمل الرافعي الإهانة فطوي أوراقه وخرج محتجا وتضامن معه جميع الدارسين من المدنيين وتحول هذا التضامن إلي إضراب استمر حوالي أسبوع، إلي أن اتصل بي المرحوم عبدالعزيز صادق وكان من الزملاء العسكريين في المعهد ومن المقربين لي وطلب مني لقاءه بشكل فوري في المساء بنادي الضباط في الزمالك وذهبت في الموعد وكان معه شخص ثالث لم يقدمني إليه ولم يقدمه إلي، ومباشرة طلب مني هذا الضيف الثالث أن أشرح له حقيقة ماجري وأسباب الفجوة ما بين المدنيين والعسكريين في المعهد، فشرحت ما حدث مع الدكتور الرافعي، بالإضافة إلي بعض المظاهر التي كانت محل رفض من جانب المدنيين في المعهد من بينها تمييز العسكريين داخل مكان يفترض فيه أننا جميعا طلاب علم وأن هناك حالة تباعد لا تخلو من الاستعلاء وانتهت الجلسة وكان هذا الشخص هو جمال عبدالناصر ولم يمض أسبوع حتي كان الضابط الذي أهان الدكتور الرافعي محروما من الدراسة ومعه آخرون وكذلك رفعت جميع المعاملات التمييزية للضباط ووقتها لم يكن عبدالناصر قد تولي منصباً يجعله في المشهد السياسي ولكن كنا نسمع اسمه وحكايات عن شخصيته من قبل زملائنا العسكريين، بعدها بأسبوع أبلغني عبد العزيز صادق أن جمال عبدالناصر يريد أن يقابلني مرة أخري وذهبت له وسألني: هل استقرت الأوضاع بين المدنيين فقلت له إن الإجراءات التي اتخذت أحدثت قدرا كبيرا من الهدوء، فقال: تتويجا لهذا سنقوم بدعوة الجميع مدنيين وعسكريين إلي عشاء في نادي الضباط، فذهبت وأبلغت المدنيين فرفضوا وقالوا: ليكن العشاء في المدينة الجامعية، فذهبت إلي عبدالناصر وأبلغته بالمقترح فرفض هو الآخر وأخيرا استقر الرأي علي أن نجتمع جميعا ومعنا أعضاء هيئة التدريس في باخرة «أرابيا» وكان العشاء وقتها مكلفا، كانت تكلفته جنيهاً لكل طالب واستقرت الأمور بعد هذا العشاء، ثم بعد ذلك أنهينا الدراسة وتم تأسيس الجمعية المصرية للعلوم السياسية عام 1954 وانتخبت عضوا لمجلس إدارتها وكان رئيسها هو الدكتور عبدالقادر حاتم وذهبنا للقاء ودي إلي جمال عبد الناصر الذي أصبح وقتها رئيسا للوزراء.

في مايو 1955 التحقت بالسلك الدبلوماسي وكانت هذه أول دفعة دبلوماسية لثورة يوليو وكانت تضم من رفقاء عمري السفراء عبدالرؤوف الريدي ويوسف شرارة وعبدالعزيز شرارة ومحمود قاسم وعاطف أبوالعطا ومنير جوهر وصلاح إبراهيم وعلي تيمور، في ذلك الوقت بدأت صلات العمل مع مكتب الرئيس عبدالناصر إذ كنت في أول بعثة دبلوماسية لمصر في الخرطوم بعد انفصال السودان عن مصر وبعدها ذهبت إلي بيروت في فترة الوحدة بين مصر وسوريا وكانت تأتيني تكليفات من مكتب الرئيس عبدالناصر بأنه يريد أن يستفسر عن أمر ما أو يستعلم عن حقيقة مواقف بعض الشخصيات السياسية بعيدا عن مواقفهم المعلنة إعلاميا وهكذا.
كانت فترة ريادة بحق شعر بها أي دبلوماسي تشرف بتمثيل مصر.. أذكر عندما تم نقلي إلي بعثة مصر في بنما وكانت مشكلة قناة بنما مشابهة لمشكلتنا مع قناة السويس التي أعادها ناصر في قرار تاريخي غير الكثير في التاريخ المصري المعاصر، ذهبت إلي هناك وكان معي زميلي رفقي عثمان وفي مطار بنما وجدنا وسائل إعلام مختلفة ولم نعرف سر تواجدها وفوجئنا أن الإعلام البنمي جاء للاحتفاء برجال ناصر ومن المواقف التي تأثرت بها كثيرا هناك أنني كنت أذهب إلي مطعم بجوار المفوضية المصرية فعندما علم العاملون أنني دبلوماسي مصري رفضوا أن أدفع الحساب وقالوا: أرسل لنا تحياتنا وحبنا لجمال عبدالناصر.
ويكمل: في يوليو 1968 تم تعييني قنصلا عاماً لمصر في لندن وكانت القنصلية المصرية هي القنصلية العربية الوحيدة وكانت مهمتنا محاولة لم شمل الجالية المصرية والعربية التي كانت تنكوي بمرارة هزيمة .67 وهناك تعرفت علي أشرف مروان صهر الرئيس عبدالناصر ونشأت بيننا صداقة قوية استمرت إلي يوم رحيله، وكان أشرف في لندن لعمل دراسات عليا وكان يعمل في مؤسسة الرئاسة الذي أصر علي ضمي إليها عندما أصبح فيما بعد سكرتيرا للاتصالات الخارجية في عهد الرئيس السادات وهي المهمة التي شغلتها كمساعد له من عام 1971 حتي عام ,1976 وأذكر عندما كنت في لندن اتصل بي سامي شرف مدير مكتب الرئيس عبدالناصر ليبلغني بأن بنات الرئيس سيقمن بزيارة لندن ويطلب مني أن أحجز لهن في فندق وأبلغني بأن كلاً منهن معها مصروف جيبها وإذا ما نفدت نقودهن ممنوع منعا باتاً الاقتراب من مليم واحد من أموال القنصلية، وبالفعل حضرن إلي لندن واستقبلتهن في المطار وحجزت تكريما لهن جناحاً لكل واحدة في «جروفنال أوتيل» وكان سعره 57 جنيهاً إسترلينياً وقتها وأبلغت سامي شرف بما تم فقال لي نصا: إذا ما علم الرئيس بأنك أنزلتهن في أجنحة فندقية «هيخرب بيتك» انقلهن فورا إلي غرف عادية ولكنني وخوفا علي مشاعرهن رفضت نقلهن وتحملت فارق السعر من نقودي الخاصة تكريما لعبدالناصر وطلبت من سامي شرف عدم إبلاغه وقد كان وبالفعل نفدت نقودهن فعاودت الاتصال بسامي شرف وأبلغته فقال لي: انتظر سأبلغ الرئيس وبعدها بساعة تقريبا اتصل بي سامي شرف ليبلغني أن الرئيس يشكرني ويطلب مني الحجز لبناته علي أول طائرة عائدة إلي مصر وهو ما تم.. ويضيف: كانت رئاسة الجمهورية ترسل لي شهريا مبلغ 40 جنيهاً إسترلينياً من أموال الرئيس ناصر لكي أحضر له الكتب الحديثة والمجلات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تصدر هناك وكان حريصا جدا علي هذا الأمر.
ويختتم الطاهري كلماته لـ«روزاليوسف»: أود أن أقول كلمة واحدة لجمال عبدالناصر في مثواه .. رحمك الله أيها الزعيم فقد كنت رجلا.


ليست هناك تعليقات: