السبت، 30 أبريل 2011

الولع بالنفاق ونظام حكم فاسد..تعقب الأخلاق الحميدة حتى صارت منكرا


لم يعد المصري يجزع من الكذب
 ولم يعد المصري يفزع من التهاون بحقوقه
 لابد من "مليونية " لتجديد أخلاقنا ومحاكمة من لوثوها


فمن أول يوم قامت فيه ثورة يوليو 1952 وحتى أمس ، ومصر في حالة مستمرة من الولع بالنفاق !! عشقته وأدمنته واستمرأته حتى أصبح إفطارها وغداءها وعشاءها اليومي ، من أول نشرة الأخبار التي ما أن تنتهي من أخبار كبار المسؤولين وتنقلاتهم واستقبالاتهم ، حتى تفر بمستمعها أو مشاهدها إلى زلازل اليابان والسفن الجانحة في المحيطات ، والقطارات المحترقة في شمالي أوربا ، و... لا خبر واحدا يهم المواطن أو يتحدث عن مشكلاته اليومية . 
 ومن أحاديث ( دينية) تُغرقِ في بيان تفاصيل فرعيات جزئيات أحكام قص الأظفار ، وطاعة الوالدين إذا كانا غير مسلميْن، وحُسنِ الجوار في مساكن ( ابنِ بيتك ) ، وجواز التضحية بالجدي الأحول ، والخروف الذي يعاني سعالا متصلا ، والتسامح مع الآخر والمحبة ، وتتجافى تماما عن أي كلمات تتعلق بالعدل أو الحرية أو المساواة أو الشورى أو تجريم الكذب العلني أو تجريم التعذيب والقهر .... وكأن الدِّين خِلْوٌ من كل تلك القضايا . ومن صحف موالسة ، إلى سينما بائسة ، إلى مسرح ساقط ، إلى جامعات مستأنسة ، إلى نظام تعليمي مخصيٍّ .. صارت كل مفردات حياة المصريين نفاقا متصلا ، وكذبا معتادا ، حتى تم للحاكمين ما أرادوا من ( تطبيع ) بين جرائم الكذب العلني ونفسيات الناس . 
فلم يعد المصري يجزع من الكذب ، ولم يعد المصري يفزع من التهاون بحقوقه ، بل يسَّر له سادته أن يرتكب جريمة الرشوة المجرَّمة شرعا وقانونا في وضح النهار !! وتركوا لأذنابهم من (مثقفي الحظيرة ) مهمة اصطناع لغة سهلة ناعمة الملمس تُيسِّر للناس ما تعسَّر من شؤون حياتهم ، وتقيهم وخز الضمير إذا ( نقح ) !! فاخترعوا للناس عبارات ( التسليك ) ( تمشية الحال ) ( المضطر يركب الصعب ) ( الكبير كبير ) ( المية ما تجريش في العالي) .... إلخ وصارت تلك الآيات الشيطانية بدائل لآيات القرآن الكريم ولصحاح الأحاديث التي تجرِّم هذا السلوك أو ذاك مما شاع وانتشر . 
 وقد كان الرئيس مبارك أشد ثلاثة الرؤساء ولعا بالكذب ، وإدمانا للتضليل ، وإغراقا في الكيد للناس والتنكيل بهم ، وتحدي أحلامهم ، ومطاردة أمنياتهم اليسيرة في أدنى لقمة عيش كريمة ، وملبس ومسكن يحفظ لهم إنسانيتهم ، فقد اختار لمعاونته أدنأ النفوس ، وتخير لعُلْيا المناصب أحطَّ المرشَّحين ، وبسط يد جهاز أمن الدولة شر بسط لينكِّل بكل معارض ، ويوقع بكل شريف . 
ووجد ممن حوله من يزينون له أفعاله ، ويمتدحون رجاله ، ويثنون على كل ما يفعله كأنه وحي يوحى . وكانت مقالات سمير رجب وممتاز القط وأمثالهما – مع برامج التلفزيون والإذاعة – أكثر إجراما مما يفعل التنفيذيون بدءا من الرئيس إلى أقل شاويش 
. كان الإعلام عدوا حقيقيا لشعب مصر ، ولو أن الأمر بيدي لأوقعت على كل من كتب ممجِّدا في قرار ظالم ، أو مدافعا عن توجه فاسد ، أحكاما بالسجن مدى الحياة . 
