الجمعة، 15 يونيو 2012

من حياة المناضلات العربيات.."سيدة الخبز الأولى" بالسعودية


أكثر من 30 عاما و"بحــرية" تجمع بقايا الخبز لتجففه لإعادة بيعه لمربي الماشية
تستحق أن تكون بين مصاف المكرمين 
في يوم المرأة العالمي. 
تتحدث معك بلغة "الأمل والتفاؤل"
 بشمس يوم جديد، وتقاوم نوائب الدهر 
 بهـــــــذه الروح التي لا تعــــــرف الانكســـار


تعكف "بحرية" - وهي في عمر جاوز سبعين خريفا- على حياتها المهنية في تجميع "بقايا الخبز الجاف"، التي بدأتها منذ أوائل الثمانينيات لتحصل على أرفع الأوسمة الشعبية وتصبح "سيدة الخبز الأولى" في السعودية، بخبرة تراكمية تجاوزت ثلاثة عقود من العمل المتواصل. لم تسأم السيدة العجوز "بحرية بن كبيش" من قسوة الحياة التي قضتها وهي تكافح شظف العيش وسط أمواج متلاطمة من ظروف الزمان القاسي. تعمل في "عشة" صغيرة لا تتجاوز مساحتها مترا مربعا. تتجلى مشكلة هذه المرأة أكثر على خلفية أنها موجودة في بلد يُعتبر أكبر المنتجين للنفط في العالم.
سيدة الخبز الأولى لا تهتم بأخبار الساسة العرب وما يجري على الساحة الدولية من صراعات الكبار وتحالفات القوى السياسية، فأكبر آمالها لقيمات تقيها هي وأبناءها سؤال الناس. بحرية لا تهتم بأخبار الساسة العرب وما يجري على الساحة الدولية من صراعات (الجزيرة نت) تخرج في الساعات الباكرة كل صباح وهي تترنم بأبيات شعر من قريتها الصغيرة "صلهبة" الواقعة بجنوب السعودية في رحلة وجدانية 
"في رحلة الصبح نحو الرزق في عجل ** وفي الرواح مع الآفاق تحْنان".

بين بقـــــــايا الخبـــــــــز


حينما تنوي الالتقاء بمناضلة الخبز المجفف "بحرية"، فعليك أن تتجه إلى الطرف الأقصى من المدينة الساحلية جدة الواقعة على منتصف الساحل الشرقي للبحر الأحمر، وتحديدا صوب سوق الأنعام المركزي في منطقة تسمى "الخمرة". 
فإذا وصلت إلى هناك، اسأل مباشرة عن "بحرية". ستجدها في قسم الأعلاف، إما جالسة في "عشتها" الصغيرة التي تمثل مركز شركتها العائلية ورأس مالها التجاري، أو تقوم بمساعدة ابنيها علي وخليل في تجفيف "خبزها" الذي تلم شعثه من بقايا مراكز بيع الخبز تحت لسعات الشمس، تمهيدا لبيعه لمربي الماشية بسعر لا يتجاوز تسعة ريالات (2.5 دولار) للكيس الواحد.
ورغم أن قواها قد وهنت، فإنك تستطيع التقاط ما يمكنك أن تفهمه ولو بصعوبة من بين كلماتها "لتقدم عمرها".
ستجد نفسك أمام سيرة حياتها المكافحة والأسطورية التي تستحق كل جهد لتسجيلها في سفر التاريخ، كجزء من حياة المناضلات العربيات. من حولها تسمع همسات وأحاديث العاملين الجانبية في سوق الماشية بأنها تستحق أن تكون بين مصاف المكرمين في يوم المرأة العالمي.

تكـــــــــريم ومطـــــــالب
في قسم الأعلاف بسوق الأنعام، تجد بحرية جالسة بعشتها أو تقوم بتجفيف خبزها (الجزيرة نت) لم تحصل من وزارة العمل في بلدها على أي تكريم أو تقدير يشعرها بالفخر، رغم تشكيلها نموذجا في العمل النسائي الذي لا يرتهن لرغبة أصحاب العمل، وتطبيقها لنموذج المشروع الحر.
لكن وزارة العمل لم تكن وحدها هي التي تجاهلت نضال "بحرية"، بعد أن صدمتها وزارة الشؤون الاجتماعية بقطع الضمان الاجتماعي الذي كان يصرف لها (250 دولارا) بحجة أن لديها سجلا تجاريا، وهو السجل الذي أجبرتها الظروف على إخراجه لتيسير عملها الحالي في سوق الأنعام المركزي، وهو لا يمثل أكثر من رخصة لمزاولة العمل.
ارتفاع ضغط الدم، وارتفاع نسبة الدهون في العين، مع مياه زرقاء أضرت بقوة الإبصار، لم تمنع بحرية من الاستمرار في العمل الذي يبدأ من الخامسة فجرا حتى السادسة مساء كل يوم دون الاستمتاع بيوم إجازة واحد. تتحدث معك بلغة "الأمل والتفاؤل" بشمس يوم جديد، وتقاوم نوائب الدهر بهذه الروح التي لا تعرف الانكسار. ترفض الحديث أو الظهور في القنوات الفضائية رغم العروض التي انهالت عليها، لعرض مشكلتها أمام الرأي العام لمساعدتها وإبلاغ صوتها للمسؤولين عن مشاكلها الحياتية، "لعزة نفسها وكرامتها". مطلبان فقط، تكررهما بحرية بين فينة وأخرى ولا تريد غيرهما في دنيتها الفانية هذه أولهما عودة إعانة الضمان الاجتماعي لها بعد انقطاعه سنتين، وثانيهما سرعة إنجاز معاملات أبنائها لحصولهم على الجنسية السعودية من جهة أمهم، بعد هجر زوجها اليمني لها منذ أكثر من عشرين عاما، وخروجه من البلد بلا عودة إبان أزمة الخليج الثانية عام 1991.

ليست هناك تعليقات: