... كاتب يهودي ...
الشعب اليهودي مجرد "اختراع"
الشعب اليهودي مجرد "اختراع"
يرى البروفيسور شلومو ساند أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب أن اليهود لم يكونوا في يوم من الأيام قومية واحدة أو شعبا واحدا، كما أنهم لا ينتسبون إلى عرق واحد.
بل يعتقد أيضا أن فكرة الوعد بعودة الأمة اليهودية إلى الأرض الموعودة هي فكرة غريبة تماما على اليهودية، وأنها لم تظهر إلا مع ميلاد الصهيونية في القرن التاسع عشر، حيث تعامل اليهود من قبل مع الأراضي المقدسة كأماكن يتم تعظيمها وليس من الضروري العيش في كنفها تماما مثلما يتعامل المسلمون مع أماكنهم المقدسة.
تشكل هذه الآراء المحور الرئيس لكتاب ساند الذي أثار وما زال يثير الكثير من الجدل منذ صدوره باللغة العبرية عام 2008 تحت عنوان "اختراع الشعب اليهودي"، حيث تصدّر الكتاب قائمة أكثر الكتب مبيعا لمدة تسعة عشر شهرا في "إسرائيل" نفسها رغم مساسه بأهم المحرمات عند اليهود ..
كذلك يجادل المؤلف بأن اليهود لم يتعرضوا أبدا للنفي من الأرض المقدسة، ذلك إن معظم يهود العالم اليوم ليس لهم أي ارتباط تاريخي بالأرض المسماة "إسرائيل" مستندا في ذلك إلى أبحاث ودراسات تاريخية وأركيولوجية آثرية مكثفة.
يضم الكتاب خمسة فصول مع تمهيد، إضافة إلى مقدمة للمؤلف خصّ بها قراء الطبعة العربية التي ترجمها سعيد عياش وراجعها وقدم لها الباحث الفلسطيني أنطوان شلحت.
في القسم الأول من تمهيده يسرد ساند مجموعة من الحكايات عن أشخاص قدّر له الارتباط بهم أو التعرف عليهم عبر مراحل حياته المختلفة، منهم يهود وعرب ومسيحيون مثل والده البولندي الذي عاش حياة قاسية وأصبح شيوعيا في فترة مبكرة من حياته واعتقل إثر ذلك ثم لجأ للاحاد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية، وتنقل عبر عدة محطات قبل أن تقوم الوكالة اليهودية بتسفيره إلى حيفا عن طريق مدينة مرسيليا الفرنسية في نهاية عام 1948... وظل يشعر طوال حياته بأنه سرق أرضا يمتلكها غيره، ومثل والد زوجته الكتالوني برناندو الذي حارب في بداية حياته ضد جيش فرانكو خلال الحرب الأهلية الإسبانية، ثم انتهى به الحال مقاتلا مع الجيش الإسرائيلي في منطقة اللطرون رغم أنه لم يكن يهوديا. ثم يعرّج على حكايتين لاثنين من أصدقائه العرب نكتشف لاحقا أن أحدهما هو الشاعر المعروف محمود درويش. ويعرض كيف أثرت النكبة واحتلال أرضهما عام 48 على مسار حياتهما.
يضم الكتاب خمسة فصول مع تمهيد، إضافة إلى مقدمة للمؤلف خصّ بها قراء الطبعة العربية التي ترجمها سعيد عياش وراجعها وقدم لها الباحث الفلسطيني أنطوان شلحت.
في القسم الأول من تمهيده يسرد ساند مجموعة من الحكايات عن أشخاص قدّر له الارتباط بهم أو التعرف عليهم عبر مراحل حياته المختلفة، منهم يهود وعرب ومسيحيون مثل والده البولندي الذي عاش حياة قاسية وأصبح شيوعيا في فترة مبكرة من حياته واعتقل إثر ذلك ثم لجأ للاحاد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية، وتنقل عبر عدة محطات قبل أن تقوم الوكالة اليهودية بتسفيره إلى حيفا عن طريق مدينة مرسيليا الفرنسية في نهاية عام 1948... وظل يشعر طوال حياته بأنه سرق أرضا يمتلكها غيره، ومثل والد زوجته الكتالوني برناندو الذي حارب في بداية حياته ضد جيش فرانكو خلال الحرب الأهلية الإسبانية، ثم انتهى به الحال مقاتلا مع الجيش الإسرائيلي في منطقة اللطرون رغم أنه لم يكن يهوديا. ثم يعرّج على حكايتين لاثنين من أصدقائه العرب نكتشف لاحقا أن أحدهما هو الشاعر المعروف محمود درويش. ويعرض كيف أثرت النكبة واحتلال أرضهما عام 48 على مسار حياتهما.
ثم يختتم سلسلة هذه الحكايا بطالبتين قام بتدريسهما ولم تصبحا يهوديتين معترفا بهما لأنهما ولدتا من أم غير يهودية وأب يهودي، حيث انتهى الحال بالأولى المولودة في فرنسا مناهضةً للاحتلال الإسرائيلي بعد أن كانت أعلنت نفسها يوما ما صهيونية، أما الثانية المولودة في روسيا فهي تعيش اليوم في منطقة الجليل لكنها ما زالت تنتمي للديانة المسيحية مثل والدتها.
من خلال هذه الحكايات يحاول الكاتب التأكيد على الفكرة الرئيسية في كتابه بأن اليهود لم يكونوا عبر التاريخ شعبا واحدا، وبأنهم كانوا متناثرين في الدنيا قبل أن تتمكن الصهيونية من جذبهم نحو مشروعها، ومن ثم احتلالهم لأرض كانت مملوكة ومعمرة من قبل شعب آخر وتسبب هذا الاحتلال بتشرده وشقائه، وكأنه يسأل من جعلنا سكانا أصليين؟
في القسم الثاني من تمهيده، الذي حمل العنوان الفرعي: "ذاكرة تمّ زرعها وتاريخ معاكس"، يعرض ساند خصائص الذاكرة التي زُرعت، على مر السنين لدى كل الإسرائيليين، والتي جعلتهم يتيقنون، من دون أن يساورهم أي شك، بأن الشعب اليهودي قد وُجد منذ نزلت التوراة على النبي موسى في صحراء سيناء، وأنهم متحدرون بصورة مباشرة وحصرية من ذلك الشعب، وأن هذا الشعب قد خرج من مصر واحة أرض إسرائيل التي وُعد بها من الرب وأقام فيها مملكتي داود وسليمان، وبأنه قد عرف فيما بعد النفي في مناسبتين: بعد تدمير الهيكل في القرن السادس قبل الميلاد، وبعد تدمير الهيكل الثاني في العام 70 للميلاد.
ويعتقدون أن هذا الشعب قد عرف التشرد في بلدان عديدة طوال ما يقرب من ألفي سنة، لكنه استطاع المحافظة على صلة الدم بين تجمعاته المتباعدة، بحيث حافظ على وحدته، وذلك إلى أن توفرت له في نهاية القرن التاسع عشر ظروف مناسبة جعلته يستيقظ من كبوته ويستعد للعودة إلى أرض موطنه القديم التي كانت أرضا بكرا وغير مسكونة، وصار عليه أن يحوّلها إلى أرض خصبة ومزهرة وظل يشعر طوال حياته بأنه سرق أرضا يمتلكها غيره، ومثل والد زوجته الكتالوني برناندو الذي حارب في بداية حياته ضد جيش فرانكو خلال الحرب الأهلية الإسبانية، ثم انتهى به الحال مقاتلا مع الجيش الإسرائيلي في منطقة اللطرون رغم أنه لم يكن يهوديا. ثم يعرّج على حكايتين لاثنين من أصدقائه العرب نكتشف لاحقا أن أحدهما هو الشاعر المعروف محمود درويش. ويعرض كيف أثرت النكبة واحتلال أرضهما عام 48 على مسار حياتهما...