 واليوم ، ومصر تتحرك – ببطء – نحو مستقبل مشرق مأمول ، يجب أن تتغير أخلاق المصريين تماما ، وأرى أن هناك مظاهر عاجلة لا بد لها من أن تبدأ حالا في الظهور في أخلاقيات المصريين : 
 أولها : لا بد للجميع من التحلي بالشجاعة فلم يعد من حق قارئ لهذه الجريدة ( المصريون) أن يكتب تعليقا حادَّا يجرِّح فيه كاتبا أو أحدا غير الكاتب ، ثم يوقعه باسم وهمي ، فالذي يفعل ذلك يريد أن يخدع مَنْ ؟ يخدع من ينقده ؟ أم يخدع من لا تخفى عليه خافية سبحانه وتعالى؟ 
أم يظن أنه غير محاسب – في الآخرة إن كان يؤمن بها – عما يكتب ؟ وعلى كل رجل دين [ أرجو ألا يصحح لي أحد المعلقين ما كتبت ويرشدني إلى استعمال كلمة " عالم دين " فأنا أعي ما أكتب ] يُتاح لهم منبر للحديث أن يتحرى الصدق والأمانة بقدر ما يعلم وألا يحجب شيئا مما يؤمن به . ويجب على أولئك الفنيين المسؤولين عن نشر تعقيبات القراء في المواقع الألكترونية أن يتقوا الله في عملهم ولا ينشروا ما يعجبهم هم ، ويحجبوا ما يخالف معتقداتهم ، فهم مسؤولون – أمام الله إن كانوا يؤمنون بلقائه – عن كل صغيرة وكبيرة في عملهم . 
 ثانيها : لا بد لرجال الدعوة من البدء بأنفسهم : فإذا أراد داعية أن يخدم مجتمعه ويشده إلى ما يؤمن به ، فليكن قدوة حسنة ، بالأفعال لا بالكلام ، فأنا شخصيا أحمل حبا شديدا للشيخ الحويني وأتابع كتاباته وأحاديثه جهد الطاقة لأنني لم أسمعه يُقسم بالله إلا في مرات نادرة جدا لا تكاد تُذكَر بالقياس إلى آخرين يحلفون في نصف الساعة عشر مرات !!! ويبتسمون في تلطف ممقوت لمشاهدين ومشاهدات لا يرونهم زاعمين لهم – بأغلظ الأيمان – أنهم يحبونهم في الله !! في هزلٍ ممقوت. ويشهد الله أنني أحمل حبا شديدا للراحلين من المشايخ الكبار رحمهم الله : الباقوري ( لنصاعة لغته العربية وتفردها ) والغزالي ( لعبقرية فكره ) وعمر التلمساني ( لسلامة منهجه ورؤاه التربوية ) وكم أتمنى أن يحذو الدعاة الجدد حذو الأربعة الذين ذكرتهم فيكونوا قدوات حسنة لا أبواقا خشنة . 
 ثالثها : أن يتعلم الناس كيف يعذر بعضهم بعضا : إن التجهم والتشدد والعنف والتهديد وقطع صلات الأرحام ، وقطع التواصل الإنساني النبيل الخالي من المصالح ، كل تلك الأخلاقيات أثمرها نظام حكم فاسد ، تعقب الأخلاق الحميدة حتى صارت منكرا ، وأشاع تلك القيم الفاسدة حتى استحكمت في سلوكيات الناس ، فأصبحت ترى مئات الأطباء يمارسون الزور قولا ( في تقاريرهم الطبية) وعملا ( في ترقيعهم المغتصبات أو العاهرات) ، وأصبحت ترى أساتذة جامعات يسرقون المال العام ويزورون النتائج ، ويستحلون لأبنائهم ما يحرمونه على غيرهم ، وأصبحت ترى قضاة يقبلون خرق العدل بتعيين أبنائهم بتقدير ( مقبول) ويحرمون فقراء حصلوا على تقديرات ممتازة وجيدة جدا ثم يزعمون أنهم أهل العدل ، وأصبحت ترى صحافيين يعملون من الباطن في خدمة من يمولهم ويرشوهم ويتظاهرون بأنهم أحفظ الناس للأمانة .!! 

 د. مصطفى رجب

ليست هناك تعليقات: