قليلاً من العقل و إستيعاب دروس التاريخ
قبل أن تُحاكموا بيد الشعب الذى خرج من قمقمه
ولن يرجع لنقطة الصفر.
بعد نهاية البروفة التحضيرية . الثورة الحقيقة قادمة
كلما أصدر المجلس العسكرى قراراً أو نهج نهجاً، أتأكد أكثر فأكثر من إقتراب موعد الثورة المصرية!
ما حدث منذ 25 يناير و حتى الآن لا يعدو كونه بروفة تحضيرية لما سيحدث، وهى بالطبع لا ترقى لا على المستوى التنظيمى أوالدموى لما سيكون بالفعل، وهو ليس بعيداً بالمناسبة.
كانت البداية بالإستفتاء الدستورى المشبوه يوم 19 مارس، أو بمعنى أصح هو تاريخ لن ينساه التاريخ، فهو بداية شق صف الشعب الذى كان حتى ذلك الوقت كتلة واحدة تجمعت على نفس المبدأ و نفس الهدف، وكان من أروع نتائجه بروز الحدود الفاصلة والمميتة بين كتلة السلفيين و الإخوان من جهة و كتلة الليبراليين واليساريين و العلمانيين من جهة أخرى، وكانت نبرة التخوين بين الفصيلين هى الأعلى و الأوضح، بل الوحيدة، ثم حدثت الإنشقاقات والتكتلات ولعبة الكراسى الموسيقية، فإتحد السلفيين مع الإخوان، ثم إتحد الوفد مع الإخوان، ثم إنقلب الإخوان على السلفيين (وإن لم يتخذ هذا الإنقلاب شكل تجريحى وتخوينى كما حدث بين الكتلتين السابقتين) حينما تبينوا عددهم الهائل فى مليونية 29 يوليو، وهو بالمناسبة عدد زائف اذا وضعنا في الاعتبار أن معظمهم من الفلاحين و المهمشين الذين حشدوا بسيارات النقل من أماكنهم وحتى ميدان التحرير (نفس أسلوب الإخوان و تحديداً فى الإستفتاء الدستورى).
لا يمكن أن نغفل أبداً هذا اليوم الذى بدا و كأنه عرس للديمقراطية، وهو لم يكن سوى فخ نُسج ببراعة و و ذكاء شديدين و ورطة للشعب بأكمله، فقد كان بداية نغمة أن “نعم للإستقرار ونصرة الدين” و “لا للفجور والإنحلال وتعطيل عجلة الإنتاج و إلغاء للمادة الثانية من الدستور” و أنا هنا تحديداً لا أعلم على أى أساس كان هذا التصنيف؟! ثم أتبعها خلافات عميقة بين أنصار “الدستور أولاً” و أنصار “وما الحكم إلا لله” و “حرمانية الديمقراطية”، و إرتفعت نبرة وشوكة و ثقة المتأسلمين الذين كان من آخر صيحاتهم حرمانية محاكمة مبارك كما أفتى الجهبذ السلفى “محمود عامر”، و حتى تخيل الكثيرون أنهم الأغلبية الساحقة.
ثم حدث التسويف و المماطلة فى القبض على رموز النظام، وعندما تم القبض عليهم، كان التسويف فى المحاكمات، و تأجلت قضية مبارك بخصوص قتل المتظاهرين من شهر يونيو و حتى أغسطس دون أن نفهم لمصلحة من بالضبط كل هذا التسويف بعد ثورة عظيمة كهذه ومطالبات لا تكل بسرعة المحاكمات و القصاص ممن دمروا و نهبوا مصر، خاصة أن هذه القضية جزء يسيرمن مطالب الثورة، فجرائمه أكبر من هذا بكثير، فقد دأب على قتل شعب بأكمله على مدار ثلاثين عاما؟!
ثم حدث التسويف و المماطلة فى القبض على رموز النظام، وعندما تم القبض عليهم، كان التسويف فى المحاكمات، و تأجلت قضية مبارك بخصوص قتل المتظاهرين من شهر يونيو و حتى أغسطس دون أن نفهم لمصلحة من بالضبط كل هذا التسويف بعد ثورة عظيمة كهذه ومطالبات لا تكل بسرعة المحاكمات و القصاص ممن دمروا و نهبوا مصر، خاصة أن هذه القضية جزء يسيرمن مطالب الثورة، فجرائمه أكبر من هذا بكثير، فقد دأب على قتل شعب بأكمله على مدار ثلاثين عاما؟!
جاءت المحاكمات علنية بناء على طلب الشعب و تصديقاً للشفافية طبقاً للمبادىء الثورية و مستجدات المرحلة، وبالفعل تم بث حوالى ثلاث جلسات بدت فيها الكثير من الأخطاء مثل تجول علاء مبارك بحرية تامة خارج قاعة المحكمة، وعدم وجود قيد حول معصميه، ومنعه لأحد المصورين من تصوير أبيه، و إرتداء المخلوع بزة زرقاء اللون، و خبر دخول المخلوع غرفة المداولة ليس هذا وفقط ولكن أيضاً على قدميه، ثم إستلقائه على السرير الطبى قبيل دخوله قاعة المحكمة لزوم التمثيل و الإستعطاف (لم يُكذب المجلس العسكرى هذا الخبر حينما أعلنه بكل ثقة المحامى منتصر الزيات فى برنامج “هنا العاصمة” مع لميس الحديدى على قناة سى بى سى)، و علامات الثقة و السعادة البادية على أوجه المتهمين، ومصافحة مرؤسى حبيب العادلى له بكل إجلال وإحترام، وعلامة النصر التى أشار بها جمال مبارك لمؤيديه من قفص الإتهام، والسماح بدخول عدد ليس بالقليل من تلك الفئة المؤيدة حاملين صور المخلوع والمرفوعة فوق أعمدة خشبية تهتف باسمه داخل قاعة المحكمة فى حين تم منع الكثير من أسر الشهداء والمدعين بالحق المدنى من دخول القاعة، وإعتقال عدد من أسر الشهداء فى حين غض البصر عن مثيرى الشغب والعنف من مؤيديى السفاح!
كل ما سبق كانت مؤشرات لا يستهان بها للإستدلال و الوصول لنتائج خطيرة أهمها فقدان الشعب لمصداقية المحاكمات و مدى جدواها، ثم يأتى قرار منع البث، و من بعده جعل الجلسات سرية و منع حضور الصحفيين وبالتالى إلتقاط الصور ليؤكد ويرسخ ما يخشاه الشعب.
وتأتى جمعة 9 سبتمبر التى لم ينتفض فيها فقط ميدان التحرير، ولكنها كانت تظاهرة كبرى بحق إنطلقت من كل ربوع مصر، أتت سلمية رغم سخونتها، ذكرتنا جميعاً بربيع أيام الثورة، التى أذهلت العالم وألهمته، و تحديداً منذ 25 يناير وحتى 11 فبراير، كان اليوم جميلاً ومبشراً وناجحاً بعد ظهور الحجم الحقيقى للمتأسلمين بعد إحجامهم عن المشاركة بحجج واهية (قناة الجزيرة مباشر مصرالوحيدة التى كانت تبث التظاهرة لحظة بلحظة فى حين تجاهل الإعلام المصرى -كالعادة- هذا الحدث، و قد تم إغلاقها تارة بحجة أنها تزعج السكان وتارة بحجة أنها بدون ترخيص بعد أن أوقفت مصر منح التراخيص منذ فترة). ولكن كان نجاح المليونية إستفزازاً لأصحاب المصالح التى أتت الثورة لتقضى على مصالحهم، بل وجودهم.
كان خط سير الثوار معروفاً للجميع وليس سرياً، فقد كان معلناً قبلها على شبكات التواصل الإجتماعى من فيسبوك و تويتر، و بدأت مسيرتان فى الخامسة مساء، واحدة بإتجاه المجلس الأعلى للقضاء لمساندة القضاة فى المطالبة بإستقلال القضاء، والثانية لهدم السور الإستفزازى الذى يحيط بالسفارة الإسرائيلية، ولكن إنقلب اليوم رأساً على عقب بعد أن تحوله لتراشقات و مواجهات بالمولوتوف و الحجارة مع الأمن والشرطة بعد تحرشات عناصر مندسة بمديرية الأمن، و كذلك رد الشرطة العنيف على المتظاهرين مما أدى لحصيلة 5 قتلى و 1049 مصاب. بالمناسبة لم يسأل أحد عن العنف المفرط الذى انتهجه الأمن مع المتظاهرين، و تحطيم عساكر الأمن المركزى للرصيف المقابل لمديرية الأمن ليقذفوا به المتظاهرين مما أدى لرد فعل عنيف من الجهة الأخرى!
هدم السور الذى إستغرق قرابة أربع ساعات، و دخول المبنى و إقتحام السفارة كان تحت سمع وبصر ومباركة المجلس العسكرى والشرطة اللذان لم يحركا ساكناً. وهنا يأتى السؤال المُلح أين كنتم حينما كان ما يتم عمله “إنتهاكاً لإتفاقية جينيف و توريطاً لمصر و جعلها تبدو بمظهرمتخاذل و فاقداً للسيطرة”؟ أم أنه كان فخاً منصوباً سوف يتبعه تحقيقاً لمصالح أطراف عدة، وأن ما يحدث هو فصلاً آخر من كتاب سرى لا نعلم عنه شيئاً كما أتى على لسان الناشط الحقوقى “ناصر أمين”؟؟ وأن ما يدور فى الكواليس أكبر بكثير مما نراه و نعلمه.
لقد تجمعت فى ذلك اليوم مصالح كل القوى السابقة عدا الثورة و الثوار، والشعب الذى لا يُعمل عقله، و بتحليل بسيط ، نستطيع تبين أن ما حدث كان يصب مباشرة فى مصلحة إسرائيل التى ستتخذها ورقة ضغط لتعطيل أو على الأرجح إلغاء المطالبات المصرية بضرورة تعديل إتفاقية كامب ديفيد، وبخاصة زيادة أعداد القوات المتواجدة على الحدود، فتصبح سيناء عارية و مخترقة كما أرادوا دوماً، و يصب فى مصلحة الفلول وبقايا النظام التى تعمل بضراوة على تكريس كراهية الشعب للثورة و الثوار، وبالتالى رجوعهم لسُدة الحكم و تأمين مصالحهم، وأخيراً يصب فى مصلحة المجلس العسكرى لأن الناس سوف تتمسك بحكمه الذى كان مقرراً أن تنتهى مدته هذا الشهر، بجانب أن التحرير والتظاهرات سوف تصبح تاريخاً من الماضى ومستهجنة من الشعب الذى كره الثورة، وفى أول رد فعل أو بمعنى أصح ضربة لإرساء قواعد حكمه، تم تفعيل قانون الطوارىء الذى حكم البلاد بالحديد والنار ثلاثون عاماً وتوحشت به ومعه الداخلية، حتى بات فى كل بيت فى مصر ثأراً ضد أحد رجال الشرطة ممن أوقَف أو تعقَب أوعامل ظلماً وعدواناً وتعنتاً أحدنا لا لشىء سوى لفرض سيطرته و علاج عقده، و الذى أقر مؤخراً تمهيداً لإستخدامة ضد الثوار و ضرب الثورة فى مقتل، ذلك القانون الجائر الذى كان معطلاً تمهيداً لإلغاءه و تم تفعيله مؤخراً بحجة تطهير البلاد من البلطجية، لنعود ثانية من حيث بدأنا .. فما قامت الثورة من أجله ذهب أدراج سياسة المجلس العسكرى!
يجب على الجميع و أولهم القائمين على البلاد معرفة أن ما يحدث من تفريغ الثورة من محتواها و الإلتفاف حولها و تَعَمُد قتلها لن يمر بسهولة، و أنه إذا كان هناك قطاعاً كبيراً من الشعب مضحوكاً عليه بسبب تغييبه عن عمد مدة ثلاثين عاماً، أو جاهلاً بسبب تفشى الأمية فى عهد مبارك اللعين، فهناك أيضاً من العقلاء و الوطنيون الكثير، وأن الثورة الحقيقية قادمة لا محالة لكنها للأسف بفضلكم سوف تكون دموية و سوف تأتى على الأخضر واليابس، فقليلاً من العقل و إستيعاب دروس التاريخ قبل أن تُحاكموا بيد الشعب الذى خرج من قمقمه ولن يرجع لنقطة الصفر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
..للقراء كامل الحرية فى التعبير عن آرائهم عن طريق التعليقات..
.. ولكن يمنع استخدام ألفاظ مسيئة أو السباب أو التعرض لحريات الآخرين.