من خلال هذه الحكايات يحاول الكاتب التأكيد على الفكرة الرئيسية في كتابه بأن اليهود لم يكونوا عبر التاريخ شعبا واحدا، وبأنهم كانوا متناثرين في الدنيا قبل أن تتمكن الصهيونية من جذبهم نحو مشروعها، ومن ثم احتلالهم لأرض كانت مملوكة ومعمرة من قبل شعب آخر وتسبب هذا الاحتلال بتشرده وشقائه، وكأنه يسأل من جعلنا سكانا أصليين؟
في القسم الثاني من تمهيده، الذي حمل العنوان الفرعي: "ذاكرة تمّ زرعها وتاريخ معاكس"، يعرض ساند خصائص الذاكرة التي زُرعت، على مر السنين لدى كل الإسرائيليين، والتي جعلتهم يتيقنون، من دون أن يساورهم أي شك، بأن الشعب اليهودي قد وُجد منذ نزلت التوراة على النبي موسى في صحراء سيناء، وأنهم متحدرون بصورة مباشرة وحصرية من ذلك الشعب، وأن هذا الشعب قد خرج من مصر واحة أرض إسرائيل التي وُعد بها من الرب وأقام فيها مملكتي داود وسليمان، وبأنه قد عرف فيما بعد النفي في مناسبتين: بعد تدمير الهيكل في القرن السادس قبل الميلاد، وبعد تدمير الهيكل الثاني في العام 70 للميلاد.
ويعتقدون أن هذا الشعب قد عرف التشرد في بلدان عديدة طوال ما يقرب من ألفي سنة، لكنه استطاع المحافظة على صلة الدم بين تجمعاته المتباعدة، بحيث حافظ على وحدته، وذلك إلى أن توفرت له في نهاية القرن التاسع عشر ظروف مناسبة جعلته يستيقظ من كبوته ويستعد للعودة إلى أرض موطنه القديم التي كانت أرضا بكرا وغير مسكونة، وصار عليه أن يحوّلها إلى أرض خصبة ومزهرة وظل يشعر طوال حياته بأنه سرق أرضا يمتلكها غيره، ومثل والد زوجته الكتالوني برناندو الذي حارب في بداية حياته ضد جيش فرانكو خلال الحرب الأهلية الإسبانية، ثم انتهى به الحال مقاتلا مع الجيش الإسرائيلي في منطقة اللطرون رغم أنه لم يكن يهوديا. ثم يعرّج على حكايتين لاثنين من أصدقائه العرب نكتشف لاحقا أن أحدهما هو الشاعر المعروف محمود درويش. ويعرض كيف أثرت النكبة واحتلال أرضهما عام 48 على مسار حياتهما...
** صناعة الذاكرة اليهودية
ويؤكد ساند أن هذا الواقع لم يتكوّن بصورة تلقائية، وإنما تراكم طبقة فوق طبقة اعتبارا من النصف الثاني من القرن التاسع عشر من قبل مجددين بارعين، استطاعوا أن يجمعوا نتفا من الذاكرة الدينية، اليهودية والمسيحية، وأن يقيموا فوقها، بفضل مخيلتهم الخصبة، سلسلة نسب متواصلة للشعب اليهودي. وصارت المتطلبات القومية تكبح بروز أي تناقض أو أي انحراف عن هذه الرواية التاريخية المسيطرة. ويختم ساند تمهيده بالإشارة إلى أنه كان يفضّل أن يضطلع بمهمة تأليف كتابه فريق بحث متعدد التخصصات، لكن ذلك لم يكن ممكنا لأنه لم يجد من يتواطأ معه في إنجاز هذا المشروع. ويؤكد أن كتابة تاريخ يهودي جديد، يخرج عن نطاق الرؤية الصهيونية، ليس أمرا سهلا. يخوض ساند في الفصل الأول من كتابه تجربة شاقة سعى من خلالها إلى مناقشة عدد من المصطلحات كالأمة والشعب والقومية والهوية وعلاقة ذلك بالدين على المستوى النظري. ويرى أن كثيرا من هذه المصطلحات يصعب العثور على تعريف محدد لها يتفق عليه الجميع. ويرى أن هذه المصطلحات قد عاشت حراكا دائما للمعاني وتعدد الدلالات التي تعبر عنها عبر مراحل التاريخ المختلفة، فمصطلح شعب على سبيل المثال كان يدل في مرحلة على المجتمعات الزراعية على الفلاحيين الذين لم يكونوا يتقنون القراءة والكتابة وأنه أُطلق في مرحلة لاحقة على مجموعات بشرية ذات هوية فضفاضة قبل أن تكتسب الدلالة المستعملة في زماننا. في الفصل الثاني يخبرنا ساند عن اكتشافه أن الكتّاب اليهود، وعلى مدار أكثر من ثمانية عشر قرنا لم يكتبوا تاريخا شاملا لماضيهم رغم قدم ديانتهم، ولم يظهر أي تاريخ لدينهم إلا في مطلع القرن الثامن عشر، كما أن بدايات كتابة التاريخ اليهودي في العصر الحديث لا تتسم بخطاب قومي واضح. فمفهوم "الأمة اليهودية" لم يبرز بصورة صريحة إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وذلك عندما بدؤوا يصوغون تاريخا قوميا باختراع فكرة أن اليهود قد وجدوا كشعب (أمة) وعلى نحو منفصل عن دينهم حيث صدرت في مدينة لايبزغ الألمانية في سنوات الخمسينيات من ذلك القرن المجلدات الأولى للمؤرخ هنريش غريتز تحت عنوان "تاريخ اليهود منذ العصور القديمة وحتى أيامنا هذه"، والذي ترك أثرا مهما على تشكّل الأيديولوجية الصهيونية ولعب دورا كبيرا في صقل الهوية القومية لليهود فيما بعد.
ويؤكد ساند أن هذا الواقع لم يتكوّن بصورة تلقائية، وإنما تراكم طبقة فوق طبقة اعتبارا من النصف الثاني من القرن التاسع عشر من قبل مجددين بارعين، استطاعوا أن يجمعوا نتفا من الذاكرة الدينية، اليهودية والمسيحية، وأن يقيموا فوقها، بفضل مخيلتهم الخصبة، سلسلة نسب متواصلة للشعب اليهودي. وصارت المتطلبات القومية تكبح بروز أي تناقض أو أي انحراف عن هذه الرواية التاريخية المسيطرة. ويختم ساند تمهيده بالإشارة إلى أنه كان يفضّل أن يضطلع بمهمة تأليف كتابه فريق بحث متعدد التخصصات، لكن ذلك لم يكن ممكنا لأنه لم يجد من يتواطأ معه في إنجاز هذا المشروع. ويؤكد أن كتابة تاريخ يهودي جديد، يخرج عن نطاق الرؤية الصهيونية، ليس أمرا سهلا. يخوض ساند في الفصل الأول من كتابه تجربة شاقة سعى من خلالها إلى مناقشة عدد من المصطلحات كالأمة والشعب والقومية والهوية وعلاقة ذلك بالدين على المستوى النظري. ويرى أن كثيرا من هذه المصطلحات يصعب العثور على تعريف محدد لها يتفق عليه الجميع. ويرى أن هذه المصطلحات قد عاشت حراكا دائما للمعاني وتعدد الدلالات التي تعبر عنها عبر مراحل التاريخ المختلفة، فمصطلح شعب على سبيل المثال كان يدل في مرحلة على المجتمعات الزراعية على الفلاحيين الذين لم يكونوا يتقنون القراءة والكتابة وأنه أُطلق في مرحلة لاحقة على مجموعات بشرية ذات هوية فضفاضة قبل أن تكتسب الدلالة المستعملة في زماننا. في الفصل الثاني يخبرنا ساند عن اكتشافه أن الكتّاب اليهود، وعلى مدار أكثر من ثمانية عشر قرنا لم يكتبوا تاريخا شاملا لماضيهم رغم قدم ديانتهم، ولم يظهر أي تاريخ لدينهم إلا في مطلع القرن الثامن عشر، كما أن بدايات كتابة التاريخ اليهودي في العصر الحديث لا تتسم بخطاب قومي واضح. فمفهوم "الأمة اليهودية" لم يبرز بصورة صريحة إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وذلك عندما بدؤوا يصوغون تاريخا قوميا باختراع فكرة أن اليهود قد وجدوا كشعب (أمة) وعلى نحو منفصل عن دينهم حيث صدرت في مدينة لايبزغ الألمانية في سنوات الخمسينيات من ذلك القرن المجلدات الأولى للمؤرخ هنريش غريتز تحت عنوان "تاريخ اليهود منذ العصور القديمة وحتى أيامنا هذه"، والذي ترك أثرا مهما على تشكّل الأيديولوجية الصهيونية ولعب دورا كبيرا في صقل الهوية القومية لليهود فيما بعد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق