السبت، 18 يونيو 2011

الانفلات الأمني قضية أمن سياسي تحتاج إلى معلومات



حقيقة ما جرى في كواليس أمن الدولة
 الأمن السياسي لحماية مصر وحماية الثورة
 لا حماية النظام كما كان من قبل


لن تتوقف حوادث البلطجة والانفلات، بل ربما سيضاف إليها جرائم أخرى ما لم نجيب بصراحة على سؤال يشخص هذه الحوادث ويضعها في موضعها الصحيح .هلالبلطجة قضية تتصل بالأمن الجنائي أم أنها قضية أمن سياسي بامتياز؟ أم أنها الاثنتين معاً وبالتالي فمن الضروري أن لا ننشغل بواحدة على حساب الثانية ، وبمعنى آخر، هل البلطجية مجموعة من الخارجين على القانون المسجلين والهاربين من السجون من محترفي الإجرام، أم أنهم ميليشا من المرتزقة تنفذ أجندات أطراف متعددة لا ترغب في أن تقوم لمصر قائمة وألا تنتهي دولة الفساد أبداً، ولا يسترد المصريون كرامتهم.
الحكومة نفسها يختلط عليها الأمر، مرة تقول إنهم المسجلين والخارجين على القانون ومرة أخرى تؤكد أنهم ميليشيا مأجورة موجهة، قدر عددها وزير العدل بحوالي 500 ألف بلطجي.. يتقاضى كل واحد منهم 5 آلاف درهم في اليوم عن كل عملية ترويع متعمدة ومقصودة لإبقاء أعصاب المصريين مشدودة قلقلة ومندفعة بالغضب على الثورة والثوار، ومع ذلك لم نسمع عن تفاصيل من لحم ودم تقول بأن أحداً من الذين يستأجرون هذه الميليشيا تم القبض عليه... فمنذ الثورة لم نر محرضين على الفتنة والبلطجة سوى أولئك المقبوض عليهم على ذمة موقعة الجمل، إذن أين المحرض الحقيقي لعمليات الترويع وبث الرعب وأحداث الفتنة بعد الثاني من فبراير، ومن الذي يحرض المحتجين على قطع الطرق وتعطيل السكك الحديدية، من الذي يقف وراء جرائم لا هدف لها سوى بث الرعب في نفوس الناس وإيقاظ ذاكرة الانفلات الأمني يوماً بعد أخر.
صباح الخميس الماضي شن مجموعة من البلطجية هجوماً بالأسلحة النارية والبيضاء على العاملين في مشروع تركيب وحدات بشركة أبو قير للكهرباء، نتج عنه إصابة بعض العمال، ثم وقف العمل في المشروع، ووفقاً لما نُقل عن أحد المهندسين فقد، انسحب من العمل في المشروع 4 آلاف عامل ينتمون إلى 13 شركة، مما قد يترتب عليه بطبيعة الحال تأخر تشغيل الوحدات الجديدة عن موعدها المقرر في أبريل القادم، والأخطر من ذلك هو تأخر الشعور بالأمان الذي يشجع على الاستثمار ويعيد عجلة الإنتاج إلى مسارها الصحيح.
هذه واقعة من عشرات الوقائع المتناثرة في أنحاء الجمهورية تستدعي تحقيقاً موسعاً ومكاشفة للرأي العام تفضح المحرضين قبل أولئك المأجورين، وهي تعيدنا إلى السؤال الجوهري هل البلطجة والانفلات قضية أمن سياسي أم هي جنائية وهل هؤلاء بلطجية "لمبروزو" المختومين على وجوههم بضربات المطاوي والسكاكين أم أنهم نوع أخر يطبقون أجندات خاصة.
لست من أنصار الذين يعلقون فأس المؤامرة في رقبة واحدة ويصرون على أن البلطجة وترويع المواطنين رجس من عمل فلول الحزب الوطني وضباط أمن الدولة دون سواهم، فالمنطق يشير إلى مستفيدين كثيرين بينهم قوى في الداخل وأخرى في الخارج، وهنا لا أقصد فقط إسرائيل رغم أنها تتصدر قائمة المستفيدين من إجهاض الثورة والإبقاء على مصر منهكة ضعيفة، بل هناك أطراف إقليمية تكافح بكل ما تمتلك من ثروة وعملاء في الداخل لكي تلوث صورة الثورة البيضاء.
لا أريد أن أوجه الأنظار ناحية المؤامرة السياسية على حساب الواقع الجنائي، فبلطجة الخارجين على القانون كانت موجودة قبل الثورة كما هي بعدها، فقد اتسعت بصورة كبيرة في السنوات الأخير بعد أن دخل بعض من ضباط الشرطة في شراكة مع اللصوص، ومع ذلك فقد تعايش المجتمع مع هذا النوع من البلطجة، والأهم أن البلطجية الصغار لم يهددوا محطة كهرباء ولم يسرقوا قضبان السكك الحديدية ولم يروعوا الناس لمجرد بث الرعب، وهناك دراسةأعدتها الدكتورة فادية أبو شهبة أستاذ القانون الجنائي في المركز القومي للبحوث الاجتماعية تشير إلى أن 57% من المسجلين يمارسون أنشطة إجرامية بمفردهم، بينما 34% منهم يمارسونها ضمن تشكيلات عصابية، تتصدرها جرائم الاتجار في المخدرات ثم السرقة بالإكراه وغيرها من الجرائم التي لا تبحث عن الترويع وبث الرعب في نفوس الناس دون فائدة.
استناداً إلى هذه الحقائق أنا من المؤمنين بأن عملية ملاحقة جادة وقوية لأوكار تجمع البلطجية التقليدين كفيلة بإنهاء الشق الجنائي للانفلات الأمني، فقط يحتاج الأمر إلى قرار وإرادة الرجال الذين سينفذونه.
أما ما يتصل بالأمن السياسي فالأهم في تقديري ألا نركن فيه لتفسير فلول الحزب الوطني وأتباع سكان طره فقط، بل هناك أطراف كثيرة يسعدها ضياع الثورة وفقدان الثقة فيما أنجزته، وهنا أدعو إلى البحث في حقيقة ما جرى في كواليس أمن الدولة طيلة السنوات الماضية، ولدى هنا عدة عناوين تتصل بأطراف المؤامرة في الداخل والخارج ونحتاج إلى فحص ملفاتها ومساءلة الأطراف المسئولين عنها إذا كنا جادين في حماية الثورة بل حماية مصر نفسها.
  • فتح ملف ميليشيا الحزب الوطني وبلطجية الانتخابات، وتحديد الذين جندوهم وأشرفوا على توجيههم وتحريكهم لتزوير الانتخابات وترويع المعارضين.
  • فتح ملف السلفيين الذين حركتهم أمن الدولة طيلة العقود الماضية وتحديد الأطراف التي كانت توجههم
  • فتح ملف الأقباط الذين كانت توجههم أمن الدولة وتدفع بهم من حين لأخر عندما تحتاج السلطة الفاسدة إلى إشعال حريق أو أزمة هناك تلهي المصريين وتحرق قلبوهم.
  • فتح ملف الضباط الفاسدين الذين استفادوا من سطوة أمن الدولة وتداخلها في شرايين حياة المصريين.
  • فتح ملف التمويل الذي تتلقاه تيارات دينية وسياسية من دول جارة لا يسعدها قيام ديمقراطية حقيقية في مصر.
أحسب أن المعلومات الأهم لاستجلاء هذه الحقائق ليست موجودة فقط في ملفات وسيديهات أمن الدولة، فالقدر الأكبر منها لدى الضباط أنفسهم، لذا من المهم إجبار كل من له صلة بهذه الملفات على الإدلاء بما لديه من معلومات أما أن نتركهم وشأنهم ونكتفي بنقلهم للعمل في إدارات أخرى فهو منتهى العبث والاستهتار بحجم ما لدى هؤلاء الأشخاص من معلومات تمتد لأدق تفاصيل الحياة.
ينبغي أن نتعامل مع الانفلات الأمني على أنه قضية أمن سياسي تحتاج إلى معلومات، وأظن أن استخدام معلومات الأمن السياسي هذه المرة سيكون لحماية مصر وحماية الثورة لا حماية النظام كما كان من قبل.

ليست هناك تعليقات: