الاثنين، 29 أغسطس 2011

عرض إضافي لخيانات الرئيس المخلوع وأوامره السيادية


شيمون بيريز ـ وصف مبارك ـ بأنه 
«أهم رجل في حياة إسرائيل بعد المؤسس بن جوريون»
 الأوامر القديمة المزمنة لدي قوات الأمن كانت صارمة، 
وتقضي بعــدم مراقبــة الحــدود المصرية ـ «الإسرائيلية» ليلاً ؟!!!
الامتناع عن مراقبة الحدود 
تأتي تنفيذاً لاتفاقية السلام المصرية ـ «الإسرائيلية»


ضبط متكرر لأمريكي يحمل الجنسية الإسرائيلية .. وفي كل مرة كان العجز سيد الموقف، وكان يجري إطلاق سراحه عقب اتصال من صديق مشترك، وبناء علي دعوة كريمة من اللواء منصور عيسوي، ذهبت للقاء الرجل في مكتب وزير الداخلية الذي دخلته لأول مرة في حياتي. كانت بشاشة الرجل مما أذاب الجليد، خاصة أن خلافي معلن مع المجلس العسكري وحكومته، ومع ما يجري بطيئا مضطربا ومريبا ـ أحيانا ـ في وزارة الداخلية بالذات، وهو ما يعلمه اللواء عيسوي، ولم ير معه مانعا من لقاء علي فنجان قهوة، ونقاش امتد بتفاصيله القابلة للنشر، أو المحجوزة عنه، إلي وقت السحور الرمضاني.
وخارج مدار ما يجري علي جبهة البلطجة الداخلية، والمحاكمات المتعثرة، وسيناريوهات التطهير، لاحظت أن اللواء منصور عيسوي كان في غاية الانتعاش، ويتصل بحماس علي الخط المفتوح مع رئيس الوزراء، وهو يتلقي التقارير الأولي عن نجاحات الحملة الأمنية الكبري في شرق سيناء، ثم بدا الرجل في حالة دهشة عظيمة، بدا جبينه مقطبا، وهو يقرأ بصوت مسموع تقريرا خطيراً وصله للتو من الجبهة، كان التقرير كاشفا لخيبة كبري، أو قل إنه كاشف لخيانة عظمي، هي مجرد عرض إضافي لخيانات الرئيس المخلوع، فالتقرير الأمني يتحدث عن ضبط متكرر لأمريكي يحمل الجنسية الإسرائيلية، تكرر ضبطه أربع مرات من قبل قوات الأمن، وفي كل مرة كان العجز سيد الموقف، وكان يجري إطلاق سراحه، وتركه يذهب لحاله، فالأوامر القديمة المزمنة لدي قوات الأمن كانت صارمة، وتقضي بعدم مراقبة الحدود المصرية ـ «الإسرائيلية» ليلاً، أي الامتناع عن المراقبة من غروب الشمس، وحتي الشروق في اليوم التالي، بدا الكلام صادماً لرجل الأمن المحترف منصور عيسوي، وزادت الصدمة مع ملاحظة لافتة وردت في التقرير العجيب، وهي أن أوامر الامتناع عن المراقبة تأتي تنفيذاً لاتفاقية السلام المصرية ـ «الإسرائيلية»، وهنا فاض الكيل بوزير الداخلية، والتقط قلمه الأحمر، وكتب تأشيرة حازمة كنت شاهدا عليها، كتب بالنص «تعين مراقبة أمنية علي الحدود طوال النهار والليل حتي لو كان ذلك مخالفا لشروط اتفاقية السلام» جرت الواقعة قبل ساعات من التهاب التوتر الحربي علي الحدود، وبقدر ما تومئ الواقعة إلي وطنية بديهية محمودة للواء عيسوي، فإنها تكشف ـ بالمرة ـ عن خيانات بديهية إضافية للرئيس المخلوع حسني مبارك، وأوامره السيادية بترك الحدود سداحاً مداحا، وخطا مفتوحا لعبور مجاني إلي مصر، وبكل ما تملك أيدي إسرائيل من أذي وخراب لمصر، عبور مجاني لأشخاص، ولجواسيس، ولمخدرات، ولأسلحة، عبور إسرائيلي آمن لقلب مصر، وببركة رجلهم مبارك الذي هو أعظم جواسيس إسرائيل، وأصابهم الحزن الكظيم مع بدء محاكمته، حتي لو كانت شكلية، ووصفه بنيامين نيتانياهو ـ أي وصف مبارك ـ بأنه «الصديق العظيم» لإسرائيل، فيما وصفه الجنرال بنيامين بن إليعازر بأنه «أعظم كنز استراتيجي لإسرائيل»، ووصفه شيمون بيريز ـ رئيس إسرائيل الحالي ـ بأنه «أهم رجل في حياة إسرائيل بعد المؤسس بن جوريون».
وفي أجواء الخطر الزاحف الآن، وبيئة التوتر الحربي، وإن لم تصل لمقام الحرب المفتوحة بعد، في هذه الأجواء الخطرة، علي مصر كلها أن تنتبه، وأن تتحول إلي قبضة يد، فقد نختلف ـ ونحن نختلف ـ مع المجلس العسكري في مقام الثورة، وفي التدافع حول مصائرها، لكن مصريا وطنيا واحدا لايتخلف عن نصرة قواتنا المسلحة الباسلة في لحظة الخطر، ومصر الآن في لحظة خطر عاصف، والملفات الشائكة كلها تفتح تباعا، والحقائق كلها عارية، فمصر محتلة في قرارها السياسي والاقتصادي من جانب الأمريكيين، وسيناء مهددة بالاجتياح في أي لحظة من قبل الإسرائيليين، ولن يتردد الأمريكيون والإسرائيليون في محاولة إجهاض الثورة، ولو بحد السلاح، وهم يلجأون إلي التهديد المباشر الآن، ردعا وتخويفا واحتواء لسلطة المجلس العسكري، وإثارة لفزع الشعب المصري، وتثبيتاً لأوضاع نزع سيادة السلاح المصري في سيناء، ووضعنا تحت رحمة السلاح الإسرائيلي، ودفع السلطة القائمة للاستمرار في خيانة مصر علي طريقة المخلوع مبارك، وإعطاء الأولوية الكاملة لخدمة مصالح إسرائيل في مصر، وحصر التقدم للديمقراطية في مصر في مدي محدود جداً، ومحكوم بمحرمات الاقتراب من الهيمنة الأمريكية والتهديد الإسرائيلي، وتحويل القصة كلها إلي دوري انتخابي يشبه الدوري الكروي، وحصر لعبة الأحزاب المصرية في دوري أقاليم، تتصايح فيه الفراخ والديكة، إسلامية كانت أو ليبرالية، ولكن في القفص الاستراتيجي الأمريكي الإسرائيلي نفسه.

وقد لاندعو الآن للذهاب إلي حرب، ولكن ما العمل إذا فرضت علينا الحرب، وقد لاندعو الآن لذهاب الجيش المصري إلي تحرير فلسطين، فليست هذه هي القضية العاجلة، بقدر ما أن العاجل هو وقف التطبيع، وذهاب الجيش المصري لتحرير سيناء، فليس صحيحا أن سيناء رجعت كاملة لنا، ولا أن «مصر اليوم في عيد» كما تقول أغنية المطربة شادية، بل كانت العودة مزورة، كما كانت الانتخابات مزورة، وسيناء لم تعد بقدر ما ذهبت مصر، سيناء عادت إلي مصر بطريقة الذي أعادوا له قدما، وأخذوا عينيه، في الظاهر جلت إسرائيل عن سيناء، لكن مصر لم تعد إلي سيناء، وقد حجبوا الحقائق عن الشعب المصري طويلا، وآن لنا أن نعرف العار الذي تركوه لنا ولأولادنا من بعدنا. في الملاحق الأمنية لما يسمي معاهدة السلام المصرية ـ الإسرائيلية، وهي منشورة رسميا بالمناسبة، مرة من قبل وزارة الخارجية ومرة أخري من قبل هيئة الكتاب، لكنها محجوبة بالجملة في الإعلام السيار قبل الثورة وبعدها، وفي محاولة عبيطة للتخفي بالعار، أو تضليل المصريين عن حقيقة مصر التي لا تزال محتلة، وعن حقيقة القيد الذي وضعنا في المذلة، وبلا مقدرة حقيقية علي التنمية والتصنيع والنهضة، وبلا مقدرة علي التحرير الوطني الناجز، واستعادة حرية قرارنا واستقلالنا الوطني، وقد تناثر كلام كثير عن تنمية سيناء التي لم تحدث، وعن التوسع العمراني الذي لم يتم، ودون أدني إشارة إلي الفيتو الأمريكي ـ الإسرائيلي، والذي جعل القاهرة آخر مكان يمكن أن يتقرر فيه شيء بشأن سيناء، اللهم إلا علي طريقة إقامة المخلوع ـ فيما مضي ـ بصفة متصلة في شرم الشيخ تحت الحراسة الإسرائيلية، أو علي طريقة السمع والطاعة لأوامر القوة متعددة الجنسيات في معسكرات سيناء. في الملاحق الأمنية المنشورة رسميا، يبدو العار بلا رتوش، فقد جري تقسيم سيناء، ومساحتها خمسة أضعاف مساحة فلسطين المحتلة، جري تقسيم سيناء إلي ثلاث مناطق أمنية، المنطقة «أ» إلي غرب سيناء، وتمتد إلي عمق 58 كيلو متراً من خط قناة السويس، وقبل خط المضايق والممرات الاستراتيجية الحاكمة، وهي المنطقة الوحيدة في سيناء المسموح فيها بوجود لقوات الجيش المصري ، وفي صورة فرقة مشاة ميكانيكية واحدة أي 22 ألف جندي بتسليح مقصور علي 230 دبابة و126 مدفع ميدان و126 مدفع مضاد للطائرات عيار 37مم و480 مركبة، وفي قلب سيناء تأتي المنطقة «ب» وعرضها 109 كيلو مترات، ويسمح فيها ـ فقط ـ بأربعة آلاف من أفراد حرس الحدود المصريين، ثم تأتي المنطقة «ج»، وعرضها 33 كيلو مترا، وممتدة إلي خط الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة، وغير مسموح فيها بأي تواجد لقوات الجيش المصري ويسمح ـ فقط ـ بوجود لقوات الشرطة. ومحصلة الترتيبات الأمنية المهينة ظاهرة، فثمة إخلاء استراتيجي مرعب، وفي سيناء التي عبر إليها 80 ألف جندي مصري مع ألف دبابة في حرب 1973، بينما الصورة الآن كما يلي، خط حدود مكشوف مع غزة والنقب وإيلات، ونزع للسلاح المصري ممتد في سيناء إلي عمق يقارب 150 كيلو مترا، فوق أن اتفاقية العار ذاتها تحظر إنشاء أي مطارات أو موان حربية في سيناء كلها، وتحظر تحليق الطائرات المقاتلة المصرية، وهي صورة لم يجر عليها سوي تغيير جزئي محدود باتفاق سبتمبر 2005، فقد طلبت إسرائيل وجود 750 جندي حرس حدود مصرياً، وبهدف محدد هو محاصرة غزة، وتحت رقابة القوات متعددة الجنسيات، والأخيرة معروفة اختصارا بذوي القبعات البرتقالية أو MFO، وعدد أفرادها بالدقة 1678، وغالبها من دول حلف الأطلنطي، وقيادتها الدائمة لأمريكا التي تشارك بنسبة 40% من عدد القوات، وللقوات ثلاثة معسكرات، أولها في «الجورة» شرق سيناء، والقاعدة الثانية في شرم الشيخ، والقاعدة الثالثة في جزيرة «تيران» بخليج العقبة، إضافة لثلاثين مركز مراقبة، والميزانية السنوية للقوات الأجنبية 65 مليون دولار، تدفع مصر نصفها، أي أننا أخلينا سيناء من سلاحنا، وتركناها لقواعد القوات الأجنبية، وندفع للمستعمرين من قوتنا.
إنه العار الذي يلاحقنا جيلاً فجيل، إنه الاحتلال الذي سقط عميله مبارك، لكن الاحتلال بقي، إنها مهمة التحرير التي تنتظر الجيش المصري، وثورة المصريين المهددة بحد السيف الأمريكي ـ الإسرائيلي المعلق فوق الرءوس.


ليست هناك تعليقات: