الثلاثاء، 31 ديسمبر 2013

لماذا لم ينتصر "الأسد" على الشعب السورى حتى الآن؟



هذه الثورة بدأت بإرادة ربانية
 وتُدار برعاية إلهية

 تمد رجالها بالقوة، وتثبت أقدامهم، 
فتحول دون سقوطها أو اضمحلالها، أو زوالها.




كتبت، وكتب غيرى عشرات المقالات، فى تحليل، وتنظير، وشرح الأسباب التى أدت إلى تأخير النصر على الطاغوت الأسدى. وفى جميع هذه المقالات، والكتابات السياسية، التحليلية، كان التركيز على الجوانب السلبية فى الثورة، وعلى أنها يتيمة، وحيدة فى هذا العالم الزاخر، والبحر المتلاطم الأمواج، الهائج، الثائر. 
ويا ما ندبنا حظنا العاثر، وبكينا بدموع حرى، لاهبة، وصرخنا بأعلى أصواتنا، حتى تردد صداه فى جنبات وديان الأرض كلها، نستنهض العالم النائم، والشعوب اللاهية العابثة.
ومن شدة قهرنا، ولوعة حسرتنا على مصابنا، وأحزاننا التى فاقت كل ما يتخيله الإنسان فى عمر الإنسان على هذه الأرض، أخذنا نفتك ببعضنا بعضًا، وننهش فى لحوم إخواننا وأصحابنا، ونخَوِن رجالاتنا ونساءنا العاملين فى ثورتنا، ونتهمهم بالخيانة، والعمالة لهذه الجهة أو تلك! وتم تسليط الأضواء على ضعف الثوار، وتشتتهم، وتمزقهم، وعلى الأخطاء التى يقعون فيها، وعلى تناقض المعارضة السياسية، وتعارض أفكارها وتصادمها مع بعضها البعض، وعلى تهلهل مواقفها، وسطحية تفكيرها، وهزالة خطواتها، وكثرة ترددها وحيرتها فى أمرها، وضعف إنتاجها! وكثير، وكثير من الانتقادات اللاذعة، والتهجمات الكاسحة التى وُجِهت إلى كل من يعمل فى حقل الثورة، سواء فى النشاط الإعلامى، أو الحراك الشعبى، أو فى الميدان العسكرى، أو فى العمل الإغاثى، أو فى المجال السياسى ضمن المجلس الوطنى أو الائتلاف الوطنى. حدث هذا، وأكثر من هذا، خلال ما يزيد على الألف يوم، والثورة تتقدم، وتتمدد، والعدو يتراجع، ويتقهقر، وينتقم من المدنيين الآمنين بشراسة، ووحشية، وهمجية لا نظير لها فى تاريخ البشرية منذ خُلِق آدم وحتى الآن! ...
ولم يسأل أحد من البشر، هذا السؤال المعاكس: طيب! لماذا لم ينتصر النظام الأسدى على الثورة؟
ولماذا لم يقض على الثوار، وعلى العصابات المسلحة المندسة حسب زعمه؟
ولماذا لم يتمكن من إخماد لهيب الثورة؟
ولماذا لم يتمكن من إطفاء جذوة الثورة؟
 ولماذا لم يستطع تصفية، واستئصال عناصر الثورة، ورجالاتها، ونسائها، وهو الذى ادعى إعلامه، وأبواقه، وزبانيته، حتى بما فيهم الكاهن الأكبر البوطى وحسون: أن الثوار ما هم إلا حثالة البشر، وشرذمة قليلون! وأنهم عما قليل، ليضمحلون، ويزولون، ويختفون! ومضى ثلاثة وثلاثون شهرًا ونيفًا، ولم يضمحلوا، ولم يزولوا، ولم يختفوا، بل زادوا وتكاثروا! لماذا؟!
 والنظام الأسدى يملك كل مقومات وعناصر الانتصار المادية، والإدارية، والتنظيمية، والعسكرية، والإعلامية؟!
 يملك جيشًا جرارًا، قوامه أكثر من نصف مليون مخلوق، ما بين الجيش، والشرطة، والمخابرات، والشبيحة! ويمتلك أسلحة رهيبة، فائقة القوة ما بين دبابات، ودروع، وصواريخ، وطائرات، ورشاشات، وكميات هائلة وضخمة من جميع أنواع الأسلحة، ذات الكفاءة العالية فى التدمير والقتل والتخريب، وغيرها، وغيرها مما يصعب على مثلى إحصاؤها، وتعدادها! وتعاونه، وتسانده، وتآزره، وتدعمه جيوش جبارة، وقوى عالمية وإقليمية ومحلية فتاكة، ودول عظمى، وكبرى، وصغرى، بعضها يعلن ذلك جهارًا، نهارًا، وأخرى سرًا، وخفية! فإذا كان النظام الأسدى بما يمتلك من قوة جبارة، وبما يمارس من جرأة متناهية، فى القتل والذبح، والسلخ، لا يضاهيه أى نظام مر على وجه الكرة الأرضية قديما أو حديثًا! ومع هذا لم يستطع أن يسحق هذه الثورة، أو على الأقل يُضعِفُ من لهيبها، أو يحصرها فى منطقة ضيقة! وجاءت جيوش الدنيا كلها تسانده، وتعاضده، وتحارب معه بما تمتلك من إمكانيات وخبرات هائلة من التفنن فى القتل والذبح، وقادرة على أن تُبيدَ شعوبًا كاملة من على وجه البسيطة! ومع هذا وذاك لم يتحقق الحلم الكبير بالقضاء على الثورة! لماذا؟ ثم لماذا؟
 ●أولًا- لأن هذه الثورة بدأت بإرادة ربانية، وتُدار برعاية إلهية، تمد رجالها بالقوة، وتثبت أقدامهم، فتحول دون سقوطها أو اضمحلالها، أو زوالها. 
 وهنا قد يتفزلك، ويتفلسف مرضى القلوب، ويقولون مستنكرين، ومعترضين، وبتحدٍ: إذا كان هذا إلهكم الذى يرعى هذه الثورة، فلماذا لم ينصرها ويخفف على الناس معاناتهم؟! نقول: إن الناموس الإلهى فى هذا الكون قضى أن يتحقق النصر من خلال عمل العبيد، وليس من خلال رب العبيد! لماذا؟ ليمتحنهم، ويبتليهم، فيثيب المؤمنين، الصادقين، المجاهدين، ويعاقب المتخاذلين، والكفرة المجرمين، وهذا هو الغرض الأساسى من الحياة، (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) (تبارك: 2). 
 (وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَ‌ٰحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَٰكُمْ) (المائدة: 48). (وَلَوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَا بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَٰلَهُمْ) (محمد: 4).
 ●ثانيًا- لأن الشعب السورى أصيل، عنيد، يمكن أن ينام فترة من الزمن، ولكن إذا استيقظ، يثور! وإذا ثار يحطم القيود، ويكسر الأغلال، ويدمر أركان الطغيان والاستعباد، ولا يرجع إلى العبودية مرة ثانية، ولو تقطعت رقابه تقطيعًا! فهو إما ينتصر أو يموت عزيزًا كريمًا، شهيدًا، شاهدًا على ظلم الطغاة وبغيهم! علمًا بأننا لا نبرئ هذا الشعب العظيم، من أنه يحتوى على أفراد سيئين، وأفراد استغلوا الثورة ليكونوا أمراء الحرب، ويثروا على حساب الضعفاء والمساكين، ويسرقوا وينهبوا المساعدات، ويبعونها لحسابهم، حارمين المحتاجين، وبعضهم يخون البعض الآخر، ويفشى أسراره! ومع هذا، لم ينتصر الأسد!. .