السبت، 12 مايو 2012

حكايات من أولاد البلد الغلابة جدعان بولاق أبوالعلا .. فيديو



أحزان «جدعان» بولاق! 
 أهالي بولاق قادة ثورة القاهرة الثانية 
 حلم المستثمرين العمالقة الطامعين فيما يسمي بمثلث ماسبيرو



علي أصوات الثوار في ميدان التحرير فتح «محمد» عينيه، خرج من وسط البيوت المتهالكة في الحي العريق.. أخذ نفساً عميقاً وصرخ بروح جده «البشتيلي» ارحل.. والشعب يريد.. خرج «الجدعان» أفواجا ببركة «السلطان» وتنفست الحواري والشوارع الضيقة نسيم الربيع في أواخر يناير.. هبت في نفوس الغلابة روح ثورة القاهرة الثانية.. أيام جدود الجدود.. حاربوا «الفرنسوية» واستشهد الأبطال بمدافع كليبر.. كما استشهد محمد وأصحابه برصاص مبارك. 
عاشت بولاق أبوالعلا ميلاد الثورات وكان أهلها صناعاً للحريات وأبطالاً للمقاومة لم يهزمهم سوي الفقر الذي كان شريكا أساسيا في عصر «المخلوع». حارب البولاقيون مشروع «القاهرة الكبري 2050» لأنهم اشتموا رائحة الطامعين من أصحاب السيجار في اليد المزدانة بالساعات الذهبية والياقات المعطرة ببارفانات باريسية لكنهم فتحوا صدورهم للموت في سبيل مشروع «مصر الحرة 2011». 
قالوا علينا بلطجية وإحنا تاريخ الوطنية هكذا هب أهالي بولاق أبوالعلا يهتفون ضد اتهامهم بالتعدي علي المتظاهرين أيام اشتعال ثورة يناير، خرج شباب الحي العريق ليؤكدوا أمام الجميع وقوفهم بشدة ضد محاولات إلصاق أعمال العنف تجاه الثوار بالميدان وأمام ماسبيرو، كان من بين الثائرين «هاني السايس» الذي اجتهد في تنظيم وقوف السيارات بالتوازي مع رصيف كورنيش النيل يمسح عرقاً تساقط من فوق جبينه، وقال في حماس ممزوج بالغضب: 
إحنا جدعان بولاق.. طلعنا من بيوتنا وجرينا في الميدان وقلنا للظلم لأ ومات مننا شباب زي الورد واتصاب كتير. حاولت تهدئته قائلا: هذا الكلام تردد حينما حدثت اشتباكات أمام ماسبيرو وأذاع التليفزيون وقتها أن أهالي بولاق يعتدون علي المعتصمين لكننا نعلم جيدا تاريخ بولاق فلا تغضب وكلنا مصريون. وضع الشاب فوطة صفراء علي رأسه يحميها من حرارة الشمس أو من انفجار الغضب بداخله.. «إحنا عملنا لجان شعبية لحماية الثوار وقمنا بحماية موظفي التليفزيون من اعتداء ناس غريبة متسلطة عليهم.. أشاح الرجل بوجهه وقال: انتوا مابتقروش تاريخ؟!



بدت كلماته وكأنها تعيد حكايات وروايات الجبرتي عن دور أهالي بولاق أبو العلا من جديد في إشعال ثورة القاهرة الذي كشف عن معدن أهل البلد الأصيل الذين ثاروا وحاربوا وقاوموا بالنبابيت والعصي وقليل من البنادق في مواجهة أحدث الأسلحة وقتها في يد عسكر نابليون قائد الحملة الفرنسية والذي فطن منذ أن جاء إلي القاهرة في عام 1798 إلي أهمية موقع بولاق فهي نقطة الانطلاق إلي الوجه البحري كله، فمهد الأرض بخط مستقيم من الأزبكية إلي بولاق بطول 1200 متر من قنطرة المغربي إلي بولاق ثم ينقسم إلي قسمين أحدهما إلي طريق أبوالعلا والثاني يذهب إلي جهة التبانة وساحل النيل.. وأقام الفرنسيون محاجر صحية بجزيرة بولاق، كما أقاموا بها طابية «رنزلو» وسبتزر وكونرو لاكتشافهم الأهمية الحربية لبولاق، كما وضعوا علي نيل بولاق قاعدة بحرية للأسطول الفرنسي، ويؤكد الجبرتي أن أهالي بولاق هم قادة ثورة القاهرة الثانية وكذلك الرافعي، بل شهد بذلك قادة الحملة الفرنسية أنفسهم وذلك في 20 مارس عام 1800 من القرن 19، وكان من زعماء الثورة السيد عمر مكرم والسيد أحمد المحروقي كبير التجار، وفي ذلك قال الجبرتي: أما بولاق فإنها قامت علي ساق واحدة بزعامة مصطفي البشتيلي من أعيان بولاق وحمل وقتها الأهالي السيوف والبنادق والرماح والعصي واتجهوا صوب قلعة كامان عند قنطرة الليمون أو كوبري الليمون لاقتحامها والاستيلاء علي ما بها من أسلحة فرنسية وفوجئ «كليبر» بحصون أقامها أهالي بولاق محل الوكالات والمخازن وسيطروا علي الملاحة في النيل ودفع الأهالي ثمن مقاومة المحتل من دمائهم حينما دمرها الفرنسيون وخربوا بيوتهم واستشهد عدد كبير من النساء والأطفال تحت الأنقاض مثلما وصف «مسيو جالان» مؤرخ الثورة الفرنسية، ويقال إن المذابح التي ارتكبها كليبر تجاه أهالي بولاق كانت سببا مهما في قتله علي يد سليمان الحلبي.



 عندما تنطلق إلي حي بولاق أبوالعلا من كورنيش النيل تري النيل بمنظره الساحر والمباني الشاهقة كمركز التجارة العالمي والمركز الرئيسي للبنك الأهلي والمول التجاري الشهير وبرجين يعلوهما أربع قباب تخفي خلفها حيا ينطوي علي حكايات أصحابه من أولاد البلد «الغلابة»، فهل هي البحيرة الجميلة اي «بو» «لاك» بالفرنسية.. أم هي السفينة الغارقة التي علت فوقها مياه النيل وطميه وتكونت فوقها الأرض التي يعيش فوقها الآن أكثر من 4 آلاف أسرة علي حوالي 72 فدانا.. هل هي حلم المستثمرين العمالقة الطامعين فيما يسمي بمثلث ماسبيرو لينطلقوا بها نحو «العالمية» وهذا بالضبط هو المشروع الذي تبنته حكومات نظام مبارك في بولاق جديدة عام 2050، حيث سارت أحلام كبار رجال الأعمال تستقوي بمخاوف آلاف الأسر القاطنين بيوتًا قالوا وقتها إن 90٪ منها آيل للسقوط. وكأنه حق يراد به باطل، فمساحات البيوت هنا تتراوح بين 10 و20 و30 مترا في نمط إسكاني غريب يقطن فيها أكثر من 5 أسر في شقة واحدة ويستعملون دورة مياه واحدة ويصعدون علي سلالم متهالكة تسقط بأطفالهم كثيرًا.. في حارات كالعدوية وسيدي سعيد والبوابة.. وبقايا من ربع الرز.. درب الجمالة والجلاويش والحارة التي تضم مقام «سيدي الاخرس» التي تبدو كأنها منحت السكان نصيبا من اسم صاحب المقام.. فقاطعوا الكلام عن أحوالهم وعلي رأي الست فاطمة: «اللي مايشوفش م الغربال يبقي أعمي» قالت هذا متهكمة علي سؤالي لها عن أحوالها وهي التي رغم كل ذلك تود أن تموت في حجرتها الضيقة محتضنة أطفالها اليتامي خير من أن ينتزعوها من أحضان حارتها ليلقوا بها في صحراء 6 أكتوبر كما يقول «الناس الكبار» علي حد تعبيرها. لكن عم محمد نعمان الذي ولد هنا في «العدلية» لأب وجد من أهالي بولاق تكلم كثيرا عن الأحوال التي لم تعجبه بعد الثورة والبلطجية الذين انتشروا وبات علي كل شخص أن يحرس بيته وحارته قال الحاج نعمان: 
والله كنت أزور سيدي سعيد ودعوته أن يرد الأمان لمصر ويكمل ثورتها بالنجاح لأننا دفعنا دماء خيرة شبابنا من أجل أن يتولي الأصلح.. ثم قطع الرجل حديث السياسة قائلا: كان فيه زمان أبيار نتوضي منها وتشفي أي مريض لأنه من أهل الرسول- ثم عاد ليقول: «البلطجية كانوا زمان والسادات هد عشش الترجمان ليطهر بولاق ممن أساءوا إليها بتوع المخدرات والدعارة الله لا يرجعهم لكن للأسف حاليا فيه شوية حرامية وعاملين نفسهم فتوات لكن الفتوات كانوا زمان أيام حسن يم وإبراهيم كروم.. وبصراحة أوضاع البلد حاليا خلت الصنايعي قاعد من غير شغل والبلطجي هو اللي ماشي!! 
المحلات بتتسرق في عز الضهر. تذكر كتب التاريخ ان العصر الذهبي لبولاق بدأ مع محمد علي باشا عندما أمر بشق الطريق «الساحر» بين القاهرة وضاحية بولاق حيث انشأ والي مصر دارا لصناعة السفن عندما كان يعد لإرسال الحملة الوهابية واستلزم ذلك إنشاء أسطول قوي لمصر في البحر الأحمر فتحولت المنطقة إلي الصناعة وأنشئت المسابك والمصانع في «السبتية» وفيما بين بولاق وشبرا علي ساحل النيل أقيمت الورش الكبري والمطبعة الأميرية ودار الصناعة الكبري وأصبحت بولاق ثغر القاهرة في الشمال وأنشئت أول دار للطباعة في الشرق ومصنع للورق وتحولت بولاق والسبتية إلي منطقة صناعية فيها مسابك الحديد ومصانع الأقمشة وورش النجارة والحدادة وبقي من هذه الصورة الآن تجارة الخردة والحدايد التي تكسو الأرض بالصبغة السوداء لتتشابه مع وجوه الصنايعية من الشباب والأطفال التي اصطبغت بنفس اللون لتخفي ملامح الشقاء في عز الحر. المشهد يختلف تماما من ناحية شارع 26 يوليو الذي سمي بهذا الاسم بعد ثورة يوليو بعد أن كان اسمه شارع فؤاد الأول وهو الشارع الممتد من حديقة الأزبكية إلي ميت عقبة مخترقا حي بولاق أبوالعلا إلي جزيرة الزمالك عبر كوبري أبوالعلا قديما ثم كوبري الزمالك إلي نهاية سور نادي الترسانة يمينا والزمالك يسارا ليبدأ بعده محور 26 يوليو الذي يمتد ليصل إلي طريق القاهرة- الاسكندرية.. ومن شارع 26 يوليو تجد مبني «الإسعاف» وكانت محلات «البوظة» تنتشر في هذه المنطقة حتي منتصف القرن العشرين. 
 وإذا واصلت سيرك في شارع 26 يوليو من هذا الاتجاه تجد علي عينيك مستشفي الجلاء للولادة التي يصر سكان بولاق علي أن اسمه «مستشفي فاروق» وهو الذي يحمل أوجاع النساء في مراحل حملهن الأخيرة ليضعن مواليد هنا في قلب المستشفي النسائي الأشهر في مصر. معارك شارع 26 يوليو تغير كثيرا بعد ثورة يناير وكست بضائع الباعة الجائلين الأرصفة وامتدت إلي منتصف الطريق وشكل هؤلاء مع عربات الميكروباص لوحة للفوضي حولت الشارع لعقدة مرورية مزمنة وكثيرا ما يشهد الشارع نشوب الشجار بين الباعة بعضهم البعض، ولعل ما حدث منذ شهرين تقريبا كان أشبه بحرب حقيقية حينما اشتبك الباعة مع رجال الأمن في معارك استمرت لساعات طويلة وأشعلوا قطارات السيارات وهددوا أمن المنطقة بالكامل وأصيب العديد من المحلات بالتلفيات.. هذا اليوم مازال عالقا في ذهن الحاج توفيق الفطاطري الذي جلس علي كرسي عتيق مثل دكانه وجلس يراقب حالة التوهان التي يؤكد أنها أصابت الجميع الآن.. الدكان مفتوح لكن لا أثر لنار أو فطير. خلاص بطلنا شغل وقعدنا بعدما موتوا الشعب.. وبغضب شديد اكتسي به وجهه: الجدع كان واقف يا ولداه بيعمل الفطير ويشوف أكل عيشه جتله الطلقة في صدره من ولاد الحرام.. من ساعتها وأنا قاعد مش عاوز اشتغل كان صغير واسمه حسن وعنده 4 عيال «كوم لحم» ولا صرفوا حاجة ولا غيره وراح الواد في شربة مية وأنا قرفت والشارع زي ما أنت شايفة اللي عاوز حاجة بيعملها لا فيه ظبط ولا ربط...

..

ليست هناك تعليقات: