عبدالرحمن يوسف يرد على الأسئلة الصعبة
– مقالة للكاتب والشاعر عبدالرحمن يوسف، بعنوان «من الوطني؟»، يحاول خلالها الرد على عدد من «الأسئلة الصعبة»، حيث جاءت المقالة كالتالي:
«يتهمنا دائما بعض الذين يحسبون أن الوطنية طنطنة وجعجعة وصراخا أننا لا نحب مصر !
أي والله … بلغت بهم الصفاقة أن يتهمونا نحن في وطنيتنا، لأننا ننتقد فساد رجالات الدولة، وننتقد انتهاكات حقوق الإنسان، ولأننا نرفض مباركة القتل والسحل والاغتصاب، ونرفض توريط مؤسسات الدولة في صراعات على السلطة، ونرفض أن تصبح مصر دولة بوليسية متخلفة … الخ الخ الخ، لذلك أصبحنا في نظر هؤلاء الجبابرة (بنكره مصر) !
هذه المقالة محاولة لإجابة السؤال الحقيقي الخطير
هل من الوطنية معارضة الجيش؟
من الوطني؟
نحن؟
أم هم؟
أسئلة صعبة !
وسائل الإعلام تنبح مثل كلب مسعور تطالب بالثأر، “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، مصطلح ستيناتي قديم (لعن الله من اخترعه ألف لعنة) !!!
نحن في حالة حرب على الإرهاب، فليخرس الجميع، ولكن معارضي الانقلاب استمروا في معارضتهم للحكم العسكري، وأصبح صوت المعارضين أعلى من صوت المعركة نفسها، واتضح للجميع مع مرور الوقت أن المعركة مع المعارضين، وليست مع الإرهاب، والدليل أن السجون امتلأت بمساجين لا علاقة لهم بالإرهاب من قريب أو بعيد، فتراهم طلبة وأطباء ومهندسين وأساتذة جامعة وغيرهم من الشرفاء.
إذن … فشلت الحرب على الإرهاب في إخراس المعارضين، لذلك رأينا بعدها حربا جديدة، فليخرس الجميع، إذا لم يقتنع الرأي العام بجدية “الحرب على الإرهاب”، فها هي حرب “حقيقية”، حرب بدأت بدماء مصرية بريئة، سالت ظلما وغدرا، وبأسلوب سينيمائي دراماتيكي مستفز.
هيــا بنا إلى ليبيــا !
الحمد لله … أنقذت التغيرات الإقليمية جيشنا من هذا المستنقع، ولكن هيهات، فهناك من يريد حربا بأي ثمن، حربا له فيها مآرب أخرى !
ويظل السؤال مطروحا
(هل معارضة الجيش عمل يخرج من يقوم به من دائرة الوطنية؟).
لكي نعرف إجابة هذا السؤال لا بد أن نعود عشرات السنين إلى الوراء، لكي نتخيل مصر في بداية الحقبة العسكرية، حين كانت الوطنية أن تطبل خلف أغوات السلطان ليرقصوا أمامه، وأن تغني اللحن النشاز الذي تعزفه جوقة القوادين في كل مكان، إنها وطنية “ارقص للقرد في دولته”، وطنية “إن كان لك عند الكلب حاجة”، وطنية “لو نزلت في بلد تعبد العجل حشّ وادّيله” !!!
هذا الوضع المقلوب الذي أدى إلى حرب اليمن (أعني حرب اليمن الأولى!!!) التي قتل فيها عشرات الآلاف من المصريين الذين لا يعلمون سببا واضحا حتى اليوم لمشاركتهم في تلك الحرب الملعونة، وهو ما أنهك الجيش، وأدى بالتالي إلى هزيمتنا العسكرية والسياسية والنفسية الساحقة في 5 يونيو 1967 (سميناها نكسة).
تلك الهزيمة التي قل أن تجد لها نظيرا في تاريخ البشرية !
في ذلك الوقت كان غالبية الذين يزعمون الوطنية يصفقون للسلطان،
ويمجدون الزعيم، ويُنَظِّمُ ذلك “الأوبريت” السخيف
مخابراته العسكرية بتوظيف الفنانين والكتّاب والإعلاميين !
*
من الـوطــني؟
من الذي يحب مصر إذا عدنا إلى عام 1963؟
الذين أشادوا بالقرار الثوري العظيم بدخول حرب اليمن؟
أم الذين وقفوا ضد “الهوجة” وقالوا إن هذا خطأ وعبث ولعب بمقدرات الوطن؟
من الوطني؟
الذين صفقوا وحرضوا الزعيم المزعوم لمواجهة إسرائيل وإلقاءها في البحر؟
أم الذين سبحوا ضد التيار وقالوا هذه معركة خاسرة، يخوضها جيش غير مدرب، في بيئة إقليمية غير مواتية؟ لأسباب غير موضوعية؟
من الوطني يا ناس؟؟؟
يا من تعبدون بقرة الجيش …
استمعوا إليَّ اليوم، وتذكروا قولي غدا، أقولها وأجري على الله، وربما تكون كلماتي تلك سببا في مزيد من الهجمات الإعلامية الحقيرة، أو المحاكمات العسكرية :
- إذا كنتم تحبون الجيش
فقفوا ضد هذه المغامرة غير المحسوبة التي لا تخدم سوى مجموعة من الكروش المتخمة بالدولارات في العواصم العربية أو في واشنطون أو تل أبيب !
- إذا كنتم تحبون الجيش
فاعلموا أن المعركة – من الناحية العسكرية – لا يمكن حسمها في أيام أو أسابيع ولا حتى شهور، بل هي معركة ستطول، وستكون زلزالا له توابعه خارج اليمن.
- إذا كنتم تحبون الجيش
فاعلموا أن هذا الجيش لا ينبغي أن يخرج من حدود أرضه إلا بموافقة وتكليف من برلمان (حقيقي لا كارتوني) يختاره الناس اختيارا مباشرا، أو بعد استفتاء شعبي صريح، ولمدة محدودة، في مهمة واضحة.
- إذا كنتم تحبون الجيش
فانظروا إلى الجيش الباكستاني الذي رفض أن يغرق في هذا المستنقع (برغم الإغراءات) لأنه مستنقع يستطيع أن يبتلع عشرة جيوش، تماما كما ابتلع جيشنا في الستينات.
- إذا كنتم تحبون الجيش – يا من تعبدون الجيش – فحافظوا عليه من هذه المهلكة !!!
أما إذا تحدث أحد عن المكاسب المادية فأقول له “لا يستقيم حب الجيش مع القبول بأن يموت جنودنا وهم يخوضون حروب الآخرين لأي غرض أو مكسب”!
ألا تستحون؟
كل هذه الإساءات لجيشنا الوطني وأنتم تزعمون حبه؟
ماذا كنتم ستفعلون لو كنتم تكرهونه؟
إجابة السؤال المطروح : الوطني الحقيقي هو من اعترض على حرب اليمن (الأولى!!!)، وهو من حذر من النكسة قبل وقوعها (في ستينيات القرن الماضي) … وللأسف … هناك من يحاول استنساخ أكثر لحظات الفشل والعار في تاريخنا، والوطني الحق … هو من يقف ضد هذا التيار قائلا (لا)، مهما كانت العواقب !
اللهم إني قد بلغت … اللهم فاشهد …!».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
..للقراء كامل الحرية فى التعبير عن آرائهم عن طريق التعليقات..
.. ولكن يمنع استخدام ألفاظ مسيئة أو السباب أو التعرض لحريات الآخرين.